صفحة الكاتب : السيد عبد الستار الجابري

في رحاب الامام السجاد (عليه السلام) العقيدة (5 ، 6 ، 7 )
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الصحيفة السجادية
واما الصحيفة السجادية والمعروفة بين المؤمنين بزبور ال محمد (صلى الله عليه واله) فانها ضمت بين طيات (صلى الله عليه واله) صفحاتها خلاصة ولباب المعارف، وفي مختلف الجوانب وكان للمعارف العقائدية فيها حظ كبير وجزء هام، بل لا يكاد دعاء من ادعية تلك الصحيفة المباركة يخلو من اشارات عقائدية.
التوحيد هو اهم المباحث العقائدية وادقها لانه يتناول الذات اليها وصفاتها، وقد ضلت العقول وتاهت الافكار في ادراك كنه ذاته المقدسة، ولذا عمد اهل البيت (عليهم السلام) الى الاشارة الاجمالية في هذا الباب رعاية لادراكات البشر العاجزين عن ادراك الحقيقة وكنهها، والمتتبع لمضامين الصحيفة السجادية التي دون فيها ما صدر عن الامام السجاد (عليه السلام) من علوم ومعارف ضمنها على شكل ادعية، حيث كان الظرف الامني الذي عاشه (عليه السلام) ظرفاً حساساً وحرجاً في الوقت الذي كانت السلطة الغاشمة تحارب  اهل البيت (عليهم السلام) فكراً ومنهجاً، وفي الوقت الذي شاعت فيه افكار التجسيم والجبر وبذرت فيه الشبهات في اذهان المسلمين كان اهل البيت ((عليهم السلام) هم الحصين الحصين المدافع عن الاسلام الحق وعلى مختلف الاصعدة، وعلى الرغم من التضييق الشديد على اهل البيت ((عليهم السلام) الا انهم لم يتركوا فرصة الا استغلوها لهدم صروح الضلال سواء على الاصعدة الفكرية او العملية، وكان من بين تلك السبل ما نهض به الامام السجاد (عليه السلام) في نشر المعارف الالهية سواء عندما يسأل فيجيب كما في الروايات التي وردت عنه، او فيما يبتدأ هو الناس وكان من تلك السبل الادعية التي انتشرت عنه والتي عرفت بادعية الصحيفة السجادية التي تمثل برنامجاً توعوياً فكرياً يشكل حلقة علمية في تحقيق مباني روح القران  والنبوة والحضارة الاسلامية التي تهدف الى بناء الفرد والمجتمع على الاسس القويمة والصحيحة، وبناء السلطة الصالحة التي تنبع من بناء الانسان الصالح، أي تلك الحضارة التي تعمد الى بناء الانسان لا الى تشييد السلطة على حساب الانسان.


وقفه مع معارف التوحيد في الصحيفة السجادية 
 (الحمد الله الأول بلا أول كان قبله ، والآخر بلا آخر يكون بعده) 
في هذا المقطع يبين الامام السجاد (عليه السلام) حقيقة التوحيد وان الله تعالى الاول الذي لا تتخيل اوليته الاوهام، لان كل اول متخيل - غير الله تعالى - قبله اول في الوجود وكانت اولية ذلك الشيء اضافية بلحاظ ذلك الموجود الاخر المختلف عنه حقيقة فمثلا عندما يقال كان زيد اول الطلاب حضوراً الى المدرسة فهذا يعني ان زيداً مسبوق بوجود وهو وجود المدرسة، وهذا المعنى لا يمكن انطباقه على الله تعالى فالله تعالى هو الاول المطلق الذي لا تحقق لشيء غيره ولأي وجود قبل ذاته المقدسة، ولو كان قبل الله اول لكان ذلك الاول غير مخلوق وكان مستقلا في الوجود عن الله فلزم من ذلك تعدد الالهة وهذا محال، وكذلك الحال في اخريته فلا وجود ولا تحقق لاي شيء وراء ذاته المقدسة فهو الاول وهو الاخر، اذ لا تحقق ولا وجود متحقق الا به تبارك شانه فهو الاول الذي اوجد بارادته كل موجود، ولو كان اخر بعده لكان ذلك الاخر مستقل بالوجود عنه لانه كيف يمكن لوجوده ان يتحقق بعد الله مالم يكن مستقلا عن الله، وهذا محال فلا اخر بعد الله.
(الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين ، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين)  
في هذا المقطع يبين الامام السجاد (عليه السلام) قضيتين الاولى نفي امكان الرؤية البصرية  فلا يمكن لاي مخلوق ان يرى الله تعالى لان الرؤية البصرية محدودة بين حدين فلا يسع العين الباصرة ان ترى ما هو دون الحد الادنى الذي يمكن رؤيته ونحن نرى ان هناك اجساما صغيرة لا يمكن للانسان ان يراها الا بواسطة المجهر، كما ان هناك اجساما ضخمة لا يمكن للعين ان تحيط بها، كما ان العين الباصرة ينحصر مجال رؤيتها في المادي المحسوس اما غير المادي المحسوس فلا يسعها رؤيته بل قد تعجز العين عن رؤية المحسوس كعجز العين عن رؤية الهواء الذي يحيط بنا مع اننا نحسه، وهذا المقطع فيه رد على من ادعى التجسيم وادعى امكان الرؤية ولو في الاخرة، فاذن هذا المقطع هو للتنزيه ونفي الجسمية وامكان الرؤية البصرية التي هي فرع الجسمية، ففي هذا المقطع يرد (عليه السلام) من ذهبوا الى التجسيم او امكان الرؤية على الصعيد الفكري وكذلك ينفي صحة الروايات التي نسبت الى النبي (صلى الله عليه واله) التي يشم منها او تصرح بامكان الرؤية او التجسيم والتشبيه لله بخلقه، فكأنه (عليه السلام) قد حقق بذلك غايتين الاولى على صعيد الفكر والثاني على صعيد تنقيح الروايات وصحة نسبتها الى النبي (صلى الله عليه واله).


(ابتدع بقدرته الخلق ابتداعا ، واخترعهم على مشيته اختراعا
يشير الامام السجاد (عليه السلام) في هذا المقطع ان صفة الخالقية والتي يعدها علماء الكلام من الصفات الفعلية التي تندرج تحت صفة القيومية، ﴿الله لا اله الا هو الحي القيوم﴾ والقيومية من الصفات الذاتية، ويقرر (عليه السلام) ان الخالقية هو فرع قدرة الله تعالى والتي هي من معاني صفة الحي فان الحي لابد ان يكون قادراً اذ لولا قدرته لا تتحقق قيميومته على خلقه، ويؤكد الامام السجاد (عليه السلام) في هذا المقطع على الاحاطة العلمية والدقة الحكمية لله تبارك وتعالى اذ ان هذا الخلق الذي يسبق ايجاده من خالق اخر على ما فيه من نظام محكم ودقة متناهية في التنظيم، انما تدل على عظيم قدرته واحاطته العلمية التي لا يحدها حد.
 (ثم سلك بهم طريق إرادته ، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيرا عما قدمهم إليه ، ولا يستطيعون تقدما إلى ما أخرهم عنه) 
في هذا المقطع يجيب (عليه السلام) على سؤال وقع فيه الجدل والاخذ والرد بين ابناء الامة في مسألة الجبر والتفويض، والمسألة الاصل ان الله تعالى قادر على كل شيء وان ما قدره لابد من وقوعه ولا يمكن ان يتخلف، فهو (عليه السلام) بذلك ابطل دعوى التفويض المطلق الذي ادعى فيه اصحابه ان الله تعالى خلق الخلق وفوض اليهم امورهم دون ان تكون  له ادنى ارادة في منع تحقق ما يريده بعض عباده، فقوله (عليه السلام): لا يملكون تاخيرا ولا يستطيعون تقديما، بيان منه (عليه السلام) ان المقادير تسير كما كل شيء يسير كما قدر الله تبارك وتعالى فهو المتحكم في كل شيء والقادر على كل شيء والمحيط بكل شيء وهو على كل شيء قدير.
مع ملاحظة ان مقتضى مسؤولية العبد عن افعاله تقتضي حريته واختياره فيما يرتكبه من افعال وبتعبير اخر ان التقديرات الكلية في حياة الفرد والمجتمع لا تتخلف والمكلف مختار في التطبيقات الجزئية، ولذا صح محاسبته على ما يقع منه من مخالفات وما يرتكبه من اثام وصح اثابته على ما يفعله من امور حسنة وهو معنى (لاجبر ولا تفويض ولكن امر بين امرين)


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


السيد عبد الستار الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/09/17



كتابة تعليق لموضوع : في رحاب الامام السجاد (عليه السلام) العقيدة (5 ، 6 ، 7 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net