صفحة الكاتب : صلاح عبد المهدي الحلو

الدُّعاء والجلوسُ مع العلماء الصلحاء :أملٌ ورجاء!
صلاح عبد المهدي الحلو

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هذه تجربةٌ شخصيَّةٌ متواضعةٌ أضعُها بين أيديكم؛ لأنَّها حالةٌ إنسانيَّةٌ تمرُّ على مئات الأشخاص يومياً، تتطلّبُ دعماً معنوياً، وتدريباً على بعض الأمور ولاشتراك النَّوع الإنسانيّ فيها أحببتُ ذكرها هنا.

في يوم التاسع عشر من الشهر الفائت أخبرني الدكتور سعد الجنابيّ بنتيجة الزرع، وهي أنَّ هناك اشتباهاً بوجود مرضٍ خبيثٍ في غُدَّتي الدَّرقيَّة وعليَّ استئصالها فوراً، فالأمر خطيرٌ ولا يحتملُ التأجيل.

ولمَّا رأيتُ الدكتور في ذلك اليوم بدا لي أنَّه رجلٌ متديّنٌ مؤدّبٌ, وعنده خوف الله تعالى، وعنده كمُّ من العواطف النبيلة بحيث لم يستطع إخباري بالنتيجة إلَّا بعد لأيٍّ، وقال تلك الكلمة وكأنَّه كان مُعتذراً وليس مُخبراً.

ونصحني أن أراجع الدكتور الجراح صفاء العبيديّ الذي كان قبل مُدَّةٍ في أمريكا يُجري عملياتٍ جراحيَّةً لبعض المرضى هناك، فلما ذهبتُ إليه أرشدني إلى ضرورة إجراء العمليَّة بسرعةٍ خشية انتشار المرض, وأبدى استعداده أن يجريها لي في اليوم الثانيّ لأنَّه سيُسافر بعدها إلى العمرة ولن يرجع قبل عشرة أيام، ولكن لم أكن مهيَّئاً نفسياً للعمليَّة بهذه السرعة فاتفقتُ معه على أن أجريها بعد عشرة أيَّام.

وطرح عليَّ بعضُ الخواص أن أراجع غير طبيب للتأكّد من الأمر، وكان أخي ذا مشورةٍ ميمونةٍ جرَّبتها فيما سبق طرح عليَّ أن أراجع الدكتور قصي العبيديّ، وفي اليوم الذي قررتُ مراجعته فيها مساءً، وحين كنتُ أتسوَّق الخضار والفاكهة للبيت ظهر ذلك اليوم نفسه دخل رجلٌ وسلَّم فردَّ عليه صاحبُ البقالة: وعليكم السَّلام دكتور!

فسألتُ هذا الدكتور الذي سلَّم: أنت دكتور بمعنى طبيب، أم بمعنى أنَّك حاصِلٌ على شهادة الدكتوراه في علمٍ من العلوم؟

فردَّ بأدب: أنا الطبيب الجراح قصي العبيدي!!

فعلمتُ أن هذا الميعاد عن تدبيرٍ وليس صدفة، عن تخطيطٍ وليس عفواً، وإذا أراد الله شيئاً هيَّأ أسبابه، وتفاءلتُ كثيراً

وأريتَه الزرع الذي احتفظ بصورته في الموبايل، فلمَّا قرأه قال: ينبغي أن تستأصل الورم بسرعة.

قلتُ له: ما المطلوب مني قبل أن أجيئك للعيادة؟

قال: فحص الحبال الصوتية وأخذ "سونارٍ" ثانٍ للغدة.

علماً أني أريتُ الزرع لثلاثة أطباءٍ من الأصدقاء والأنسباء رجَّح اثنان منهم الاستعجال في العملية.

وحين أخذتُ السونار ودخلتُ عليه مع قريبٍ لي أبت لي شهامته إلَّا اصطحابي للطبيب اقترحتُ عليه أن نؤجل العملية إلى ما بعد امتحانات الأولاد، فرفض قائلاً: إنَّ هذا السُّونار أضاف شيئاً جديداً وهو أن الورم في خلال عشرين يوماً مضت انتشر إلى الغدد اللمفاوية ويجب الإسراع في العمليّة وهي تستغرق نحو أربع ساعاتٍ؛ لذا عليَّ إجراؤها في يوم عطلة .

فاتفقنا على يوم السبت الذي مضى قبل يومين، وطلب مني إجراء فحوصاتٍ وتحاليل أخر.

محاولة رفع المعنويات.

كنتُ خائفاً من العملية بسبب شيءٍ واحد، وهو احتمال انقطاع الحبال الصوتيَّة وأعيش أخرس طوال العمر، وأعاني صعوبة التنفّس والبلع.

ورغم أن هذه الحالة تحدث بنسبة 4% من مجموع العمليات، ولكن تاريخ الحزن والألم الذي عشتُهُ في حياتي الماضية عمى عيني عن نسبة ال96% من مجموع نجاح العمليات.

خطَّطتُ أن أور كربلاء السبط الشهيد صباح الجمعة وأعرّج منها إلى أمير المؤمنين – عليه السلام – وأن أحضر مجلس الفاتحة لبعض الاقارب الذي توفاه الله تعالى حديثاً عصراً في النَّجف وأذهب منها ليلاً إلى مسجد الكوفة، ليكون آخر العهد قبل العملية بالأئمة الميامين – عليهم السلام -

الصلاة خلف السيد الخرسان.

صليتُ يوم الأربعاء قبل العملية العشاءين خلف سماحة السيد محمد صادق الخرسان؛ وكانت عندي مسائل شرعية عن التيمم و كيفيَّة الصلاة مع عدم القدرة على الكلام, وقال لي السيدُ كلمةً قلبت الحالة المعنوية رأساً على عقب، قال لي ما فهمته من كلامه: أنت مأجورٌ على طلبك العلاج الذي هو رزقٌ من الله!

ما أجمل هذا الكلام! في السَّعيّ لطلب العلاج أجر، وهذا العلاج رزقٌ من الله للإنسان وعلى الإنسان أن يطلب رزقه كما يطلب الفلاح المطر للزرع، والشاعر الكلمة للقصيدة.

يحتاج الإنسان فعلاً أن يجلس مع العلماء الصالحين ليرفع المعنويات ويفهم الأمور عقائد وفقها.

لم أذهب لكربلاء ...وخيبة أمل.

وحين هممتُ صباحاً في الذهاب لكربلاء بكَّر عليَّ ضيفٌ كريمٌ جاء يطمئنُّ على الصحة ويشدُّ الأزر، ولمَّا خرج وهممتُ أن أخرج وراءه توالى الضيوف حتى الليل, ولم تسنح لي فرصة الزيارة لأيِّ واحدٍ من هؤلاء الميامين – عليهم السَّلام – لدرجة أني حين استيقظتُ سَحَر السبت في الرابعة ليلاً ندمتُ كثيراً وساءت حالتي النَّفسيَّة جداً، ولكن: لِم لا استشفع بالجميع بدلاً من أئمة النجف وكربلاء فقط؟

هرعتُ إلى دعاء التوسل بالأئمة الذي يُقرأ عادةً يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء في مفاتيح الجنان وقرأته، الله يعلم ويشهد من أول فقرةٍ قرأتُها فيه ارتفعت الروح المعنوية عالياً جداً، وكيف لا ترتفع وأنا أتوسل بأربعة عشر معصوماً هم خير ما خلق الله في الكون؟

وحين دخلتُ صالة العمليات تشهدتُ الشهادات الثلاث، وذكرتُ أسماء الائمة – عليهم السلام – واحداً واحداً حتى وصلتُ إلى اسم الإمام الباقر – عليه السلام – وضع طبيب التخدير القناع على وجهي وقال تنفَّس, وما أن أخذتُ نفسَاً حتى وجدتُ نفسي في الغرفة وحولي الأهل والأحبَّة.

قلتُ لهم: ما كنتُ أهذي حين الإفاقة من أثر التخدير؟

قالوا كنتَ تقول: يا أمير المؤمنين.

ففرحتُ بذلك فرحاً كثيراً, والحق أنا لا أدري ما هذيتُ في صالة العمليات ، ولكن أثناء نقلي من الصالة إلى الغرفة كنتُ أردّدُ: يا أمير المؤمنين، عسى الله أن يبعثنا من مرقدنا ونحن نترنَّم بهذه الآية الربَّانيَّة التي أنعم الله بها علينا، وهي أعظم من الصحة والأمان والغدتين الدرقيَّة واللمفاوية: يا أمير المؤمنين.

وسيلتي يا ربّ حبُّ الذي * بعد نبيِّ الله خيرُ الأنام

أعني علياً نفسَ طه كفى * بذاك وصفاً مُغنِيَاً والسَّلام


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صلاح عبد المهدي الحلو
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/02/01



كتابة تعليق لموضوع : الدُّعاء والجلوسُ مع العلماء الصلحاء :أملٌ ورجاء!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net