صفحة الكاتب : نزار حيدر

لإِذاعةِ [النَّجف الأَشرف] في ذِكرى استِشهادهِ؛كيفَ عالجَ صادِقُ أَهلَ البيتِ (ع) تحدِّيات المُجتمَعِ؟!
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

    أ/ العُمر المديد الذي عاشهُ الإِمام جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) قياساً ببقيَّة أَئمَّة أَهل البيت (ع) [وُلد في ١٧ ربيع الأَوَّل عام ٨٢ هـ واستُشهدَ في ٢٥ شوال عام ١٤٨هـ] منحهُ فرصةً كبيرةً لأَداءِ دَور تكريس التَّأسيس وتعميق التَّرسيخ وتثبيت التَّمكينِ لمدرسةِ أَهل البيت (ع) أَكثر من غيرهِ من الأَئمَّة حتَّى سُمِّيَ أَتباع المدرسة بـ[الجعفريِّين] نسبةً لهُ (ع).

   ولذلكَ نُلاحظ أَنَّ تُراثهُ العلمي من أَكثر ما اعتمدَ عليهِ فُقهاء المدرسة للتَّفصيلِ في مجالاتِ الفقهِ والأُصولِ وغيرها من العلومِ الدينيَّةِ تحديداً. 

   كما أَنَّ عهدهِ الذي شهِد نِهاية دَولة وبِداية أُخرى [سقُوط الدَّولة الأَمويَّة وقِيام الدَّولة العباسيَّة] وما رافقها من حالةِ تراخي قبضة السُّلطة السياسيَّة والإِنفلات الأَمنيوانشغالِ القادمِ الجديد بتصفيةِ مُخلَّفات وإِرث الذَّاهب القديم، إِنَّ كُلَّ ذلكَ منح الإِمام (ع) حُريَّة الحركة التي خلقت لهُ فُسحةً أَوسع وأَكبر.

   ب/ إِنَّ ما يُحدِّد مسارات دَور كُلَّ إِمامٍ من أَئمَّة أَهل البيت (ع) مع وحدةِ الهدف الرِّسالي هو طبيعةِ التحدِّيات التي تُواجهها الأُمَّة في عصرهِ، فنُلاحظ أَنَّ مساراتوأَولويَّات دَور أَميرُ المُؤمنينَ(ع) تختلف عن الحسنِ السِّبط (ع) وتختلف عن الحُسين السِّبط الشَّهيد (ع) وتختلف عن عليِّ بن الحُسين زَين العابدين السجَّاد (ع).

   وهكذا حتَّى ننتهي إِلى الإِمام الحُجَّة المُنتظر (عج).

   فما هي طبيعة التحدِّيات التي واجهتها الأُمَّة في عصرِ الصَّادقِ (ع) والتي حدَّدت مسارات وأَولويَّات دورهِ؟!.

   ١/ المُدَّعُون للإِنتماء للمدرسةِ كذِباً وزوراً وبُهتاناً.

   وهؤُلاء عالجَ الإِمامُ (ع) حالتهُم المريضة برسمِ وتحديدِ معالِم الإِنتماء الحقيقي، وفضحِ الإِنتماءات الكاذِبة والمُنافقة لعزلِ المُدَّعين عن المُنتمين الحقيقيِّين، لأَنَّ اندساسِالمُدَّعين الكذَّابين في صفوفِ المُنتمِين الحقيقيِّين يُشوِّه صُورة المدرسة ويُساهم في تضليلِ الرَّأي العام ويستدرِج المُغفَّلين الذين تخدعهُم الشِّعارات والرِّوايات والخِطابات،ويقف حجر عثرة بوجهِ الرِّسالة الحقيقيَّة التي يسعى الصادقون لتبليغها.

   ولقد جاءت حدُود ومعالِم الإِنتماء الحقيقي الصَّادق هذهِ من خلالِ الوصايا التي قالها الصَّادق (ع) لحواريِّيه من أَمثالِ [عبد الله بن جُندُب] و [مُحمَّد بن النُّعمانالأَحول] والمعرُوف بـ [مُؤمن الطَّاق] وآخرُون.  

   ٢/ وبسببِ الفراغ السِّياسي والفَوضى العارِمة التي مرَّ بها المُجتمع، والتي ساهمت في خلقِ نوعٍ من الحريَّة الفكريَّة، طفت على السَّاحةِ كُلَّ أَنواعِ الفِرق والمذاهبوالمَدارس التي تنتمي من أَقصى اليمين إِلى أَقصى اليسار بما فيها فِرق الزَّندقة والشِّرك وغيرِها.

   ولقد عالجَ الإِمام (ع) العِلاقة مع الآخر بالحِوار والنِّقاش والجِدال بالَّتي هي أَحسن، من دونِ أَن يلجأَ أَبداً إِلى لُغةِ التَّخوين والتَّكفير والتَّسقيط والتَّشهير والدَّم وانتهاكِالأَعراض أَو إِلى لُغةِ التَّرهيبِ والعُنفِ والقتلِ واغتيالِ الشخصيَّة، كما لم يلجأ (ع) إِلى الذُّباب الأَليكتروني، فلم يكُن عندهُ [ذيُولٌ وأَبواقٌ] تُلاحِقُ الآخر لتسقيطهِ والتَّشهيرِبهِ ظُلماً وعُلوّاً، ففي منهجِهِ (ع) يُعَدُّ الحِوار سِلاحُ العالِم الواثِق من نفسهِ صاحب الدَّليل والبُرهان العقلي والنَّقلي القوي، أَمَّا أَيَّ سلاحٍ آخر فهو أَداةُ أَنصاف المُتعلِّمين و[العُلماء] الفارغين [الدَّمج] غَير الواثقين بأَنفسهِم وبعلمهِم ومنطقهِم.

   يذكر التَّاريخ أَنَّ الإِمام (ع) حاورَ كُلَّ زُعماء المذاهب والمَدارس بِلا استثناءٍ، ولقد كانت تطُولُ حِواراتهِ لدرجةٍ أَنَّهُ كان (ع) يبدأ أَحياناً مجالس الحِوار من بعدِ صلاةِالعِشاء وحتَّى صلاة الفَجر من دونِ كللٍ أَو ملَلٍ، وقد تركَ (ع) أَثر علمهِ ومنطقهِ على كُلِّ مَن كانَ يحاورهُ مهما كانت خلفيَّتهِ الفكريَّة واعتقاداتهِ، حتَّى عُدَّ (ع) أُستاذ كُلَّزُعماء المذاهب الإِسلاميَّة الأُخرى سواءً بشكلٍ مُباشر أَو غَير مُباشر، فلقد كان درسهُ في المسجدِ الجامعِ هو الأَكبر والأَوسع [كمّاً ونَوعاً] من بينِ كُلِّ الدُّروسِ، حتى قالَأَكثر من [٤] آلاف طالِب عِلم [حدَّثني جعفر بن مُحمَّد].

   ولمزيدٍ من المعرِفة بهذا الصَّدد، أَنصح بقراءةِ السِّفر العظيم الذي كتبهُ العلَّامة المرحُوم [أَسد حيدر] وهو بعنِوان [الإِمام الصَّادق (ع) والمذاهب الأَربعة] بأَربعةِ مُجلَّداتٍغنيَّةٍ جدّاً. 

   ٣/ النُّهوض بالمُجتمع بالعلِمِ والمعرِفة، بعدَ أَن سعى الأَمويُّون لتجهيلِ الأُمَّة وإِجبارها على تبنِّي النَّظريَّات المُنحرفة التي تحثُّ على التَّسليمِ لفكرةِ السُّلطةِ مِن دونِ نقاشٍ،وعلى طاعةِ الظَّالم وعدمِ القيامِ بوجههِ مهما فَعل، سواءً من خلالِ تبنِّي الدَّولة لنظريَّة [الجبر والتَّفويض] التي أَشاعها البِلاط الأَموي وثقَّفَ عليها منذُ عهد طاغية الشَّامالطَّليق إِبنُ الطَّليق مُعاوية بن أَبي سُفيان، أَو من خلالِ عمليَّة خلقِ الأَحاديثِ النبويَّة الشَّريفة وتفسيرِ القُرآن الكريم بما يخدِم السُّلطة الظَّالِمة.

   ٤/ توحيد المُجتمع الذي مزَّقتهُ الفِتن والصِّراعات السياسيَّة والإِحن والثَّارات والتَّصفيات بين الخصُوم من مختلفِ التيَّارات الفكريَّة والسياسيَّة وغيرِها، فضلاً عن تلاطُمأَمواج الظُّلم والإِرهاب.

   ولقد عالجَ الإِمام (ع) كُلَّ ذلكَ بالأَخلاق وحُسن السِّيرة والنُّموذج، إِذ ظلَّ (ع) ينشر ثقافة التَّعايش والوِئام والعَفو والصَّفح والتَّجاوز للتَّخفيفِ من حدَّةِ روح الإِنتقاموالتشفِّي التي لبِست المُجتمع من قمَّةِ رأسهِ إِلى أَخمصِ قدمَيهِ.

   ٥/ ولتحصينِ المُجتمعِ [الشِّيعي تحديداً] من خطرِ الهزيمةِ أَو الإِنجرافِ والذَّوبانِ في المُستنقعاتِ التي ولَّدتها التحدِّيات الخطيرةِ التي أَشرنا إِليها، إِهتمَّ الإِمام (ع) بعمليَّةِ تكريسِ وترسيخِ القِيمِ والمفاهيمِ الرِّساليَّةِ الخاصَّة بمدرسةِ أَهلِ البيتِ (ع) لتسليحِ أَتباعِها بما يحتاجُونهُ من علُومٍ تُمكِّنهُم من تحصينِ الذَّاتِ ومواجهةِ الآخرِ بالحوارِوالمنطقِ، حتى لقد إِنتشرَ تلامذةِ الإِمامِ (ع) في الأَصقاعِ وكلُّهُم عُلماء فحُول في إِختصاصاتٍ عدَّةٍ في نوعَي العلُوم كما يصفُها رَسُولُ الله(ص) {العِلمُ عِلمان؛ عِلمُالأَديان وعِلمُ الأَبدان}.

   ومازالت البشريَّة، وستظلُّ، مدينةً، وهي تعترِفُ، لصادقِ أَهْلِ البيتِ (ع) كَونهُ أَسَّسَ لكُلِّ العلُومِ الحديثةِ، ولعلَّ في كتابِ [تَوحيد المُفضَّل] الذي حيَّر العُلماء بما فيهِ منعلومٍ يعُودُ تاريخها إِلى قُرابة [١٤] قرنٍ، نمُوذجٌ.

   ٢٠ مايس [أَيَّار] ٢٠٢٢


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/05/25



كتابة تعليق لموضوع : لإِذاعةِ [النَّجف الأَشرف] في ذِكرى استِشهادهِ؛كيفَ عالجَ صادِقُ أَهلَ البيتِ (ع) تحدِّيات المُجتمَعِ؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net