صفحة الكاتب : حنان محمد البدري

زيارة الأربعين بين الماضي والحاضر
حنان محمد البدري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 منذ أن التقى الأمام زين العابدين (عليه السلام)، بالصحابي الجليل جابر الأنصاري، بعد أن كف بصرهِ، وقاده غلامهِ إلى كربلاء، حيث إغتسل بماءِ الفرات، وتطيب للقاء عزيز قلبهِ سبط الرسول الأمام الحسين (عليه السلام )، حينها ناداه "حبيبٌ لايجيب حبيبه" حتى اقتدى به المؤمنون، والعاشقون؛ لزيارة إمامهم المظلوم الشهيد، في يوم العشرين من صفر  في كل عام، فأصبحت هذه الزيارة احدى علامات المؤمن الموالي الخمس وهي: ( صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين، والتختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).

تعرضت هذه الزيارة على مختلف العصور، لشتى انواع إلاعتداء، والمنع وكانت هدفاً للطغاة في محاربتها، والوقوف ضدها؛ حتى تفننوا بوسائل منع زوار الحسين (عليه السلام)، ووصل بهم الأمر في زمن الأمويين، والعباسيين، إلى هدم مرقده الشريف، وتجريفه وغمرهِ، بالمياه كما تعرض أتباع اهل البيت (صلوات الله عليهم) ممن يقصدون مرقدة الشريف إلى القتل، وقطع اليد، والساق، ودفع الضرائب، لكن جميع هذه الممارسات، لم تثنيهم عن زيارته، ولم تتوقف قوافل الزوار على مر العصور؛ بالرغم من كل تلك العقوبات الاجرامية، فكان المؤمنون يضحون بأرواحهم، وايديهم، وارجلهم من أجل الوصول إلى القبر الشريف.
فمن ظلم الأمويين والعباسيين وصولاً إلى نظام البعث الديكتاتوري المجرم، الذي حاول منذ وصوله السلطة عام 1968، إلغاء مسيرة الأربعين، التي يتمسك بها الموالين لأهل البيت، منذ قرون عديدة؛ لأنها كانت تشكل لهم تهديداً، وتحدياً كبيراً، فثورة الأمام الحسين ( عليه السلام) كانت رمزاً لكل الثورات على الظلم، ونصرة المظلومين؛ لذا عمل النظام البائد بكل جهده، على مدى خمساً وثلاثين عاماً، على اسدال الستار على تلك المسيرة الخالدة، حيث قام بالتضييق عليها، ومنعها خوفاً من الجموع الزائرة المتوجهة إلى كربلاء المقدسة، والتي تشمل انحاء العراق المختلفة، وهذا ماحدث في أحداث ماعُرِفَ بثورة 1977، والتي كانت عبارة عن انتفاضة شعب حسيني ثائر، بوجه نظام يزيدي كافر، فبدأت المواجهة الكبرى مع النظام البعثي الكافر، وتحدت الجماهير الحسينية الطائرات، والدبابات، بدروعٍ بشرية؛ لتكسر هذه الأنتفاضة حاجز الخوف للجماهير، من خلال دخولهم في معركة حاسمة، مع فلول النظام البعثي المجرم على طريق كربلاء - نجف، والتي استمرت عدة أيام؛ حيث كان لها الدور الفعال في تغيير تاريخ العراق السياسي، وتعرية النظام البعثي الدموي، ومهدت لأنتفاضات اخرى، آخرها انتفاضة رجب 1398 هجريه، وانتفاضة الخامس عشر من شعبان، حتى سقوط نظام البعث، ونهاية عصر الطواغيت في العراق.
فبعد سقوط نظام البعث الديكتاتوري، عادت الزيارة للظهور بمستوى أوسع؛ لتمثل ظاهرة كبرى تتناقلها وسائل الأعلام العربية، والأجنبية، وتتسابق فيما بينها على تغطيتها. 
أصبحت اليوم هذه الزيارة محل دهشة، وتعجب لكل العالم ويتابعونها بأهتمامٍ كبير كل عام؛ أذ لاتتكرر هذه الظاهرة في أي مكان من العالم؛ وذلك بسبب الأعداد المليونية التي تزحف نحو كربلاء، من كل حدبٍ وصوب، كما لايوجد شعب مثل العراق، يتمكن بإمكانياته المادية القليلة، بضيافة تلك الملايين، وتوفير كافة مستلزمات الراحة، والخدمات من مأكل، ومسكن،  وحتى الملبس لدرجة؛ إن يتسابقوا فيما بينهم لتقديم الخدمات التي تصل أحياناً لغسل أقدام الزوار، وتدليكها.
ولاتتوقف الأمور على حسن الضيافة، التي لن تجد لها منافساً حتى في موسوعة (غينيس )، بل تتعداها إلى تداعيات أخلاقية، وسياسية حيث تزيد هذه الزيارة من لحمة أبناء المجتمع، فجميع طبقات الشعب من سنة، وشيعة، ومسيح، وصابئة مندائيين، وغيرها يشاركون في المشي،ومراسم العزاء، أو خدمة الزائرين.
من المؤكد استمرار هذه الزيارة منذ اكثر من 1400 سنة، ولغاية اليوم ماهي إلا عناية ألهية، وتكريماً لسيد الشهداء، ولتلك الدماء الطاهرة التي سالت على أرضِ كربلاء.
اللهم أحفظ كل محبي وزوار الحسين عليه السلام، والسائرين في طريق كربلاء، وأرجعهم لأهلهم سالمين، ونسأل الله يعيد علينا هذه الزيارة، كل عام بأمنٍ وأمان، وأطمئنان.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حنان محمد البدري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/10



كتابة تعليق لموضوع : زيارة الأربعين بين الماضي والحاضر
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net