صفحة الكاتب : يحيى غالي ياسين

شقائق الرجال
يحيى غالي ياسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في حديث له : ( إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ ) ، أخرجه أحمد بن حنبل وغيره ..

ولقد اختلفت المذاهب والايدولوجيات الفكرية - الغربية منها خاصة - في تحديد شكل ونوع العلاقة بين الرجل والمرأة ، فبعضها نحى منحى المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء تقريباً وإنهاء التمييز الجنسي بينهما ، كالحركة النسوية الليبرالية والتي تبنت مبادئها بعض مفكرات الثورة الفرنسية ، أمثال اولمب دي غوج . وبعضها رفع التمييز بين الرجل والمرأة ضمن نطاق العائلة ، وهذا هو الفكر الماركسي الذي ركز علاقة علاقة العائلة بالانتاج الرأسمالي وأهمل المسائل التي تتعلق بأوضاع النساء ..
أما الحركة النسوية الراديكالية التي ركزت على مسألة القمع والعنف الذي تتعرض له النساء فقد حاولت تأسيس فكرة مفادها أن الذكورة والأنوثة عبارة عن بناء اجتماعي ولا أساس له بالفروق الطبيعية بين الجنسين .. وهناك محاولات في التفريق بين مفهوم الجنس ومفهوم الجنوسة ، فتقول سيمون دي بوفوار في كتابها الجنس ( ان الواحدة من النساء لا تولد امرأة ، لكنها تصبح فيما بعد امرأة ) ، اي ان الأنوثة تتشكل اثناء سيرورة حياة المرأة في المجتمع ..

وغيرها من الحركات الفكرية التي حاولت تفسير طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة والخروج بنظرية مقبولة خاصة بذلك ..

وإذا أردنا أن نأخذ طبيعة وحدود هذه العلاقة من الإسلام لا بد من أخذها من مجموع نصوصه وتشريعاته ، لأن التجزئة لا تعبر عن رأي الإسلام الحقيقي والصحيح ، لأن بعض النصوص قد نفهم منها ميلاً لصالح الرجال ، وأخرى بالعكس .. في حين مجموع تلك النصوص تعطينا صورة واضحة ومتكاملة وجميلة بين الطرفين ، لذا اقتضى التنويه ..

ومما يمكن البت به هو ان الإسلام لم يفرّق بين إنسانية الرجل والمرأة ، قال تعالى ( (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ‌ وَالْأُنثَىٰ) ، ولا يوجد تمايز في إيمان وثواب وعقاب بينهما ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ‌ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً‌ا ) ، وقال تعالى ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) .. الى غيرها الكثير من نقاط الالتقاء المهمة بين الرجل والمرأة والتي تقرر المساواة بينهما ..

نعم ، المساواة في الأمور الجوهرية ثابتة ، وأما المساواة المطلقة فيما يخص الطبيعة البايلوجية والجسدية والغرائزية .. فمن يقول بهذا فهو يغالط عقله ووجدانه ، ويخالف بديهيات الأشياء ..

فلقد أقرّ القرآن الكريم التمييز الذي قالت به أم مريم بنت عمران في جزئية خدمة المعبد ، ( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ،فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) ، فليس الذكر كالأنثى في هذه الوظيفة التي تحتاج الى امكانيات الذكر ، في حين أن هنالك وظائف تحتاج بها الى امرأة دون الرجال ، قال تعالى ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ ) وتكملة الآية هو الأجر الذي يدفعه الوالد للوالدة في قبال هذه الوظيفة العظيمة ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ ) .

وصل بنا الكلام الى حديث الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه ، والذي يتناول جانباً مهماً من جوانب الصورة الكاملة لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة والمكانة التي يتصف بها كل منهما اتجاه الآخر وهو : { إنما النساء شقائق الرجال } .

جاء في لسان العرب في مادة ( شقق ) : النساءُ شَقائِقُ الرجال أَي نظائرُهم وأمثالهم في الأَخْلاقِ والطِّباع كأنهن شُقِقْنَ منهم ولأن حَوّاء خلقتْ من آدم ..

وهذا التعبير من التعابير العربية الدقيقة التي تساوي بين شخصين ، وتؤصل انتماء كل منهما للآخر ، وتضعهما بنفس المنزلة ، بل تجعلهما بنفس الصفات والخصال ، وعدم ترجيح أحدهما بشيء .. والشقيق أدّق من الأخ ، فالأخ قد يكون من أب فقط أو أم فقط ، بينما الشقيق هو الذي يشترك معك بأم واحدة وأب واحد ..

هذا النصّ يعطي صورة واضحة عن الفكر الإسلامي اتجاه المرأة ورؤيته نحوها ، ويُبدي رأي الدين بصراحة شديدة ، ونستفيد منه أمرين هامّين :

الأول : دحض كل متقوّل على الإسلام ومتهم له بأنه يظلم المرأة ويقمع حريتها ويحجّم من شخصيتها وينقص من إنسانيتها .. الخ في مقابل رفع مكانة الرجل وترسيخ ذكورية المجتمع وما شاكل ذلك ..

الثاني : هذه فلسفة من فلسفات أحكام المرأة ومدار تدور عليه تشريعاتها ، حتى وإن قرأنا قوله تعالى ( وللرجال عليهن درجة ) و ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) و ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) .. فعلينا - وفق قاعدة انما النساء شقائق الرجال - أن لا نفهم ذلك كان على حساب الإنسانية والكرامة ، وانما هو نوع من التنظيم لتلك العلاقة وشكل لإدارة الحياة التي يعيشانها معاً ، وضريبة تدفعها المرأة في مقابل ضريبة يدفعها الرجل ايضاً لإحداث حالة من التوازن المجتمعي ..

ونفهم من هذا الحديث ايضا الدور الكبير الذي يقع على عاتق المرأة ومشاركتها الرجل في تحقيق الأهداف الكبرى للإنسانية والوصول الى غايات وجودها في هذا العالم .. فالشراكة حقيقية ، والمسؤولية تضامنية ، والمهام تتناصف بينهما وان اختلفت طبيعة الوظيفة التي يشغلها كل منهما بحسب الفروقات الفسلجية والقدرات والامكانيات التي يتمتع بها كل منهما ..

تدخل النساء بنفس قوة المنافسة مع الرجال في ميزان المفاضلة التي حددها الإسلام كميدان للتسابق والتراجح ، مثل ميزان التقوى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات ١٣ ، وميزان العلم ( .. يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) المجادلة ١١ ..

ولقد تفوّقت آسيا بنت مزاحم على أقوى رجل في عصره وهو فرعون ( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) التحريم ١١

الموضوع مهمّ ويكشف عن الكثير من الغموض الذي يخيّم على هذه المنطقة الواقعة بين الرجل والمرأة ، ويحلّ الكثير من الإشكالات ، بل يُعيد هندسة العلاقات والوظائف والأدوار الاجتماعية ويضعها في نصابها الصحيح ..

قال تعالى ( وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ) النساء ٣٢ .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


يحيى غالي ياسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/12/19



كتابة تعليق لموضوع : شقائق الرجال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net