صفحة الكاتب : شعيب العاملي

رسول الله.. طبيبٌ دوّارٌ بطبّه!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم

أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي‏، وَرَبِّي أَعْلَمُ مِنِّي بِنَفْسِي‏.

كلمةٌ في وصفِ المتّقين، نَطَقَ بها إمامهم عليٌّ عليه السلام، يصف بها أحدُهم حالَه إذا ما زُكّي..
دلّت هذه العبارة على أنّ معرفتنا للمُتّقي تكونُ أعظم وأكمل إن عرّف لنا عن نفسه، لأنَّهُ أعلَمُ بها من غيره.

ولمّا أردنا أن نعرف شيئاً عن خاتم الأنبياء والمرسلين، نظرنا في مَن كان يعرفه كنفسه، بل كان نفسَه بنصِّ آية المباهلة، أمير المؤمنين عليه السلام، فمَن أعلَمُ بنَفسِ محمدٍ من (نفسِهِ) عليّ؟! 
من ههنا تُعرَفُ بعض صفات محمد رسول الله (ص)..

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف النبي في نهجه الشريف (الخطبة108): 

1. طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ.

قال الخليل بن أحمد: والطَبُّ: العالم بالأمور (كتاب العين ج‌7 ص407).

وفي معجم مقاييس اللغة: الطِّبّ، وهو العلْم بالشيء. يقال رجلٌ طَبٌّ وطبيب، أى عالمٌ حاذقٌ (ج‌3 ص407).

فالطَبُّ والطبيبُ هو العالم الحاذق، ومَن يتَّصِفُ بذلك فقد سَلَكَ سبيلَ التعلُّمِ ممّن هو أعلم منه، وضَمَّ له الممارسة والتجربة، لكنّ رسول الله (ص) عالمٌ بغير معلِّمٍ بشريّ: (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى‏ * عَلَّمَهُ شَديدُ الْقُوى‏) (وَالَّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَق‏).

فهو طبيبٌ لا كالأطباء.. عِلمُه من الله، يحمله معه أينما حلّ، تقصُرُ عن حمله الصدور، كعِلمِ أمير المؤمنين عليه السلام وهو القائل: إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً، وَأَوْمَأَ إِلَى صَدْرِهِ بِيَدِه‏..

2. قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ

وفي كتاب العين: المَرْهَمُ: هو أليَنُ ما يكون من دواء (ج‌4 ص128‌).
فأكثرُ الأدوية ليناً هو المرهم، والرسول صلى الله عليه وآله قد (أحكم) مراهمه، والأدوية التي يستعملها هي (أليَنُ) الأدوية، وكيف لا تكون كذلك وقد وصف الله تعالى نبيَّه باللين بقوله:
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَليظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك‏).

فلِينُهُ صلى الله عليه وآله برحمة الله: (وَرَحْمَتي‏ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذينَ يَتَّقُون‏).

3. وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ

قال الصاحب بن عباد: المِيْسَمُ: المِكْوى، والجَميعُ المَوَاسِمُ (المحيط في اللغة ج‌8 ص405).
وقال الجوهري: و المِيسَمُ: المكواةُ.. فإن شئتَ قلتَ فى جمعه.. مَوَاسِمُ على الأصل (الصحاح - تاج اللغة وصحاح العربية ج‌5 ص2051).

فالنبيُّ صلى الله عليه وآله قد جمعَ بين الأمرين: المرهم: أليَنُ الدواء، والمِيسَمُ: المكواة، ثم أحماها فصارت مُعدَّةً للكيّ.
فمَن لَم تنفعه المراهم، كان: آخِرُ الدَّوَاءِ الْكَي‏.. كما قال عليٌّ عليه السلام.
فالكيُّ مع أَلَمِه ووجعه نوعٌ من الدواء، لا يُصار إليه إذا ما استجاب المريض للمراهم اللينة.

ماذا يُعالجُ رسولُ الله صلى الله عليه وآله بهاتين الأداتين؟
يقول عليه السلام:

4. يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ، وَآذَانٍ صُمٍّ، وَأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ

هذه هي الأمراض التي يُعالجُها رسول الله (ص)، فيضع مراهمه تارةً، ويكوي بمواسمه أخرى، فأمّا مَن اختار سبيل الخير، فينزِلُ الله السكينة على قلبه ببركة النبي (ص)، ويزداد إيماناً مع إيمانه، يقول تعالى: 
(هُوَ الَّذي أَنْزَلَ السَّكينَةَ في‏ قُلُوبِ الْمُؤْمِنينَ لِيَزْدادُوا إيماناً مَعَ إيمانِهِمْ) (الفتح4).

ومَن أبى واستكبر عن ذلك: 
(وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) (الأعراف179).

5. مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ 

الغافلون في الآية المتقدِّمة هُمُ المرضى الذين يتتبَّعهم الرسول (ص)، وهو الشفيق الرحيم، يبحثُ عن أصحاب الغفلة ويداويهم بدوائه، علّ الله يهدي به لدينه من يشاء، فيستنقذه ممن ذرأهم الله لجهنم، ويجعله مع الذين آمنوا وازدادوا إيماناً.

ثم يبحث (ص) عن مواطن الحِيرة فيرفعها بعلمه.. فينقل الناس من الحيرة والشكّ إلى الاطمئنان واليقين..

وفي كلِّ زمان..
قومٌ ينتسبون لدينه.. ينقلون الناس من اليقين إلى الشكّ والحيرة!
أولئك أعداء الله.. قطّاع طريق عباده المؤمنين..

يقتحمُ هؤلاء كلَّ طُرُقِ الضلال ويتيهون في الحيرة فَيَضِلُّون ويُضِلُّون، وقد نهى عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:
وَأَمْسِكْ عَنْ طَرِيقٍ إِذَا خِفْتَ ضَلَالَهُ، فَإِنَّ الْكَفَّ عَنْ حَيْرَةِ الضَّلَالَةِ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْأَهْوَال‏ (تحف العقول ص69).

بعدَ أن يؤدي النبي (ص) دورَه كطبيبٍ عالمٍ بخفايا النفوس وخباياها، وحبائل إبليس ومردته، ويُبيِّن للناس الطريق، ويعطيهم المراهم، ويكوي ما يحتاج إلى كَيٍّ.. يصيرُ كلُّ واحدٍ منهم طبيبَ نفسه..

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لِرَجُلٍ: إِنَّكَ قَدْ جُعِلْتَ طَبِيبَ نَفْسِكَ، وَبُيِّنَ لَكَ الدَّاءُ، وَعُرِّفْتَ آيَةَ الصِّحَّةِ، وَدُلِلْتَ عَلَى الدَّوَاءِ، فَانْظُرْ كَيْفَ قِيَامُكَ عَلَى نَفْسِكَ (الكافي ج2 ص454).

ههنا الإمتحان.. بكيفيّة قيامنا على أنفُسِنَا.. 

سلامُ الله عليك يا رسول الله.. يا طبيب النفوس والأرواح..
أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لِأُمَّتِكَ، وَجَاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَعَبَدْتَ اللَّهَ مُخْلِصاً حَتَّى أَتَاكَ الْيَقِين‏..

اللهم بحقِّ حبيبك محمد (ص).. انْفَعْنِي بِطِبِّكَ فَلَا طَبِيبَ أَرْجَى عِنْدِي مِنْك‏.

وخُذ بيدنا لما تُحبّ وترضى.. وارحم موتانا.. وشافِ مرضانا.. وطَبِّب نفوسنا وأرواحنا وأبداننا، وأدخلنا في كلِّ خيرٍ أدخلت فيه محمداً وآله.

والحمد لله رب العالمين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/10/23



كتابة تعليق لموضوع : رسول الله.. طبيبٌ دوّارٌ بطبّه!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net