السلاطين.. وسَفكُ الدِّماء!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سم الله الرحمن الرحيم
إنَّ سَفكَ الدَّمِ الحرامِ جريمةٌ عظيمةٌ عند الله، خطيرةٌ عند العباد، مُذ شقَّ طَريقَهُ قابيلُ في سالف الأيّام.
ولقد تَوَهَّمَ الأقوياءُ غالباً أنَّ في سَفكِ الدَّم مزيداً مِن القوَّة والسَّطوَة والجَبَروت، وأنَّ سَفكَ الدِّماء سبيلٌ لنيل المُلك والسُّلطان والحفاظ عليه.
لكنَّ إمامَ الحقِّ والعدالة، وسيِّدَ العَدلِ والإنصاف، أمير المؤمنين عليه السلام، أزاحَ الغشاوة عن أبصار العِباد، وبَيَّنَ في عهده لمالك الأشتر بعضَ آثار وتَبِعات سفك الدَّم الحرام، ومنها:
أوَّلاً: استحقاق القاتل القتل
قال عليه السلام للأشتر: لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ الله وَلَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ (نهج البلاغة الكتاب 53).
فأوَّلُ ما يَجِبُ فِعلُه هو القصاصُ مِنَ القاتِل، وذلك بقَتله، فالله تعالى لا يعذُرُ القاتِلَ في الدُّنيا، ولا وليُّه يعذُرُه، بل يُنزِلُ به عقاباً يُفنيه! ويُخرجه من هذه الدُّنيا كما أخرَجَ هو مَن قَتَلَهم، وفي هذا خَطَرٌ شديدٌ على النَّفس، وهي أعزُّ ما يُملَك.
ثانياً: زوالُ النِّعمة! ونُزُولُ النّقمة!
يقول عليه السلام للأشتر:
إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ، وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ:
1. أَدْعَى لِنِقْمَةٍ
2. وَلَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ
3. وَلَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ
4. وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ
مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا!
هكذا ينقلبُ الحالُ على القاتل، فإنَّ ما أراده سبباً لتحصيل النِّعَم، سيصيرُ سبباً في تزايُد النَّقمة عليه في الدُّنيا، وتحميله تَبِعاتٍ جديدة لم يسبق أن عَرَفَها، فالنَّقمةُ تكون مِن الله تعالى أولاً، ثمَّ مِن أوليائه ثانياً، ومِن أهل المقتول وقرابته وعشيرته ثالثاً، ثمَّ مِن كلِّ مَن يتَّصفُ بالإنسانية ويتعاطف مع المظلوم رابعاً، لأنَّ العاقل لا يرضى بفعل الظالم ولو لم يُبتلى به.
وهكذا تتراكمُ النَّقمات وتزداد التَّبعات والآثار لجريمة القتل، ثم يبدأ الله عزَّ وجلَّ بسلبِ هذا القاتل ما أنعَمَ به عليه، فأيُّ قرارٍ ستَنعَمُ به نَفسُ القاتل بعد جريمته! إنَّ القاتل يُسلَبُ نعمة الرَّاحة والطمأنينة، تتلوها سائر النِّعَم، حتى ينتهي به الأمرُ بانقطاع مُدَّته، ومِن انقطاع المُدَّة تقصير العُمر، فيموت قبلَ أوانه، ويقرُبُ أجَلُه.
ولئن عَمَّرَ حاكمٌ ظالمٌ قاتلٌ سنينَ طويلة، فلعلَّه كان قد كُتِبَ له ما يزيد عن ذلك، ولما عصى الله قَطَعَ اللهُ أمَدَه لجُرمه فقصَّره، أو لعلَّهُ أمهَلَهُ ليزداد إثماً، أو لعلَّه كان له بعضُ فِعال الخَير فجزاه الله تعالى بها في الدُّنيا لكي يتمحَّضَ في العذاب يوم القيامة، أو لكلِّ هذه الأمور وسواها.
ثالثاً: تضعيف السُّلطان وزواله
لطالَما كان سببُ القتل عند السلاطين هو تقوية نفوذهم، وعند الطالبين للسلطان هو الإسراع في الحصول عليه، لكنَّهم غفلوا عمَّا أرشد إليه كلام أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر حين قال:
فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ، وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ!
لقد انقلَبَت النتيجة، فلم يكن القتلُ سبباً في تقوية السُّلطان، بل في تضعيفه وزواله!
إنَّ حُكماً كحكم عليٍّ عليه السلام لا يُقارَن بحُكم مَن سَبَقَه ولحقه ممَّن سفكوا الدِّماء ظُلماً وعُدواناً!
إذ أيُّ قُوَّةٍ لسلطانٍ يُبغضُه قومُه! ويستقوي عليهم بجلاوزته! أو يُحبُّونه لاجتماعهم معه على الباطل!
فالقويُّ قويٌّ بالحقِّ والعدل والإنصاف، أمّا البَغيُ فلا يورثُ إلا قوَّةً ظاهرة، باطنها فيه العذاب.
بل إنَّ سفكَ الدَّم الحرام يؤدي إلى ضعف ووَهن السُّلطان فِعلاً، لأمورٍ كثيرة، منها خشية مَن حولَه مِن ظُلمِه وبطشه، فتكون طاعتهم له مقرونةً بخشيتهم منه، وإذا ما أمِنوا منه سارعوا في الإنقلاب عليه، وهو حال كثيرٍ من أبناء السلاطين أو حاشيتهم المنقلبين عليهم، والموقِعِين بهم أشدَّ بغيٍ كما بغوا.
فيكون سفكُ الدم الحرام سبباً في زوال المُلك وانتقاله لا في تثبيته وترسيخه.
رابعاً: الجزاءُ يوم الجزاء!
ثمَّ يبتدأ الله تعالى بمعاقبة القاتل قبل سواه يوم الحساب، يقول عليه السلام للأشتر: وَالله سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!
حينَها يُقتلُ القاتلُ: مِائَةَ أَلْفِ قَتْلَةٍ مِثْلَ قَتْلَةِ صَاحِبِه!
ثمَّ يوضع في أشدِّ مواضع جهنمَّ عذاباً، وهو العذاب العظيم الذي قال عنه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً﴾ (النساء94).
ولقد حذَّرَ الصادق عليه السلام من أيامٍ يَسخَطُ الله تعالى فيها على عباده، ذاك حيث يقول:
إذا.. رَأَيْتَ سَفْكَ الدِّمَاءِ يُسْتَخَفُّ بِهَا!
وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ لِعَرَضِ الدُّنْيَا!
وَيَشْهَرُ نَفْسَهُ بِخُبْثِ اللِّسَانِ لِيُتَّقَى وَتُسْنَدَ إِلَيْهِ الْأُمُور.. (الكافي ج8 ص40).
حينَها على المؤمن الحَذَر والترقُّب، لما يريدُه الله تعالى من إمهال هؤلاء، قبل أن يُنزِلَ بهم ما كَتَبَ عليهم.
لقد استخفَّ هؤلاء بسَفك الدِّماء، وهو بابُ الفساد الأعظم في المجتمع، فكيف لو اجتمع مع الاستخفاف أو نتجَ عنه أمورٌ منها:
1. القتلُ الجماعيُّ للمؤمنين، أو التسبيبُ بذلك، والمؤمنون أشدُّ حُرمةً مِن سائر النّاس، فحرمته مِن أعظَمِ الحُرُمات عند الله، ودَمُهُ أشدُّ شيءٍ عند الله، فما حالُ قتل المؤمنين قتلاً عاماً؟!
2. إثارةُ الفتنة بين المؤمنين، وسلبهم أمنَهم واستقرارَهم، والإخلال بنَظمِهم، وبثُّ الخوف والرُّعب بينَهم، ومَن أخافَ مؤمناً: أَخَافَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه.. وَمَنْ رَوَّعَ مُؤْمِناً بِسُلْطَانٍ لِيُصِيبَهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ فَأَصَابَهُ فَهُوَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَآلِ فِرْعَوْنَ فِي النَّارِ (الكافي ج2 ص368).
3. تضعيف المؤمنين وتقوية أعدائهم عليهم، وهو من أشدِّ المحرَّمات عند الله تعالى.
4. تعطيل شعائر الله تعالى، ومنع المؤمنين من ممارسة شعائرهم التي بها تُحفَظُ أديانُهم، وتَفويتُ المنافع الدينية والدنيوية عليهم.
وغيرها الكثير من أبواب الفساد.. مما تطولُ به القائمة، ونراه ماثلاً أمام أعيننا كلَّما طَلَّت فتنةٌ برأسها، أو نَجَمَ قَرنُ الشِّيطان.
ولعلَّ مِن أشدِّها ما يُجَرُّ به القبح لمذهب الحقّ!
وقد قالوا عليهم السلام: كُونُوا زَيْناً وَلَا تَكُونُوا شَيْناً، جُرُّوا إِلَيْنَا كُلَّ مَوَدَّةٍ، وَادْفَعُوا عَنَّا كُلَّ قَبِيح! (تحف العقول ص488).
فأين الذي يدفعُ القبيح عن مذهب الحق وأئمته؟!
وأين الذي يجرُّ لهم المودة؟
هل صارَ في القتل وسفك الدماء وبث الفرقة وتضعيف المؤمنين وإثارة الفتنة استجرارٌ للمودة إليهم عليهم السلام؟!
هل انقلبَت الموازينُ إلى هذا الحدِّ عند بعض أبناء الحقّ حتى استخفّوا بدماء إخوانهم فأمعَنوا فيهم قتلاً وظُلما وعدوانا؟!
إنَّه أمرٌ يُدمي الفؤاد ويُقرِحُه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم أصلح كلَّ فاسدٍ من أمورنا، وعجِّل فرجَ وليك.. وسهِّل مخرجه.. وادفع الغمَّة عن هذه الأمة بحضوره.
والحمد لله رب العالمين
الأربعاء 3 صفر 1444 هـ الموافق 31 – 8 – 2022 م
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سم الله الرحمن الرحيم
إنَّ سَفكَ الدَّمِ الحرامِ جريمةٌ عظيمةٌ عند الله، خطيرةٌ عند العباد، مُذ شقَّ طَريقَهُ قابيلُ في سالف الأيّام.
ولقد تَوَهَّمَ الأقوياءُ غالباً أنَّ في سَفكِ الدَّم مزيداً مِن القوَّة والسَّطوَة والجَبَروت، وأنَّ سَفكَ الدِّماء سبيلٌ لنيل المُلك والسُّلطان والحفاظ عليه.
لكنَّ إمامَ الحقِّ والعدالة، وسيِّدَ العَدلِ والإنصاف، أمير المؤمنين عليه السلام، أزاحَ الغشاوة عن أبصار العِباد، وبَيَّنَ في عهده لمالك الأشتر بعضَ آثار وتَبِعات سفك الدَّم الحرام، ومنها:
أوَّلاً: استحقاق القاتل القتل
قال عليه السلام للأشتر: لَا عُذْرَ لَكَ عِنْدَ الله وَلَا عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، لِأَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ (نهج البلاغة الكتاب 53).
فأوَّلُ ما يَجِبُ فِعلُه هو القصاصُ مِنَ القاتِل، وذلك بقَتله، فالله تعالى لا يعذُرُ القاتِلَ في الدُّنيا، ولا وليُّه يعذُرُه، بل يُنزِلُ به عقاباً يُفنيه! ويُخرجه من هذه الدُّنيا كما أخرَجَ هو مَن قَتَلَهم، وفي هذا خَطَرٌ شديدٌ على النَّفس، وهي أعزُّ ما يُملَك.
ثانياً: زوالُ النِّعمة! ونُزُولُ النّقمة!
يقول عليه السلام للأشتر:
إِيَّاكَ وَالدِّمَاءَ، وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ:
1. أَدْعَى لِنِقْمَةٍ
2. وَلَا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ
3. وَلَا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ
4. وَانْقِطَاعِ مُدَّةٍ
مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا!
هكذا ينقلبُ الحالُ على القاتل، فإنَّ ما أراده سبباً لتحصيل النِّعَم، سيصيرُ سبباً في تزايُد النَّقمة عليه في الدُّنيا، وتحميله تَبِعاتٍ جديدة لم يسبق أن عَرَفَها، فالنَّقمةُ تكون مِن الله تعالى أولاً، ثمَّ مِن أوليائه ثانياً، ومِن أهل المقتول وقرابته وعشيرته ثالثاً، ثمَّ مِن كلِّ مَن يتَّصفُ بالإنسانية ويتعاطف مع المظلوم رابعاً، لأنَّ العاقل لا يرضى بفعل الظالم ولو لم يُبتلى به.
وهكذا تتراكمُ النَّقمات وتزداد التَّبعات والآثار لجريمة القتل، ثم يبدأ الله عزَّ وجلَّ بسلبِ هذا القاتل ما أنعَمَ به عليه، فأيُّ قرارٍ ستَنعَمُ به نَفسُ القاتل بعد جريمته! إنَّ القاتل يُسلَبُ نعمة الرَّاحة والطمأنينة، تتلوها سائر النِّعَم، حتى ينتهي به الأمرُ بانقطاع مُدَّته، ومِن انقطاع المُدَّة تقصير العُمر، فيموت قبلَ أوانه، ويقرُبُ أجَلُه.
ولئن عَمَّرَ حاكمٌ ظالمٌ قاتلٌ سنينَ طويلة، فلعلَّه كان قد كُتِبَ له ما يزيد عن ذلك، ولما عصى الله قَطَعَ اللهُ أمَدَه لجُرمه فقصَّره، أو لعلَّهُ أمهَلَهُ ليزداد إثماً، أو لعلَّه كان له بعضُ فِعال الخَير فجزاه الله تعالى بها في الدُّنيا لكي يتمحَّضَ في العذاب يوم القيامة، أو لكلِّ هذه الأمور وسواها.
ثالثاً: تضعيف السُّلطان وزواله
لطالَما كان سببُ القتل عند السلاطين هو تقوية نفوذهم، وعند الطالبين للسلطان هو الإسراع في الحصول عليه، لكنَّهم غفلوا عمَّا أرشد إليه كلام أمير المؤمنين عليه السلام للأشتر حين قال:
فَلَا تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ، وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزِيلُهُ وَيَنْقُلُهُ!
لقد انقلَبَت النتيجة، فلم يكن القتلُ سبباً في تقوية السُّلطان، بل في تضعيفه وزواله!
إنَّ حُكماً كحكم عليٍّ عليه السلام لا يُقارَن بحُكم مَن سَبَقَه ولحقه ممَّن سفكوا الدِّماء ظُلماً وعُدواناً!
إذ أيُّ قُوَّةٍ لسلطانٍ يُبغضُه قومُه! ويستقوي عليهم بجلاوزته! أو يُحبُّونه لاجتماعهم معه على الباطل!
فالقويُّ قويٌّ بالحقِّ والعدل والإنصاف، أمّا البَغيُ فلا يورثُ إلا قوَّةً ظاهرة، باطنها فيه العذاب.
بل إنَّ سفكَ الدَّم الحرام يؤدي إلى ضعف ووَهن السُّلطان فِعلاً، لأمورٍ كثيرة، منها خشية مَن حولَه مِن ظُلمِه وبطشه، فتكون طاعتهم له مقرونةً بخشيتهم منه، وإذا ما أمِنوا منه سارعوا في الإنقلاب عليه، وهو حال كثيرٍ من أبناء السلاطين أو حاشيتهم المنقلبين عليهم، والموقِعِين بهم أشدَّ بغيٍ كما بغوا.
فيكون سفكُ الدم الحرام سبباً في زوال المُلك وانتقاله لا في تثبيته وترسيخه.
رابعاً: الجزاءُ يوم الجزاء!
ثمَّ يبتدأ الله تعالى بمعاقبة القاتل قبل سواه يوم الحساب، يقول عليه السلام للأشتر: وَالله سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ!
حينَها يُقتلُ القاتلُ: مِائَةَ أَلْفِ قَتْلَةٍ مِثْلَ قَتْلَةِ صَاحِبِه!
ثمَّ يوضع في أشدِّ مواضع جهنمَّ عذاباً، وهو العذاب العظيم الذي قال عنه تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً﴾ (النساء94).
ولقد حذَّرَ الصادق عليه السلام من أيامٍ يَسخَطُ الله تعالى فيها على عباده، ذاك حيث يقول:
إذا.. رَأَيْتَ سَفْكَ الدِّمَاءِ يُسْتَخَفُّ بِهَا!
وَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَطْلُبُ الرِّئَاسَةَ لِعَرَضِ الدُّنْيَا!
وَيَشْهَرُ نَفْسَهُ بِخُبْثِ اللِّسَانِ لِيُتَّقَى وَتُسْنَدَ إِلَيْهِ الْأُمُور.. (الكافي ج8 ص40).
حينَها على المؤمن الحَذَر والترقُّب، لما يريدُه الله تعالى من إمهال هؤلاء، قبل أن يُنزِلَ بهم ما كَتَبَ عليهم.
لقد استخفَّ هؤلاء بسَفك الدِّماء، وهو بابُ الفساد الأعظم في المجتمع، فكيف لو اجتمع مع الاستخفاف أو نتجَ عنه أمورٌ منها:
1. القتلُ الجماعيُّ للمؤمنين، أو التسبيبُ بذلك، والمؤمنون أشدُّ حُرمةً مِن سائر النّاس، فحرمته مِن أعظَمِ الحُرُمات عند الله، ودَمُهُ أشدُّ شيءٍ عند الله، فما حالُ قتل المؤمنين قتلاً عاماً؟!
2. إثارةُ الفتنة بين المؤمنين، وسلبهم أمنَهم واستقرارَهم، والإخلال بنَظمِهم، وبثُّ الخوف والرُّعب بينَهم، ومَن أخافَ مؤمناً: أَخَافَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه.. وَمَنْ رَوَّعَ مُؤْمِناً بِسُلْطَانٍ لِيُصِيبَهُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ فَأَصَابَهُ فَهُوَ مَعَ فِرْعَوْنَ وَآلِ فِرْعَوْنَ فِي النَّارِ (الكافي ج2 ص368).
3. تضعيف المؤمنين وتقوية أعدائهم عليهم، وهو من أشدِّ المحرَّمات عند الله تعالى.
4. تعطيل شعائر الله تعالى، ومنع المؤمنين من ممارسة شعائرهم التي بها تُحفَظُ أديانُهم، وتَفويتُ المنافع الدينية والدنيوية عليهم.
وغيرها الكثير من أبواب الفساد.. مما تطولُ به القائمة، ونراه ماثلاً أمام أعيننا كلَّما طَلَّت فتنةٌ برأسها، أو نَجَمَ قَرنُ الشِّيطان.
ولعلَّ مِن أشدِّها ما يُجَرُّ به القبح لمذهب الحقّ!
وقد قالوا عليهم السلام: كُونُوا زَيْناً وَلَا تَكُونُوا شَيْناً، جُرُّوا إِلَيْنَا كُلَّ مَوَدَّةٍ، وَادْفَعُوا عَنَّا كُلَّ قَبِيح! (تحف العقول ص488).
فأين الذي يدفعُ القبيح عن مذهب الحق وأئمته؟!
وأين الذي يجرُّ لهم المودة؟
هل صارَ في القتل وسفك الدماء وبث الفرقة وتضعيف المؤمنين وإثارة الفتنة استجرارٌ للمودة إليهم عليهم السلام؟!
هل انقلبَت الموازينُ إلى هذا الحدِّ عند بعض أبناء الحقّ حتى استخفّوا بدماء إخوانهم فأمعَنوا فيهم قتلاً وظُلما وعدوانا؟!
إنَّه أمرٌ يُدمي الفؤاد ويُقرِحُه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللهم أصلح كلَّ فاسدٍ من أمورنا، وعجِّل فرجَ وليك.. وسهِّل مخرجه.. وادفع الغمَّة عن هذه الأمة بحضوره.
والحمد لله رب العالمين
الأربعاء 3 صفر 1444 هـ الموافق 31 – 8 – 2022 م
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat