صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

(وشروهُ بثمنٍ بخسٍ دراهمَ). هل كانت الدراهم موجودة في زمن النبي يوسف (ع)
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


يُشكل البعض على القرآن الكريم فيقول بأن القرآن اخطأ بقوله : (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة).(1) فيزعم هذا القائل أن الدراهم لم تكن موجودة في زمن النبي يوسف (ع).وإنما ظهرت بعد الاسلام في زمن خلفاء بني أمية ، فمن أين جاء القرآن بكلمة دراهم؟
ونقول أولا : أن الدرهم هو جزء من وحدة قياس كانت تُستعمل في الأوزان والمكاييل. وهو جزء من اثنا عشر جزءا من الاوقية. ولم يكن له شكلٌ معيّن. (2) ثم اتخذ شكله فيما بعد اختصارا للتعاملات التجارية والتخلص من عملية البيع والشراء بالمقايضة والكيل فضربوه من الذهب والفضة. ولعل السائل الذي اشكل على القرآن لم يطلّع على كتب الاقدمين بل اعتمد على ما ورد في كتب مثل الكامل في التاريخ وغيره الذين قالوا بأن عبد الملك بن مروان هو أول من ضرب الدنانير والدراهم في الاسلام .(3) فبرز في خاطر السائل سؤال مفاده ، إذا كان الدرهم تم ضربه بعد نزول القرآن ، كيف يقول القرآن (دراهم معدودات) ولكن السائل تغافل وتقاعس عن البحث وتمسك بما وجد وفاته أن وجود الدراهم قبل الإسلام أمرٌ مفروغ منه ، لأن عبد الملك بن مروان إنما ضرب دراهم اسلامية بعد أن استخدم الرومان دراهمهم سياسيا للتأثير على اقتصاد الدولة الاسلامية ، ومحاولة اهانة مقدساتها. وقد استخدم القرآن كلمة درهم نظرا لشيوعها في زمن النزول فقد كانت عملة متداولة من الذهب والفضة في كل من الدولة الفارسية والرومية ويتداولها العرب أيضا. فكان اليهود والنصارى يعرفون هذه العملة، وقد اشتهر باسمها بعض الشخصيات في زمن الجاهلية والإسلام ، مثل : درهم ابو زياد ، ودرهم أبو معاوية وهما صحابيان ، وحمّاد بن زيد بن درهم، وهو محدّث. فاستخدم تعالى ما هو شائع في زمن النزول.
وذكر البلاذري أن الدراهم والدنانير كانت ترد إلى مكة في زمن الجاهلية ، فقال : (كانت دنانير هرقل ترد على مكة في الجاهلية و ترد عليهم دراهم الفرس البغلية).(4) فقد كانت هذه الدراهم شائعة قبل مجيء الاسلام وبعده. حتى أن عمر بن الخطاب قال : (لقد هممت أن أجعل الدراهم من جلود الإبل، فقيل له: إذن لا يبقى بعير فأمسك).
وفي قوله تعالى (بثمن بخس) اشارة إلى بخس الثمن وقلته الذي باعوا به نبيا ينحدر من سلالة أنبياء وهو كذلك شابٌ يافع قوي البنية شروه ببضع قطع من الفضة (دراهم) فكانوا بذلك من الزاهدين به.
والعرب تقول للشيء الذي تبيعهُ (اشتريتهُ) وقد قال ابن مفرّغ عندما باع عبدا لهُ اسمهُ بُردا :
وشريتُ بُردا ليتني ــ من قَبلِ بُردٍ كنتُ هامه.
فقوله تعالى : (وشروه بثمن بخس) اي باعوه. ونستفيد من قوله تعالى (دراهم معدودة) اي انها قطع نقدية يُمكن عدها ، وكما يقول المفسرون بأنها كانت أقل من أربعين درهما. لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما. وكان وزن الأوقية أربعين درهما.(5)
وفي تفسير القمي قال : الذي بيع بها يوسف ثمانية عشر درهما. وعن الإمام الرضا عليه السلام قال : كانت عشرين درهما.(6)
وفي تفسير الطباطبائي قال : (إنهم كانوا إذا كثرت الدراهم أو الدنانير وزنوها ولا يعدون الا القليلة منها والمراد بالدراهم النقود الفضية الدائرة بينهم يومئذ).(7)
ثانيا : تاريخيا فإن العملات القديمة التي كانت متداولة في زمن النبي يوسف وقبله هي الدنانير والدراهم من الذهب والفضة وهذا ما ورد في الكتب المقدسة ومنها التوراة مثلا حيث نقرأ في سفر أخبار الأيام (أعطوا لخدمة بيت الله عشرة آلاف درهم من الذهب).(8)
وفي سفر المكابيين يقول : (أخذوا منهم سبعين الف درهم).(9)
ويقول كذلك : (انفذ ياسون رسلا ومعهم ثلاث مئة درهم فضة للذبيحة).(10) وفي الإنجيل أيضا ورد ذكر الدرهم كعملة رومانية متداولة كما نقرأ في إنجيل متى : (تقدم الذين يأخذون الدرهمين إلى بطرس).(11)
وكذلك قوله في لوقا : (أية امرأة لها عشرة دراهم، إن اضاعت درهما واحدا تفتش باجتهاد حتى تجده).(12)
خلاصة ما نقوله أن الدراهم كانت موجودة في زمن يوسف وقبله وقد قام الفراعنة بسكّها منذ زمن طويل ، والتوراة عندما تذكر لنا قصة يوسف تقول بأن الذين عثروا عليه باعوه في مصر بعشرين درهم فضة كما نقرأ في سفر التكوين : (فطرحوا يوسف في البئر وكانت البئر فارغة ليس فيها ماء ، واجتاز رجالٌ مديانيون تجار فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر، وباعوه للمديانيين بعشرين من الفضة فأخذوه إلى مصر).(13)
مما تقدم نفهم أن الدراهم والدنانير الذهبية والفضية كانت شائعة معروفة في زمن النبي يوسف وقبله وهذا ما ذكرته التوراة وكل تفاسيرها حول ما جرى يوسف وحدد حتى المبلغ الذي تم شراء يوسف به وأن اجماع الكل على ذلك واضح بيّن لا يُنكره إلا جاهل او معاند.
المصادر:
1- سورة يوسف آية : 20.
2- انظر تعريف ومعنى درهم في قواميس اللغة العربية .
3- الكامل في التاريخ ، ابن الأثير، ج4 ص : 416.ولكن هناك رأي يقول بأن ضرب الدراهم الاسلامية كان في زمن الامام علي عليه السلام بالبصرة وقول آخر يقول بأن عبد الملك ضربها بتوجيه من الامام الباقر عليه السلام . انظر كتاب أعيان الشيعة ، السيد محسن الأمين ج 2 ص : 498.
4- فتوح البلدان ، البلاذري ج1 ص : 448.
5- تفسير الطبري سورة يوسف آية : 20.
6- تفسير القمي، علي بن إبراهيم ج1 ص : 341.
7- تفسير الميزان ، السيد الطباطبائي ج11 ص : 107.
8- سفر أخبار الأيام الأول 29 : 7. يقول في قاموس المعاني : درهم من الذهب: حوالي 8 جرام. تفسير الكتاب المقدس الموسوعة الكنسية تفسير سفر أخبار الأيام الأول.
9- سفر المكابيين الثاني 10 : 20.
10- سفر المكابيين الثاني 4 : 19.
11- إنجيل متى 17 : 24.
12- إنجيل لوقا 15 : 8.
13- سفر التكوين 37 : 28. وتُكمل التوراة قصة يوسف فتقول عن اخوته : (وذبحوا تيسا واخذوا قميص يوسف وغمسوه بالدم، وارسلوا القميص إلى أبيهم وقالوا وجدنا هذا قميص ابنك. فمزق يعقوب ثيابه، وناح على ابنه أياما كثيرة. وأما المديانيون فباعوه في مصر إلى فوطيفار رئيس شرطة فرعون).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/17



كتابة تعليق لموضوع : (وشروهُ بثمنٍ بخسٍ دراهمَ). هل كانت الدراهم موجودة في زمن النبي يوسف (ع)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net