البعد الروحي للطواف (30)ركن الحجر
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

نقل الشيخ الصدوق (اعلى الله مقامه) باسناده عن وهب عن ابن عباس رواية عن النبي (صلى الله عليه واله) تتحدث عن الحجر الاسود وفي ذيلها تناول الركن فقال "وان الركن يمين الله عز وجل في الارض وليبعثنه الله يوم القيامة وله لسان وشفتان ولينطقنه الله يوم القيامة بلسان طلق ذلق ليشهد لمن استلمه بحق استلامه اليوم، بيعة لمن لم يدرك بيعة رسول الله (صلى الله عليه واله) " 
ففي هذا النص اشارة الى ان استلام الركن بمنزلة البيعة للنبي (صلى الله عليه واله) التي تكون بالمصافحه، واعلان الاقرار بالنبوة للنبي (صلى الله عليه واله)  والاتباع له فهي الجزء العملي الحسي من اعلان الايمان على رؤوس الاشهاد، اذ كانت الناس في ايام النبي (صلى الله عليه واله) تبايعه بمصافحته وبه جرت السيرة مع القادة والولاة والحكام اذ كانت تؤخذ منهم البيعة ويرسل الحاكم من يمثله لأخذ البيعة من الرعية.
وهذا معنى من التعاهد للميثاق وتجديد العهد يحققه ذلك الفعل من الناسك وهو يطوف بالبيت الحرام فالطواف مع الايمان والاعتقاد اعلان للاتباع للنبي (صلى الله عليه واله) وهو معنى اخر من معاني البيعة اذ البيعة تعني الالتزام والاتباع والطاعة بما وقع عليه التوافق بين الطرفين. واستلام الركن حال الطواف مع هذا المعنى اعلان بيعة للنبي (صلى الله عليه واله) مع الالتزام المسبق بكل مباني الاسلام أي ان الاستلام للركن تأييد للالتزام وتجديد التعاهد بالميثاق.
ونسب الى وهب: (ان الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة انزلا فوضعا على الصفا فاضاء نورهما لأهل الأرض ما بين المشرق والمغرب كما يضيء المصباح في الليل المظلم يؤمن الروعة ويستأنس اليهما وليبعثن الركن والمقام وهما في العظم مثل ابي قبيس يشهدان لمن وافهما بالموافاة فرفع النور عنهما وغير حسنهما ووضعا حيث هما) .
فبناء على هذا القول يكون الركن والمقام ذوا اصل غير ارضي، ولعل المراد من الركن هنا نفس الحجر الاسود حيث ان ركن الحجر تم هدمه واعيد بناؤه عدة مرات، اما الحجر وصخرة المقام فانهما منذ وجودهما الى اليوم لم يبدلا ولم يغيرا.
وفي رواية عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام)  قال : "قال رسول الله (صلى الله عليه واله) طوفوا بالبيت واستلموا الركن فانه يمين الله في ارضه يصافح بها خلقه" 
وقد فسر الشيخ الصدوق (اعلى الله مقامه) معنى يمين الله بقوله: " معنى يمين الله طريق الله الذي يأخذ به المؤمنون الى الجنة، ولهذا قال الصادق (عليه السلام) انه بابنا الذي ندخل منه  الجنة. ولهذا قال (عليه السلام): ان فيه بابا من ابوب الجنة لم يغلق منذ فتح وفيه نهر من الجنة تلقى فيه اعمال العباد. وهذا هو الركن اليماني لا ركن الحجر" 
وهذ المعنى ينسجم مع ما انتشر بين الناس ان الطرق الى الله بعدد انفاس الخلائق، أي ان طريق الهداية الى الله ابوابه مشرعة ويمكن لكل انسان ان يصل الى رضوان الله والقرب منه اذا سلك الطريق الموصل اليه، والطريق الى الله تعالى واحد غير متعدد فهو تعالى يقول ﴿ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾  ويقول ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾   فالطريق الى الله تعالى واحد ولكن المنافذ اليه كثيرة، فسبيل الله كالنهر العظيم الذي تتفرع عنه العديد من الروافد ،ولكن يجمع بينها انها تأخذ منه المادة الاصل وهو الماء، فكذلك المنافذ الى سبيل الله الواحد كثيرة، ولكن لا بد ان تستقي من الاصل الواحد، وهذا الاصل هو العقيدة الحقة والالتزام بأحكام الشرع واخلاق الاسلام، فهذا هو الاصل المشترك الذي ان فقد لم يتحقق الوصول الى سبيل الله، بل يكون اتباع للهوى وانسياق وراء الضلالة، فمثله كالسائر في الصحراء على غير هدى كلما اوغل في السير ازداد بعداً عن المقصد، فالنهر العظيم يملأ روافده بالماء وتبقى طبيعة الارض والمناخ متحكمة في كفاءة المنتج فكما ان هناك ارض تزدهر فيه الحمضيات وارض يبسق  فيها النخيل فكذا الابواب الى سبيل الله فانها تتعلق بخصال الافراد ومديات استعدادهم، فبعض يتقرب الى الله بالعبادة والتهجد آناء الليل واطراف النهار وبعض طريقة الى القرب التعلم وبث العلم وبعض يتقرب اليه بحمل السيف للجهاد في سبيل الله والدفاع عن حياض المسلمين وبعض في الاخلاص بالعمل وبعض بالاخلاق الحميدة والخصال الحسنة .
وهكذا تتعدد الابواب التي توصل الى سبيل الله بعد الأخذ من المنبع العظيم، والركن لمن عرف معناه باب الى رضوان لله حيث ان معنى الاستلام تجديد العهد والميثاق مع حضور المعاني الحقيقة لما عاهد العبد به ربه وواثقه عليه.
وربما ان ركن الحجر باب مختص لال البيت (عليهم السلام) وهو ما عبر عنه (صلوات الله عليه) انه بابنا، فلعه مختص بهم (صلوات الله عليهم)، ولعله باب لهم ولمن تشبه بهم (صلوات الله عليهم) بحيث يكون ذلك المتبع شديد الالتصاق باهل البيت (عليهم السلام) وشديد الشبه عمليا بهم كعمار وابي ذر والمقداد وسلمان ومالك الاشتر (رضوان الله عليهم اجمعين).

الموضوع السابق تأثير النزاعات السياسية على العلاقات الاجتماعية

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat