صفحة الكاتب : محمد الرصافي المقداد

فاطمة الزّهراء (ع) مظلوميّة مستمرّة
محمد الرصافي المقداد

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مهما قيل بشأن بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، السيّدة المظلومة فاطمة الزهراء عليها السلام،  وهي بما حازت عليه من فضائل وخصائص، يصعب تمييز واحدة منها وتفضيلها على الأخرى، قد توّجتها مكانتها سيدةَ نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، رغم أنوف من حاول سلبها هذه الخصوصية، وحصرها في انّها سيدة نساء الأمّة(1) فقط - حطّا لها، في أن تستحقّ بجدارة، أن تكون كما قال بشأنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنّها لتقوم في محرابها - للصلاة - فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِ الْعالَمِينَ﴾ (2) – فإنّ من بلغ مبلغه من العلم بشأنها، يبقى عاجزا عن إدراك سرّ من أسرارها، ومهما قدّمنا من تعابير المودّة لهذه الطاهرة وأهلِها، فلن نبلُغ أداء معشار حقّ من حقوقها علينا، وأن نُدْرِك ما هي أهْلُهُ بحقّ فلا نرتابَ فيه، بعد الذي جرى عليها من عدوان آثم، حصل بعد وفاة أبيها، أبي القاسم محمد سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وحبيب رب العالمين، فلم تُمهِلها تبِعات ذلك الحدث المؤلم بالبقاء من بعده، مُصانةً محفوظة الحقوق، ولو لمُدّة معقولة من الزّمن، ولا روعِيَتْ حالتها بفقدها الأب والقدوة والسّند، فاعتلّت من جرّاء ذلك وغادرت الدنيا واجدة، شاكية ربّها غدر أمّتها، وانقلابها على أعقابها مصداق قوله تعالى: (أفإن مات أو قًتِل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين﴾ (3).

فاطمة أمّ أبيها وريحانته، التي إذا اشتاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى رائحة الجنّة جاء يزورها، واذا دخل عليها قامت فقبلته، وأجلسته في مجلسها، وإذا دخلت عليه قام فقبلها، وأجلسها مجلسه.(4) وكان إذا خرج مسافرا أو غازيا، ابتدأ بها فكانت آخر عهده، فيضمّها إليه ويقبّلها مودّعا، وإذا عاد من سفرِه ابتدأها بالزيارة سائلا متودّدا متشوّقا، علامات دالّة على مكانتها لديه ومقامها في قلبه، فهي كما قال بشأنها مختصرا عواطفها نحوه: فاطمة أمّ أبيها(5). وهي التي جلّلها بكساء خيبريّ، مع بعلها علي بن أبي طالب عليه السلام، وابنيها الحسن والحسين عليهم السلام، فنزل قوله تعالى: ﴿ إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرّجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا﴾ (6) بدعائه مستجيبا لرغبته في تطهير أهل بيته عليهم السلام، دالا على أنهم صفوته في أمّته، ومشيرا إليهم بعد ذلك، حسب روايات من بقي حافظا حق الصّفوة الطاهرة، من الصحابة الذين شهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة وتسعة أشهر، كلّ حسب مدّة حضور من روى الحادثة المتكرّرة، يقف عند باب علي وفاطمة عليهما السلام، يتلو على السامعين: (الصلاة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا)(7)، تنبيها وتذكيرا لهم بقيمة هؤلاء الطاهرين.

ما كانت منزلتها عند الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لتضاهيها منزلة إمرأة أخرى، سوى أمّها خديجة عليها السلام، التي واست النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمالها ومواقفها وجهدها وصبرها، حتى لقيت الله بعدما وفّته حقوقه وزيادة، لذلك خصّها الله من دون نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بأن تكون ممثّلة وحدها لنسائه، في حادثة مباهلة وفد نصارى نجران، التي دعا فيها الله نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم لمباهلتهم، بعدما حاجّوه فردّ عليهم وحيا ولم يقتنعوا بقوله: ﴿ فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ (8)

لقد كان لفتح مكة سنة ثمان من الهجرة النبوية المباركة، أثر بالغ في انتشار الإسلام بين القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية، التي أرسلت وفودها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم  - بعدما بلغها نبأ انتصاره على مشركي قريش وفتحه مكة - للتعرف على خصائص الدين الجديد والدخول فيه، غير أن وفدا واحدا أقبل من اليمن، بهدف محاججته وتعجيزه، وإظهار حجتهم عليه، اعتقادا منهم بأنهم أقوى حجة منه، وكان الوفد مؤلفا من عدد من وجهاء ورؤساء نجران، منهم العاقب، وهو أميرهم الذي يأتمرون به، والأسقف وهو صاحب عقيدتهم المسيحية، وبالأحرى زعيمهم الروحي الذي يرجعون إليه في مسائلها، فلما اجتمعوا عنده، دعاهم إلى الإسلام، وتلا عليهم من القرآن فامتنعوا واستكبروا، ودخلوا في جدال معه، فلما أكثروا من عنادهم دعاهم من الغد إلى مباهلته.

حادثة المباهلة:

 جاء في عدد من المصادر أن وفد نجران قدم على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، فيهم بضعة عشر رجلا من أشرافهم، وثلاثة نفر يتولّون أمورهم، العاقب‏ وهو أميرهم وصاحب‏ مشورتهم، الذي لا يصدرون الّا من رأيه وأمره واسمه عبد المسيح، والسيد وهو ثمالهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة  الأسقف، وهو حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم، وله فيهم شرف ومنزلة، وكانت ملوك الروم قد بنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم من علمه واجتهاده في دينهم، فلمّا وجّهوا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم جلس أبو حارثة على بغلة، والى جنبه أخ له يقال له: كرز، وبشر بن علقمة يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة فقال كرز: تعس الأبعد- يعني رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست، قال له: ولم يا أخ؟ فقال: واللّه انّه النبي الذي كنّا ننتظره، قال كرز: فما يمنعك أن تتبعه؟ فقال: ما صنع بنا هؤلاء القوم، شرّفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلّا خلافه، ولو فعلت نزعوا منّا كلّ ما ترى، فأضمر عليها منه أخوه كرز فلمّا قدم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسلم.

قال: فقدموا على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وقت العصر، وفي لباسهم الديباج وثياب الحبرة، على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب، ... ثم أتوا رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فسلّموا عليه فلم يردّ عليهم السلام ولم يكلّمهم، فانطلقوا يتتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وكانا معرفة لهم، فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا: انّ نبيّكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه وسلّمنا عليه فلم يرد سلامنا ولم يكلّمنا، فما الرأي؟ فقالا لعليّ بن أبي طالب (عليه السّلام): ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ قال: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ثم يعودون إليه، ففعلوا ذلك فسلّموا فردّ عليهم سلامهم، ثم قال: والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرّة الأولى و إنّ إبليس لمعهم.

ثم ساءلوه ودارسوه يومهم، قال الأسقف: ما تقول في المسيح يا محمد؟ قال: هو عبد اللّه‏  ورسوله‏ قالوا لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: هل رأيت ولدا من غير ذكر؟ فنزلت: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (9) فلمّا طالت المناظرة، وألحّوا في عصيانهم وخصومتهم، أنزل اللّه تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَة اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ (10) فقالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: نباهلك غدا. وقال أبو حارثة لأصحابه: أنظروا محمدا في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وإن غدا بأصحابه فباهلوه، فانّه على غير شيء، فذهب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم صباحا إلى بيت عليّ عليه السّلام، فأخذ بيد الحسن والحسين وخرج من المدينة، وبين يديه عليّ عليه السّلام وفاطمة عليها السّلام تتبعه، فلمّا رأى ذلك رؤساء نجران، قال أبو حارثة: من هؤلاء الذين معه؟ قالوا: هذا ابن عمّه زوج ابنته يتقدمه، وهذان إبنا ابنته وهذه بنته أعزّ الناس عليه، وأقربهم الى قلبه. وتقدم رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم فجثا على ركبتيه، فأخذ السيد والعاقب أولادهم وجاءوا للمباهلة.

قال أبو حارثة: جثا واللّه كما جثا الأنبياء للمباهلة، فكعّ‏ ولم يُقدم على المباهلة، فقال له السيد: أين تذهب؟ قال: لا إنّي لأرى رجلا جريئا على المباهلة، وأنا أخاف أن يكون صادقا، فلا يحول واللّه علينا الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء، وفي رواية أخرى انّه قال: انّي لأرى وجوها لو سألوا اللّه أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني الى يوم القيامة.

ثم جاء أبو حارثة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أبا القاسم انّا لا نباهلك، ولكن نصالحك، فصالحنا على ما ننهض له، فصالحهم على ألفي حلّة قيمة كل حلّة أربعون درهما، وعلى عارية ثلاثين درعا، وثلاثين رمحا، وثلاثين فرسا، إن كان حرب، فكتب لهم بذلك كتابا، فانصرفوا راجعين إلى بلادهم‏ .

قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده، لو لاعنوني لمُسخوا قردة و خنازير، ولاضطرم الوادي عليهم نارا، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتى الطير على رءوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى حتى يهلكوا كلّهم، فلمّا رجع وفد نجران، لم يلبث السيد و العاقب الّا يسيرا، حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلما.

وجاء من طريق العامة في صحاحهم، عن عائشة: انّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم خرج وعليه مرط كساء مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم عليّ ثم قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾(11) وهي رواية لم تذكر سبب خروجه وإلى أين؟ واستناد عدد من علماء التفسير كالزمخشري عليها، كدليل على وقوع تلك الحادثة يوم المباهلة وباتجاه وادي المدينة، فيكون اسقاط جزئيات الرّواية متعمّدا لفكّ أي صلة لها بيوم المباهلة، تفاديا لكشف قيمة تلك الحادثة، وما تضمّنته من فضل عظيم، خصّه الله أهل بيت نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، بعض المفسّرين فقط أذعنوا لهذه الحقيقة منهم الزمخشري، الذي طرح سؤالا وأجاب عليه، فقد قال: فإن قلتَ: ما كان دعاؤه إلى المباهلة الّا ليتبيّن الكاذب منه ومن خصمه، وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضمّ الأبناء و النساء؟.

قلتُ: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله، و استيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزّته وأفلاذ كبده وأحبّ الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه، حتى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة، وخصّ الأبناء والنساء، لانّهم أعزّ الأهل و ألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه، وحارب دونهم حتى يُقتل،  ومن ثمّة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب.

وقدّمهم في الذكر على الأنفس، لينبّه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدّمون على الأنفس مُفدون بها، وفيه دليل لا شيء أقوى منه، على فضل أصحاب الكساء عليهم السّلام.(12)

أما ما تفضّل ببيانه العلّامة الطباطبائي في تفسير الآية، فلا يبعد عمّا تفضَل به الزمخشري، متّفقين معا على علوّ مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الحادثة، بحيث اختصرت مبدأ الإصطفاء الإلهي،  وهو مبدأ ثابت من سُنَنِ الله التي لا تتبدل ولا تتغير، وغير مخصوص بأمّة دون أخرى، ومنزلة لا تضاهيها منزلة، فقال توضيحا:

(وعلى هذا فمن الواضح أن لو كانت الدعوى والمباهلة عليها بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين النصارى، أعني كون أحد الطرفين مفردا، والطرف الآخر جمعا، كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الإنطباق على المفرد والجمع معا، كقولنا فنجعل لعنة الله على من كان كاذبا، فالكلام يدلّ على تحقق كاذبين بوصف الجمع، في أحد طرفي المحاجة والمباهلة على أي حال، إما في جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإما في جانب النصارى، وهذا يعطى أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدّعوى، فإن الكذب لا يكون إلا في دعوى فلمن حضر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم على وفاطمة والحسنان عليهم السلام، شركة في الدعوى، والدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من أفضل المناقب التي خص الله به أهل بيت نبيه عليهم السلام، كما خصهم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم من بين رجال الأمة ونسائهم وأبنائهم.) (13)

وفي الآية كما جاء في التفسير من دلالة واضحة وبرهان جليّ، على أنّ الإصطفاء الإلهيّ الذي كان جاريا في الأمم السابقة، يجري أيضا في أمّة الاسلام خاتم الرسالات، فلا يمكن استثناءها عما سبقها، وهذا ما عمِل على تجاهله القسم الأكبر من الأمة الاسلامية، بعدما أمعن حكامهم على مرّ الأجيال في إسقاطه، جحدا لحقوق وجبت في أعناقهم، رفضوها حسدا وبغضا، دون أن يدركوا خطورة ما أقدموا عليه، من ظلم كبير بحق من أراد الله بهم هداية الناس بعد نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، ولو كان في ذلك العصر من هم أفضل من هؤلاء الأطهار، لأمر الله نبيّه بإخراجهم لمباهلة نصارى نجران، في تحدّ كبير لا يقبل الشكّ، بأن من أختيروا لأداء التكليف الخطير، هم خيرة البيت النبوي، وأفضل ما في الأمّة إطلاقا.

فاطمة تعطينا من سيرتها دروسا في الصّبر والكرم وأدب المعاشرة

حكى عنها أبنه الإمام الحسن عليه السلام، فكان مما قاله: رأيت امي فاطمة ليلة جمعتها، لم تزل راكعة ساجدة، حتى اتضح عمود الصّبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسمّيهم وتكثر الدّعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: بنيّ الجار ثُمّ الدّار.(14) وهذا من أرقى أمثلة الإيثار التي ضربتها السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام لتنبّهنا إلى قيمة الجيران، ومتانة العلاقة التي يجب أن ترتبط بهم في المجتمع الإسلامي، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل المؤمنين في تودّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.) (15)

ابنة خير خلق الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطتنا المثل من نفسها، فقد عاشت شظف العيش ببساطته، ولما اشتكت لأبيها من الرّحى مما تطحن... فقال لها ولزوجها الإمام علي عليهما السلام- الذي كان يعينها إذا كان في غير سفر: ألا أُعلِّمُكما خيرًا مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجعكما، أن تكبِّرا اللهَ أربعاً وثلاثين، وتسبِّحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمَداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم)، وفي رواية: قال عليٌّ: ما تركتُه منذ سمعتُه من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صِفِّين؟ قال: ولا ليلة صِفِّين).16)

ومع ذلك أقول: هل فهمت أجيال الأمّة حقيقة فاطمة عليها السلام، شخصيّة عالية المقام، عظيمة الشأن عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟ ظاهر الواقع لا ينبئ بذلك، خصوصا لمن اطّلع على الفترة التي اعتلّ فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومات بسببها، وما تلا ذلك من حيف وظلم على البيت النبوي، وحريّ بكل مؤمن، أن يستخلص من تلك الأحداث الأليمة، ما يقيه الوقوع في صفّ الذين رضوا بأفعال من أسسوا أساس الظلم والجور، على الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.    

قد يتملّك العجّب من لم يكُن مُطّلعا على سيرة سيدة نساء العالمين عليه السلام، عندما يعرف أن هذه السيدة المباركة لم تعِشْ بعد أبيها صلى الله عليه وآله وسلم سوى بضعة أسابيع، (ثلاثة أشهر على أقصى تقدير)، وأبوها صلى الله عليه وآله وسلم  كان أخبرها بأنّها أوّل أهل بيته لحوقا به، فسُرّت بإخباره ورأت فيها بشارة دعتها للإبتسام منها بعد أن كانت باكية لما أنبأها بقرب رحيله(17) وقد يتعجّب أكثر عندما تصدمه حقيقة، أن عمرها الشريف، كان ثمانية عشرة سنة، فقد وُلِدت على أشهر الروايات في السنة الخامسة بعد البعثة النبوية(18)، وكانت بعد موت أبيها في كامل صحّتها وتمام عافيتها، وما حصل من مهاجمة بيتها واقتحامه(19) لإجبار إمام الأمّة، ووليّها من بعد نبيّه على مبايعة صاحب السّقيفة وأعوانه، فيما ارتكبوه من جرم بحق الإسلام وأهله، كأنّما فريضة مودّة قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعت هؤلاء المعتدين إلى القيام بعدوان آثم، لم يكونوا ليجرؤوا عليه، لو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاضرا، مع أن مودّة هؤلاء الأطهار عليهم السلام ﴿ ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور﴾ (20)، هي أجر  كل ما قدّمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمّته، وعلى كل واحد منهم الوفاء بها، فلا يستثنى أحدٌ منها، ولو كانت له قرابة بهؤلاء المصطفين، فلا يكون ذلك سببا لاستثنائهم من واجب مودّة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أحاديث مُلْزِمة تركها مخالفو ولاية أهل البيت عليهم السلام، في منتهى البلاغة ودقّة المعنى، مثل هذا الحديث الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأكيدا على أهمّية محبّة أولياء الله ووجوبها: أحبّوا الله لِما يغذوكم به من نِعمه، وأحبّوني لحب الله، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي.(21)

وحتى لو افترضنا، أنه لا يوجد نصّ دال على وجوب مودّة أهل البيت عليهم السلام، فإن من أداب ردّ الجميل، أن تتألّف مودّة لأهل المُنعِمِ عليهم، فكيف بذلك وقد أوجبها الله في محكم تنزيله، فلزمت بأعناقهم، لكنهم لم يحقّقوا منها سوى مجرّد كلام بلا فعل، وذهب منهم من ذهب إلى مخالفتها بإظهار الإثم والعدوان لهم.

لقد كانت بيانات النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما تعلق بأهل بيته عليهم السلام، ومنهم فاطمة سلام الله عليها أكثر وضوحا، في تحذيره من مخالفتهم، ولم يكن يتكلّم عن هوى وإنما كان ناطقا بلسان الوحي، فقد قال فيما قال: (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني)( 22) وقال: (إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها)(23) ليس هذا فقط، وإن كان كافيا شافيا ﴿لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد﴾ (24)، وإنما نظرا لما تميّزت به سيدة نساء العالمين من عصمة، حسب ما أفادتنا به آية التطهير ومعناها، وما جسّدته السيدة فاطمة عليها السلام من سيرة، تجلّت فيها عظمة خُلُقِ أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، ومنتهى أدب بعلها عليه السلام، فحازت من هاذين العظيمين معارف الدّنيا والآخرة، وطبيعيّ أن تنسجم رغباتها وتتّفق تماما مع رغبة أبيها وإرادة خالقها، لتكون ميزان توافق مستمرّ، دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم  لبيانه بقوله: (إنّما فاطمة بضعة منّي، يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها)(25)

 بقوله لفاطمة: (إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك.) (26) فأيّ مقام أرفع من مقامها، وهي التي بلغت من صفات وسلوك الصالحين مبلغا، آهّلها لتكون ميزان رضا وغضب متوافقين مع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟

شخصيّة السيّدة الزهراء وقع تغييبها تماما عن زمن نبوّة أبيها، وإن كانت ظاهرة فيه بكلّ ذلك التبجيل والإهتمام النبويّ، وكان من المفروض أن تكون فيه كمصباح يضيء من نور شخصها طريق الهدى الذي هي طرف مؤسّس فيه سيرة وسلوكا.

مصيبة الصّدّيقة الطاهرة في مصيبتين

لم تكن لتهنأ السّيّدة الجليلة في حياتها القصيرة، فقد أصيبت أوّلا برحيل والدها، وكان لذلك وقع سيء على قلبها، وهي التي كانت متعلّقة به أيما تعلّق، فتأثّرت لذلك الفقد وحزنت حزنا كبيرا، عُدّت فيه من زمرة المحزونين والبكّائين على مرّ التاريخ، الى حدٍّ تأذّى لبكائها أهل المدينة، فالتمسوا عليّا، ورجوه أن يجد لهم حلّا في ذلك، فكلّم فاطمة عليها السلام، واتفق معها على أن يبني لها خسّا في البقيع، تذهب إليه لتجدّد أحزانها، وكان الأمر كذلك(27)

أمّا المصيبة الثانية فهي اقتحام بيتها وانتهاك حرمتها، مما أثّر ذلك عليها فاعتلّت من ذلك العدوان، وكان سببا في سرعة لحاقها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما بشّرها بذلك(28)، وهي في نظري عنوان ثانٍ، لانتهاك حرمة صفوة الله الطاهرة عليها السلام، بعد إجترائهم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عقر بيته، مانعين إيّاه من كتابة وصيّته وواصفينه بالهجر(29) ومن تأمّل معاني الإمام علي عليه السلام التي جاءت مفرداتها البليغة، في تأبين السيدة الزهراء عليها السلام، أمكن له أن يقف على فداحة مصابه، ويستخلص من أنّاته وزفرات لسانه مظلوميته وأهل بيته، وثيقة تاريخية مُثبِتة مجملا عدوانا سافرا عليهم وهضما لحقوقهم:  

(السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورق عنها تجلدي، إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك (30)، وفادح مصيبتك موضع تعزّ(31)، فلقد وسدْتُك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، إنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد (32)، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها (33)، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودع لا قالٍ ولا سئمٍ (34)، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.)( 35)

تأبين في منتهى الحزن وبثّ الشكوى، لخّص أحداثا جساما بحقائقها، أسقطت ما روّجه الانقلابيون من زيْفٍ، كان الهدف منه قلب تفاصيل مهمّة، خاصّة بعلاقة الإمام علي عليه السلام بأخيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي علاقة تعرّضت للتغييب المتعمّد، حتى لا يقف على مضامينها أحد من المسلمين، خصوصا أولئك الذين اتبعوا دون وعي منهج انقلاب السقيفة، نظام حكم في الاسلام اختاره الناس، دون التفات لكون الاسلام منظومة تشريعية متكاملة من ضمنها حكومتها، وصلى الله على محمد وأله الطاهرين.

هكذا مرّت ومضة نور المصطفى كما ظهرت غابت سريعا، متأثّرة بهضم حقوقها وحقوق أهل بيتها، تاركة وراءها لكل من أراد الله به خيرا مجالا ليبصر حقيقة شخصها المقدٍّس فيعرف من خلاله مدى الحيف والظلم الذي تعرض له البيت المصطفى وألمّ به من خطوب جليلة، لذلك اقول إن مفتاح المعارف الدينية والتاريخية المادّية والمعنوية هو متعلق بشخص واحد سيفتح به الباحث عن الحقيقة طريقه إلى رفع غشاوة التزييف عما ألقي إليه من بهتان الظالمين لمحمد وأله الطاهرين، فمن شاء أن يعرف ما ألمّ بالإسلام فليبحث عن تفاصيل حياة فاطمة عليها السلام، فحتما سيعرف ما أخفي عنه بشأنها، وما تعلق بأبيها صلى الله عليه وآله وسلم وزوجها، وليشكر الله على نعمة هذه المرأة الطاهرة، التي بواسطتها أتاحت للكثيرين الهداية إلى الصراط المستقيم.   

المصادر

1 – جامع أحاديث مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت النبي ج7ص142 ح2450// مسند أحمد مسند النساء مسند فاطمة ج44ص9ح26413

2 – بحار الأنوار المجلسي ج 43ص49

3 –  سورة آل عمران الآية 144

4 – الأدب المفرد محمد بن اسماعيل البخاري حديث 947

5 – المعجم الكبير الطبراني ج22س397 / تاريخ الاسلام الذهبي ج2ص29

6 – سورة الأحزاب الآية 33

7 – سنن الترمذي أبواب تفسير القرآن ج5ص263ح3206// مسند أحمد مسند أنس بن مالك ج21ص273ح13728

8 – سورة آل عمران الآية 61

9 – سورة آل عمران الآية 59

10 – سورة آل عمران الآية 61

11 – مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أهل بيت النبي ج7ص130ح2424/

12 – تفسير الكشّاف الزمخشري ج1ص565 تفسير سورة آل عمران الآية 61

13 – الميزان في تفسير القرآن السيد محمد حسين الطباطبائي ج3ص224

14 – المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري حديث 4702

15 – بحار الأنوار العلامة المجلسي ج 43 ص 82

16 – بحار الأنوار العلامة المجلسي ج58ص150// جامع أحاديث مسلم كتاب البر الصلة والآداب باب تراحم المؤمنين ج8ص20ح2586

17– جامع أحاديث البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب علي بن أبي طالب ج5ص19ح3705/ مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والإستغفار باب التسبيح أول النهار وعند النوم ج8 ص84ح2727

18 – أخرجه الحاكم النسيابوري في مستدركه على شرط الشيخين ولم يخرجاه ح 4707   /عِلل الشرائع الشيخ الصّدوق ص181/ منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل الشيخ عباس القمي ص158

19– صحيح البخاري كتاب الفضائل باب مناقب قرابة رسول الله ج5ص21ح3714 و ص 29 ح3767/ مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضائل فاطمة بنت النبي ج7ص141ح2449

20 – سورة الشورى الآية 23

21 – أخرجه الحاكم النيسابوري في مستدركه على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه الحديث 4699

22 – صحيح الجامع الألباني  حديث 2366

23 – مسلم كتاب فضائل الصحابة  باب فضائل فاطمة ج7ص141ح2449

24 – سورة  ق الآية 37

25 – الصحيح الجامع الألباني حديث 2366 خلاصة حكم الحديث كما صرّح به الالباني

26 – المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ح4713

27 – الامالي الشيخ الصّدوق ص 140

28 – الإمامة والسياسة ابن قتيبة الدينوري ج1ص 19 بحار الأنوار المجلسي ج 28ص356

29– جامع احاديث البخاري كتاب الجزية ج4ص99ح3168/مسلم كتاب الوصية ج5 ص75 ح1637

30 – يريد بالتأسي الاعتبار بالمثال المتقدم.

31 – الفادح: المثقل. والتعزي: التصبّر. وملحودة القبر: الجهة المشقوفة منه

32 – ينقضي بالسهاد وهو السهر

33 – هضمها: ظلمها. وإحفاء السؤال: الاستقصاء فيه

34 – القال هو المبغض والسّئم هو الملِلُ المتبرّمُ

35 – نهج البلاغة الإمام علي ج2ص182

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد الرصافي المقداد
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/01/17



كتابة تعليق لموضوع : فاطمة الزّهراء (ع) مظلوميّة مستمرّة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net