صفحة الكاتب : د . مظفر الشريفي

الردُّ الوجيز على مُنكري الاجتهاد والتقليد
د . مظفر الشريفي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيد خلقه محمد وآله وجميع النبيين.
إن دور علمائنا الأبرار في حفظ كيان مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم وصد مؤامرات الأعداء تجاهه صار جَلياً في زماننا هذا، خاصة بعد فتوى الجهاد الكفائي لسماحة السيد السيستاني أدام الله ظله الوارف التي قلبت مخططات الاستكبار العالمي وأذنابه رأساً على عقب. ولذا نشط الأعداء في ابتداع صنوف مقاومة هذه القوة الكبيرة للمذهب، ومنها انشاء الحركات التي تهدف إلى زعزعة ثقة المؤمنين بقيادتهم المرجعية عن طريق نشر مغالطات تدعو إلى ترك تقليد الناس للعلماء. وقد استخدموا أسلوباً مخادعاً يمكن أن ينخدع به من ليس له حظ من العلم، وذلك بسرد بعض الروايات التي يزعمون أنها تصب في غرضهم المحارب لتمسّك الناس بالعلماء. 
وفيما يلي نذكر أهم ما استدلوا به ونقده على وجه الاختصار ضمن عناوين:
الاجتهاد
1- ينقل هؤلاء المغرضون قولاً منسوباً لأمير المؤمنين سلام الله عليه موجوداً في كتاب وسائل الشيعة ج27 ص58 هو: (إنما ننفي القول بالاجتهاد)، وهو ضمن رواية طويلة. ويتضح لمن تدبّر في هذه الرواية أنها ليست من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه لأن أسلوب المتكلم يختلف عن أسلوب الأمير سلام الله عليه في الكلام، وهذا يعرفه من له بصيرة بلغة العرب وبلاغتها واطلاع على خطب وكلمات أمير المؤمنين سلام الله عليه، ولأن هذه الرواية تتضمن أموراً واقعة فعلاً زمان صدور الرواية والإمام سلام الله عليه ينقدها، ولكنها حسب ما هو معروف لم تحدث إلا في زمان بعد زمانه بفترة غير قصيرة، وأعني بهذه الأمور اتجاهات العلماء الذين استحسنوا الأخذ بالرأي والقياس ولم يتبعوا أهل البيت سلام الله عليهم. بل لم يكن في زمان أمير المؤمنين سلام الله عليه هكذا مدرسة فقهية حتى ينقدها ولم تنضج بعد عندهم كيفية استنباط الحكم الشرعي، لأن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام وكان الصحابة يفتون بما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله على اختلاف فهمهم وبما نقله لهم صحابة آخرون وبما يظنون أنه الحكم الشرعي أو التفسير القرآني أو باجتهادهم الشخصي بغير الرجوع إلى من أمر الله بالرجوع إليه. 
وحتى لو سلمنا بصحة الرواية عن أمير المؤمنين أو غيره من الأئمة سلام الله عليهم جميعاً فإن "الاجتهاد" المذكور في الرواية ليس المقصود به الاجتهاد المصطلح عليه الآن، وإنما المقصود به الاصطلاح القديم كما سيأتي في الفقرة التالية.
2- ألحّ هؤلاء المعادون للقيادة المرجعية للشيعة على أن الاجتهاد مذموم وكذا القياس، وأوردوا بعض الروايات كما مرّ أعلاه وأقوالاً للعلماء الشيعة في ذم الاجتهاد والقياس كي يوهموا الناس أن الشيعة مخطئون في الرجوع لعلمائهم وأن اللازم عليهم أن يشذّوا ويخالفوا كل ما تعارف عند البشرية من رجوع غير المختص إلى المختص كما هو ديدن الناس منذ القدم سواء في علوم الدين أو علوم الدنيا. وقد استخدموا مغالطة في هذا بتشنيعهم على كلمة "الاجتهاد" التي تعني اليوم استنباط الحكم الشرعي من الأدلة المقرَّرة شرعاً كما أمرت الآيات الكريمة وروايات أهل البيت صلوات الله عليهم. بينما كانت حسب الاصطلاح القديم زمن الأئمة سلام الله عليهم وزمن علمائنا القدماء تعني اجتهاد المرء فيما ليس له نص شرعي بالاعتماد على رأيه باستعمال القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها مما لم تقبله مدرسة أهل البيت صلوات الله عليهم. وفيما يلي نذكر لمزيد من التوضيح ما قاله السيد الشهيد محمد باقر الصدر رضوان الله عليه في كتابه "المعالم الجديدة للأصول":
(الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد وهو "بذل الوسع للقيام بعمل ما" وقد استُعملت هذه الكلمة - لأول مرة - على الصعيد الفقهي للتعبير بها عن قاعدة من القواعد التي قررتها بعض مدارس الفقه السني وسارت على أساسها، وهي القاعدة القائلة: "إن الفقيه إذا أراد أن يستنبط حُكماً شرعياً ولم يجد نصاً يدل عليه في الكتاب أو السنة رجع إلى الاجتهاد بدلاً عن النص".
والاجتهاد هنا يعني التفكير الشخصي، فالفقيه حيث لا يجد النص يرجع إلى تفكيره الخاص ويستلهمه ويبني على ما يرجح في فكره الشخصي من تشريع، وقد يعبَّر عنه بالرأي أيضاً. والاجتهاد بهذا المعنى يُعتبر دليلاً من أدلة الفقيه ومصدراً من مصادره، فكما أن الفقيه قد يستند إلى الكتاب أو السنة ويستدل بهما كذلك يستند في حالات عدم توفر النص إلى الاجتهاد الشخصي ويستدل به. وقد نادت بهذا المعنى للاجتهاد مدارس كبيرة في الفقه السني، وعلى رأسها مدرسة أبي حنيفة، ولقي في نفس الوقت معارضة شديدة من أئمة أهل البيت عليهم السلام والفقهاء الذين ينتسبون إلى مدرستهم، كما سنرى في البحث المقبل.
وتتَبُّع كلمة الاجتهاد يدل على أن الكلمة حملت هذا المعنى وكانت تستخدم للتعبير عنه منذ عصر الأئمة إلى القرن السابع، فالروايات المأثورة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تذم الاجتهاد وتريد به ذلك المبدأ الفقهي الذي يتخذ من التفكير الشخصي مصدراً من مصادر الحكم، وقد دخلت الحملة ضد هذا المبدأ الفقهي دور التصنيف في عصر الأئمة أيضاً والرواة الذين حملوا آثارهم وكانت الحملة تستعمل كلمة الاجتهاد غالباً للتعبير عن ذلك المبدأ وفقاً للمصطلح الذي جاء في الروايات). 
ثم يذكر السيد الشهيد رحمه الله أقوالاً لعلمائنا القدامى كالصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي رحمهم الله تعالى في ذم الاجتهاد بالمعنى الذي كان متعارفاً في زمانهم. ثم يقول: (ولكن كلمة الاجتهاد تطورت بعد ذلك في مصطلح فقهائنا)، ثم يذكر نصاً للمحقق الحلي المتوفى في القرن السابع (سنة 676 هـ) يبين تطور مصطلح "الاجتهاد" عند الشيعة وتغير معناه عن السابق، إذ كتب المحقق تحت عنوان حقيقة الاجتهاد: (وهو في عرف الفقهاء بذل الجهد في استخراج الأحكام الشرعية، وبهذا الاعتبار يكون استخراج الاحكام من أدلة الشرع اجتهاداً، لأنها تبتني على اعتبارات نظرية ليست مستفادة من ظواهر النصوص في الأكثر سواء كان ذلك الدليل قياساً أو غيره، فيكون القياس على هذا التقرير أحد أقسام الاجتهاد. فإن قيل: يلزم - على هذا - إن يكون الإمامية من أهل الاجتهاد. قلنا: الأمر كذلك لكن فيه إيهام من حيث أن القياس من جملة الاجتهاد، فإذا استثني القياس كنا من أهل الاجتهاد في تحصيل الأحكام بالطرق النظرية التي ليس أحدها القياس).
ثم يذكر السيد الشهيد قدس الله نفسه الزكية: (ولم يقف توسع الاجتهاد كمصطلح عند هذا الحد، بل شمل في تطورٍ حديثٍ عمليةَ الاستنباط بكل ألوانها، فدخلت في الاجتهاد كل عملية يمارسها الفقيه لتحديد الموقف العملي تجاه الشريعة عن طريق إقامة الدليل على الحكم الشرعي أو على تعيين الموقف العملي مباشرة. وهكذا أصبح الاجتهاد يرادف عملية الاستنباط، وبالتالي أصبح علم الأصول العلم الضروري للاجتهاد لأنه العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط). 
وبهذا يتبين أن ما سطره المغرضون هذه الأيام من افتراءات إنما هي جهل منهم أو تجاهل بحقيقة معنى "الاجتهاد" عندنا ومحاولة منهم للتفريق بين القواعد الشيعية وقيادتها المرجعية خدمة لأعداء التشيع. كما إن إلحاحهم على نقد كلمة "الاجتهاد" يكشف عن كساد بضاعتهم لأنها مجرد مصطلح يعني استنباط واستخراج الحكم الشرعي، ولذا يمكن تبديلها إلى كلمة "الاستنباط" واستخدام كلمة "الفقيه" كما هي مستخدمة فعلاً منذ القدم بدل كلمة "المجتهد".
3- مما يبعث على الاستغراب والاستهجان هو أن هؤلاء المغرضين قد حاولوا الاستدلال -كما ذكرنا- بأقوال بعض علمائنا الأقدمين لنفي الاجتهاد بمعناه اليوم، أي استنباط الحكم الشرعي من أدلته المقررة شرعاً. وقد نقد أولئك العلماء هذا المصطلح فعلاً ولكن بمعناه الذي كان سائداً في زمانهم، لأنه كما قدّمنا كان ذا معنى غير مقبول آنذاك. وبالتالي كيف لشخص عظيم كهؤلاء الأعلام الذين هم روّاد فقهاء ومجتهدي عصر الغيبة الكبرى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي يفند ما هو يمارسه بالفعل؟ أي كيف ينفي شرعية عملية استنباط الحكم الشرعي وهو يستنبط الحكم الشرعي في مختلف كتبه؟ أليس هذا محاولة للضحك على الناس من قبل المغرضين المعادين لخط علماء الشيعة؟
قال الشيخ الطوسي في كتابه "العدة في أصول الفقه": (والذي نذهب إليه: إنه يجوز للعامي الذي لا يقدر على البحث والتفتيش تقليد العالم. يدل على ذلك: اني وجدت عامة الطائفة من عهد أمير المؤمنين عليه السلام والى زماننا هذا يرجعون إلى علمائها، ويستفتونهم في الأحكام والعبادات، ويفتونهم العلماء فيها، ويسوغون لهم العمل بما يفتونهم به وما سمعنا أحدا منهم قال لمُستفتٍ لا يجوز لك الاستفتاء ولا العمل به، بل ينبغي أن تنظر كما نظرت وتعلم كما علمت، ولا أنكر عليه العمل بما يفتونهم، وقد كان منهم الخلق العظيم عاصروا الأئمة عليهم السلام، ولم يُحكَ عن واحد من الأئمة النكير على أحد من هؤلاء ولا ايجاب القول بخلافه، بل كانوا يصوبونهم في ذلك، فمن خالفه في ذلك كان مخالفاً لما هو المعلوم خلافه).
علم أصول الفقه
من اطّلع على كيفية استنباط فقهائنا الكبار للحكم الشرعي لرأى تقيَّدهم بالأدلة الشرعية التي ثبتت عندهم، وعمدتها القرآن الكريم والسنة المطهرة الثابتة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وعن الأئمة سلام الله عليهم. وقد استعملوا علم أصول الفقه كي يساعدهم على استنباط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، وهو مستند إلى النصوص الشرعية وما ثبت شرعاً جواز العمل به. وليس هو اختراعاً بلا أساس وليس خاضعاً للقياس أو غيره مما نهى عنه الأئمة سلام الله عليهم. وقد قال الإمام الصادق سلام الله عليه كما نُقل عن كتاب هشام بن سالم: (إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرعوا)، وعن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الإمام الرضا سلام الله عليه: (علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع)، ويتضح من هذين النصين أن عملية التفريع على الأصول المستقاة من الأئمة سلام الله عليهم هي بعينها عملية الاجتهاد المتعارفة في العصور المتأخرة. 
أما القياس المنهي عنه فلم يستعمله علماؤنا وتركوه تبعاً لأئمتهم سلام الله عليهم. وقد حاول المغرضون أن يوهموا الناس بأن علمائنا من أهل القياس، وهذا كذب محض يكشف ضعف حججهم مما يؤدي بهم لاختلاق هكذا أكاذيب مكشوفة.
التقليد
1- أمر القرآن الكريم برجوع الجاهل في الدين إلى العالم به من جهتين: 
الجهة الأولى هي ارجاعه إلى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وإلى أولي الأمر الذين فرض طاعتهم علينا، أي إلى أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، الذين هم أهل العلم وأعلم الأمة، ولو لم يكونوا علماء في الدين فلا يصح الرجوع إليهم لأنه لا أمان في وقوعهم في الخطأ حينئذ. أي إن حيثية العلم التي يحملونها صلوات الله عليهم هي من أوضح الحيثيات أو أوضحها مطلقاً التي بسببها أُمرنا بالرجوع إليهم. قال تعالى: (قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبابِ). 
الجهة الثانية هي إرجاعه إلى العلماء بمثل آية النفر: (وَما كانَ المُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كافَّةً فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَومَهُم إِذا رَجَعُوا إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ). قال السيد الخوئي رضوان الله عليه في كتاب التقليد من التنقيح في شرح العروة الوثقى: (وعلى الجملة، إن دلالة آية النفر على حجية الفتوى وجواز التقليد مما لا إشكال فيه، ولا يعارضها شيء من الآيات المباركة).   
2- إن مصطلح "التقليد" سواء كان موجوداً منذ عصر الأئمة سلام الله عليهم أو قد استُعمل بعد عصرهم فلا يغير من الأمر شيئاً لأن معناه كان موجوداً منذ العصور الأولى للبشرية، وفي الإسلام منذ نزول القرآن الكريم لأنه يعني رجوع الجاهل إلى العالم، وهذا من الأمور البديهية لكل البشرية. وبالتالي كيف يريد المغرضون منا أن نترك البديهيات والسنن البشرية ونترك الرجوع إلى العلماء وتقليدهم؟ أليس هذا يمثل استخفافاً بالعقول؟
3- إن الآيات الكريمة الناهية عن التقليد كقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ ما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ فِي قَريَةٍ مِن نَذِيرٍ إِلّا قالَ مُترَفُوها إِنّا وَجَدنا آَباءَنا عَلَى أُمَّةٍ وانّا عَلَى آَثارِهِم مُقتَدُونَ، قالَ أَوَلَوْ جِئتُكُم بِأَهدَى مِمّا وَجَدتُم عَلَيهِ آَباءَكُم قالُوا إِنّا بِما أُرسِلتُم بِهِ كافِرُونَ) وقوله سبحانه: (واذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنزَلَ اللَّهُ قالُوا بَل نَتَّبِعُ ما أَلفَينا عَلَيهِ آَباءَنا أَوَلَو كانَ آَباؤُهُم لا يَعقِلُونَ شَيئًا وَلا يَهتَدُونَ) إنما وردت في ذم التقليد واتباع الآباء في أُصول الدين، وهذا مما لا خلاف فيه فإنه لا يجوز تقليد أحد في العقائد الأساسية، وليست الآيات متعلقة بذم التقليد في الأحكام الفرعية. 
4- يضاف إلى الكتاب الكريم أن روايات أهل البيت صلوات الله عليهم قد أجازت التقليد والرجوع إلى الفقيه بالمعنى المعروف اليوم. قال السيد الخوئي في كتاب التقليد من التنقيح: (ومنها: الروايات الدالة على جواز العمل بالتقليد وحجية الفتوى في الفروع، وهي كثيرة بالغة حدّ التواتر الاجمالي وإن لم تكن متواترة مضموناً. وبها يظهر أن الأدلة اللفظية والسيرة والعقل مطبقة على جواز التقليد وحجية فتوى الفقيه). ونقل رحمه الله الرواية التالية عن الإمام الباقر سلام الله عليه التي فيها يقول لأبان بن تغلب: (إجلس في مسجد المدينة وافت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك) وذكر أن هذه الرواية لا إشكال في دلالتها على جواز الافتاء في الأحكام وأنها تدلنا على جواز التقليد والرجوع إلى مثل أبان، إذ لو لم يجز تقليده بأن لم يكن فتواه حجة على السائل لم يكن فائدة في أمرهم عليهم السّلام بإفتائه لأنه حينئذ لغو ومما لا أثر له.  
ولهذا فلسنا بحاجة إلى ورود مصطلح "التقليد" بعينه في الروايات، بل إن ورود معناه وتجويز الأئمة سلام الله عليهم له يكفي تماماً، إضافة إلى أنه الطريق الوحيد لغالب الناس لمعرفة الأحكام الفرعية في دينهم بسبب تعذر الاجتهاد أو الاحتياط على أكثرهم.
عمل الفقيه أحياناً بالظن
بما أن الشريعة الإسلامية هي نظام كامل للدين والدنيا، وما من واقعة إلا ولله فيها حكم كما ورد في بعض الروايات الشريفة، وبما أن الوقائع التي يعيشها الناس والابتلاءات التي يحتاجون فيها للأحكام الشرعية لا تُعد ولا تُحصى ويقابلها عدد محدود من آيات الأحكام والروايات الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأهل بيته سلام الله عليهم ووجود تعارض بين بعض الروايات، إضافة للحاجة الماسة في تنقية أسانيد الروايات، لأنه لا يمكن الحكم بصحتها جميعاً، ولغير هذا من الأسباب، كان لا بدّ من أن يبذل الفقهاء جهوداً كبيرة للتوصل للحكم الشرعي. ولا يمكن لغيرهم أن يستخرج الحكم الشرعي كما هم يفعلون لأن الفقاهة تخصص لا يقدر عليه إلا الأوحدي من الناس، ولا يحق لغيرهم شرعاً أن يستنبط الأحكام الفرعية ويفتي بها لأن هذا يدخل في باب القول بغير علم المنهي عنه شرعاً. ولا يمكن تحصيل اليقين بمطابقة جميع الأحكام الشرعية للواقع المعلوم عند الله تعالى بسبب ما تقدم من صعوبات وغيرها أيضاً.
ولأن الله تعالى رؤوف رحيم بعباده لا يريدهم أن يخضعوا لغير ما دلتهم شريعته عليه، فقد جوّز الشرع الإسلامي أحياناً للفقهاء استخراج الأحكام الشرعية التي لا توجد فيها نصوص صريحة اعتماداً على بعض القواعد المبنية على الظن المعتبر شرعاً وليس الظن الذي لم تقم حجة على العمل به.
أما الآيات الناهية عن العمل بالظن مثل قوله تعالى: (وَما يَتَّبِعُ أَكثَرُهُم إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغنِي مِنَ الحَقِّ شَيئًا) وغيرها من الآيات الكريمة فليست مورداً للأحكام الفرعية التي قامت الحجة على اتباع الفقيه فيها. وبهذا يتبين أن دعوى عمل الفقيه بالظن المحرم وبرأيه الشخصي مقابل رأي الشريعة هي دعوى باطلة مخالفة للواقع، خاصة إذا علمنا أنه يُشترط فيمن يرجع له الناس لمعرفة أحكام دينهم (أي مرجع التقليد) أن يكون عادلاً متورعاً عن ارتكاب المحرمات، وهكذا إنسان يتقي ربه لا يرتكب ما نهت عنه الشريعة المقدسة.
أين البديل؟
إن المغرضين الذين يريدون من شيعة أمير المؤمنين سلام الله عليه ترك تقليد مراجعهم ويطعنون فيهم لم يقدموا بديلاً لما حاولوا هدمه، ولا يستطيعون حتى لو حاولوا. وبهذا يتبين أنهم ليسوا حريصين على الإسلام والتشيع، بل هم جزء من أدوات الأعداء التي اغتاظت كثيراً من مصادر القوة في مذهب الشيعة الإمامية، ومن أهمها وجود قيادة المرجعية المستقلة المجاهدة التي لا يمكن استدراجها لأجنحة الاستكبار والغطرسة العالمية.
الإنجازات الكبرى لمراجعنا أغاظت الأعداء
إن علماء الشيعة الإمامية قد قدّموا على مر العصور أروع الأمثلة في تقواهم وورعهم وفي جهادهم لأجل حفظ تراث أهل البيت صلوات الله عليهم ونقله إلى الأجيال المتعاقبة وفي تصديهم لمؤامرات الأعداء وفي حفظ الكيان الإسلامي. ولنا في هذا أمثلة كثيرة نشير لبعضها فقط مثل دَور جامعي أحاديث أهل البيت صلوات الله عليهم وموضحي عقائدهم كالكليني والصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي، ومثل الشيخ نصير الدين الطوسي في حفظ التشيع أمام هجمة المغول على العراق، والعلامة الحلي في هداية سلطان المغول محمد خدابنده للتشيع، والسيد محمد حسن الشيرازي في ثورة التنباك لمقارعة الاحتلال البريطاني لإيران، والشيخ محمد تقي الشيرازي في إيقاد ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني، والسيد محسن الحكيم في تحجيم المد الشيوعي في العراق، والسيد الخميني في إقامة الجمهورية الإسلامية في إيران، والسيد السيستاني في التصدي للإرادة الأمريكية بفرض الدستور وحفظ السلم الأهلي في العراق ووقف الإرهاب الداعشي.
إن هكذا مدرسة مملوءة بالعطاء والجهاد وحفظ الإسلام المحمدي الأصيل لهي أقوى من شبهات الحاقدين والمغرضين وعملاء القوى المتجبِّرة الذين يحاولون النيل منها. كما إن القواعد الشعبية الواعية تستطيع التمييز بين مَن وقف مدافعاً عنها وبين من يكيد لها.
حقيقة المغرضين 
لو كان هؤلاء المغرضون حريصين على الإسلام وعلى مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم فليدافعوا عن شبهات عقائدية هي أهم من مسألة التقليد، وأعني مسائل الإلحاد ومحاولات فصل الناس عن عقائدهم والطعن بنبي الإسلام صلى الله عليه وآله وبالقرآن الكريم والتشكيك بإمامة الأئمة سلام الله عليهم وتغلغل الحداثة بحد يقلب ويشوِّه المفاهيم الإسلامية الأساسية. وعليهم أن يبتعدوا عن كل ما يوجب ضعف الكيان الإسلامي عموماً والشيعي خصوصاً.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مظفر الشريفي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/18



كتابة تعليق لموضوع : الردُّ الوجيز على مُنكري الاجتهاد والتقليد
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net