صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 7)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


تكملة للحلقات السابقة قال الله جلت قدرته عن البعث ومشتقاتها "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ" ﴿النحل 89﴾ واذكر أيها الرسول حين نبعث يوم القيامة في كل أمة من الأمم شهيدًا عليهم، هو الرسول الذي بعثه الله إليهم من أنفسهم وبلسانهم، وجئنا بك أيها الرسول شهيدًا على أمتك، و "فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا" ﴿الإسراء 5﴾ فإذا وقع منهم الإفساد الأول سَلَّطْنا عليهم عبادًا لنا ذوي شجاعة وقوة شديدة، يغلبونهم ويقتلونهم ويشردونهم، فطافوا بين ديارهم مفسدين، وكان ذلك وعدًا لا بدَّ مِن وقوعه، لوجود سببه منهم، و "مَّنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا" ﴿الإسراء 15﴾ لا يعذب الله أحدًا إلا بعد إقامة الحجة عليه بإرسال الرسل وإنزال الكتب، و "وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا" ﴿الإسراء 79﴾ يَبْعَثَكَ: يَبْعَثَ فعل، كَ ضمير، وقم أيها النبي من نومك بعض الليل، فاقرأ القرآن في صلاة الليل؛ لتكون صلاة الليل زيادة لك في علو القدر ورفع الدرجات، عسى أن يبعثك الله شافعًا للناس يوم القيامة، ليرحمهم الله مما يكونون فيه، وتقوم مقامًا يحمدك فيه الأولون والآخرون، و "وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا" ﴿الإسراء 94﴾، و "ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا" ﴿الكهف 12﴾ أَبَعَثَ: أَ حرف استفهام، بَعَثَ فعل، وما منع الكفارَ من الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما، حين جاءهم البيان الكافي من عند الله، إلا قولهم جهلا وإنكارًا: أبعث الله رسولا من جنس البشر؟
جاء في الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ" (النحل 89)، صدر الآية تكرار ما تقدم قبل بضع آيات من قوله "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً" غير أنه كان هناك توطئة وتمهيدا لحديث عدم الإذن لهم في الكلام يومئذ، وهو هاهنا توطئة وتمهيد لذكر شهادته صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله لهؤلاء يومئذ وهو في الموضعين مقصود لغيره لا لنفسه. وكيف كان فقوله "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" (النحل 89) يدل على بعث واحد في كل أمة للشهادة على أعمال غيره وهو غير البعث بمعنى الإحياء للحساب بل بعث بعد البعث، وإنما جعل من أنفسهم ليكون أتم للحجة وأقطع للمعذرة كما يفيده السياق وذكره المفسرون حتى أنهم ذكروا شهادة لوط على قومه ولم يكن منهم نسبا ووجهوه بأنه كان تأهل فيهم وسكن معهم فهو معدود منهم. وقوله "وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ" (النحل 89) يفيد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله شهيد على هؤلاء، واستظهروا أن المراد بهؤلاء هم أمته، وأيضا أنهم قاطبة من بعث إليه من لدن عصره إلى يوم القيامة ممن حضره ومن غاب ومن عاصره ومن جاء بعده من الناس. وآيات الشهادة من معضلات آيات القيامة على ما في جميع آيات القيامة من الإعضال وصعوبة المنال ، وقد تقدم في ذيل قوله "لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" (البقرة 143) في الجزء الأول من الكتاب نبذة من الكلام في معنى هذه الشهادة. قوله تعالى "وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً" (الفرقان 51) أي لو أردنا أن نبعث في كل قرية نذيرا ينذرهم ورسولا يبلغهم رسالاتنا لبعثنا ولكن بعثناك إلى القرى كلها نذيرا ورسولا لعظيم منزلتك عندنا. هكذا فسرت الآية ولا تخلو الآية التالية من تأييد لذلك، وهذا المعنى لما وجهنا به اتصال الآيات أنسب. أو أن المراد أنا قادرون على أن نبعث في كل قرية رسولا وإنما اخترناك لمصلحة في اختيارك.
جاء في الامثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى‌ بِآياتِنا إِلى‌ فِرْعَوْنَ وَ مَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" (الاعراف 103) أي من بعد قوم نوح و هود و صالح. و يجب الالتفات إلى أنّ "فِرْعَوْنَ" اسم عام، و هو يطلق على كل ملوك مصر، كما يطلق على ملوك الروم قيصر و ملوك فارس كسرى. و لفظة الملأ كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق تعني الأعيان و الأشراف الذين يملأون ببريقهم و ظواهرهم الباذخة العيون، و لهم حضور ملفت للنظر في جميع ميادين المجتمع. و السر في إرسال موسى في بداية الدعوة إلى فرعون و ملأه هو أنّه علاوة على أنّ إحدى برامج موسى كان هو نجاة بني إسرائيل من براثن استعمار الفراعنة و تخليصهم من أرض مصر و هذا لا يمكن أن يتم من دون الحوار مع فرعون إنّما هو لأجل أن المفاسد الاجتماعية و انحراف البيئة لا تعالج بمجرّد الإصلاحات الفردية و الموضعية فقط، بل يجب أن يبدأ بإصلاح رؤوس المجتمع و قادته الذين يمسكون بأزمة السياسة و الإقتصاد و الثقافة، حتى تتهيأ الأرضية لإصلاح البقية، كما يقال عرفا: إنّ تصفية الماء يجب أن تكون من المنبع. قوله تعالى "قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ‌" (يس 52). نعم فإنّ المشهد مهول و مذهل إلى درجة أنّ الإنسان ينسى جميع الخرافات و الأباطيل و لا يتمكّن إلّا من الاعتراف الواضح الصريح بالحقائق، الآية تصوّر القبور بالمراقد و النهوض من القبور بالبعث كما ورد في الحديث المعروف‌ (كما تنامون تموتون و كما تستيقظون تبعثون). ففي البدء يستغربون انبعاثهم و يتساءلون عمّن بعثهم من مرقدهم؟ و لكنّهم يلتفتون بسرعة و يتذكّرون بأنّ أنبياء اللّه الصادقين، و عدوهم بمثل هذا اليوم، فيجيبون أنفسهم قائلين: "هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَ صَدَقَ الْمُرْسَلُونَ" (يس 52)‌ و لكن وا أسفاه إنّنا كنّا نستهزئ بكلّ ذلك و عليه فإنّ هذه الجملة هي بقيّة حديث هؤلاء المتكبّرين الكفرة بالمعاد و البعث، و لكن البعض ذهب إلى أنّ حديث الملائكة أو المؤمنين، و ذلك على ما يبدو خلاف ظاهر الآية، و لا داعي و لا ضرورة له، لأنّ اعتراف الكفّار و المنكرين للمعاد في ذلك اليوم لا ينحصر بهذه الآية، ففي الآية (97) من سورة الأنبياء "وَ اقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ‌". في حديث عن الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: (تقوم الساعة و الرجلان قد نشرا ثوبهما يتبايعانه فما يطويانه حتّى تقوم، و الرجل يرفع أكلته إلى فيه فما تصل إلى فيه حتّى تقوم، و الرجل يليط حوضه ليسقي ماشيته فما يسقيها حتّى تقوم).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/03/02



كتابة تعليق لموضوع : البعث و يبعثون و بعثنا في القرآن الكريم (ح 7)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net