المدينة المنوّرة فقدت نورها
عبير المنظور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عبير المنظور
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ها قد حلّ الظلام في المدينة المنوّرة، وخيّم الكمد بين فيافيها،
حزنا لرحيل حبيب الله فيها، فتصدعت اركانها وتضعضعت، وخلعت رداء انوارها المضيئة وارتدت عتمة لا تزول، وحنين جدرانها لا ينقطع كحنين الجذع المقطوع شوقا للنبي الخاتم الذي احتضنه فسكت(١)، فمن يُسْكِتُ حنين الجمادات في المدينة بعد فقدك يا رسول الله، وانّى لنا بحضنك الدافئ واحتواؤك للكون بأسره بتلك الحضنة الحانية من اب هذه الامة ونبيها.
خيّم السواد على مدينتك الثكلى يا رسول الله، واستحال بياض الزنابق الى سواد يحاكي دخان الحريق الذي سرى في امتك بقوة من صنع ابناء السقيفة، وتطاير الشذا من الزهر ليبث رائحة الفقد المريع، وتمايلت السنابل وانحنت ونفثت حنطتها حزنا كلما نفثت زهراؤك حزنها وبثت لوعتها في براري المدينة بعد ان اخرجها اهل مدينتك التي عمّ السواد طرقاتها وقلوب ساكنيها لان صوت الحوراء الانسية الثكلى قد ازعجهم ولمّا يبرد تراب ملحودتك!!!!
نحن الطيور احطنا زهرائك بحنّو حينما كانت تنشج ألماً وتتنهد كرباً وتزفر حزناً، وشاطرناها عزائها فيك حتى اعتزلت في بيت احزانها فكنا نسمع صوتها وشجوها ونحلق حول بيت احزانها هائمين ونغرد معها بترانيم حزن عميق مواساة لها.
سيدي ، مدينتك المنورة اصبحت متوحشة من بعدك ومن بعد عترتك، وبعد ان فقدنا صوت بلال الذي يتردد في الارجاء صادحا بالأذان في مواقيت الصلاة فازدادت المدينة وضواحيها توحشاً وغربة، وتجدد حزننا عليك عندما انقطعت فاطمتك عن بيت الاحزان ولازمت فراشها وأُترعت سقماً وهمّاً من امتك، حتى سمعنا صوت الاذان الاخير لبلال الذي كان بطلب من مولاتنا فاطمة، فعلمنا انه اذان الوداع وقرب اللقاء بك، وحلّ الظلام الحالك مرة اخرى على مدينتك، ولم يبق لنا الا نور عترتك الطاهرة نستضيء به حتى بزوغ النور الاكبر في ظهور حفيدك الموعود ليعيد انوار مدينتك بإحياء شريعتك ودينك في ذلك اليوم الموعود.
الهوامش:
___
(١)اشارة الى حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله كان يخطب على جذع قبل أن يتخذ المنبر فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن الجذع (فجاء إليه) فاحتضنه فسكن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة.
راجع مناقب الإمام أمير المؤمنين (ع)، محمد بن سليمان الكوفي، ج١، ص٩٧.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat