صفحة الكاتب : شعيب العاملي

سبحان مَن سَوَّاكِ.. يا فاطمة!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
فِي البَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (التكوين ١: ١).
 
فِي البَدْءِ كَانَ الكَلِمَةُ (يوحنا1: 1).
 
النصُّ الأوَّلُ هو الآية الأولى من سفر التكوين، أوَّلُ أسفار العهد القديم، الكتاب الذي يعتقد اليهود بصحته، وأنَّه توراة موسى عليه السلام.
والنصُّ الثاني هو الآية الأولى من إنجيل يوحنا، رابع أناجيل العهد الجديد، الكتاب الذي يعتقد النصارى بصحته.
 
يشيرُ الأوَّلُ إلى أسبقيَّة خلق السماوات والأرض.. وظاهِرُهُ التقدُّمُ في الخِلقة على ما عداهما.
أمَّا النصُّ الثاني فيُشير إلى تقدُّم الكلمة.. وظاهِرُهُ تقدُّمُ الكلمة في الوجود على السماوات والأرض.
 
يعتقد النصارى أن (الكلمة) هو عيسى عليه السلام، ويعتقدون بأزليَّته.. وأنَّه غير مخلوق..
لكنَّ الكتاب المقدَّس لا يساعد على هذه العقيدة، لشهادة الإنجيل صريحاً بكونه عليه السلام مخلوقاً، حيث وصفه أنّه: بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ (كولوسي1: 15)، وأنّه: بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ الله (رؤيا3: 14).
 
عيسى عليه السلام إذاً مخلوق من مخلوقات الله، لكنَّ الإنجيل ينسبُ له مرتبةً رفيعة، وهي تقدُّمه في الخلق على كلِّ مخلوقات الله، ولذا يقول النصارى بتقدُّم وجوده على سائر الأنبياء كإبراهيم عليه السلام، فقد نسبوا له عليه السلام قوله: الحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ (يوحنا8: 58).
 
كيف ذلك وقد تقدَّمَ إبراهيمُ على عيسى في التاريخ؟
وما المُراد من هذا النصّ؟
هل يُراد به أنَّ لعيسى عليه السلام وجوداً من نوعٍ آخر قبل وجوده المادي ببدنه هنا؟ كأن يكون له وجودٌ نورانيٌّ قبل بدء الخليقة في هذه الدُّنيا؟
 
لا يكتفي الإنجيل بذلك، بل يترقى ليقول أنَّ كلَّ شيء بعيسى كان، وكأنَّ الله تعالى به خَلَقَ الأشياء، فقد قال عنه إنجيل يوحنا: كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ (يوحنا1: 3).
هي مرتبةٌ عظيمةٌ جداً ينسبُها النصارى لعيسى عليه السلام.
 
لكنَّ المسلمين لا يعتقدون بذلك..
فقد ثبت قول النبي محمدٍ صلى الله عليه وآله: يا جابر، أوّل ما خلق اللّه نورُ نبيّك‏ (غرر الأخبار ص195).
 
نورُ النبيِّ إذاً متقدِّمٌ في الخلقة على عيسى..
في البَدء كان محمدٌ إذاً.. لا عيسى..
 
بل إنَّ عيسى بلغ ما بلغ بمعرفة محمدٍ وعليٍّ عليهما السلام، فقد قال النبيِّ صلى الله عليه وآله:
وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا كَلَّمَ الله مُوسى‏ تَكْلِيماً، وَلَا أَقَامَ عِيسَى آيَةً لِلْعالَمِينَ إِلَّا بِنُبُوَّتِي، وَمَعْرِفَةِ عَلِيٍّ بَعْدِي‏ (كتاب سليم بن قيس الهلالي ج‏2 ص859).
 
لولا محمدٌ صلى الله عليه وآله وعليٌّ عليه السلام لما بلغَ عيسى عليه السلام ما بلغ، ولما أقامه الله تعالى في ذلك المقام العظيم وأنزله منزلته السامية.
 
وفي ذكرى ولادة بضعة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله.. يتنَبَّهُ المؤمنُ أنَّ فاطمةَ عليها السلام شريكة النبيِّ وعليٍّ في التقدُّم على المخلوقات.. فعنه صلى الله عليه وآله:
خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ (ع) قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الْأَرْضُ وَالسَّمَاء.. خَلَقَهَا الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَم (معاني الأخبار ص396).
 
فنور الزَّهراء قد سبَقَ السماوات والأرض إلى عالم الوجود.. مِن ثمَّ كان سابقاً لوجود الأنبياء من آدم إلى عيسى عليهم السلام.
 
بل كانت طاعتها مفروضة عليهم جميعاً، كما عن الإمام الباقر عليه السلام فيها عليها السلام:
وَلَقَدْ كَانَتْ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهَا) طَاعَتُهَا مَفْرُوضَةً عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقَ الله مِنَ الجِنِّ، وَالإِنْسِ، وَالطَّيْرِ، وَالبَهَائِمِ، وَالأَنْبِيَاءِ، وَالمَلَائِكَةِ (دلائل الإمامة ص106).
 
كلُّ الجنِّ بشياطينهم ومؤمنيهم، كلُّ الطيور والبهائم الذين يسبحون الله ولا نفقه تسبيحهم، أعاظم الأنبياء كآدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى.. كل الملأ الأعلى كجبريل وميكال وإسرافيل.. كلُّ هؤلاء مأمورون بطاعة فاطمة! وأبيها.. وبعلها وبنيها!
 
فمَن أنت يا فاطمة؟!
 
من ههنا ندخل إلى محاور ثلاثة.. ترتبط بها سلام الله عليها:
 
1. فاطمة.. وإتقان الخلقة
 
لقد تحدَّث الله تعالى عن عظمة مخلوقاته في القرآن الكريم، وذكر الجبال فقال: ﴿وَتَرَى الجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ الله الَّذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ﴾ (النمل88).
 
إنَّ إتقانَ الصُّنع والخلقة هو سِمَةُ مصنوعات الله ومخلوقاته، ومِن أعظم هذه المخلوقات والآيات (السماوات والأرض)، بما تحوي من عجائب وغرائب، تدلُّ على الله تعالى، وتُرشدُ إليه، وقد قال عزَّ وجل:
﴿إِنَّ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الالبابِ﴾ (آل عمران 190).
 
هي آياتٌ لأصحاب العقول، الذين ﴿يَتَفَكَّرُونَ في‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَالأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ﴾ (آل عمران 191).
 
لقد اقترنَ التفكُّرُ في (السماوات والأرض) بالتعقُّل، وكان كلُّ ما فيهما دليلاً على الله تعالى، فتأمَّلَ أولو الألباب في عملية الخلق، الذي أتمَّهُ الله تعالى في ستَّة أيام، في عملية خلقٍ تدريجية لا دفعية.. ولقد كان الله تعالى: قَادِراً عَلَى أَنْ يَخْلُقَهَا فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، وَلَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ لِيُظْهِرَ لِلْمَلَائِكَةِ مَا يَخْلُقُهُ مِنْهَا شَيْئاً بَعْدَ شَيْ‏ءٍ، وَتَسْتَدِلَّ بِحُدُوثِ مَا يَحْدُثُ عَلَى الله تَعَالَى ذِكْرُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّة (كما عن الإمام الرضا عليه السلام في توحيد الصدوق ص320).
 
إنَّ النَّظَرَ في المُحدَثات مرَّةً بعد أخرى يزيدُ صاحبها معرفةً بخالقها، حيثُ صارَ التدبيرُ المُتقَنُ علامةً على المُدبِّرِ العظيم.. ولقد ظهر الله تعالى للعقول بما أراها من علامات التدبير هذا: فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَاتٍ بِلَا عَمَدٍ، قَائِمَاتٍ بِلَا سَنَدٍ (نهج البلاغة ص261).
 
مِن ثَمَّ عَلَّمَنا أحدُ أعظم عظماء التاريخ، إمامُنا الصادق عليه السلام أن ندعو الله تعالى فنقول: وَاجْعَلْ فِكْرِي فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا تَجْعَلْنِي مِنَ الغَافِلِينَ (الأصول الستة عشر ص131).
 
فإذا كان خلق السماوات والأرض مِن أكثر ما يدلُّ على الله تعالى، ويدعو لتسبيحه وتجميده وتعظيمه.
وإذا كان الإسراءُ بالنبيِّ صلى الله عليه وآله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أي (من الأرض إلى السماء)، يستدعي نزول آياتٍ يُسبَّحُ الله فيها: ﴿سُبْحانَ الَّذي أَسْرى‏ بِعَبْدِه‏..﴾ (الإسراء1).
 
فما مقدار التسبيح الذي يستدعيه النَّظَرُ في مَن كان نورُها متقدِّماً على السماوات والأرض؟!
 
فسُبحان مَن سوّاكِ يا فاطمة!
 
سبحان من أودَعَ فيكِ من علائم الإتقان ما لا يُدرَكُ ولا يُحاطُ به علماً..
لقد ظهر من تلك العلائم ما يثير العجب.. حيثُ تقدُّم نورُك على هذا الكون الفسيح بما فيه من سماءٍ وأرضٍ..
 
في فاطمة.. تظهرُ عظمةُ الخالق.. في كلِّ جهاتها وجنباتها..
حُسنٌ في حُسنٍ.. في أصل خلقتها.. في نورها.. في الصبغة التي صبغها بها.. في دينها.. في قولها وعملها.. في مآلها ومصيرها..
 
إنَّها تُحفةٌ أتحفَ بها الله نبيَّه.. وكأنَّها لوحةٌ تُشيرُ إلى جمالِ مُبدعها.. لوحة في منتهى الرَّوعة والكمال والجلال..
إنَّ إلهاً جَمَعَ كلَّ صفاتِ الكمال في امرأة كفاطمة.. حَريٌّ أن يُعظَّمَ ويمجَّد ويُسَبَّح.. ويُطاع ويُعبد..
 
فسُبحان من سوّاكِ.. يا فاطمة..
 
2. فاطمة.. ونور السماوات والأرض
 
نعود لسفر التكوين.. حيث كان للسماء والأرض مع النور قِصَصٌ وحكايا..
فِي البَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الغَمْرِ ظُلْمَةٌ.. وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ (التكوين ١: ١-٣).
 
هذا النصُّ يوافق قول الله تعالى في كتابه: ﴿الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ‏﴾ (النور35)، فهو عزَّ وجلّ المنوِّرُ للسماء والأرض: نوراً يُرى بالبصر تارة.. ونوراً يُهتدى به تارة أخرى.. فعن الرضا عليه السلام في هذه الآية: هَادٍ لِأَهْلِ السَّمَاءِ، وَهَادٍ لِأَهْلِ الْأَرْض (الكافي ج1 ص115).
 
(فَكَانَ نُورٌ) بحسب التوراة، لكن بأيِّ شيء يُنيرُ الله تعالى السماء والأرض؟ وبأيِّ شيءٍ يهدي أهل السماء وأهل الأرض؟
 
هل هناك أحدٌ سوى فاطمة وأبيها؟ وبعلها وبنيها؟
 
قال تعالى: ﴿الله نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ﴾: الْمِشْكَاةُ فَاطِمَةُ (ع)!
﴿فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في‏ زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّي‏﴾: كَأَنَّ فَاطِمَةَ (ع) كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الْأَرْض (تفسير القمي ج2 ص103).
 
قالهاَ الصادق عليه السلام.. ففاطمة هي المشكاة! وبها أضاءَ الله السماوات والأرض!
لقد وُضع شيءٌ من نورِها في قنديلٍ في العرش: فأزهرت السماوات السبع والأرضين السبع! (نوادر المعجزات ص195).
لِأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِه،‏ فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِنُورِهَا (علل الشرائع، ج‏1، ص: 180).
 
بل قد خُلِقَت السماوات والأرضُ من نور فاطمة!
فعن النبيِّ صلى الله عليه وآله:
ثُمَّ فَتَقَ نُورَ ابْنَتِي فَاطِمَةَ: فَخَلَقَ مِنْهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، فَالسَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ مِنْ نُورِ ابْنَتِي فَاطِمَةَ، وَنُورُ ابْنَتِي فَاطِمَةَ مِنْ نُورِ الله، وَابْنَتِي فَاطِمَةُ أَفْضَلُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (تأويل الآيات الظاهرة ص144).
 
كان هذا في العوالم المتقدِّمة.. عوالم الأنوار العجيبة..
 
أما في هذه النشأة، في الدُّنيا التي نحياها.. وفي هذا اليوم الذي يُصادفُ ولادتها.. نتأمَّلُ في إنجيل النصارى، لنرى أنَّه يذكرُ ظهور نجمٍ في السماء عند ولادة عيسى، ليرشد الساعين إليه، وقد قال المجوسُ: إِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي المَشْرِقِ (متى2: 2).
 
فأين هو هذا النَّجمُ مِنَ النُّور الذي ظَهَرَ عندما وضعت آمنةُ عليها السلام أفضل المخلوقات محمد صلى الله عليه وآله، حيث ظهر منه نورٌ: سَطَعَ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِب (الكافي ج8 ص302).
 
وكان نورُ الزَّهراء من نوره صلى الله عليه وآله..
فإنها: لمَّا سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ، أَشْرَقَ مِنْهَا النُّورُ حَتَّى دَخَلَ بُيُوتَاتِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَبْقَ فِي شَرْقِ الأَرْضِ وَلَا غَرْبِهَا مَوْضِعٌ إِلَّا أَشْرَقَ فِيهِ ذَلِكَ النُّورُ..
وَحَدَثَ فِي السَّمَاءِ نُورٌ زَاهِرٌ لَمْ تَرَهُ المَلَائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ (الأمالي للصدوق ص595).
 
فسُبحان مَن سوّاكِ.. يا فاطمة!
 
3. تعظيم فاطمة
 
تأخذنا هذه الكلماتُ إلى المحور الثالث.. حيثُ نتساءل عن الثَّمَرَةُ من ذكر فضائل هؤلاء الكُمَّل!
 
لقد جَرَت عادةُ أهل الملل والنحل على ذكر فضائل عظمائهم.. حتَّى أنَّ مِنهم من يتسابق في اختلاق الأساطير ونسبتها إليهم.. ويعيشُ الوهمَ والخيال في عقيدته بهم.. بل قد ينسبُهم للألوهية والربوبية..
 
لكنَّ الشيعة لا يعتقدون ذلك.. وهم أهلُ التعقُّل والتأمُّل والتدبُّر..
فلماذا يُكثرون إذاً من ذكر الفضائل؟!
وما الثَّمَرَةُ التي تنفعهم في أيامهم هذه؟!
 
هل نريدُ أن نذكر هذه المسائل لنأنَسَ بها ونتسلّى؟! هل هي جزءٌ من تُراثٍ نتمسَّك به كتراثنا الشَّعبيّ؟ ينشأ عن حبِّ الإنسان لآبائه وأجداده وأصحاب دينه؟!
 
أم هي عقيدةٌ راسخةٌ تُثمرُ في الدُّنيا تَأَسِّيَاً بهؤلاء الكُمَّل.. واتِّباعاً لهم في الاستقامة؟!
ألا تكشفُ عظمةُ هؤلاء عن سُمُوِّ نفوسهم وكمالها.. فنكتشفُ منها رفعةَ أفعالهم وجلالةَ قدرهم ورجحانَ الأخذ عنهم؟!
 
إنَّ في الإطلاع على عظيم شأن هؤلاء تعظيماً لله عزَّ وجل.. فكَم هو عظيمٌ هذا الإله الذي جمع من العظمة في أحبِّ مخلوقاته ما يفوق عظمة السماوات والأرض معاً؟!
 
كم هي قدرته عظيمةٌ حين تجلَّت في محمدٍ وعليٍّ وفاطمة وبنيهم عليهم السلام.. الذين لولاهم لما خلق السماء بمن فيها والأرض ومن عليها؟!
ألا تستدعي معرفتهم تعظيم الله تعالى؟!
 
وإذا كان جلُّ المؤمنين بالله تعالى آمنوا به لما رأوا من عظيم آثاره.. ومخلوقاته.. ومنها سماؤه وأرضه.. فما حال من يتأمل في مَن لم تساوِ السماء والأرض عند ربها شيئاً دونهم؟!
 
إنَّ في تعظيم فاطمة إذاً ومعرفة علوِّ شأنها تعظيمٌ لله تعالى.. لخالقها ومُبدعها وبارئها ومصوِّرها على أحسن صورة..
ثم فيه تعظيمٌ لمن عَظَّمَ الله تعالى.. فإنَّه تعالى ما خَصَّ هؤلاء الكُمَّل بالكرامات عبثاً..
 
يكشف هذا عن مرتبةٍ استحقوا بها أن يُقال لهم: طَأْطَأَ كُلُّ شَرِيفٍ لِشَرَفِكُم‏.. وَخَضَعَ كُلُّ جَبَّارٍ لِفَضْلِكُم‏.. وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِكُمْ، وَفَازَ الْفَائِزُونَ بِوَلَايَتِكُم‏ (الفقيه ج2 ص616).
 
ولعلَّ أعظم ما ينفعنا في أيامنا هو حُسنُ التأسي بهم! لنثبت على ولايتهم، ونكون من الفائزين..
فماذا يعني ذلك؟
 
عندما تكونُ الزَّهراءُ مثلاً بهذه المثابة من العظمة.. فإنَّ كلَّ فعلٍ مِن فعالِها يكون على هذا القدر من السموّ والرفعة..
 
عندما تُسَرُّ فاطمة بأنَّ الله تعالى كفاها ما خَلفَ الباب.. وأوجب عليها ما دونَه.. فهذا يعني أنَّ هذه العظيمة قد حَمَلَت مسؤولية تتناسب وعظمتها.. وهي مسؤولية أسرتها الشريفة الطاهرة المباركة.. فلا ترى المرأة اليوم في حمل هذه المسؤولية إلا شأناً عظيماً..
فتكون عليها السلام في ذلك أسوةً لنسائنا.. وبناتنا.. فتكتسبُ أفعالهنَّ العظمة والرِّفعة..
 
وكما أنَّ المعصية لا يُنظرُ فيها إلى قَدرها.. بل إلى مَن يُعصى.. كذلك الطاعة يُنظرُ فيها إلى مَن نُطيع، وإلى عظيم أثرها وتَنَاسُبِهَا مع تكوين الإنسان وخلقته.. فتصيرُ أمراً عظيماً..
 
هكذا يصيرُ طلبُ الرَّجل للقمةٍ يسدُّ بها رمق أطفاله من حلال جهاداً في سبيل الله! ويصبح حُسنُ تبعُّل المرأة جهاداً لها!
هكذا نفهم كيف أنَّ السَّعي في شؤون الحياة بحسب الوُسع والطاقة هو أمرٌ عظيمٌ عند الله تعالى.
هكذا نفهم أنَّ أعظم دورٍ يقوم به أحدنا هو ما كلَّفه الله تعالى به وأوجبه عليه، ثمَّ ما ندبه إليه.
 
بهذا.. يصيرُ طلبُ العلم.. وتعليمه.. والعمل به.. أمراً في غاية العظمة.. فإذا قام بذلك أحدُنا عُدَّ في ملكوت السماوات عظيماً.. لماذا؟ لأنَّ هذا هو الدور الأكمل الذي يمكن أن يقوم به.. وهو الذي ذخره الله تعالى له..
 
هكذا لا يَعتَنِي المُتاجِرُ مع الله تعالى بالشُّهرة.. ولا بالرئاسة.. ولا بالكثرة والقلَّة.. فالميزان عند الله هو الإخلاص.. وبه تقبل الأعمال..
هكذا نفهم أنَّ الصمت قد يكونُ مَوقِفاً.. كما الكلام..
وأنَّ احتجاب الزَّهراء عليها السلام عن الرِّجال كمالٌ لها.. وأنّ خطبتها وكلامها في سبيل حفظ الدين كمالٌ كذلك..
 
لقد كانت الزَّهراء قدوةً لنا.. لقد كانت النساء تأتينها وتسألنها عن أمور الدين.. فتُثَنِّي إحداهُنَّ السؤال وتُثَلِّث حتى تُعَشِّر.. وفاطمة لا يثقل عليها شيء من ذلك..
هي فاطمةُ نفسُها التي خُلقَ نورُها قبل خلق السماوات والأرض.. تعرفُ قدرَ مسألةٍ ترشدُ بها عباد الله..
 
فمَن أنتِ يا فاطمة؟!
لا عجب أن يُفطَمَ النَّاسُ عن معرفتك.. وأن لا يكون لك كفوٌ سوى عليٍّ عليه السلام..
 
فسبحانَ مَن سوّاكِ يا فاطمة..
 
لقد قال النبيُّ يوماً إنَّ: أَعْلَى دَرَجَاتِ الجَنَّةِ لِمَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ، وَنَصَرَنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ... وَفِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ النَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ، وَأَعَانَ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ (المحاسن ج‏1 ص153).
 
نستذكرُ اليوم سيدتي مَن تجرَّؤوا عليكِ يوماً.. بيدهم واللِّسان.. وننتظرُ إماماً من نسلك يجتثُّ اليد الآثمة التي امتدَّت إليكِ.. فيقطعها..
 
نسأل الله تعالى أن يوفَّقنا لنُصرَتكم.. وأن يطهِّرَنا بموالاتكم.. ويرفع قدرنا باتِّباعكم.. ويحشرنا معكم.
والحمد لله رب العالمين
 
الجمعة 20 جمادى الأولى 1444 للهجرة، الموافق 13-1-2023 م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/01/13



كتابة تعليق لموضوع : سبحان مَن سَوَّاكِ.. يا فاطمة!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net