صفحة الكاتب : عمار عبد الكريم البغدادي

من وحي شهريار وشهرزاد (70) العباقرة
عمار عبد الكريم البغدادي

شهرزاد : برغم ذلك الأخذ والعطاء الذي جسد أرق معاني التكاتف الأسري في حكاية (أعظم رجل في العالم ) ، لكنني أتطلع الى أسباب أخرى تحول دون محبة معلنة بين الأشقاء والشقيقات ، صغيرهم وكبيرهم .

شهريار : كأن عليّ أن أذكّرك دائما بإن ( الأنا المتعالية ) سبب رئيس في ضياع المحبة بين الأخوة والأخوات ،ولا تنحصر مسؤولية الوالدين بتوصية المحبة المتبادلة بين الجميع ، وإنْ كانت أطلاقات المحبة الدائمة تطفئ نار الأنا المتعالية، وتجسد أنقى المشاعر الإنسانية بين أفراد الأسرة ، وترسم لوحة ( نحن فقط )، فإن ثقافات ضائعة في تلك الإطلاقات كـ( التواضع والإبتسامة والإعتذار والمسامحة) من شأنها أن تنسف ذلك الترابط ، ولعل أعظم إرشاد يقدمه الوالدان هو التحلي بتلك الإطلاقات أبتداءً ، لايمكننا بأي شكل من الأشكال أن نعلّم أولادنا تلك الثقافات من غير أن نكون سبّاقين لها ، فإن السلوك العام للوالدين يصنع أعمق مراحل الحتمية النفسية (التركيبة الشخصية للأبناء والبنات ) ، وعلى هذا الأساس : إنْ كان الوالدان متواضعين ،  متسامحين ، معترفين باخطائهما ، معتذرين عن أي اساءة منهم عمت تلك الثقافات الضائعة في مجتمعاتنا عموما ،وصارت منهجا قويما لتعامل الأشقاء والشقيقات ، فإن عرفنا  أن كل أسرة هي لبنة حيّة في مجتمع كبير ، حرصنا على إشاعة تلك الثقافات في منازلنا ، لنضمن إطلاقات محبة وسعادة وإستقرار في بيوتنا ثم في مجتمعاتنا وذلك هو غاية الغايات .

كل مشاكلنا إجتماعية ياشهرزاد ، فكل ما يحيط بنا من أمراض القلوب كالكراهية والضغينة والتنافس غير المحمود ، وتقديم مصالح الفرد على مصالح المجتمع ،وضياع الأوطان ، والحروب ، والتقاتل بين أبناء البلد الواحد تحت مسميات لانسمع عنها شيئا في أزمنة المحبة هو في الأصل مشاكل إجتماعية.

في المنزل الواحد ( المجتمع الصغير) نحن بحاجة الى التخلص من تلك الأمراض ، فإن كان تحقيق النصر الداخلي بمسامحة النفس وتقديرها ودعم مواهبها الخاصة والأعتذار لها عن أخطاء الماضي ، والتمسك بالقيمة العليا منطلقا لمسامحة الأشقاء والشقيقات والأبناء والبنات وتقدير ذواتهم ومهاراتهم وبالتالي تحقيق التكاتف والمحبة الدائمة ، فأن تلك الثقافات التي جعلت منازلنا في غاية السعادة والإستقرار ستكون قاعدة متينة ينطلق منها الجميع نحو تحقيق النصر العام في ميادين الحياة .

وقد نقترب من الصواب إنْ شبّهنا أحد تلك المنازل السعيدة بمجموعة من العباقرة الذين نجحوا في إعمار جزيرتهم الصغيرة ، وقاموا بإنشاء منازل ضخمة ،وزرعوا مساحات كبيرة بأشهى أنواع الفواكه والخضروات ، تسقيها جداول عذبة تمر بقرب  تلك المنازل بشكل متساوٍ تقريبا ، وعلى أغصان الأشجار العالية تعيش كل أنواع الطيور ، وفي المزارع حقول دواجن ، ومياه البحر المحيطة بالجزيرة تغدق عليهم بأفخر أنواع الأسماك ، بل إنهم يحصلون على اللآلئ والمرجان بمهام غوص يسيرة ،وجادت عليهم الجبال بما يحتاجون إليه من المعادن والأحجار ومواد البناء لتنفيذ مشاريعهم ، ولأنهم مجموعة من العباقرة فقد أجاد كل واحد منهم في مجال تخصصه ، فمنهم من أمّن الإتصالات ، ومنهم من أوجد الكهرباء ، وآخرون أبدعوا في بناء الطرق والجسور، والأطباء حرصوا على بناء مستشفى كبير مجهز بأعلى التقنيات ، وكانت قليلا ما تصيبهم الأمراض لأنهم يعيشون وسط طبيعة غناء ، وليس في تلك الجزيرة شرطي واحد ، فكل فرد يعرف واجباته وحقوقه ، وهو يعمل من أجل تحقيق ذاته فهو ليس بحاجة الى المال .

أنهوا  كل مشاريعهم وبنوا حضارة متكاملة ثم بدأوا يفكرون في نقل إبداعاتهم الى العالم الخارجي ، وتكاتفوا في مشروعهم لبناء مركبة فضائية تنقلهم الى تحقيق إنتصارهم الجديد ، فلما أكملوا بناءها ، إطمأنوا الى أن القواعد التي أسسوا  عليها تلك الحضارة قادرة على تأمين إنطلاق آمن لمركبتهم العظيمة التي سرعان ما حطت في أرض شبه جرداء ، وأنطلق كل عبقري منهم يُعلّم مجموعة من البسطاء أسرار الحضارة التي جاء منها .

وقد يكون واضحا أن العبقرية في هذا التشبيه دلالة على القيم العليا والمهارات الخاصة التي أودعها الله في كل فرد منا ، والخيرات المحيطة بتلك المجموعة هي إطلاقات المحبة المتأصلة في النفوس التي تلهم الإبداع والرقي بالتعامل ، وتجسد مبدأ الأخذ والعطاء لإعمار القلوب قبل الأوطان ، وتلك الحضارة هي حصيلة التكاتف بين أفراد الأسرة ، ولأنه تكاتف مبني على أسس متينة فقد صار منطلقا الى المجتمع المتعطش الى أسرار السعادة المرسومة على وجوه الوالدين والأشقاء والشقيقات فهم مثل يحتذى لنشر ثقافة المحبة في ميادين الحياة . 

يقول مؤسس علم النفس الفردي الدكتور النمساوي ألفرد أدلر : "ليس لدينا مشاكل في حياتنا سوى مشاكل أجتماعية ، وتلك المشاكل الإجتماعية يمكننا حلها فقط أذا كنا مهتمين بالآخرين ".

نعم ياشهرزاد إن الإهتمام بالآخرين دليل ، لا يقبل الشك ، على محبة حقيقية قوامها التكاتف والتقدير المتبادل ، ومن غيره لايمكن تحقيق النجاح الخاص أو العام ، فذلك الأهتمام أعمق رغبة في نفوسنا ونفوس الآخرين .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عمار عبد الكريم البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/25



كتابة تعليق لموضوع : من وحي شهريار وشهرزاد (70) العباقرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net