شرح الخصلة الحادية عشر من الرواية : (يضيق عليه قبره )
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد السمناوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ان المتهاون في صلاته يعاقب بعقوبات كثير في الدنيا وكذلك المحطات الاُخرى التي ما بعد عالم الموت، ويضيق القبر وصغره تعتبر من تلك العقوبات والخصال الخمسة عشرة التي ذكرت بالرواية المتقدمة المروية بحذف الاسناد عن النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، فكما ان هناك اعمالاً تضيق القبر على الميت، فإنه يوجد قبالها الكثير من الأعمال التي توسع قبر الميت .
ومن الأعمال التي توسع قبر المؤمن، ويمنح بسببها كسوة الجنة، ويخفف عليه سكرات الموت هو اعطاء الكسوة للمؤمنين المتعففين، وفي هذا المعنى وصلت إلينا الكثير من الأخبار المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام .
فعن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: "من كسا أخاه كسوة شتاء أو صيفاً، كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنة، و أن يهون عليه سكرات الموت، وأن يوسع عليه في قبره، وأن يلقى الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى، و هو قول الله عز و جل في كتابه: (وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(1).
ولطالما كان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي عندما يذكر الموت وضيق القبر ووحشته، فقد ذكر ابن شهر آشوب: عن ابن عباس والسدي: لما نزل قوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ )(2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليتني أعلم متى يكون ذلك». فنزلت سورة النصر، فكان يسكت بين التكبير و القراءة بعد نزولها، فيقول: «سبحان الله و بحمده، أستغفر الله و أتوب إليه». فقيل له في ذلك؟ فقال: «أما إن نفسي نعيت إلي». ثم بكى بكاء شديداً، فقيل: يا رسول الله، أو تبكي من الموت و قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟
قال: «فأين هول المطلع، وأين ضيق القبر وظلمة اللحد، وأين القيامة والأهوال؟». فعاش بعد نزول هذه السورة عاماً.
وكان الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام يتعوذ من ضيق القبر في كل صباح، وهو زعيم المذهب، ولهذا حري بنا نحن اتباعه ان نستعد لتلك الساعة فيقول عليه السلام: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن ضيق القبر، ومن ضغطة القبر)(3)، وفي موضع اخر يطلب عليه السلام من الله تعالى ان يعينه على الموت وسكراته وضيقة القبر ووحشته (اللهم بارك لي في الموت، اللهم أعني على سكرات الموت، اللهم أعني على غم القبر، اللهم أعني على ضيق القبر، اللهم أعني على ظلمة القبر، اللهم أعني على وحشة القبر)(4).
ومن خطبة عجيبة لسيد البلغاء الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام يصف في بعض مفرداتها الموت وضيق القبر ووحشته فيقول عليه السلام: (وأعلقت المرء أوهاق المنيّة(5) قائدة له إلى ضنك المضجع(6)، و وحشة المرجع(7)(8).
ويشير الامام عليه السلام في موضع اخر إلى أن تلك الأجسام النواعم سوف تبلى، وتمكث في ضيق المضجع إلى ما شاء الله، مع ملازمة الوحشة واقامتها وهي تنتظر الفرج من الضيق والوحشة.
وقال عليه السلام: ( وخوت الأجسام النّواعم، و لبسنا أهدام البلى، وتكاءدنا ضيق المضجع(9)، وتوارثنا الوحشة(10)، وتهكّعت علينا الرّبوع الصّموت، فانمحت محاسن أجسادنا، وتنكّرت معارف صورنا، وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا، ولم نجد من كرب فرجاً، ولا من ضيق متّسعاً)(11).
المصادر
[1] سورة الأنبياء: الآية :103.
[2] سورة الزمر: الآية :30 .
[3] بحار الأنوار: ج83 : 263.
[4] تهذيب الأحكام: ج3، ص 93باب الدعاء بين الركعات .
[5[ أوهاق المنية: الوهق : معناه الحبل الذي يرمى في عنق الشخص فيوثق به. والمراد: به هو عدم التمكن من الإفلات من الموت الذي لابد منه . وإلى ذلك اشار الإمام الحسين عليه السلام في أحدى خطبه: خطّ الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة .
[6] ضنك المضجع: اشارة الى ضيق القبر .
[7] وحشة المرجع: اشارة الى يوم القيامة وفرار الجميع منه , فينفرد بعمله قال تعالى: ( يَومَ يَفِرُّ المرءُ مِن اَخيه* وامّهِ وأَبيهِ* وصاحِبتِهِ وَبَنيهِ* لِكلِّ امرىء مِنهم يومئذٍ شانٌ يغنيهِ). سورة عبس: الآية: 34/35/36/37.
[8] شرح نهج البلاغة: لابن ابي الحديد:ج1، ص 1658.
[9] وتكاءدنا ضيق المضجع: المراد به تكاءد الأمر: شقّ عليه .
[10] وتوارثنا الوحشة معناه: ما كان لآبائهم من وحشة القبر وآلامه وصل اليهم، فأشبه ذلك بالميراث الذي ينتقل من شخص لآخر.
[11] الضيق متسعا المراد به: ضيق القبر وأهواله .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat