صفحة الكاتب : محمد علي جواد تقي

الإمام الهادي نموذج القائد المحبوب
محمد علي جواد تقي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

اجتمعت كل علائم الضعف في الدولة العباسية في عهد الإمام الهادي، عليه السلام، عندما استولى القادة العسكريون من أصول تركية على القرار السياسي في الدولة بضوء أخضر من المعتصم العباسي الذي كان يميل اليهم متأثراً بأمه؛ الأمَة التركية المتميزة لدى أبوه هارون.

والى جانب عنصريته، كان جهله وتخلفه العلمي يغذي طغيانه وفساده وظلمه، فقد وصفه السيوطي في "تاريخ الخلفاء" بأنه كان يعاني صعوبة في القراءة والكتابة، وربما مردّ هذا الى كرهه للعربية أساساً، ولكل ما يمتّ بصلة الى العرب، فكان يضطهد العرب ويطردهم من البلاط في مقابل تقريبه للتُرك.

وعندما أحسّ خطورة وجود العسكر التُرك في بغداد بما فعلوه من ممارسات لا أخلاقية، واستخفاف بحرمات الناس في الشوارع والطرقات، واحتمال انفجار الموقف الجماهيري في العاصمة ضده، اتخذ قراراً يؤكد غبائه بنقله عاصمة الدولة العباسية برمتها الى مدينة سامراء، والتي لم تكن مدينة آنذاك من الناحية العمرانية كما كانت بغداد، إرضاءً لأحبائه التُرك، وربما توجساً منهم لئلا تتغوّل قوتهم وتجتمع كلمتهم عليه في مكان بعيد عن عيونه.

الإمام القائد وسط المجتمع
طغيان العسكر التُرك، وتبديد ثروات المسلمين، وانتشار الفقر والحرمان في أرجاء الأمة أشعل فتيل ثورات وانتفاضات شعبية في أمصار مختلفة، في الوقت نفسه نبّه المسلمين الى شخصية الامام الهادي، عليه السلام، ومكانته العلمية والروحية، وكان يقيم في المدينة المنورة، فكانوا يقصدونه من كل مكان ينهلون من علومه ومعارفه، بل كان علاقة أهل المدينة أنفسهم بالإمام "علاقة قوية ومميزة، فقد كان الإمام يشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، فيعود مرضاهم، ويشيع جنائزهم، ويحضر مناسباتهم الاجتماعية، ويساعد الفقراء والمحتاجين منهم، ويهتم بشؤونهم، ولذلك أحبه الناس في المدينة كما أحبهم، والتفوا حوله، وصار صاحب تأثير كبير عليهم". (سيرة الإمام الهادي، دراسة تحليلية للسيرة الاخلاقية والعلمية والسياسية للإمام الهادي- الشيخ الدكتور عبد الله أحمد اليوسف).

وعي الناس ويقظتهم على وقع فضائح القصور، ومعرفتهم المتزايدة بأئمة أهل البيت، عليهم السلام، ومعرفة مكانتهم الحقيقية، حداهم لاتباع الامام الهادي، بنسبة عالية بعد مرارة العيش وضنك الحال الذي تجرعوه طيلة سنوات الحكم العباسي، وعندما نقرأ في التاريخ عن الوشاة الى المتوكل وغيره من الحكام العباسيين بأن الاموال تُحمل الى الإمام، وأنه يستعد للانقلاب عليه والسيطرة على الحكم، لم يكن من فراغ، بقدر ما كان يعبّر عن رؤية كونها المقربون من البلاط من واقع المجتمع وعلاقته بالإمام الهادي، عليه السلام، مما مكنّه من الاحتفاظ بمكسب "الدولة داخل الدولة" التي حققها على أرض الواقع السياسي؛ الامام الكاظم، عليه السلام، فتزايد انتشار أتباع أهل البيت في مؤسسات الدولة العباسية، وداخل البلاط العباسي.

تمثل كل هذا في ردود الفعل من قرار المتوكل إحضار الامام الهادي الى سامراء، إذ يقول المؤرخون أن حالة من القلق والاضطراب ساد الناس في المدينة لمعرفتهم ما يكنّه الحكام العباسيون من استدعاء أئمتهم من مدينة جدّهم، كما فعل هارون مع الامام الكاظم، والمأمون مع الامام الرضا، ومع الامام الجواد ايضاً.

و نُقل عن يحيى بن هرثمة الذي بعثه المتوكل لإحضار الامام الهادي من بغداد الى سامراء، بأن "لما دخلت المدينة ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي، عليه السلام، فجعلت أسكنهم وأحلف لهم، أني لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس عليه، ثم فتشت منزله، فلم أجد فيه إلا المصاحف وأدعية وكتب العلم"، في إشارة الى وشاية أحد وعاظ السلاطين الى المتوكل، ممن يستشعر الحقارة والدونية أمام قامة الامام الهادي، وكان يرجو لنفسه إمامة الجماعة في المدينة بدلاً عن الامام الهادي، فكتب للمتوكل –تقريراً- بأن الامام يجمع المال والسلاح للانقلاب عليك!

الإمام القائد حريصٌ على حياة الناس
الثورة على الظلم والطغيان، والقتال لإحياء العقيدة والفضيلة شيء، وأن تعيش الأمة الأمان والاستقرار شيء آخر، فالارواح تكون رخيصة في ثورة متكملة الشروط والمواصفات، كما فعل الإمام الحسين، عليه السلام، في معركة الطف بثلاث وسبعين رجلاً فقط، ولم يفعله الامام الصادق، عليه السلام، وقد بشروه بآلاف السيوف تحت إمرته لقيادة الانقلاب على الحكم الأموي والصعود الى قمة الحكم، لمعرفته بأنها ليست معركته، ولا معركة المؤمنين الواعين بما يُدار خلف الستار على مر العصور.

كانت الوشايات والتقارير السرية تترى على المتوكل باستعداد الإمام الهادي للانقلاب على الحكم بما تصله من أموال من مواليه في الأمصار المختلفة، منها ما أوصله أحد الجواسيس الى المتوكل قافلة قادمة من مدينة قم متوجهة الى سامراء مع تحديد الزمان والمكان، فأمر الاخير أحد قادة جيشه بالاستعداد للانقضاض على القافلة، فبينما القافلة في طريقها الى سامراء إذ وصل رسول الإمام اليها أن "ارجعوا فليس هذا وقت الوصول"، فعاد أتباع الامام أدراجهم الى قم سالمين، وخاب فأل المتوكل وأنصاره باستطاعتهم الفتك بالمؤمنين.

هكذا كان الامام الهادي يمارس دوره القيادي للأمة، وهكذا فهم افراد الأمة، من الجدير بالقيادة، الإمام المُحب للناس والحريص على حياتهم وكرامتهم وحقوقهم، أم الحاكم الحريص على ملذاته ومصالحه الخاصة وتحقيق ما يريد حتى وإن بإزهاق الأرواح وانتهاك حقوق الملايين.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

محمد علي جواد تقي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/25



كتابة تعليق لموضوع : الإمام الهادي نموذج القائد المحبوب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال

 
علّق سنان السعداوي الاسدي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : الله حيوا رجال بني أسد في السعديه.

الكتّاب :

صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين
صفحة الكاتب :
  يحيى غالي ياسين


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net