صفحة الكاتب : حسن الجوادي

الهوية الأخلاقية صراع من اجل البقاء
حسن الجوادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


اوقفني رجل مسن قد تجاوز الـ 80 من عمره في محاضرة في العاصمة بغداد، وتحدث بصوت مرتفع ادهش الجميع قائلاً: انا رجل بلغت 83 سنة من العمر، وقد رأيت اشياء كثيرة ولي خبرة وثقافة منوعة، وانا اقول لك امام هذا الجمع من الناس، ان قيمنا مهددة، واخلاقنا تتعرض لحملة كبيرة من قبل اعداء الاخلاق والقيم والمبادئ، فعلينا ان نتحرك من اجل شبابنا ومجتمعنا بصورة عامة , ونعدد جلسات الفكر والوعي في كل المناطق.. 
دوّت هذه الكلمات من صاحب الشيبة المباركة ارجاء الحسينية فكانت على مسمع جمع من النخب والشباب، فكان لها وقعها الخاص علينا كمتعلمين ومعلمين وفاعلين في الوسط الاجتماعي، وان كان يدل هذا الامر على شيء فانه يدل خطورة ما تتعرض له الهوية الأخلاقية للمجتمع.
الهوية الأخلاقية، هي محيط الناس وبيئتهم السلوكية والقيمية والتي تؤلف يومياتهم وحياتهم وطرق تواصلهم فيما بينهم، وكل مجتمع له هويته الاخلاقية التي تكون بمثابة البصمة التي تعرفه عن سائر المجتمعات الاخرى، وقد بنيت المجتمعات الاسلامية على وقع اخلاقي وسلوكي مميز وان تخالط مع سلوكيات مستحدثة واخرى قبلية قد صارعها النظام الاخلاقي الفطري والاسلامي كثيراً، ومن هنا كان رحلة الهوية الاخلاقية شاقة للغاية.
مصادر الهوية الأخلاقية، تستمد الهوية الثقافية شرعيتها من التوجه الإنساني العام المعبر عنه بالفطرة، والادراك النظري المعبر عنه بالعقل، والأصول الدينية، وهذه الثلاثية تعتبر مركزية الاخلاق ومصدرها الذي تنهار دونه.
دور الهوية الأخلاقية، تؤثر الهوية الأخلاقية على النسيج العام لأي مجتمع، وهي بمثابة الضابط والقانون الذي يحفظ هيكلة البناء الاجتماعي من التشتت والتفسخ، وكلما قويت الهوية الأخلاقية ظهر اثرها الإيجابي على المجتمع، من هنا فان أي مجتمع يتخلف ويتخلى عن هويته الأخلاقية ويتطبع بهوية أخرى يتغير تماماً ويتغرب عن واقعه لعيش واقعاً اخراً يحمل بين طياته مجموعة قيم وضوابط لا تنسجم تماماً مع الهوية القديمة وهنا يظهر اثر الصراع بين الهوية الاصلية والهويات الأخرى.
صراع الهوية الأخلاقية، الصدق يواجه الكذب حتى ينتصر عليه، والحب يواجه الكراهية حتى يتغلب عليها ، حبنا للأشياء يصدم بكمية من الكراهية متى ما تغلبنا على الكراهية التي تنبعث من الأشياء استطعنا ان نضع انفسنا موضع الحب، أي موضع الخلق الحسن ونثبت بذلك عنصر من عناصر الهوية، ومن هنا يتضح ان هوية المجتمع الأخلاقية هي هوية الافراد التي تواجه جملة من التحديات ، فالصبغة العامة لأي مجتمع تمثل هويته الأخلاقية ، وهي بلا شك تصارع الهويات والأفكار الواردة كل يوم ، فهوية الكرم تواجه هوية البخل ، وهوية العفاف تواجه هوية العري ، وهوية الفطرة الإنسانية تواجه الهوية المادية بقوة ، وهوية الزوجية الفطرية تواجه هوية الزوجية العبثية الفوضوية التي اقرت في بعض البلدان ويراد لها ان تصبح طبيعية جداً في الكثير من البلدان ولا سيما في البلدان والامصار الإسلامية والدينية عموماً.
يبرز الفيس بك ومواقع أخرى كوسائل فاعلة وليست ممهدة لتغييب الهوية الأخلاقية ومن ثم اظهار هويات أخرى موازية ، وقد استغلت هذه المواقع في بث محتويات تضرب الهوية الاجتماعية كهوية العفاف والحياء من خلال تحسين الهوية المضادة وتزيينها وعرضها للأجيال المعاصرة مع ضخ كمية من التعاطف او المميزات الفطرية ، ومن ثم تتغير هوية الافراد ومن ثم الجيل بكامله!
تغير هوية الجيل الواحد، من خلال ملاحظة جملة من العلائم والاشارات والتحركات والاحداث والمشاهد في العالم الواقعي والافتراضي اتضحت ان محق ومحو الهوية الأخلاقية للمجتمع يبدأ من:
1ـ نسيان المجتمع لهويته الأخلاقية والبحث عن هوية أخرى، من خلال التنازل عن الهوية الاصلية وتعويضها بهوية أخرى جديدة حسب التصور.
2ـ الارتداد الأخلاقي الذي يصيب جملة من الناس بسبب الظروف والربط بين الالتزام وبين التقدم العلمي والاقتصادي والمعاشي وما شابه، وهي شبهة يقع فيها العديد من الناس.
3ـ تغييب الهوية الاصلية بعمد من قبل أصحاب الهوية المغايرة، فمن يريد ان يصدر ثقافته لا بد له من تهميش وتفتيت الهوية المضادة وبالتالي كلما غيبت الهوية وابرزت مقابلها هوايات أخرى كان أسهل على المجتمع في ترك هويته.
تتغير هوية الجيل من خلال المؤشرات أعلاه، وربما يختبر كل جيل على حدة من حيث تمسكه الأخلاقي والقيمي، فان العمل عل تغيير هوية الجيل الواحد ايسر من تغيير هوية الأجيال دفعة واحدة ، وبذلك يخلق الصدام بين الأجيال ، حيث عادة ما تؤمن الأجيال الجديدة بقيم ومبادئ تختلف عن الأجيال التي تسبقها ، مثل ايمان الابن بان أفكار والده يبدو عليها التأخر والتناسب لعصر قديم ، وهكذا فتربط القيم الأخلاقية بموضوعات أخرى ، فيتعثر الفهم الأخلاقي للجيل الجديد بسبب الأفكار الجاهزة والدفع بفكرة التميز عن الأجيال السابقة وتصعد حدة الانا والتي بدورها تفرز بين الأجيال فرزاً اخلاقياً كبيراً.
مميزات الاخلاق الإسلامية، لكن الأجيال تعود مرة أخرى حين تتباعد فيما بينها، من خلال الميزة التي تتمتع بها الهوية الأخلاقية في الإسلام، اذ انها مرتبطة بالمشاعر والعواطف والحكمة الإنسانية ومعللة بأغراض إنسانية عالية وهي مرتبطة بعمق السلوك الإنساني ومبتعدة عن فكرة التعويض المادي على الاغلب، ومن هنا يتبين ان الخلق والتعامل الشفاف الطيب يدعو له الدين بنصوص وافرة تؤثر بالأجيال بمجرد ان يسمعوها وحتى ان لم يظهر لهم من القائل.
نجد ان أي هوية أخلاقية أخرى لا يمكن لها الصمود امام الهوية الاصلية للمجتمع الإسلامي، لكن الخطورة تكمن في تصوير الاخلاق الاصلية بغير ما يراد لها ومن هنا يقع جملة من الباحثين وغيرهم في أخطاء كثيرة حين يفسرون الاخلاق وموقعها في الإسلام وينشغلون بمفردات ونصوص لا يحسن التوقف عندها كثيراً فربما لم تكن من وحي السماء اصلاً.
صراع الهوية الأخلاقية الفاضلة لا يتوقف، فالخلق النبيل يواجه حملة عالمية لجعله احد الخيرات وليس الخيار الإيجابي الوحيد في هذه الحياة تحت ذرائع مادية وغرائزية ليست دقيقة بالمرة ، ولا نندهش من هذا الامر كثيراً بعد أوضح لنا الدين ان هوية المنكر تغلب هوية المعروف بفعل غالبية الناس حين يتوجهون لتلبية رغباتهم وغرائزهم دون الاكتراث للعقل والتوجيه الفطري والديني للقيم والأخلاق النبيلة ، ولا يسع المقام لعرض الشواهد والامثلة في هذا المضمار ، وبذلك يظهر ان الواجب المتجه على الناس عدم التخلي عن هويتهم الاصلية وتبديلها بهويات مريضة تدفعهم للمزيد من الاشكال الاجتماعي والذي يصعب تغييره اذا استحكم وهذا ما شغل الأنبياء جميعاً ، حين انهم واجهوا مجتمعات جاهلة جامدة على اخلاق مادية يصعب كسرها حيث كلما قويت الهوية الجامدة في المجتمع الجاهل صعب تغييرها وتبديلها.


 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسن الجوادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/11/07



كتابة تعليق لموضوع : الهوية الأخلاقية صراع من اجل البقاء
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net