صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

بعليٍّ والكتاب.. تحيا القلوب!
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
تَعَلَّمُوا القُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الحَدِيثِ.
وَتَفَقَّهُوا فِيهِ، فَإِنَّهُ رَبِيعُ القُلُوبِ (نهج البلاغة ص164).
 
هذا حديثٌ للقرآن الناطق عليٍّ عليه السلام، يأمر فيه بتعلُّم القرآن الصامت.
 
فالقرآن الكريم ليس كتاباً يُتلى فقط، إنَّهُ كتاب يُتَعَلَّم، ويُتَفَقَّه فيه، فيصير بذلك ربيعاً للقلوب، أي بمنزلة الربيع.
 
والربيع هو الغيث والمطرُ، أو ما يحيا وينبتُ عند نزول الغيث.
وكون القرآن كالغيث، يعني أنَّه به تحيا وتنتعش القلوب، ودونه تقسو وتموت.
 
يقول عليه السلام في خطبة أخرى:
فِيهِ رَبِيعُ القَلْبِ، وَيَنَابِيعُ العِلْمِ، وَمَا لِلْقَلْبِ جَلاَءٌ غَيْرُهُ (الخطبة176).
 
وفي ثالثةً عنه عليه السلام:
جَعَلَهُ اللهُ رِيّاً لِعَطَشِ العُلَمَاءِ، وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الفُقَهَاءِ، وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ، وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ (الخطبة 198).
 
يتأمَّلُ العاقلُ في هذه الأحاديث الشريفة، فيُدرك شيئاً من عظمة القرآن الكريم، لكنَّه لا يرى هذه الآثار عند كلِّ أحد، لأنَّها مخصوصةٌ بأهلِها، ومشروطةٌ بأخذ علم القرآن عن أهله، فليس كلُّ أحدٍ يفقه القرآن ويرتوي منه، إلا أن يأخذه من أهله.
 
1. من هم أهل القرآن؟
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
إِنَّ عِلْمَ القُرْآنِ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ: قُرَّاءُ القرآن اليوم كُثُرٌ، وليس جميعُهم ممَّن علم بواطنه، ولا ممّن حيا قلبه به، فلقد اسوَّدت قلوب كثيرٍ منهم وماتت، لأنَّهم ما أخذوا القرآن عمَّن ينبغي الأخذ عنه، ما عرفوا طعم القرآن وإن رَتَّلوه بألسنتهم.
 
إِنَّ عِلْمَ القُرْآنِ لَيْسَ يَعْلَمُ مَا هُوَ إِلَّا مَنْ ذَاقَ طَعْمَهُ، فَعَلِمَ بِالعِلْمِ جَهْلَهُ، وَبَصُرَ بِهِ عَمَاهُ، وَسَمِعَ بِهِ صَمَمَه، وَأَدْرَكَ بِهِ عِلْمَ مَا فَاتَ، وَحَيِيَ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ:
 
بالقرآن تنفتح أبواب العلوم، ويحيا العبدُ بعد موته، وههنا معنيان:
المعنى الأول: في دار الدُّنيا، عبدٌ ماتَ قلبُه لجهله بالله وأنبيائه وأوصيائهم، فأرشده القرآن إلى كلِّ ذلك، وأحياه الله بالقرآن (وَحَيِيَ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ).
المعنى الثاني: في النشأة الأخرى، أي بعد موت العبد وانتقاله إلى عالم الآخرة، يحيا بالقرآن بعد موته، لأنه عمل به في حياته.
ففي القرآن إذاً حياةُ القلوب في هذه الدنيا، وفيما بعدها.
 
.. فَاطْلُبُوا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ خَاصَّةً: إنَّ من ذاقَ طعم القرآن يعرف كيف يُبَيِّنُه للناس، ومَن تعلَّمَهُ من المعصومين كان حقّاً أن يُطلب القرآن منه.
 
فَإِنَّهُمْ خَاصَّةً نُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ: لا يُطلب القرآن من عند كلِّ أحد، وليس صحيحاً أن أصحاب النبيّ كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا، فليس الجميعُ أنواراً في سماء الهداية، بل هو خاصٌّ بأهل القرآن.
 
وَأَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ، وَهُمْ عَيْشُ العِلْمِ وَمَوْتُ الجَهْلِ: هي عبارةٌ في قمَّة الرَّوعة، فبأهل القرآن يحيا العلم ويموت الجهل، ولا تحيا القلوب إلا بالأخذ عنهم.
 
يشير بعد ذلك عليه السلام إلى معنى في غاية الأهمية فيقول:
فَاعْقِلُوا الحَقَّ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ، وَلَا تَعْقِلُوهُ عَقْلَ رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الكِتَابِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ (الكافي ج‏8 ص390-391).
 
ما أكثر من يقرأ القرآن اليوم، لكنَّ قلةً منهم ترعى حقّه، وتأخذه عن معدنه، وتستنير بنوره.
 
يتبيَّن بهذا أن القرآن لا يكون ربيعاً للقلوب بمعزلٍ عن الثقل الآخر.
أيعقَلُ أن تحيا وتستنيرَ قلوبُ المؤمنين دون الأئمة الأطهار عليهم السلام؟ فإنَّ الأخذ منهم شرطٌ ليصير القرآن باباً للهدى.
 
وكما أنَّ القرآن نورٌ، فإنَّ الإمامَ نورٌ لقلوب المؤمنين.
 
يقول الصادق عليه السلام:
وَالله يَا أَبَا خَالِدٍ، لَنُورُ الإِمَامِ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ المُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ، وَهُمْ وَالله يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ.
 
كم هو عظيمٌ أثَرُ نور الشَّمس في النهار، وكَم هو نَيِّرٌ لا يخبو، فإنَّ نور الإمام أنوَر منه في قلوب المؤمنين.
القلوب المظلمة كثيرةٌ، أما المؤمن فإنَّ قلبه يستنير بالإمام، حيثُ يصير الإمام مصدَرَ النور والحياة لقلوب أحبابه.
 
وَيَحْجُبُ الله عَزَّ وَجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلِمُ قُلُوبُهُمْ: هؤلاء ما أرادوا الحقّ، ولا أرادوا الاستجابة لأمر الله تعالى، فجحدوا آل محمدٍ، فحجب الله تعالى النور عنهم، وانفرَدَ المؤمن بأنَّه صاحب القلب النيِّر.
 
يحبُّ المؤمن آل محمدٍ عليهم السلام، لكنَّ حبَّه ليس مُجرَّداً، بل حُبٌّ يستبطنُ موالاةً وطاعةً وتسليماً مطلقاً وانقياداً لهم عليهم السلام.
 
وَالله يَا أَبَا خَالِدٍ، لَا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَيَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ الله قَلْبَهُ، وَلَا يُطَهِّرُ الله قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا، وَيَكُونَ سِلْماً لَنَا.
إنَّ المؤمن يُسلِّمُ للمعصوم عليه السلام كما سَلَّمَ لله تعالى، فلا يحتجُّ على أمره، والمؤمن يُنزِلُ المعصوم في محلِّه، ولا يرفع سواهُ إلى منزلته، ولا يعامل غير المعصوم كما يعامل المعصوم مهما عظم شأن غيره، فإنَّ جميع المؤمنين مَوَالٍ لهم في الطاعة، شركاء في لزوم امتثال أمرهم.
 
ليس يعقل أن يكون لغير المعصوم طاعةٌ كطاعة المعصوم، فإنَّ هذا يكشف عن جهلٍ بمقام الإمام والإمامة، والمؤمن لا يجهل مقام إمامه.
 
ثم تستكمل الموالاةُ بالبراءة من أعدائهم، فلا يكون المؤمن أعوَراً يرى الحق فيهم وفي أعدائهم.
وثمرَةُ كلِّ ذلك: طهارة القلب في الدنيا، بأنوار آل محمد، فهم الذين ينورون قلوب المؤمنين.
ومَن طهَّرَ الله قلبه في الدنيا نجا وسَلِمَ من أمراض النَّفس، وكلَّما ازدادت معرفة المؤمن بآل محمد خلا من الحقد والحسد والاعتراض على الله تعالى، فصار من المُسَلِّمين لأمر الله، الراضين بقضائه.
 
حينها تنقلبُ كلُّ شدَّةٍ عند المؤمن إلى راحة، ويثمرُ كلُّ أذىً طمأنينةً، فإنّه بعين الله الذي يرعى المؤمنين.
إنَّ صعوبات الأيام ومشاكلها لا تنقضي، ولا يخلو منها عبدٌ لله، مؤمناً كان أم كافراً، لكنَّ المؤمن يصبر على بلاء الله، ويعلم أنَّ له عاقبةً طيِّبة فيرضى بقضاء الله وقدره، ويورثه ذلك سكينةً وراحةَ بالٍ مع كلِّ ما يصيبه من بلاء.
 
وغيرُ المؤمن يجزع لحوادث الليالي والأيام، ويخشى من يومه كخشيته من غده، ويسعى للخلاص بما يراه من أسباب مادية محضة، وتبزغ فيه نزعة الأنانية جليةً، وتزداد يوماً بعد يوم حتى يصير من أهل القلوب القاسية.
 
وليس الخلاص من ذلك إلا بالقرآن والعترة، لا على نحو اللقلقة والإدعاء، إنما بالمعرفة حقاً وبالعمل، حينها ينال الثمرة الأخرى في الآخرة:
فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ الله مِنْ شَدِيدِ الحِسَابِ، وَآمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيَامَةِ الأَكْبَرِ. (الكافي ج‏1 ص194).
فينال المؤمن النجاة يوم القيامة لمّا عرف القرآن، وأرشده القرآن إلى آل محمد، فتَنَوَّرَ قلبه بهما معاً، ونجا يوم القيامة.
 
2. الشيعة والإيمان
 
لقد استقرَّ الإيمان في قلوب الشيعة، بعد أخذهم القرآن من أهله، وتسليمهم لأولياء الله.
إن قلب المؤمن: قَلْبٌ مَفْتُوحٌ، فِيهِ مَصَابِيحُ تَزْهَرُ، وَلَا يُطْفَأُ نُورُهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ (الكافي ج‏2 ص423).
 
أيُّ مصابيح هذه؟ الأمرُ صار أوضح من الشمس في رابعة النهار، بالثقلين معاً، بالإمام والقرآن أزهرت قلوب المؤمنين.
إنَّ الأئمة ينورون قلوب الشيعة، فلا يُكتفى لنور القلب بالقرآن وحده ما لم يقترن مع عِدله، مع آل محمد، لذا قست قلوب المخالفين، وانفرد المؤمن بأن صار من أهل القلوب النَيِّرة وحده، لا يشاركه فيه سواه.
 
ظَلَّ الشيعة ينتظرون إمامهم، ويترقَّبون فرج الإمام الغائب، ولولا ترقُّبهم للإمام (لَقَسَتِ القُلُوبُ).
فبالأماني التي بذرها النبي والإمام فيهم، بعد الإيمان بالثقلين، حَيَّت قلوب الشيعة.
 
لقد ترك الثقلان أثراً في الشيعة دون سواهم، فهم أهل هذه الآية: ﴿الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله﴾ (الزمر23).
 
إنَّهم يخافون الله تعالى، حتى تقشعرَّ جلودهم من خشيته، وإنهم يرجونه تعالى حتى تلين قلوبهم لذكره.
المؤمنون هم أصحاب القلوب المطمئنة اللَّينة، وغيرهم أصحاب القلوب القاسية، وقد قست قلوبهم لكثرة الذنوب، وأيُّ ذنبٍ أعظمُ من الإعراض عن إمام الزمان، الذي بيُمنه رزق الورى، وبوجوده ثبتت الأرض والسماء.
 
تَلينُ قلوب الشيعة لذكر الله تعالى، ثمَّ تلين لما وقع على آل محمد، بل تحترق جزعاً عليهم، فيترحم عليهم الإمام الصادق عليه السلام ويخاطب ربه قائلاً: وَارْحَمْ تِلْكَ القُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا (الكافي ج‏4 ص583).
 
جَزِعَ الشيعة على آل محمد كجزعهم على أنفسهم بل أشدّ، واحترقت قلوبهم ألماً لما جرى على العترة الطاهرة، فأحياها الله تعالى برحمته، وأنارها بنور محمَّدٍ وآله، فصار المؤمنون من أهل القلوب الحيَّة، لما جمعوا بين الثقلين: كتاب الله وآل الرسول.
فالكتاب ربيع القلب، وبه جلاؤه، والإمام نور القلب، وبه حياته.
 
وهكذا صار الإيمان يتبدّى من أهله جلياً، حتى أن الدوانيقي سأل الصادق عليه السلام يوماً:
مَا بَالُ الرَّجُلِ مِنْ شِيعَتِكُمْ يَسْتَخْرِجُ مَا فِي جَوْفِهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُعْرَفَ مَذْهَبُهُ؟
 
لا يأنس المخالفُ بهذا المعنى، يتعمَّدُ إخفاء ما عنده، يُخادعُ ويُنافق، وليس الشيعة أهل نفاق وخداع، فالتقية التي آمنوا بها لا تعني ذلك، بل تختص بمورد الخوف على النفس او العرض أو المال أو المؤمن الآخر، وسوى ذلك ترى المؤمن صريحاً، يُظهرُ ما يبطن، شفافاً نقيَّاً، ففي مجلسٍ واحدٍ يُخرِجُ ما في قلبه.
 
يجيب الإمام عليه السلام:
ذَلِكَ بِحَلَاوَةِ الإِيمَانِ فِي صُدُورِهِمْ، مِنْ حَلَاوَتِهِ يُبْدُونَهُ تَبَدِّياً (صفات الشيعة، ص: 15).
هكذا تكون قلوبهم وصدورهم، ارتقت بحلاوة الإيمان، وأهلها أهل القلوب اللينة الطيبة الطاهرة النيِّرة.
 
3. القلوب القاسية
 
يقابل أهلَ الإيمان أصحابُ القلوب القاسية، الذين أعرضوا عن كتاب الله تعالى وإن أكثروا من تلاوته، وأعرضوا عن حَمَلَةِ الكتاب، الأئمة الأطهار، وإن زعموا محبَّتهم وموالاتهم.
فارتكبوا أعظم المعاصي بالإعراض عن إمامهم، ثمَّ انغمسوا في سائر المعاصي والشهوات وهانت عندهم، فمَن لم يخشَ الله تعالى في آل محمدٍ لم يخشَ منه تعالى في سائر المآثم.
 
يقول النبي (ص): مَنْ كَانَ أَكْثَرُ هَمِّهِ نَيْلَ الشَّهَوَاتِ نَزَعَ مِنْ قَلْبِهِ حَلَاوَةَ الإِيمَان‏ (مجموعة ورام ج2 ص116).
لقد كان أكثر همِّ المخالفين إطفاء نور آل محمد، والكذب عليهم، والانتقاص من شأنهم، وتكذيب ما ورد في فضلهم، فأورثهم ذلك أن نُزِعَت حلاوةُ الإيمان من قلوبهم.
 
أما المؤمن، فإنَّه يحذر من الانغماس في الشهوات لئلا يُسلب تلك النعمة التي انفرد بها، وهي حلاوة الإيمان.
وفقدان هذه الحلاوة وخسارتها يسبِّبُ قسوة القلوب، وهو سببُ ما يعيشه الناس من صِعابٍ وبلاءات.
 
تعيشُ البشريَّةُ اليوم حالةً من الجفاف والفقر العاطفي والنَّفسي، حيثُ تتلاشى آثار الرَّحمَةِ بين أكثر مَن عليها، ويسود الأنا وحبُّ الذات عند أكثر الناس، فيُقدِمُون على ما فيه صلاحُ ظاهرهم حتى لو أضرَّ بآخرتهم أو بسائر عِباد الله، وتُشرَّعُ السُّبُل التي تجعل الأرض محكومةً بشريعة الغاب يوماً بعد يوم.
 
يحاولُ أهلُ الإنصاف من بني آدم البحث عن سببٍ للمشكلة، والعمل على معالجتها، فيتلمَّس مَن يملك نظراً ثاقباً منهم بعض أسباب ذلك، إنَّها القلوب القاسية !
 
عندما تُستبدل الرَّحمة والعطف والمحبة بالقسوة والشدّة والبغضاء، تصيرُ الحياةُ بين هؤلاء أشبه بالسجن بين الذئاب والحيوانات الجارحة !
ويصيرُ المؤمن بينهم قابضاً على الجَمر للحفاظ على دينه.. ويخشى أن يتأثَّر ببيئةٍ لا تُعينُه على أمر دينه، بل تحاولُ أن تسلُبَ منهُ كلَّ صدقٍ وإخلاصٍ ومودَّةٍ وحبٍّ للآخرين.. فإن المنحرف يتألَّم كلَّما رأى شخصاً يسلك سبيل الحق، كما يتألَّم الفاقد للشيء عندما يرى الواجد له.
 
4. بغض آل محمد
 
المؤمن يحذرُ على دينه، يعلم أن الخطر كلُّ الخطر في الانغماس بالمعاصي، والقوم يُلَوِّنون له المعصية، ويحسِّنون له صورتها، وإبليسُ رائدهم، وقائدهم، حيث يسعى أن يسلب المؤمن التوفيق، ليصير من أهل القلوب القاسية، فإذا صار منهم، عادى آل محمدٍ عليهم السلام بعد أن لم يكن عدواً لهم!
 
فإنَّ من انهمك في الكبائر.. ثم لم (يَدَعُ شَيْئاً مِنَ القَبِيحِ إِلَّا قَارَفَهُ) ثمَّ بلغَ حداً صارَ (يَمْتَدِحَ إِلَى النَّاسِ بِفِعْلِهِ القَبِيحِ) يكون قد بلغ المنتهى في المعاصي، حتى تستحي الملائكة من فعاله، فترفع أجنحتها عنه، حينها الطامة الكبرى، يقول الصادق عليه السلام عن أمثال هذا:
 
أَخَذَ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ البَيْتِ: كان هذا محبَّاً لآل محمدٍ، وكان قلبُهُ نَيِّراً بمعرفتهم، لكنَّ هذا النور بدأ ينطفئ، بالمعصية تلو المعصية، فنكتَ في هذا القلب نكتة سوداء تلو الأخرى، حتى ران على قلبه، وسُلِبَ حلاوةَ الايمان لانهماكه في الكبائر، فأخذ في بغض آل محمد عليهم السلام.
 
يقول الإمام عليه السلام: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْهَتِكُ سِتْرُهُ فِي السَّمَاءِ وَسِتْرُهُ فِي الأَرْضِ (الكافي ج‏2 ص280).
 
لهذا نرى أن المبغض لهم ظَلَّ بلا سترٍ، ثم يرى أن المؤمنَ مهتوك الستر!
 
لقد علَّمنا أئمتنا عليهم السلام أن ندعو بكلمات في أول ليلة من شهر رمضان، ومنها ما كان يدعو به الصادق عليه السلام:
اللهمَّ أَبْقِنِي خَيْرَ البَقَاءِ، وَأَفْنِنِي خَيْرَ الفَنَاءِ، عَلَى مُوَالاةِ أَوْلِيَائِكَ وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِك‏ (مصباح المتهجد ج2 ص851).
وكان الكاظم عليه السلام يدعو فيقول: وَعَلَى خَيْرِ الوَفَاةِ فَتَوَفَّنِي، مُوَالِياً لِأَوْلِيَائِكَ، مُعَادِياً لِأَعْدَائِك‏ (الفقيه ج2 ص103).
 
إنَّ في بقاء المؤمن خيرٌ له لمعرفته بالأئمة عليهم السلام، وفي فنائه وانتقاله إلى الدار الآخرة خيرُ فناءٍ لموالاته لهم ومعاداته أعداءهم.
 
المؤمن لا يخشى الحياة ولا يخشى الممات، فحياتُه خيرُ حياة، ووفاته خيرُ وفاة، وإنما بلغ ذلك باتِّباعه القرآن حقاً، صامتاً وناطقاً، وهو معنى قول الإمام حول القرآن (وَحَيِيَ بِهِ بَعْدَ إِذْ مَاتَ).
 
بالقرآن إذاً يحيا المؤمن بعدما يموت، وبموالاة آل محمد ومعاداة أعدائهم يفنى خير فناء، فناءٌ يفضل عن حياة من أعرض عنهم (ع)، فموتنا على ولايتهم، خيرٌ من حياة غيرنا دون ولايتهم، إنَّه كنزٌ لا تساويه الدنيا وما فيها.
فلا يعادل الإيمانَ بالثقلين شيءٌ من الدُّنيا.
 
اللهم اجعلنا ممن أبقيته خير بقاء، وأفنيته خير فناء، على حب محمد وآله، ومعاداة أعدائهم، والحمد لله رب العالمين.
 
3 شهر رمضان المبارك 1443 هـ الموافق 5-4-2022 م


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/29



كتابة تعليق لموضوع : بعليٍّ والكتاب.. تحيا القلوب!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net