صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

ساعة العتبة العباسية المقدسة في ذاكرتي
علي حسين الخباز

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 ربما يكون البحث في ثنايا الذاكرة أكثر نفعاً من البحث في ثنايا الكتاب، فهي الأقرب والوسيلة الأكثر اطمئناناً؛ كونها تعتمد على ركيزتين: ذاكرة ما قرأت، وذاكرة ما قيل من المنقول الشعبي. كان يقال أن اهل كربلاء يختلفون عن حياة الناس في جميع المدن مساجدهم لا تحتاج الى مآذن؛ كونها قريبة عن مآذن العتبة، ويسمع الأذان في جميع ارجاء المدينة القديمة.
 ثانياً_ انسانها لا يحتاج الى ساعة؛ كونها ساعة العتبة الدقاقة، فلذلك البحث في الذاكرة عن تاريخ ساعة العتبة العباسية الدقاقة اقرب الى النفس، اقرأ ما مدون ولا اختلف مع من كتب عن ساعات المدن؛ كونها ظاهرة ثقافية وحضارية مميزة لا تكاد تخلو منها مدينة في العالم, ولا تقتصـر وظيفة هذه الساعات على الناحية الجمالية أو تزيين الساحات، فالكثير منها تضبط حركة المدن وترسم إيقاعها اليومي، في الوقت نفسه هي تمثل جانباً من تراث وتأريخ المجتمعات في القرن الماضي قبل أن تختفي وتزول أو يمحى أثرها.
 ولا شك أنها ثروة تراثية لا تعوّض، وساعة العتبة العباسية الموجودة على برج منصوب على سطح مدخل باب القبلة وهي ساعة تاريخية ولها ألفة روحية مع قلب كل من سكن كربلاء.
 يستيقظ أهالي مدينة كربلاء المقدسة الذين يسكنون بالقرب من العتبتين المقدستين على دقاتها القوية، ويوقِّت الناسُ ساعاتهم على حركات عقاربها, حيث امتازت هذه الساعة بضخامتها وفخامتها، إضافة إلى قدمها وجمالها, فقد تحولت خلال ما يقارب من نصف قرن من تاريخها إلى جزء من هوية المدينة ودخلت في نسيجها الاجتماعي؛ كونها نادرة وذات بصمة آثارية.
يعود تاريخ تشييد ونصب هذه الساعة إلى 1311هـ 1894م حيث شيُّدت من قبل الحاج أمين السلطان وأشرف على نصبها السيد قطب, توجد مثيلاتها في بناية القشلة (منطقة الحيدر خانة) في بغداد، وساعة الروضة الكاظمية المقدسة، وساعة العتبة العسكرية المقدسة.
 أتذكر ان طريقة اشتغال آلياتها كانت صعبة بحيث تشغل الية (الكوك) على ثقل عال يمد من سطح العتبة العباسية ويبقى ينزل ببطء، وعملية وصوله الى الأرض بثمانية وأربعين ساعة فيعاد رفع الثقل عالياً لينزل ببطء مسجلا بداية 48 ساعة .
 ومن النوادر التي احملها في رأسي أن احد ساعاتي كربلاء كان يواظب قربها ليل نهار لمتابعتها وادامتها وتصليحها والاشراف على جميع العمليات التي تجري لتشغيلها، ويقال انه كان يعمل دون مقابل، واشترط أن يدفن بقربها، وفعلاً رحل الى آخرته وهو يعانق ظل الساعة الدقاقة، ومن جميل ما يشير لها المؤرخون أنها ارتبطت بمصير الروضة العباسية المقدسة فعندما تعرضت الروضة المطهرة إلى القصف في العهد العثماني تعرضت الساعة هي الأخرى أيضاً للأضرار نتيجة القصف المعادي لتراث أهل البيت (عليهم السلام) مما أدى إلى تعطلها عن العمل.
 كما تعرضت إلى التخريب خلال الانتفاضة الشعبانية عام 1991م-1411هـ، حيث أصيبت القبة الطاهرة للمولى أبي الفضل العباس (عليه السلام) بقذيفة مدفع ثقيل، وأصيب برج الساعة من جراء ذلك القصف الغادر، وأصيبت أجهزتها أيضاً بأضرار جسيمة، وفقدت الكثير من أجزائها، وقد تمكن قسم الشؤون الهندسية والفنية في العتبة العباسية المقدسة بالتعاون مع بعض الخيرين من تصليح الساعة وإعادتها إلى الحياة , وقد أُجريت لها العديدُ من أعمال الصيانة، لكنها لم تعُدْ إلى سابق عهدها.
أما المظهر الخارجي لبرج الساعة فتأخذ قمته شكل قبة مذهبة، تحتوي في باطنها على أجراس ضخمة عددها ثلاثة تسمع دقّاتها كل ربع ساعة، وتقوم هذه القبة على أعمدة مذهّبة تشكل فيما بينها ما يشبه الإواوين المقوّسة وعددها ثمانية، تستند هذه الأعمدة على مساحة مربعة تمثل سقف الغرفة الرئيسة للساعة التي تحتوي على ماكنتها.
كان هذا في الماضي القريب، أما اليوم فقد تم إدامتها واعادة إعمارها بلمساتٍ عصـريّة جَمَعَت تراث الماضي بحاضر اليوم ضمن مشـروع التوسعة الأفقية التي شهدتها العتبة العباسية المقدسة التي شملت باب القبلة الذي يعتليه برجُ الساعة، وقد وُضِعَ في عين الاعتبار مشـروعُ برج الساعة فتمّ تخصيصُ مشـروعٍ منفردٍ به كانت أولى مراحله رفع الهيكل القديم من غير إحداث أيّ أضرار فيه، ونصبه على قطعٍ حديديةٍ خاصّة جُـسِّرَت فوق الباب، وذلك من أجل الحفاظ على هيكلها وشكلها العام .
برجُ الساعة الجديد الذي أصبح مشابهاً للبرج القديم وفي نفس الموقع وبنفس المواصفات والأبعاد، مع إجراء بعض التغييرات البسيطة على الإطار الخارجي للساعة عن طريق استخدام الكاشي الكربلائي، أجريت له أعمال عديدة، ليتمّ بعدها التغليفُ بالكاشي الكربلائي المذهّب ومن نوع وشكل الكاشي الموجود في العتبة المقدّسة لخلق حالةٍ من التناظر وتوحيد الشكل، أشعر أن ما يدور برأسي لا يختلف عن المتداول الا في بعض المسارات البسيطة لسرد الحكاية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/07/10



كتابة تعليق لموضوع : ساعة العتبة العباسية المقدسة في ذاكرتي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net