صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

يومُ الزهراء.. يومُ عويلٍ وبكاء.. سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي


بسم الله الرحمن الرحيم

هذه الأيام أيام شهادة خاتم الأنبياء، هذه الأيام عظيمةٌ جداً، فشهادة السيدة الزهراء شهادة نفس النبي (صلى الله عليه وآله)!

فاطمة بضعةٌ منّي: هذا الحديث مورد اتفاق العامة والخاصة، وينبغي على كلّ مسلمٍ من أيّ مذهبٍ كان، وأي ملّة، أن يجعل يوم شهادة السيدة الزهراء عليها السلام يوم حزنه، ولا يختص ذلك بالشيعة.

هذا متن الحديث في كل الصحاح، أما فِقهُ الحديث فهناك الصخب..
وظيفتكم الأساسية في هذه الأيام أن تنتشروا جميعاً في البلاد، وثمرة الفقاهة إرشاد خلق الله إلى ما تفرّدت به حبيبة الله.

لا أنا ولا أنت ولا الشيخ الطوسي ولا الشيخ الانصاري أدركنا من هي فاطمة الزهراء، لأن الخلق فُطِمُوا عن معرفتها، كلُّنا مقصرون، لم نعرفها كما هي، ولم نُعَرِّف الآخرين عليها.

أما مَن هي؟ نعرف ذلك من الحديث الصحيح، الذي كان يفتي الشيخ الأنصاري بضرصٍ قاطع في مثل سنده، ويرفع يده عن أصالة الاحتياط الأصولية والفقهية، مع كونه رحمه الله يعدُّ تجسيماً للاحتياط.

ورجال سَنَدِ هذا الحديث موثقون بتوثيق الشيخ المفيد والنجاشي والشيخ الطوسي وابن شهر آشوب، أعاظم مشايخ الرجال والحديث.
وإن كنّا لا نصل إلى فقه الحديث، لكن ما لا يُدرك كلّه لا يُترك كلّه، والمتن عظيمٌ إلى حدِّ أن من يَعرِفُهُ هو قائله.. والحديث هو:

عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: سَأَلَ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الجَفْرِ فَقَالَ: هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً. قَالَ لَهُ: فَالجَامِعَةُ؟

قَالَ: تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الأَدِيمِ، مِثْلُ فَخِذِ الفَالِجِ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَهِيَ فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الخَدْشِ.

وقد أجاب (عليه السلام) عن هذين السؤالين فوراً، ووصل إلى السؤال الثالث:
قَالَ: فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام؟

قَالَ: فَسَكَتَ طَوِيلًا: فاطمة الزهراء قد عرفها جعفر بن محمد (عليه السلام)، سكوته الطويل هنا معبّرٌ جداً، فنُطقه وسكوتُه وكلامُه بحرٌ من الحكمة لأهله.. فسكت طويلاً..

ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَعَمَّا لَا تُرِيدُونَ: هو يعلم ما الخبر.

إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) خَمْسَةً وَسَبْعِينَ يَوْماً: كلُّ مدة بقائها بعده هي هذه، لكن كيف أمضت هذه المدة؟

وَكَانَ دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا، وَكَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا، وَيُطَيِّبُ نَفْسَهَا، وَيُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَمَكَانِهِ، وَيُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا، وَكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَكْتُبُ ذَلِكَ.

وههنا عدة مطالب:

فينبغي أولاً معرفة جبرائيل، اقرؤوا القرآن حتى تعرفوا من هو جبرائيل، ﴿وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى﴾، هذا نصُّ القرآن، مكانُهُ أعلى أمكنة عالم الوجود، بالأفق الأعلى، وهنا فقه الحديث، إذا وفق الله تعالى لتحليل وشرح هذه الأحاديث.

فاطمة بضعةٌ مني: فاطمةُ من نفسه العليّة الخاتميّة، لا من البدن، ونفسُ تلك الجاذبية التي كانت فيه من الأفق الأعلى ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏﴾ كانت في ابنته ذات الثمانية عشر عاماً بحكم قوله: (فاطمة بضعة مني).  إنها جاذبية الحقيقة الأحمدية، النفس النفيسة المحمدية، وبضعة الخاتمية.

وأيّ مطالب كانت في ذلك المصحف؟ كتبه من كان يقول النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) فيه بالاتفاق: أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، مثُل هذا كان يحمل القلم بيده ويكتب الحديث بين فاطمة وجبرائيل ‘ ويسجله: وَكَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَكْتُبُ ذَلِكَ.

فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام: وهنا فاء التفريع، لماذا التفريع؟ يُعرَفُ ذلك عندما يُعرَفُ المفرَّعُ عليه، فهذا مصحف فاطمة.

ثم إنّ علم المعصومين الأربعة عشر له ثلاث جهات: الجفر والجامعة ومصحف فاطمة، هذه فاطمة الزهراء، وهذه مكانتها العلمية.

أما مقامها ومنزلتها، فقد سئل سادس الأئمة عليهم السلام: لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءَ؟ 

قَالَ: لِأَنَّ لَهَا فِي الجَنَّةِ قُبَّةً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، ارْتِفَاعُهَا فِي الهَوَاءِ مَسِيرَةُ سَنَةٍ، مُعَلَّقَةٍ بِقُدْرَةِ الجَبَّارِ، لَا عِلَاقَةَ لَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَتُمْسِكَهَا، وَلَا دِعَامَةَ لَهَا مِنْ تَحْتِهَا فَتَلْزَمَهَا، لَهَا مِائَةُ الفِ بَابٍ، وَعَلَى كُلِّ بَابٍ الفٌ مِنَ المَلَائِكَةِ، يَرَاهَا أَهْلُ الجَنَّةِ كَمَا يَرَى أَحَدُكُمُ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الزَّاهِرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، فَيَقُولُونَ: هَذِهِ الزَّهْرَاءُ لِفَاطِمَة.

هذا مصحفها وهذه مكانتها، فهل عرفنا فاطمة؟

لقد عرفها أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو الذي جاء الرسولُ (صلى الله عليه وآله) لعيادته في حرب أُحُد، وشاهد بدنه مليئاً بالثقوب، حتى أن الفتيلة تدخل في ثقوبه، ومع كلّ صَبر النبيّ الذي ليس له مثيلٌ، بكى (صلى الله عليه وآله) لمّا وقع نظره عليه، صار بلا طاقة وبكى بصوت عالٍ، أمّا عليٌّ فماذا فعل؟ تبسّم وقال: إن هذا في ذات الله لقليل.
من عَرَفَ علياً؟ أيُّ صبرٍ هذا؟ النبيُّ بكى وهو تبسّم!

في ليلة التاسع عشر صاح جبرائيل بين السماء والأرض: تهدمت والله أركان الهدى، لكنه (عليه السلام) ابتسم وقال: فزت ورب الكعبة.

هذه الشخصية قد عرفت فاطمة، مثل هذا الشخص كان على هذه الحال في أُحُد، وعلى هذا الحال في الليلة التاسعة عشر، لكنّه لمّا أراد إرجاع الوديعة وإيصال الجنازة لأبيها قال:
نَفْسِي عَلَى زَفَرَاتِهَا مَحْبُوسَةٌ * * * يَا لَيْتَهَا خَرَجَتْ مَعَ الزَّفَرَات‏

ما هي وظيفتنا في الفاطمية؟

إنّ مَن كان جبرائيل بين الأرض والسماء يصرخ باسمه: (لا فتى إلا عليّ ولا سيف الا ذو الفقار)، مِثل هذا تمنى لو أنّه مات! 
فما وظيفتنا أنا وأنت في هذه البلاد؟ وهي باسمها عليها السلام، ما وظيفتنا في يوم شهادتها عليها السلام؟ 

وظيفتنا أن نتبع صرخة وحرقة وأنين أمير المؤمنين، وأن يكون يومُ شهادة السيدة الزهراء يوم عويلٍ في هذه البلاد.

أيتها الهيئات، هل أنتم نيام؟ لا ينبغي أن تبقى هيئةٌ لا تخرج، لماذا؟ 

لأنّ في كل هيئة تخرج رحمةٌ لقلب سيد الشهداء الجريح، ولصدر الحسن المجتبى المجروح، ولعين إمام الزمان الباكية على أمه عليها السلام.

جملةٌ واحدةٌ كافية، ممَّن كان تمام العالم تحت رايته، وآدَم ومَن دونه تحت لوائه، مثل هذا يقول، والكلام غير قابل للقول، لكن لا خيار، ينبغي أن يقال، مِثل هذا عندما أرجع الوديعة وسلّم جنازتها لأبيها رسول الله قال: وَسَتُنْبِئُكَ ابْنَتُكَ بِتَظَافُرِ أُمَّتِكَ عَلَى هَضْمِهَا.

اشرحوا هذه الكلمة للناس ليعرفوا وظيفتهم يوم شهادتها، وكيف اجتمعوا على ضربها. 

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

من كتاب (أنوار الإمامة) ص331.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/01/05



كتابة تعليق لموضوع : يومُ الزهراء.. يومُ عويلٍ وبكاء.. سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net