صفحة الكاتب : عدي عدنان البلداوي

حرية المرأة وأزمة الهوية .. دراسة انثروبولوجية ..4...
عدي عدنان البلداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ومن المفيد ان نذكر ان دعوات تحرير المرأة اليوم تظهر في فترة يتعرض فيها المجتمع الى اختناقات واحتقانات واشكاليات بسبب الاوضاع العامة عالمياً واقليمياً ومحلياً لمختلف بلدان العالم على اختلاف مواقعها الجغرافية وقدراتها الاقتصادية ومواردها البشرية وامكاناتها الثقافية وخلفياتها الحضارية وتاريخها الديني والادبي والاخلاقي ، وبالتالي فإن المجتمع يتعرض الى ما يدفعه باتجاه القبول او الاستسلام لضغوطات الواقع بعد ان اصيب المجتمع في قدراته على تفعيل الرقابة المجتمعية بالضعف ، فبدت هنا وهناك سلوكيات غريبة او هي شاذة في رأي بعضهم وخطيرة في رأي اخرين مثل تشبه بعض الشباب بالبنات في اعادة بعض الشباب مكننة حركة اجسامهم ليغدو اقرب فسيولوجياً الى جسم المرأة منه الى جسم الرجل ، يضاف الى ذلك ما تشهده من قصات شعر ومكياج يظهر بها بعض الشباب .. انها قضية خطيرة تدفع بالمجتمع يوماً بعد آخر الى التفريط بأهم شريحة فيه وهي الشباب ، فإذا ما التبس على الشاب امر رجولته ، شعرت المرأة  بتهديد يطال انوثتها ، لأن الفطرة البشرية للمرأة تقوم على البحث عن مصادر الاطمئنان بوجود رجل يرعاها ويتكفلها ويحميها لتعيش وجودها معه كما هو الحال مع الرجل ، وعندما اريد التلاعب بجينات الفطرة البشرية بهدف انتاج جيل لا يعرف هويته البيولوجية ، فإنه لا شك جيل فاقد لأي قدرة على تكوين هويته الشخصية والفكرية والثقافية تكويناً سليماً ، ولعل اخطر ما استشعره في طروحات حرية المرأة اليوم هو ان المجتمع معرّض الى التفريط بالمرأة ، واذا حصل هذا ، فهو يحكم على مستقبل الحياة بالعقم ، لأنه لن يعود بوسع المجتمع الاستمرار على النمط الذي اريد للبشرية ان تنشأ عليه ، وقد يدخل التاريخ ولأول مرة مرحلة التشويه بعدما يتم الإعداد لظهور جيل فاقد لهويته البيولوجية ، او هو غير متأكد من نوعها ، او هو يضع احتمالاً مستقبلياً لإعادة تعريفها من جديد على وفق ميول نفسية دون النظر في المناخ العام الذي تتولد فيه هذه الميول ، ولقد نسمع هنا وهناك عن توجه الغرب الى الغاء فقرة نوع الجنس في لائحة التعليمات المراد من الشخص املاؤها لدخول المدرسة او المستشفى او غيرها ، وهناك توجهات الى تجاوز مفهوم الاسرة المتكونة من اب وام واولاد وترك هذا التحديد مفتوحا على اكثر من احتمال في اشارة الى امكانية تكوين اسرة من رجلين واولاد او امرأتين واولاد ، او .. او..

ان محاولات إعلاء قيمة الفرد الشخصية دون ضوابط وثوابت وقواعد من شأنه ان ينتج هوية فردية غير هادفة ، مثلما يحدث مع المثليين والمنحرفين والمتحولين بايولوجياً والمتطرفين فكرياً ، هذه الانشطة لا تقدم لمسيرة البشرية جديداً يخدم وعيها وادراكها للذات ادراكاً يسهم في تحجيم وحل المشاكل التي تواجهها ، ربما على العكس ، فإن هذا الإعلاء الفردي وبهذه الصورة ، وفي هذه الفترة المرتبكة والمربكة من عمر الانسانية يسهم في صرف انظار الناس عما ينتظرهم من مشاكل يتوقعها علماء المستقبليات .

تلعب السياسة العالمية على وتر حساس جداً ، فهي تدعو الى الاهتمام بقيمة الشخص  وحريته التي اعلنها ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الانسان ، فهو حر في التعبير والتفكير والتقرير والتغيير ، ولكن هذا التغليب للهوية الفردية في زمن وفرة المعلومات وشحة الوعي نتيجة اضطراب في القدرة على معرفة الصحيح من الخطأ ، مع ازدياد اعداد الفقراء وظهور فقر الرفاهية عند آخرين ، يستهوي الفرد لأنه يفتقر الى مقومات الشعور الجمعي ويعيش فراغاً نفسياً وعاطفياً وثقافياً ، وكان من الصراع النفسي الذي يعيشه الفرد انه اخذ يبرر سلوكياته الخاطئة من خلال مفاهيم انسانية ، كأن تبرر امرأة عملها في النوادي الليلية بإعالتها عدداً من الفقراء ، وقد يبرر رجل دين ظهوره في اماكن تتنافى مع حرمة الزي الديني الذي يلبسه ، انه لا يتجاوز الموروث ، لكنه يرفض تقييد ماهو طبيعي واعتيادي مثل ملاطفة النساء ومداعبة الصغار مادام لا يصل الى ارتكابه المحرم ..

يدفع الفقراء حياتهم ثمناً لصراع الهويات الفردية لجهات واشخاص في مواقع القرار في البلاد ، فهم الأسهل تجنيداً اوقات الحروب والأزمات والصراعات .. في أوقات السلم حيث يجري تقسيم الهويات بدون اسلحة ، فإن فقر الرفاهية الذي يعاني منه كثير من الشباب ، يقودهم الى تبني تقسيم الهويات من حيث لا يشعرون ، فهم يفعلون ذلك ليحصلوا على موبايل احدث أو سيارة احدث ، لذا فهم لا ينتبهون الى ان سعيهم هذا يبعدهم عن هويات اخرى عليهم تفعيلها في حياتهم مثل الهوية الانسانية والهوية الإسلامية والهوية الاجتماعية والهوية الثقافية ، فقد صار واحدهم معني اكثر مما ينبغي بتفعيل هويته الاقتصادية ، فهو يريد ان يكون في افضل حال بأسرع وقت وأيسر السبل ، وقد يقدّم لهذا الغرض تنازلات تطال هويته الدينية أو الاخلاقية ، أو ..

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو : كيف ينظر الفرد الى نفسه ؟ ما هي ملامح الهوية التي يعرف بها نفسه ويرى نفسه فيها ؟

ان المجتمع اليوم محاط بمشاعر غريبة تفرض نفسها عليه في واقع منهك اقتصادياً ومشتت سياسياً ومنفلت امنياً ومتردي تربوياً ومصاب اخلاقياً ، وكل هذا يتضارب مع الهوية الإسلامية ، وهو ما دفعه الى التفكير بعدم جدوى البحث عن حلول لمشاكله من خلال الدين في هذه المرحلة ، لذا لم يعد يجد ما يدعوه الى التمسك بالهوية الدينية مثلما يجد مبررات كثيرة تدعوه الى المضي في طريق المشاريع الصناعية الاقتصادية العالمية  وان كانت تشعره بالتبعية التي يترتب عليها شعوراً بتدني قيمة الذات واختراق الخصوصية ، فالواقع يفرض في كثير من الأحيان اموراً لا نقبلها .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عدي عدنان البلداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/12/27



كتابة تعليق لموضوع : حرية المرأة وأزمة الهوية .. دراسة انثروبولوجية ..4...
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net