صفحة الكاتب : عبير المنظور

سلامٌ وإسلام
عبير المنظور

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 على مشارف الوداع، تتبعثر المشاعر وتتلعثم الحروف وتتقاطر الدموع من الاماق كحبات لؤلؤ منثور..

اختنقتُ بعبرتي وانا ارى جيراني وهم عائلة عربية من العراق هاجرت الى بلدي الدنمارك منذ اشهر يحملون حقائبهم ليغادروا كوبنهاغن الى ارهوس للعمل، لم اتمالك نفسي فانفجرت باكية، لم احتمل فكرة فراقهم فأخذت دنيا تمسح دموعي المتساقطة قرب السلالم وهي تودعني مع زوجها وابنها الصغير واعطتني وجبة غدائي كالعادة غير ان هذه المرة اكثرت لي من الطعام، حقيقة لم اعرف الحب والاهتمام الا معهم، ودعتهم قائلة : 

-على اجنحة الحمائم البيضاء طرّزتُ امنياتي لكم بالسعادة اينما حللتم، باركتكم السماء.

قالت دنيا وهي تقبّل رأسي: سنأتي لزيارتك دائما اماه، لا تنسينا من دعائك.

ودعوني ومضوا وعدت انا وقطتي لشقتي اجتر خيبتي وفراغي ووحدتي التي عادت مجددا.

استطالت الدقائق بغيابهم وكأنها ساعات، لم يقطع الصمت المطبق في شقتي سوى مواء قطتي الذي قلّ هو الاخر يبدو انها حزينة لفراقهم ايضا، ورنة جهاز هاتفي الذي لم يرن لسنوات حتى عرفت هذه العائلة، كانوا يتصلون بي بيت الفينة والاخرى ليطمئنوا عليّ، حتى عندما وصلوا بيتهم الجديد اتصلوا بي اتصالا فيديويا ليشعروني اني معهم دائما.

اقفلت جهاز الهاتف وارتميت على سريري باكية، كم ظلمتهم وكم اتهمتهم بتهم لا اساس لها من الصحة، لا انكر انني ضجرت عندما علمت ان عائلة مسلمة ستسكن بالقرب مني، وحاولت جاهدة مع صاحب النزل ان لا يُسكن مسلمين معنا

قلت له: الا تعلم ان المسلمين اينما حلوا يحل معهم العنف والكره والعنصرية؟، اما ترى وسائل الاعلام كيف تصف المسلمين وما يفعلوه في الغرب؟

الا تخاف على سِلْم بلدنا وامانه وهو ثاني بلد بعد نيوزيلندا من ناحية السلم ؟ 

ولكن عبثا ضاعت محاولاتي.

في النهاية رضخت للامر الواقع وكنت اتجنبهم كثيرا ولا احب التواصل معهم.

ولا زلت اتذكر جيدا اول موقف لي معهم حينما كنت اتمشى صباحا كالعادة وكنت عائدة بعد ان اشتريت طعاما لي ولقطتي، قابلتهم على السلم، عرضت علي دنيا المساعدة بان تحمل الاكياس عني، رفضت طلبها بتعجرف وتعالٍ ، غير انها بحركة خفيفة اخذت الاكياس مني واسندتني اثناء صعود السلم حتى اوصلتني الى باب شقتي، وسألتني ان كنت ارغب بان تُدخل الاكياس الا انني رفضت حتى انني لم اشكرها وطلبت منها ان لا تتدخل بشؤوني مرة اخرى، ودخلت لشقتي.

ورغم تلك المعاملة الجافة جاءت تتفقدني اذ لم ترني اتمشى صباحا كعادتي، طرقت الباب واطمئنت على صحتي وكنت مريضة، كما ارسلت لي طعاما لاتغذّى في فترة مرضي وتطعمني وتهتم هي وزوجها بعلاجي وتنظف شقتي وتخرج لتعود مساءا مع طعام العشاء وهكذا لمدة ثلاثة ايام حتى شفيت، فكرت كثيرا ترى لماذا يتعاملون معي هكذا ؟ حاولت ان اسألهم ولكن خجلت، فشكرتهم وكان شكري لهم هذه المرة من قلبي فلديّ ابنتين لم يسألا عني منذ سنوات رغم اتصالي الدائم بهما حتى طلبا ان لا اتصل بهما ابدا ومنذ تلك اللحظة نسيت ان عندي ابنتين، تمنيت ان تكون دنيا احدى ابنتيّ لحنانها وطيبتها ، فعلا كانت دنيا جديدة اشرقت بها حياتي، خاصة عندما طلبت رقم هاتفي لتطمئن عليّ ليلا، كما طلبت مني ان تخرجني معهم للنزهة لتغيير الجو بعد المرض وافقت بشرط ان تخبرني لماذا تعمل معي ذلك؟ فقالت وهي تبتسم ابتسامتها المعهودة: لان رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) امرنا بالجار قبل الدار، ثم انك بعمر جدتي وعليّ احترامك وقضاء حوائجك.

لم يقطع شريط ذكرياتي سوى طرق الباب، فعجبت كثيرا لم اعتد على طرق الباب سوى منهم، فتحت الباب وجدت جاري والتر يسأل عني فعجبت كثيرا ، قال :

- لا تعجبي خالة كاميلا، لقد طلب مني حيدر قبل ان يغادر الاهتمام بك كأمه!! 

بصراحة انه اعطاني مالا لاهتم بك بعد ان وجدني غير مهتم بالمرة

قلت له :

-انا لم اكلم امي منذ ثلاث سنوات فكيف اسأل عن سيدة كبيرة لا اعرفها .

 قال لي :

-انه حسن الجوار وجبر الخواطر كما ان عليك ان تتصل بوالدتك من باب بر الوالدين .

قلت له: 

-اتعلم ان هذه العجوز اتهمتكم بالارهاب والاجرام كونكم مسلمين؟

قال :

- نعم،  اعرف،  اعلم ان هذه فكرتكم جميعا عنا ولكن هذه الفكرة غير صحيحة وديننا دين سماحة وسلام ثم ان الجار قبل الدار يا صاح .

وربّت على كتفي

لم اشأ ان اطيل الحديث معه وفكرت ان اسأل عنكِ لاجل المال فقط ولكنني خجلت من نفسي ومن اخلاق ذلك الرجل المسلم.

بكيت واحتضنته وكأني احتضن حيدر، عدت الى شقتي وانا افكر ترى اي دين هذا الذي يراعي فيه المرء انسانا غريبا عنه بحكم الجيرة وهو على غير دين وملة فكيف بالوالدين والاقارب؟ ولماذا يحث ذلك الدين على صلة الارحام كما اخبرتني دنيا؟
بقيت اياما احاول ان اعتاد فراقهم ، لا شيء جديد سوى الذكريات الذي اعيدها كثيرا، فكل مكان في شقتي يذكرني فيهم، حتى قطتي التي كان يلعب معها ابنهم علي،  باب شقتهم صباحا وانا انزل للمشي.
ما تغير فقط ان والتر يطرق الباب مساء يسأل عني حاملا لي بعض الاغراض.  

وفي احد الايام فوجئت بطرق الباب في وقت غياب والتر فعجبت كثيرا، فتحت الباب لاجد ان مندوبا يحمل كعكة وبعض الطعام والهدايا وقال لي : عيد ميلاد سعيد .

سألته: من ارسل هذه الاغراض؟ قال لي: شخص يدعى حيدر .

وخرج ، اتصلت بدنيا اجابت: 

اعتقد ان الهدية وصلتك خالة كاميلا، كنا نتمنى ان نحضر عيد ميلادك لكن منعتنا ظروف عمل حيدر في الميناء.

- نعم يا ابنتي، وصلت، شكرا لك ولحيدر، قبّلي لي علي.

اختنقت بعبرتي واقفلت الخط، انها اول مرة اقول فيها كلمة (ابنتي) منذ اعوام وكنت اقصدها حقا.

اثر فيّ ذلك الموقف حقا، وجعلني افكر كثيرا في الاسلام والمسلمين واصحح نظرتي عنهم، فالدين الذي يهتم بتماسك الاسرة والمجتمع هو دين سلام ومحبة حقا وليس كما يشاع عندنا، ومما اكد لي هواجسي هو مفاجأتهم لي بدخولهم عليّ بعيد الفصح حاملين معهم ديكا روميا وبيضا مزخرفا ليحتفلوا معي بعيد لا يؤمنون به ومعهم جارنا والتر.

استغربت كثيرا وسألتهم بحق:

هل دينكم يأمركم بان تحتفلوا معنا؟

قال حيدر: بصراحة يا  اماه، كلا ، ولكنه جبر للخواطر وحسن الجيرة وبر الوالدين.

قال بر الوالدين ونظر الى والتر وضحك وضحكنا جميعا.

اعتدل حيدر في جلسته وقال: لا انكر ان هناك من يشوه صورة الاسلام والمسلمين بقصد او بغير قصد ولكن هذا يُحسب عليهم لا على الاسلام، اتعلمين يا خالة كاميلا ان القائد العربي قتيبة بن مسلم الباهلي حاصر الصين وحاول فتحها  للاسلام مرارا حتى ارسل وفده الى ملك الصين للتفاوض في قصة مفصلة ذكرها المؤرخون العرب كالطبري وابن كثير وغيرهم ما يهمنا منها ان ملك الصين سأل الوفد: فما الذي يرضي صاحبكم؟

قالوا: قد اقسم ان لا ينصرف حتى يطأ ارضك يختم ملوكك ويجبي الجزية من بلادك.

فقال ملك الصين: انا ابر بيمينه وارسل اليه بصحاف من ذهب فيها تراب من ارضي يطأه، واربع غلمان من ابناء الملوك يختم رقابهم ومالا جزيلا، وكان الامر كذلك وعاد قتيبة ولكن ما جعل الاسلام ينتشر في الصين هو اخلاق التجار وسماحتهم وسيرتهم العطرة والامانة في التعامل.

لم انس ابدا هذا الموقف، وجعلني افكر كثيرا في دين الاسلام ، كيف لدين يأمر بجبر الخواطر للغرباء ان يكون ارهابيا؟ كيف لدين يامر ببر الوالدين بعد الايمان بالله ان يكون اجراميا؟

مرت ايام وشهور وانا افكر وابحث على مواقع الانترنيت عن الاسلام واحكامه، حتى قرب عيد الاضحى وطلبت من والتر ان يشتري لي خروفا وان ياخذني الى ارهوس لزيارة عائلة حيدر، وفعلا وصلنا الى هناك والجميع ينظر الينا بذهول خاصة مع وجود الخروف والقطة حتى وصلنا الى منزل حيدر في اول ايام عيد الاضحى وكان منزله بالقرب من الميناء، فتحت دنيا الباب وتفاجأت بوجودي مع والتر وامامنا الخروف والقطة، قالت دنيا:

- يا لها من مفاجأة خالة كاميلا.

خرج حيدر وعلي وتفاجاوا كذلك.

قلت لهم: 

- يا اولادي الاحباء، منذ فترة طويلة وانا في حيرة من امري فيكم وفي دينكم حتى اكتشفت الحقيقة بالبحث والتقصي وما شاهدته عن قرب منكم ومن محبتكم وعطفكم فعرفت انه دين سلام واسلام، 

ها انا اليوم اتيتكم رغم ضعف خطواتي واثقة الخطى لاقول كلمتين امام الجميع، اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبير المنظور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/16



كتابة تعليق لموضوع : سلامٌ وإسلام
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net