صفحة الكاتب : محمد غازي الأخرس

أزمة أبو تحسين ونعاله الحزين
محمد غازي الأخرس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 وعدت قبل يومين أن أتحدّث عن أزماتنا الحاضرة وها أنا ذا أفعل مع الاعتذار لكم عن اللوعة التي ربما ستتنفس في هذه المقالة وتطلق زفيرها الشبيه بالنار قائلة ـ يا ويلنا من أنفسنا ! 

نعم، إذا كانت أزمات الماضي تتجسد خارج النفس الأمّارة بالسوء ـ وإن كنت أشكّ في ذلك ـ فإن أزمات حاضرنا تنبعث من دواخلنا المحبطة والخائفة ، دواخلنا التي تبدو كحضيرة ذئاب تقتتل في ليل بهيم ، متوجسة من بعضها البعض رعبا ومسيئة الظن برفيقاتها في الرحلة نحو المجهول . 
ليس مصادفة أن أبدو اليوم متحمسا للحديث عن (دواخلنا ) ، فبعد تسع سنوات من زوال سلطة الأزمة الدائمة وتحررنا من طوابيرها الجامدة كجثث في ثلاجة ، ها نحن ندور وندور حول بؤرة واحدة ، بؤرة تكثف كلّ ما مررنا به طوال قرن من سوء علاقة ، من مظالم وقتول وإبادات ، من احتكار للسلطة ، من استبعاد لشرائح وتنعم أخرى على أريكة التاريخ .
خلافاتنا هذه ربما يختصرها مونولوج داخلي يقول : أنا أشكّ في نواياك يا صاحبي في السجن ، ولديّ حدس أنك تقعد على تلة من الغدر، عباءتك ملفوفة على خنجر، وعيناك تطلقان سربا من العقبان لافتراسي ! 
كلنا يردد هذه العبارة دون أن يعي نوع الحروف التي تجسّدها . كلنا لا يزال مستفزا منذ تلك اللحظة ، لحظة تحرّك اليد اليمنى التي شلّت من الخوف لقرون ، يوم ضرب أبو تحسين بنعاله على الصورة وهو يخنق العبرات . كانت الصورة تضحك وأبو تحسين يبكي ، العالم يحتفل بمقدم الربيع إلى بستان الشرق بينما نحن نتأهب لإطلاق الوحوش من أقفاصها، كان المكاريد يفركون الصدأ عن قلوبهم بينما الآخرون يشحذون السكاكين عند حدادين ينتشرون في نقاط التماس صارخين بهم ـ مكانكم المقابر لا أريكة التاريخ . 
نقاط التماس فكرة طريفة، فأزمات حاضرنا تدور حولها والمصيبة أن نقاط التماس هذه لا توجد خارج ذواتنا ، هي تدور بنا وتديرنا ككؤوس في حانة مجنونة. 
زوال الثقة بيننا هي السكرة الكبرى، وهي ـ أذا أردتم الحق ـ نتاج قرن من السوء والاستفراد والتهميش ، قرن كلّله صدام بثلاثين عاما من الأزمات المميتة والنتيجة لن تعدو الآتي: السكاكين تُشحذ والمكاريد يذبحون كالخراف في العيد. لن أنس ذلك المشهد الذي أرانيه أحدهم في الموبايل ؛ مكرود يقاد في مقبرة مجهولة وشخص ما يقول له ـ سمعان بواحد يشوف قبره ..أنت راح تشوف قبرك بعينك ! 
كان المتحدث مأزوما ومستفزا ، كان يستبق خنجرا وهميا مخبوءا في عباءة القتيل. وبعد قليل ينطلق رصاص ما منهيا أزمة الثقة بإعدامها : 
ـ ألم أقل لك يا صاحبي أنك ستقتلني ! 
حوار أكاد أسمعه مع كل مشهد قتل والخلفية أتخيلها جيدا ؛ حشود تحتفل بطلوع فجر الدم في وقت يتكون تلّ من ( الصنادل) و( الشحّاطات) على جسر، قرب سوق ، بمحاذاة كنيسة ، في قلب جامع ، بل في فؤاد صاحبي ، أبو تحسين الذي لا يزال يضرب الصورة بالنعال وهو يبكي على ماضيه المقلق للروح . 
قلت لكم في البداية أن لوعة ما ستتنفس في مقالة اليوم ، ستمسك هذه اللوعة بسيجارة وتقعد في مأتم مزدحم ، ستبثّ دخانا لمعركة تفور في الداخل حيث الذئاب تهاجم نفسها ثم تلتفت لمجموعة مكاريد عائدين من العمل وهم يغنون ـ كمره وربيعه ..دنيانه يا ابن الناس ..كمره وربيعه !
الذئاب لا تحتمل نداء الدم فتهرع لهم . وبينما الضحايا يرون قبورهم ، أتذكره ، أبو تحسين ، ما زال يضرب صورة صدام بنعاله وهو يبكي ..

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد غازي الأخرس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/05/22



كتابة تعليق لموضوع : أزمة أبو تحسين ونعاله الحزين
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net