صفحة الكاتب : محمد  عبد الجبار الشبوط

ثروة مسؤول حكومي
محمد عبد الجبار الشبوط

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قيام مسؤول حكومي، مدني او عسكري، بايداع مبلغ كبير من المال في البنك، او قيامه بشراء منزل بمبلغ كبير، او ما شابه ذلك، لابد ان يثير الانتباه ويسترعي التدقيق في الامر.
في الحالات العادية يجمع الانسان ثروته اما من خلال التجارة المشروعة، او من راتبه الحكومي، او من ارث. وحديثي اليوم متعلق فقط بالمسؤول الحكومي الذي استطاع ان يجمع ثروة طائلة اثناء وجوده في المنصب. ومهما كان الراتب الحكومي، من درجة وزير فما دون، على الاقل، فانه لا يكفي لجمع ثروة طائلة. واذا ما لاحظنا ان احدهم اصبح ثريا بدرجة تمكنه من ايداع مبالغ طائلة في البنك او شراء عقارات غالية، فيجب ان يثور السؤال: من اين لك هذا؟ لان مثل هذا الثراء من الممكن ان يندرج تحت عنوان "الاثراء غير المشروع" وهو احد عناوين الفساد الاداري الذي يتمثل في استغلال المنصب للاثراء غير المشروع.
سبق لي ان توليت مناصب رفيعة في الدولة العراقية بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام ٢٠٠٣؛ وعرفت الية صرف المال العام في الدولة؛ وهذا ما يتيح لي القول انه لا يصعب على الشيطان، حيث لا ذمة ولا ضمير، ان يثري بطريق غير مشروع ما دام في منصبه الحكومي. يستطيع هذا الشيطان ان يسرق بطرق تبدو قانونية، وقد ينطلي الامر على الجهات الرقابية وكفى الله المؤمنين شر القتال. في مقابل ذلك، فان الادوات التي وضعتها الدولة للحد من الاثراء غير الشرعي غير كافية لتحقيق ذلك، بما في ذلك الكشف السنوي عن الذمة المالية.
ولهذا يؤسفني ان اقول ان عددا من المسؤولين الحكوميين اثروا بعد توليهم المنصب الحكومي. الله اعلم بعددهم، لكني اتجرأ بالقول ان العدد ليس بالقليل. ولهذا فاننا بحاجة الى مراجعة صارمة لثروات المسؤولين الحكوميين وخاصة اصحاب الدرجات الخاصة (رؤساء الجمهورية ونوابهم ورؤساء الحكومة والوزراء ووكلاء الوزراء والنواب والمحافظون ورؤساء الهيئات المستقلة والمدراء العامون، ومن هم بدرجة هؤلاء) ورؤساء الاحزاب وغيرهم.
وبالمناسبة يجب الانتباه الى دور الشركات الوسيطة (المحلية) في الاثراء غير المشروع لبعض المسؤولين واحتمال تورطها معهم في الفساد المالي الذي نتحدث عنه. وقد تكشف التحقيقات عن علاقة ما بين المسؤول والشركة الوسيطة يتم من خلالها تقاسم الربح الحرام.
لا ازعم ان الفساد الحالي جديد على العراق. فهو موجود منذ ايام الدولة العثمانية يوم كان العراق احدى ولاياتها؛ لكن المؤكد ان الفساد تفاقم بمعدلات عالية في ظل نظام المحاصصة الذي يشكل احد عناصر البيئة الحاضنة للفساد.
ولا يفوتني ان اذكر هنا ان الفساد المالي هو احد افرازات الخلل الحاد في المركب الحضاري للمجتمع العراقي ومنظومة القيم العليا الحافة به. وهذا خلل قديم لم ينشأ من فراغ.
انا اعرف ان دعوات كثيرة صدرت بعنوان مكافحة الفساد والحد منه، كما اعرف ان لجانا كثيرة شكلت لهذا الغرض وكلها لم تسفر عن نتيجة فعلية وملموسة في الحد من الفساد. وهناك اسباب كثيرة لهذا الفشل في مقدمتها ان الادوات المستخدمة في محاربة الفساد، والبشرية منها على وجه الخصوص، جاءت من نفس البيئة السياسية والادارية التي تدور حولها شبهات الفساد. والا فكيف نفهم ان تشكل لجان عليا لمحاربة الفساد من موظفين كبار في الدولة? ان الفساد يعشعش في الدرجة الاولى في المؤسسات والدوائر الحكومية ولا يعقل ان يحارب الفساد مسؤولو هذه الدوائر والمؤسسات. ان اية استراتيجية لمحاربة الفساد يجب ان تاخذ بنظرها هذه النقطة، اضافة الى مسألة الخلل الحاد في المركب الحضاري.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد عبد الجبار الشبوط
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/11/23



كتابة تعليق لموضوع : ثروة مسؤول حكومي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net