صفحة الكاتب : شعيب العاملي

الإمام الغضوب.. في ذات الله!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
قال الإمام الصادق عليه السلام: الغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ (الزهد27).
 
وقد وافَقَ هذا المعنى ما في مزامير داوود من الكتاب المقدّس: كُفَّ عَنِ الغَضَبِ، وَاتْرُكِ السَّخَطَ (المزامير37: 8)، فإنَّ النهي عن الغضب غالباً ما يكون لارتباطه بالشرّ.
وفي محلٍّ آخر من الكتاب المقدس: لاَ تُسْرِعْ بِرُوحِكَ إِلَى الغَضَبِ، لأَنَّ الغَضَبَ يَسْتَقِرُّ فِي حِضْنِ الجُهَّالِ (الجامعة7: 9).
 
هي كلماتٌ تتكرر عند أصحاب الأديان السماوية، تنهى عن المسارعة للغضب، وتأمر بالكفّ عنه، وتبيّن مساوئه حيث صار مفتاح كلّ شر..
 
والشرُّور في هذه الدُّنيا كثيرة: كالقتل.. والبغضاء.. والحسد.. والفحش.. والشماتة.. والعصبية.. وغيرها من الصفات الذميمة.. وكلُّها مما قد يؤدي إليها الغضب.. فهو مفتاح (كلّ شر)..
 
إذا كان الامر كذلك..
 
فما هي حقيقة الغضب؟ ولماذا صار مفتاح كلّ شر؟
وهل نَهيُ الأديان عنه نهيٌ مطلق؟ فيشمل كلّ أنواعه وصوره وحالاته؟
أم أن الغضب ينقسم إلى غضبٍ سيء مذمومٍ وآخر حسن ممدوح؟
 
ثمَّ ما هو حال الكُمَّل من أنبياء الله ورسله؟ وأوصيائهم.. وعموم المؤمنين؟
هل يُتصوّر صدور الغضب منهم فيكون حقّاً؟ أم ينبغي أن ينزّهوا أنفسهم عنه لأنّه أصل الشرور؟!
 
وما هو موقف هذه الأديان مما تضمّنته كتبها من نسبة الغضب لله تعالى؟ فكيف يوصف الإله العظيم المنزّه عن صفات البشر بالغضب؟ والغضب صفة نفسانية ذميمة عند الناس، ألا يدل هذا على مشابهة الله لخلقه؟
 
فههنا محاور ثلاثة:
 
المحور الأول: لماذا صار الغضب مذموماً؟
المحور الثاني: هل يغضب النبيّ والإمام؟ وكيف يفسر موقفهم؟
المحور الثالث: كيف يغضب الله تعالى وهو منزه عن صفات المخلوقين؟
 
المحور الأول: لماذا صار الغضب مفتاح كلّ شر؟
 
لقد تقدم في الأبحاث السابقة أنَّ إبليس حَسَدَ آدم على ما آتاه الله، عندما أمره بالسجود له، وقد كان السجود له تعظيماً للأنوار التي جعلها الله فيه، وجعله وعاءً لها..
 
لكن الحسد لم يكن السبب الوحيد الذي دعا إبليس إلى التمرد على أمر الله، فإن الغضب كان قريناً للحسد في منعه من السجود، وعصيانه أمر الله تعالى، فعن الصادق عليه السلام:
إِنَّ إِبْلِيسَ كَانَ مَعَ المَلَائِكَةِ، وَكَانَتِ المَلَائِكَةُ تَحْسَبُ أَنَّهُ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِي عِلْمِ الله أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا أُمِرَ بِالسُّجُودِ لآِدَمَ حَمِيَ وَغَضِبَ، فَأَخْرَجَ الله مَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِالحَمِيَّةِ وَالغَضَبِ (الزهد27).
 
الغضبُ إذاً صفة شيطانية.. جمَرةٌ يشعلها إبليس اللعين ويوقدها في قلب ابن آدم، فتحرق صاحبها قلباً وقالباً.. تحرق نفسه الطيبة، فتخرجها من الحقّ إلى الباطل، وتحرق جسمه برفع مستوى التوتر الذي يصيبه.. وكثير الغضب لا يأنس في حياته.. فلا يألف ولا يؤلف..
 
وإبليس هذا لغضبه وحسده قد عصى جبار السماوات والأرض، وأيُّ شرٍّ وسوء أعظم من هذا؟
 
عن الباقر عليه السلام: إِنَّ هَذَا الْغَضَب‏ جَمْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، تُوقَدُ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا غَضِبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِيه (الكافي ج2 ص305).‏
 
لقد صار الغضب إذاً باباً من أبواب إبليس، يدخل منه إلى ابن آدم.. فهو عدوُّنا الذي يتسلط علينا بأساليبه الماكرة.. وأحد طرق تسلُّله هذا الغضب.. وإذا ما تسلل إلينا به صار مفهوماً قول رسول الله صلى الله عليه وآله: الغَضَبُ يُفْسِدُ الإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ (الكافي ج‏2 ص302).
 
فإذا كان إبليس عدو الله وعدو المؤمنين يحاربهم في إيمانهم، وإذا كان الغضب باباً من أبوابه، لم يكن غريباً أن يفسُدَ الإيمانُ كلما وجدَ عدوُّه موطئاً له في نفس الإنسان، فأفسد حلاوة الإيمان بخبثه وسوء نيته..
 
ولما كان الإنسان مترابط الجهات والأجزاء، أثَّر الغضب على قلبه وعقله، كما أثَّرَ على جسده، حتى قال أَبُو عَبْدِ الله الصادق عليه السلام: الغَضَبُ مَمْحَقَةٌ لِقَلْبِ الحَكِيمِ.
وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَمْلِكْ غَضَبَهُ لَمْ يَمْلِكْ عَقْلَهُ (الكافي ج‏2 ص305).
 
لقد صار الغضب إذاً سلاحاً فتاكاً في يد إبليس.. يمحقُ به قلبَ الحكيم، ويسلب من العاقل قدرته على التصرف وفق تقديرات عقله.
فينتقل الإنسان بالغضب من حال إلى آخر.. ويفقد الحكيم حكمته.. والعاقل تعقُّله.
 
المحور الثاني: هل يغضب النبيّ والإمام؟ وكيف يفسر موقفهم؟
 
إذا كان الغضب ذميماً إلى هذا الحد وأصلاً للشرور، فكيف يُنسَبُ للأنبياء والأولياء؟
 
لقد ورد في معاجم اللغة أن الغضب: أصلٌ صحيح يدلُّ على شدَّة وقُوّة، يقال: إنَّ الغَضْبة: الصَّخرة الصُّلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب، لأنَّه اشتدادُ السُّخط (معجم مقاييس اللغة ج‏4 ص428).
فهل يمكن وصفُ رسول الإنسانية صلى الله عليه وآله بالغضب؟ وهل يمكن وصف الإمام الذي يمثل خلافة الله على الأرض بالغضب؟!
 
ههنا ميزانٌ تُدفَعُ به كل شبهة.. وهو كلام المعصوم عليه السلام.. حينما يُبَيِّن أنّ الغضب بمعنى القوة والشدة ليس مذموماً على إطلاقه، إنما يصير مذموماً لمّا يكون غضباً للنفس أو الهوى أو العصبية.. غضباً للباطل ينتزع الإنسان من نعيم الحق، ويرمي به في حظيرة الباطل.. حينها يكون الغضب مذموماً عقلاً ونقلاً..
 
قَالَ رَسُولُ الله (ص): ثَلَاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ اسْتَكْمَلَ خِصَالَ الإِيمَانِ:
1. إِذَا رَضِيَ لَمْ يُدْخِلْهُ رِضَاهُ فِي بَاطِلٍ.
2. وَإِذَا غَضِبَ لَمْ يُخْرِجْهُ الغَضَبُ مِنَ الحَقِّ.
3. وَإِذَا قَدَرَ لَمْ يَتَعَاطَ مَا لَيْسَ لَهُ (الكافي ج‏2 ص239).
 
قد يكون الرضا إذاً أسوأ من الغضب، إذا ما أخرج الإنسانَ من حقٍّ إلى باطل، كالراضي عن الأوائل ظُلّام آل محمد، فيدخله رضاه في الضلال والانحراف، والبعد عن أئمة الحق.. وإذا غضب وتعصَّبَ كان تعصبه للباطل، فيصير مفتاحاً لكل شر..
 
لقد اتفقت الأديان السماوية على هذا المعنى، أما الإسلام فموقفه واضحٌ، وأمّا النصرانية، فلما ورد في الإنجيل: اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ (الرسالة إلى أهل أفسس 4: 26).
 
فكيف ينهى التوراة عن الغضب ويأمر به الإنجيل؟ وهما عند النصارى من الكتب مقدسة؟
 
إنَّ الغضب المذموم هو المخرج من الحق للباطل، والغضب الممدوح هو الغضب للحق.. كما كان التعصب لخصال الحمد حسناً، ولغيرها قبيحاً.
يجمع هذا الأمر عنوانٌ سامٍ رفيعٍ، ينقل الغضوب إلى مراتب القرب من الله تعالى، حينما يكون غضبه لله عز وجل، لا للباطل..
 
عن الباقر عليه السلام:
مَنْ أَمَرَ بِالمَعْرُوفِ شَدَّ ظَهْرَ المُؤْمِنِ.
وَمَنْ نَهَى عَنِ المُنْكَرِ أَرْغَمَ أَنْفَ المُنَافِقِ وَأَمِنَ كَيْدَهُ.
وَمَنْ صَدَقَ فِي المَوَاطِنِ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ.
وَمَنْ شَنِئَ الفَاسِقِينَ غَضِبَ لله، وَمَنْ غَضِبَ لله غَضِبَ الله لَه‏ (الكافي ج‏2 ص51).
 
الإنسان المؤمن يتجنّب اتباع حَميَّة الجاهلية.. ويسعى لأن يكون ممن يأمر بالمعروف فيشد ظهر المؤمن، وينهى عن المنكر فيرغم أنف المنافق، وممن يغضب لله ولرسوله ولوليه.. فيغضب الله تعالى له.
 
والكُمَّل أنفسهم ما غضبوا إلا لله تعالى، فصار رضاهم رضا الله، وغضبهم غضب الله.
 
من ههنا يُفهم قول النبي صلى الله عليه وآله في الزهراء عليها السلام، وهي خيرة الكمّل:
فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ، مِنِّي مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي، يَرْضَى الله لِرِضَاهَا وَيَغْضَبُ لِغَضَبِهَا، وَهِيَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِين‏ (إرشاد القلوب ج‏2 ص232).
 
لقد اشتهر هذا القول عنه صلى الله عليه وآله، لأنّها عليها السلام لا تغضبُ غضباً يُخرجُها من حقٍّ إلى باطل، فهي المعصومة المطهرة التقية النقية الزكية التي لا تغضب إلا لله.. ومن غضب لله غضب الله له.
 
لم يكن غضبها على الأُوَل إلا لانتهاكهم حرمة الإسلام، وغصبهم خلافة الله، وأذيتهم رسول الله صلى الله عليه وآله وعترته الطاهرة، الذين أمر الله باتباعهم.. وهي منهم.
 
وهكذا يُفهَمُ غَضَبُ النبيّ والإمام، فلا ضير أن يكون الإمام إذاً غضوباً في الله.. شديد البأس، قوياً، متنمِّراً في ذات الله.. فينقم منه مخالفوه لذلك.
 
وإذا تبين أنّ الغضب ليس مذموماً على اطلاقه، وأنّ الغضب لله حسنٌ ممدوحٌ، عرفنا حينها الوجه فيما روي من غضب النبي صلى الله عليه واله وغضب المعصومين عليهم السلام، وبه فسَّرنا النماذج المتكثِّرة التي قد يلحظها المتتبِّع للروايات الشريفة وللتاريخ..
 
ومن هذه النماذج ما روي من قول أمير المؤمنين عليه السلام:
ثُمَّ مَرَرْتُ بِالصُّهَاكِيِّ يَوْماً فَقَالَ لِي: مَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَثَلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كُنَاسَةٍ!!
 
والكُناسة مُلْقى القُمَام‏!
لقد بلغَ هؤلاء القوم منتهى الوقاحة، حيثُ يقولون لعليٍّ عليه السلام أنَّ محمداً صلى الله عليه واله كالنخلة التي نبتت في ملقى القمامة! فهم يُعَرِّضون بأقاربه صلى الله عليه واله، بل بالصفوة التي اختارها الله تعالى.
 
فَغَضِبَ النَّبِيُّ وَخَرَجَ، فَأَتَى المِنْبَرَ، وَفَزِعَتِ الأَنْصَارُ فَجَاءَتْ شَاكَةً فِي السِّلَاحٍ لِمَا رَأَتْ مِنْ غَضَبِ رَسُولِ الله (ص): لقد استدعى غضبه صلى الله عليه وآله استنفار الأنصار، فخرجوا بسلاحهم لغضب رسول الله.
 
فَقَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يُعَيِّرُونَنِي بِقَرَابَتِي؟ وَقَدْ سَمِعُوا مِنِّي مَا قُلْتُ فِي فَضْلِهِمْ وَتَفْضِيلِ الله إِيَّاهُمْ؟ (كتاب سليم بن قيس الهلالي ج‏2 ص685).
 
لقد غضب النبي صلى الله عليه واله لمّا عُيِّرَ في قرابته، وهي العترة الطاهرة، أفلا يغضب المؤمن إذا ما انتُقِصَ من عترة النبي صلى الله عليه واله؟!
 
وقد غضب الرسول (ص) في مورد آخر لاتهام أمير المؤمنين عليه السلام بأنَّه قد أخذ جارية من المغنم!
 
فَغَضِبَ رَسُولُ الله (ص) غَضَباً لَمْ يُرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ غَضَبٌ مِثْلُهُ، وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَتَرَبَّدَ وَانْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ، وَارْتَعَدَتْ أَعْضَاؤُهُ، وَقَالَ: مَا لَكَ يَا بُرَيْدَةُ آذَيْتَ رَسُولَ الله مُنْذُ اليَوْمِ؟ (تفسير الإمام العسكري عليه السلام ص137).
 
ثمَّ غضب ثالثةً عندما منعه فرعونُ هذه الأمَّة من أن يكتب كتاباً يؤكد فيه على أمر الخلافة.
فَغَضِبَ رَسُولُ الله (ص) وَقَالَ: إِنِّي أَرَاكُمْ تُخَالِفُونِّي وَأَنَا حَيٌّ (فَكَيْفَ بَعْدَ مَوْتِي‏) فَتَرَكَ الكَتِف (كتاب سليم ج2 ص794).
 
مِن ثمَّ نُقِلَ غَضَبُ الأئمة للعقيدة الحقة مراراً..
 
فهذا أمير المؤمنين يغضب عندما طُلِبَ منه وصف الله تعالى وصفاً يشابه وصف المخلوقين، وما فيه انتقاصٌ من الذات الالهية المقدسة: فغضب وخطب الناس فقال: فيما عليك يا عبد الله بما دلك عليه القرآن من صفته.. (تفسير العياشي ج‏1 ص163).
وهكذا يكون غضب المؤمنين لأجل العقيدة غضباً مبرَّراً تماماً، فهو غضبٌ لله سبحانه وتعالى.
 
وعلى هذا المنوال جرت سيرة الأئمة المعصومين عليه السلام، فقد انتُقِصَ من قدر النبي صلى الله عليه واله في محضر الباقر عليه السلام، وذلك بالانتقاص من قدر شفاعته، والاستهزاء بها: فَغَضِبَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع) حَتَّى تَرَبَّدَ وَجْهُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا أَيْمَنَ، أَ غَرَّكَ أَنْ عَفَّ بَطْنُكَ وَفَرْجُكَ؟ أَمَا لَوْ قَدْ رَأَيْتَ أَفْزَاعَ القِيَامَةِ لَقَدِ احْتَجْتَ إِلَى شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ (ص) (تفسير القمي ج2 ص202).
فلا يستغني المؤمن عن شفاعة النبيِّ صلى الله عليه وآله في أهوال ذلك اليوم.
 
وهكذا غضب السجاد عليه السلام لمّا قيل له: إنَّ عَلِيّاً (ع) سَارَ فِي أَهْلِ القِبْلَةِ بِخِلَافِ سِيرَةِ رَسُولِ الله (ص) فِي أَهْلِ الشِّرْكِ: فإنَّ في هذه الدعوى طعنٌ بأمير المؤمنين عليه السلام، إذ خالف سيرة الرسول صلى الله عليه وآله، بل طعن بالولاية والإمامة.
قَالَ: فَغَضِبَ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: سَارَ وَالله فِيهِمْ بِسِيرَةِ رَسُولِ الله (ص) (الكافي ج5 ص33‏).
 
وهكذا تتعدَّد النماذج، حيث يغضب الإمام الباقر لمن سأله عن ولاية عليٍّ عليه السلام أَمِنَ الله أو من رسوله! فهذا يطعن في عصمة النبي صلى الله عليه وآله حيثُ يحتمل أن يأتي في مثل الولاية بشيء من عنده دون أمر الله.
 
ويغضب الإمام الباقر على من زعم أن ابن الحنفية إمامٌ.. فيكون غضبه للإمامة الشريفة..
ومن قبل: غَضِبَ أَبُو طَالِبٍ غَضَباً شَدِيداً وَقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَكَانَ مِمَّنْ يَهَابُهُ الرِّجَالُ وَيُكْرَهُ غَضَبُهُ.. (الكافي ج‏5 ص375).
وذلك عندما استقلَّ بعضُ قُريشٍ من قدر النبي صلى الله عليه واله لمّا خطب خديجة.
 
هي إذاً سنةٌ من أبي طالب، إلى النبي صلى الله عليه وآله، ثم أمير المؤمنين عليه السلام، فسائر الائمة المعصومين.
فكيف لا يكون الشيعة على هَديهم؟! وكيف لا يغضب الشيعة لغضب الله تعالى؟
كيف لا يغضبون عند الإنتقاص من التوحيد؟ أو عند الطعن في النبوة والإمامة؟ إنَّه غضبٌ لله.. ومثل هذا الغضب مفتاحٌ لرضا الرحمان.
 
المحور الثالث: كيف يغضب الله تعالى وهو منزه عن صفات المخلوقين؟
 
لقد اتفقت كلمة أصحاب الكتب السماوية على نسبة الغضب لله تعالى..
ففي التوراة: فَصَعِدَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ الله، وَقَتَلَ مِنْ أَسْمَنِهِمْ، وَصَرَعَ مُخْتَارِي إِسْرَائِيلَ (المزامير78: 31).
وفي الإنجيل: لأَنَّ غَضَبَ الله مُعْلَنٌ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَمِيعِ فُجُورِ النَّاسِ وَإِثْمِهِمِ (سفر رومية1: 18).
 
وفي القرآن الكريم: ﴿وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِالله ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾ (الفتح : 6).
 
اتفقت الكتب الثلاثة على نسبة الغضب لله تعالى، ولكن.. كيف يغضب الله تعالى؟ والغضب صفةٌ نفسانية تتضمن معنى التغيُّر والتبدل والانتقال من حالٍ الى حال.. والله تعالى منزه عن ذلك.
 
ههنا جوابان، بل معنيان:
 
المعنى الأول: غضب الله غضب أوليائه
 
إن من أساليب اللغة اسناد الفعل إلى غير فاعله لمسوِّغٍ، مع نصب قرينةٍ..
فمثلاً، لو وَصَفَ الله سبحانه وتعالى نفسه بالأسف، ودلت الأدلة على أنه تعالى لا يأسف كأسفنا، كان لا بد من حملها على معنى آخر غير المعنى الذي نفهمه من الأسف.
 
ومن هذه المعاني أن المراد منها أسف أوليائه، الذين جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه.
وهكذا في الغضب والرضا وأمثال ذلك..
 
وقد قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾:
إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا، وَلَكِنَّهُ خَلَقَ أَوْلِيَاءَ لِنَفْسِهِ يَأْسَفُونَ وَيَرْضَوْنَ، وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَرْبُوبُونَ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَا نَفْسِهِ، وَسَخَطَهُمْ سَخَطَ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُمُ الدُّعَاةَ إِلَيْهِ وَالأَدِلَّاءَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ صَارُوا كَذَلِكَ، وَلَيْسَ أَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إِلَى الله كَمَا يَصِلُ إِلَى خَلْقِهِ..
 
فَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ.
وَهَكَذَا الرِّضَا وَالغَضَبُ وَغَيْرُهُمَا مِن‏ الأَشْيَاءِ مِمَّا يُشَاكِلُ ذَلِكَ.. لِأَنَّهُ إِذَا دَخَلَهُ الغَضَبُ وَالضَّجَرُ دَخَلَهُ التَّغْيِيرُ (الكافي ج‏1 ص144).
 
المعنى الثاني: غضب الله عقابه
 
وههنا معنى آخر في معنى غضب الله تعالى، وهو إنزاله العقاب على المستحقين، فيعبَّرُ عن إنزال العقاب بالغضب.
وقد سئل الباقر عليه السلام عن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى﴾: مَا ذَلِكَ الغَضَبُ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (ع): هُوَ العِقَابُ، يَا عَمْرُو إِنَّهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الله قَدْ زَالَ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَى شَيْ‏ءٍ فَقَدْ وَصَفَهُ صِفَةَ مَخْلُوقٍ (الكافي ج‏1 ص110).
 
الثمرة
 
بهذا يتضح.. أن غضب الله يعني غضب أوليائه، ويعني عقابه.
وأن الغضب وإن كان مفتاح كل شرّ، وجمرة من الشيطان، ومُفسِداً للإيمان، فهو مخصوصٌ بالغضب الذي يُخرِجُ العبدَ من الحقّ الى الباطل.
أما الغضب لله تعالى، والشدّة في الله، فهو غضبٌ للحق، ومن غضب لله غضب الله له.
 
وهكذا كان غضب النبي والإمام، الغضوب في الله.. وهكذا كان غضب السيدة الزهراء عليها السلام على من ظلمها، غضباً لله وفي الله.
وهكذا غضب النبي على من طعن بأهل بيته وبالأئمة عليهم السلام.. ومثله غضب الأئمة عليهم السلام على من تجاوز على العقيدة.
 
فلا يُعَابُ المؤمن إن تشبه بهم عليهم السلام..
أو تشبه بأبي طالب عليه السلام حينما غضب للنبيّ صلى الله عليه وآله..
 
فغضب الشيعة للحق ولأئمتهم ممدوحٌ.. كما كانت عصبيّتهم للإمام وللحق ممدوحة..
بخلاف عصبية مَن سواهم.
 
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن ينتصر به لدينه، وأن يعجل فرج وليه.
والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/21



كتابة تعليق لموضوع : الإمام الغضوب.. في ذات الله!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net