صفحة الكاتب : علي علي

والق عدوك بالتحية..
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 من غير المعقول طبعا أن يخفق المرء في كل خطوة يخطوها في عمله، لاسيما إذا كان واعيا ومدركا ويشعر بمسؤولية ماملقى على عاتقه من مهام، تترتب على عدم إنجازها عواقب وخيمة، وأضرار يحاسبه عليها الله والناس ونفسه -ان كان له ضمير حي-. وقد تكون هذه الإخفاقات بفعل فاعل، فيكون هذا الفاعل إذاك عدوا ينبغي الحذر منه والتوجس من نياته المبيتة مستقبلا. 

  يقول المثل: لكل حصان كبوة ولكل حليم هفوة. ولكن أن تستمر الكبوات وتكثر الهفوات، فهذا أمر ليس بالمعقول مطلقا، ومن المعيب ان يكون بحكم المقبول والمعهود في بلد له من السقطات كثير، أوقعه في مطباتها حاكموه وسلاطينه على مر التأريخ، لاسيما اذا كان هذا البلد عريقا في حضارته وتاريخه مثل العراق. ومن المفترض أن يكون بعد السقوط نهوض، فهل تحقق جزء ولو كان ضئيلا من النهوض على يد ماسكي زمام أمر البلاد؟.

   لقد بات الحديث عن الاخفاقات المتتالية واللامتناهية التي يتحفنا بها مسؤولونا وساستنا، بين الفينة والأخرى في الساحة السياسية، أمرا كما نقول: (ما يلبس عليه عگال). ولو بحثنا أسباب هذه الاخفاقات لوجدنا أنها لم تأت من عطارد او المريخ، ولو استثنينا بعضها الناتج من تدخلات دول وجهات خارجية، فسيتضح جليا أن الأسباب الرئيسة لهذه الإخفاقات هي التناحر والتضاد بين أرباب الحكم وصناع القرار أنفسهم، من داخل البيت العراقي وتحت قبب مجالسه، وبرعاية رؤساء هذه المجالس. وما يزيد الطين بلة أنهم مصرون على استمرار العداوات بينهم، بل وما انفكوا من إضرام النار في الهشيم قبل أن تنطفئ نار قد علا سناها من قبل، وهم بهذا يزيدون في العداوة ولوغا ويماطلون في إبعاد الصلح، ولا يتعظون من قول الإمام علي عليه السلام:

والق عدوك بالتحية لاتكن    

منه زمانك خائفا تترقب

 وماكان هذا الطود الشامخ لينطق كلاما ليس فيه حكمة -حاشاه- وهو الذي كان يتمنى ان تكون رقبته بطول رقبة البعير، لتأخذ الكلمة مساحة زمنية قبل ان ينطق بها، وهو استخدام مجازي يحثنا على التأني في انتقاء مفردة أو إبداء رأي او إسداء مشورة. أما لقاء العدو بالتحية فقد يخال أحدنا أنه تنازل او ان فيه مساسا للكرامة، فتمنعه من أدائها عزة نفسه وكبرياؤه، ولو تمعنا في قول الإمام علي عليه السلام جيدا، لتبين لنا بعد النظر في العلاقات الإنسانية وسعة الأفق في احتوائها، اذا ماتخللتها أزمات قد تنذر بعواقب أمور لاتُحمد، وتفضي نتائجها الى شرور ونيران لاتخمد. فالعدو شئنا أم أبينا هو توأمنا منذ بدء الخليقة، يومها كانت السباع والضواري هي العدو الوحيد للإنسان، واليوم تنوعت أشكاله وتعددت مواهبه ومكائده، وصار الإنسان لأخيه الإنسان عدوا، فاق في خطره وتأثيره أكثر الحيوانات ضراوة وأشدها فتكا به. وما قصد إمامنا بإلقاء التحية على العدو إلا لغاية لو أدخلناها في حساباتنا لأدركنا أنها تصب بالنتيجة في مصلحتنا وتسهم باستقرار حياتنا على نهج سوي، يتيح لنا فرص العمل والنجاح والإبداع. 

  فهل لساستنا نظرة صادقة خالصة لهذا المعنى والمقصد البليغ والهدف المنشود من تحية العدو؟ وهذا قطعا لايبرر دعوات بعضهم اليوم، الى وضع اليد بيد أعداء سجلوا عداءهم في لوح التاريخ، بشكل غير قابل للحك والشطب والمحو، وطرزوا تلك العداوة بالمواقف الشنيعة التي لاتغتفر، وكما كانوا أعداء الأمس، هم أعداء اليوم، ومن المؤكد أنهم أعداء الغد وبعد غد أيضا.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/29



كتابة تعليق لموضوع : والق عدوك بالتحية..
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net