قواعد في القراءة القرآنية / ٦
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عـرض النـفس على الـقـرآن : يمكن أن نجعل من قراءة القرآن عملية تبادلية ، فكما نقوم نحن بقراءة القرآن واستعراض آياته وأحكامه وسائر قصصه ومواعظه ، فنستطيع أن نلعب دوراً آخراً بنفس الوقت من خلال عرض أنفسنا على القرآن الكريم ، فنفتح أمامه أوراقنا وصحائف أعمالنا وسلوكياتنا ( بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) لكي يقرأنا القرآن الكريم ويُجري علينا عملية مسح وتقييم شاملة ليعطينا بعد ذلك الدرجة التي تعبّر عن مقدار هدينا بهديه والتزامنا بأوامره وإرشاداته ..
وهذه الطريقة لو اتبعناها لساعدتنا كثيراً على أداء قراءة قرآنية جيدة وواعية ونافعة وذات مستوى روحي عالي ، وكذلك لأصبحت قراءة القرآن عبارة عن جلسة مصارحة تعقبها إجراءات إصلاحية وتهذيبية للنفس والروح والسلوك ، وأين نجد مثل القرآن ناصحاً وخبيرا ( وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ) ..!
وعندها نعي معنى آخر للحديث الوارد عن رسول الله صلى الله عليه واله : ( يقال لقارئ القرآن : اقرأ ورتل وارتق كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها ) .. بأن درجاتنا في الآخرة بعدد الآيات التي عملنا بها واستطعنا تجسيدها في هذه الحياة لا مجرد قراءتها والإطلاع عليها .. فهذا الفهم أنسب .
ومسألة أن يعرض المسلم نفسه على القرآن الكريم ليس بالشيء الجديد ، حيث يروى أن الأحنف بن قيس كان جالسًا يوماً متفكرًا في قوله تعالى : { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ } ، فمرّ بقوله تعالى يصف أناسًا : {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ . وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ . وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ، فلم يجد نفسه معهم ، فتابع يلتمس ذكره وتلا قوله تعالى : { يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } ، ومضى يفتش في : { يُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ، وبين من ذكرهم القرآن : { يجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} ، فدمعت عينه وقال : اللهم لست أعرف نفسي في هؤلاء . ثم أخذ يقرأ فمرَّ بقوم وصفوا بـ { إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } ، وقوم يقال لهم : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ } ، فقال : اللهم إني أبرأ إليك من هؤلاء ، ولما تلا قوله تعالى : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، فقال: أنا من هؤلاء، هذا ذكري .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat