صفحة الكاتب : باسل عباس خضير

دعوة للمحافظة على الهوية الوطنية ( للتسول )
باسل عباس خضير

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 التسول ليس ظاهرة حديثة في العراق وإنما هو موجود منذ سنين وعقود ، ولا ينفرد بلدنا بهذه الظاهرة لان العديد من البلدان تعاني التسول وينتشر فيها رغم التباين  في التطور والإمكانيات ، والآراء والنظريات بهذا الخصوص طويلة وعريضة ولكنها تلخص الدوافع والأسباب بالاجتماعية والاقتصادية والنفسية ، وصحيح إن الفقر يلازم نسبة من العراقيين منذ سنوات رغم اننا من اكبر مصدري النفط ، ولكن ذلك لا يعني تحول كل الفقراء إلى متسولين ( لاسمح الله ) لان التسول من الأنماط السلوكية التي لا يمكن تقبلها إلا من قبل فئات محددة  بفعل عدد من العوامل والظروف ، ورغم إن التسول استثناءا غير مقبول حتى وان تم احتساب أسبابه على الفقر ، إلا إن ما يثير الاستغراب فعلا هو ضياع هويتنا الوطنية في التسول من حيث الأهداف والأدوات والأفراد وذلك بسبب تحول مارسته لشكل غير مألوف ، ففي زمن الفقر المدقع المبني على ضعف التوازن في توزيع الثروات كان اغلب المتسولين كأفراد أما من عوائل معروفة بفقرها وقحطها او إنهم مجهولون ليست لديهم قدرات في مجاراة الإعمال او إنهم من أصحاب الأمراض والعاهات وغيرها من الحالات المعروفة وهي مظاهر كانت تستثير العواطف فيحصلون على ما يدفع لهم من صدقات بوازع ديني او أخلاقي ،  كما إن التسول كان يمارس بطرق دون غيرها من خلال افتراش الأرض ووضع الماعون أما في أبواب المساجد او في الطرقات ، والبعض الذي يتجرأ في ولوج الساحات والتقاطعات يلقى حتفه بإلقاء القبض عليه وإيوائه السجن او مراكز الرعاية او المصحات ، أما في الزمن الحالي فقد ضاعت الهوية الوطنية للتسول من جوانب عديدة ، أبرزها غزو المتسولون متعددي الجنسيات وبعضهم من دول قريبة والبعض الآخر يبعدون عن بلدنا آلاف الأميال ، كما تشوهت أساليب التسول فتحولت من شكلها ( شبه ) العفوي إلى أشكال لم نشهدها من قبل ، بالتجرؤ في الانتشار بالشوارع والتمسك بزجاج نوافذ السيارات والاعتداء أحيانا على من لا يعطيهم الصدقات ، والبعض منهم اخذ يجول المساكن ويطرق الأبواب  ذكورا وإناث بزعمهم التسول رغم إن بنيتهم لا تدل على ضعفهم مما يثير مخاوف وشكوك السكان ، وهناك من حول القضية إلى دعارة وجريمة وأشكال متعددة من الفساد ، وفي الأسواق والمولاة والمناطق التجارية ينتشرون بشكل يعرض الكثير للخوف والاحراجات ، فهم لا يمارسون تسولهم بالطريقة التي تعودنا عليها بالمسكنة والتوسل  وإنما اخذوا يلحون ولا يتركوك إلا بعد الدفع وكأنهم أصحاب لحقوق .

وحسب ما يتم تداوله من حكايات ومعلومات ، فان بعض من يمارس التسول تحولوا لأعضاء في عصابات ومافيات يستأجرون الأطفال والمعاقين وأصحاب العاهات ، و يقودونهم عدد من المتسلطين على الساحات والمناطق والتقاطعات وكأنها ملكا لهم ، وهؤلاء يتولون إيوائهم وحمايتهم من الأخطار و إخراجهم من الملمات عند إلقاء القبض عليهم او إيوائهم في الأماكن التي تحددها السلطات ، وحسب ما يقولون فان التسول قد استفحل أمره إذ لم يعد بالإمكان احتوائه و القضاء عليه رغم الجهود الرسمية التي تبذل بهذا المجال ، لان جزءا مهما منه تحول من حالة إلى ظاهرة ويدر الكثير من الأموال ، كما إن جزءا من التسول تحول إلى ( نظام ) فاسد يعمل إلى جنب أنظمة الفساد التي تنتشر هنا او هناك ، والتسول بهذا الوصف والحجم والانتشار بات بحاجة إلى أدوات فاعلة لكشف أسراره والذي ربما يتغذى من شبكات وحيتان الفساد في البلاد ، ولكوننا لا نملك أدوات للحلول فإننا نناشد من يعنيهم الأمر ومنهم  الذين يمارسون التسول للحفاظ عن هوية التسول في العراق وعدم حرفها عن معانيها الإنسانية وبتحرير أنفسهم من العصابات ، لا نقول ذلك تشجيعا منا للتسول وإنما من قناعة بان الدولة ربما تكون غير قادرة على معالجة  مشكلات التسول بشكلها الحالي رغم ما تنفقه من تريليونات على شبكة الحماية الاجتماعية وغيرها من النفقات ، وصحيح إن التسول حالة غير مرغوبة ومنبوذة ، ولكن إن بقيت فمن المهم أن تبقى بحدودها المعقولة حتى يحين الوقت لمعالجة أسبابها وتداعياتها وجذورها إن توفرت الإرادة لذلك بالفعل .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


باسل عباس خضير
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/01/13



كتابة تعليق لموضوع : دعوة للمحافظة على الهوية الوطنية ( للتسول )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net