صفحة الكاتب : الشيخ قيصر التميمي

لواء الإصلاح
الشيخ قيصر التميمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 الإفساد في الأرض من الجوانب المظلمة في حياة الإنسان، شاهدته الملائكة، وسجّلته اعتراضاً على قرار استعمار الإنسان للأرض: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[1]، ولم يُخطّئهم الله تعالى فيما شاهدوه، ولكنّه نبّههم على أنهم لم يطّلعوا إلاّ على جانب من جوانب الحقيقة الواسعة، وهناك جوانب أخرى مشرقة في حياة هذا المخلوق العجيب، لم يطّلعوا عليها ولم يحيطوا بها علماً {... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ}[2]، ثم بيّن لهم أن الإنسان الخليفة هو الذي سوف يحمل الأمانة ويتحمّل المسؤولية الكاملة، وأنه سيتصدّى بجدارة عالية وتضحية وتفانٍ لعلاج ظاهرة الفساد والإفساد الملحوظة بوضوح في حياة البشر؛ ذلك كلّه عن طريق الاصطفاء الخاص، وتزويد الخليفة المصطفى بعلوم الدين ومعارف الكون وسُبل الإصلاح {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ...}[3]، وقد قام هذا الخليفة بأداء دوره وحمل راية الهداية ولواء الإصلاح.

فالإصلاح في الأرض هدف الخلفاء الإلهيين، من الأنبياء والمرسلين والأوصياء والصالحين {... إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ...}[4]، فجاء كل مصلح منهم مكمِّلاً لما قام به خليفة الله السابق له.

وقد جاءت النهضة الحسينية الخالدة امتداداً طبيعياً لتلك المسيرة الإصلاحية المباركة، فحملت الأهداف ذاتها، ووقفت بوجه المفسدين {...فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ...}[5]؛ فأعلن الإمام الحسين عليه السلام ذلك الهدف الإلهي بوضوح حينما قال: ((... وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي))[6]، فإصلاح الأمة كان الهدف الأساس والغاية الأمّ من نهضته عليه السلام.

ونحن وإن كنا نؤمن بأن أهداف النهضة الحسينية واسعة الأبعاد مترامية الأطراف: فمنها ما يرتبط بالغيب، ومنها ما يرتبط بالأبعاد الرسالية، ومنها ما يتعلّق بالجوانب القيادية والسياسية وسُبل التصدّي لإقامة حكم الله تعالى في الأرض، ومنها ما يتعلّق بكونه عليه السلام قدوةً وأسوةً للأمة في طريق الحرية والجهاد ومواجهة الظلم والفساد.

ولكن لا ينبغي الارتياب في أن للكوفة والنجف الأشرف بصورة عامّة دورها المؤثر في انطلاق النهضة الحسينية، وقد أدرجها الإمام الحسين عليه السلام  بوضوح في قائمة أهداف نهضته المباركة، حينما كان يستقبل كتب أهل الكوفة ورسائلهم، وكان قد حمل عليه السلام  بعض مضامين تلك الكتب على محمل الجدّ؛ وبناءً منه على ذلك الأساس بعث سفيراً من أهل بيته يحمل كتاب النهضة ويطالبهم بالبيعة.

وفي هذا الضوء، أعلن عليه السلام  كوفة العراق مقصداً لحركته؛ لما وجده من الأهلية والكفاءة في هذه البلاد المقدّسة، كونها حاضنةً لفكر علي عليه السلام  وحبّه وحبّ أهل بيته، محارِبةً للفكر الأموي ومعارضةً له.

وتعزيزاً لهذه النظرة الحسينية الثاقبة، لما سوف تضطلع به الكوفة والنجف الأشرف من دور مرجعي وريادي في الإسلام والأمّة الإسلامية بصورة عامّة، وفي مجال إحياء مبادئ النهضة الحسينية الإصلاحية بصورة خاصّة، باشرت العتبة الحسينية المقدّسة في العمل على فتح نافذة للتواصل العلمي والفكري والثقافي مع النجف الأشرف؛ وذلك لما تتميّز به النجف من آفاق علمية ومعرفية ضاربة في أعماق التاريخ.

وهكذا انبثق عن ذلك العمل المبارك مركز علمي تخصّصي، يُعنى في الدرجة الأولى بما يرتبط بمعالم النهضة الحسينية، ويمتدّ أيضاً إلى آفاق المعارف الدينية الأخرى، كعلوم العقيدة والتفسير، والتاريخ والسيرة، والفقه وغير ذلك.

وقد حمل هذا المشروع الحسيني اسم مركز الدراسات التخصصية في النهضة الحسينية، ويستند هذا المركز المبارك ـ في منهجه العام ـ إلى ركائز الأصالة والعمق المعرفي وقداسة التراث الديني من جهة، ويحمل بالمستوى ذاته روح الحداثة والتجديد والإبداع.  

وكما ألمحنا، فإن مركز الدراسات هذا أُسّس ليحمل على عاتقه تحقيق وإنجاز جملة من المهامّ والأهداف الإسلامية والدينية السامية، نذكر منها على سبيل الإيجاز:

1ـ إحياء ونشر تراث النهضة الحسينية.

2ـ دراسة معالم ومبادئ وأهداف النهضة الحسينية.

3ـ انفتاح العتبة الحسينية المقدّسة على الجانب الفكري والواقع العلمي الثّر، والطاقات العلمية والأدبية في النجف الأشرف.

4ـ تأليف الكتب والموسوعات، وكتابة المقالات والبحوث والدراسات العلمية التخصّصية، فيما يرتبط بأهداف النهضة الحسينية، وكذا المعارف الدينية عموماً؛ بغية نشرها وتعميم فائدتها.

5ـ استقطاب الكتابات والبحوث والدراسات العلمية، فيما يرتبط بالمجال ذاته.

6ـ الاعتناء بالكفاءات والطاقات الحوزوية والأكاديمية، التي لها دور فاعل في تلك المجالات، وتوظيف جميع تلك الطاقات لرفد الجوانب الفكرية والعلمية في العتبة الحسينية المقدّسة، والعالم الإسلامي عموماً.

7ـ فسح المجال أمام الباحثين والمفكرين لنشر بحوثهم ودراساتهم وكتبهم القيّمة.

8ـ الوقوف أمام الهجمات المنظمة والشبهات المغرضة، التي تثار بوجه الدين عموماً والنهضة الحسينية بصورة خاصة.

9ـ توظيف كافة السبل والآليات العلمية والفنية؛ للعمل على بيان وإيضاح المباني والأسس الصحيحة لمعرفة معالم الدين ومبادئ النهضة الحسينية، وذلك عن طريق التحقيق والطباعة والنشر بواسطة الوسائل المتبعة في حقل التواصل العلمي، كالمجلّة والكتاب ومواقع الإنترنيت وغيرها.

وسيراً في سبيل إنجاز تلك الأهداف العظيمة والنبيلة انبثق عن مركز الدراسات مجلّة متخصّصة، تتطلّع لحمل مبادئ الربيع الحسيني المبارك، فهي مجلّة تخصّصية تُعنى بمعالم النهضة الحسينية، وكذا تمتدّ لتشمل الدراسات الدينية بصورة عامة.

وقد حملت المجلّة عنوان الإصلاح الحسيني لتكون الرائدة في مسيرة:

الإصلاح: ((خرجت لطلب الإصلاح))[7].
التغيير: ((وأنا أحق مَن غيّر))[8].
الفتح والانفتاح على الأمة: ((ومَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح))[9].
إبراز أحقيَّة أهل البيت عليهم السلام  بالإمامة والخلافة: ((إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وبنا يفتح الله وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة، ومثلي لا يبايع مثله))[10].
ترسيخ جوانب الإيمان والهداية في الأمة: ((فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد))[11].
رسم خارطة التضحية والعزة والإباء أمام الأحرار والثائرين: ((هيهات منا الذلة))[12].
ولكن، قد يجول تساؤل في الخواطر عن فائدة إصدار كتاب أو مجلّة، ونحن نعيش عصراً تتسارع فيه فتوحات وإنجازات الثورة الرقمية، وتتشعّب فيه طرق التواصل الاجتماعي والعلمي، وقد قطع دعاة العولمة في هذا المجال شوطاً كبيراً لصناعة قريتنا العالمية الواحدة، وطريقهم حافل بالتقدّم والنجاحات المتواصلة.

وفي هذا الخضمّ، يكاد الكتاب ـ وكذا المجلّة وكلّ مقروء على ورق ـ أن يصنّف عالمياً في ذيل قائمة وسائل التواصل العلمي والثقافي والاجتماعي.

وهذا تساؤل مشروع وجادّ، ويحمل جانباً كبيراً من الصواب والواقعيّة، وهو ما يضع مجلّتنا أمام مسؤولية كبيرة؛ فلا بد أن تُعطي للقارئ والمتلقّي زخماً كبيراً فيما يتطلّع إليه من إنجازات علميّة، تواكب التحوّل والتطوّر المتسارع الذي يشهده واقعنا المعاصر؛ لكي تخلق آفاقاً واسعة في مجال التواصل، تتناغم مع مسيرة التقدّم والتطوير.

ومن هذا المنطق؛ ينبغي أن نتحدّث وبوضوح عمّا نريد وما لا نريد من مجلّتنا هذه، في سبيل نيل الأهداف وبلوغ الغايات، وفي هذا الضوء نقول:

لا نريد أن نملأ رفّاً أو صندوقاً في مكتبة لا زال فارغاً...

ولا نريد أن تُطلق مجلّتنا صوتاً يرجع إلينا صداه ولا يسمعه غيرنا...

كما لا نريدها مجلّة تقليديّة تلوك ما جادت به أفكار وأقلام السابقين...

ولا نريدها أيضاً أن تحمل بين جوانبها أفكاراً تعبت العيون من مطالعتها...

وإنما يقودنا الأمل في أن تصنع هذه المجلّة المباركة طريقاً ومنهجاً ومدرسة جديدة، تُسهم بفاعلية في مجال الإبداع والتجديد، وإحداث نقلة نوعية في منهج الكتابة والتفكير، والاستدلال والبحث العلمي.

خصوصاً ونحن نعيش في فترة ـ ولا أريد الافتتاح متشائماً ـ قاربت أو كادت أن تقارب في ركودها العلمي الحقبة التقليدية التي عُرف بها الواقع العلمي بعد وفاة الشيخ الطوسي رحمه الله  إلى زمن ابنى زهرة وإدريس الحلّي، والتي لم تخلُ مع ذلك من علماء حملوا الأمانة إلى من جاء بعدهم.

ولا أريد أن أقف عند أوجه المقاربة بين الفترتين، ولكننا نلاحظ بوضوح الجوانب التقليدية في مناهج التفكير ونظريات المعرفة، وكذا التقليد ـ بل الجمود القاتل أحياناً ـ في المفاصل الفكرية والعقديّة، بما قد يتماشى مع عصر المحقّق الطوسي أو العلامة الحلّي، وهكذا الحال فيما نلاحظه ونعيشه من المناهج والطرق التقليدية في مجال التدريس والتعليم، والبحث والاستدلال الفقهي والأصولي، فضلاً عن الجوانب الأخرى في مفاصل العلوم والمعارف الدينية، كعلوم القرآن والتاريخ وغيرهما.

وهنا نجد أنفسنا ملزمين بالتنويه إلى أن كلامنا هذا لا يُراد به الاستنقاص أو التقليل ـ معاذ الله ـ من قيمة الإنتاج العلمي والجهود الكبيرة والمتضافرة، التي يبذلها العلماء والأساتذة والمفكّرون في هذا المجال؛ فإن هناك محاولات جادّة ومساهمات مشكورة في سبيل التجديد والإصلاح والتطوير، فلسنا الوحيدين في هذا الطريق، بل هناك مَن سبقنا، وهناك مَن لا زال يعمل جاهداً في الطريق ذاته.

ولكن مع ذلك كلّه، نعتقد أننا في بداية الطريق، فنحن بحاجة إلى تكاتف الجهود، وتوظيف الطاقات والإمكانات في هذا السبيل، سائلين المولى عز وجل أن يوفّق مجلّة الإصلاح الحسيني للتقدّم والتواصل والاستمرار فيما أزمعت على تحقيقه من أهداف وغايات.

وأخيراً، يحدونا الطموح والأمل في أن يكون للعلماء والمفكّرين، والأساتذة والباحثين دورهم الفاعل ومشاركاتهم الجادّة لإنجاح هذا المشروع المبارك، عن طريق رفدهم هذه المجلة الفتيّة بالأبحاث والتحقيقات والدراسات العلمية، التي تُساهم في إنجاحها وأداء رسالتها.

ومن الله تعالى نستمدّ العون والتوفيق

.............................

[1] سورة البقرة: 30.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه: 31.

 [4]هود: 88.

 [5]الأعراف: 56.

 [6]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.

[7] المصدر نفسه.

 [8]الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري: ج4، ص304.

 [9]ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات: ص157.

 [10]الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح: ج5، ص14.

 [11]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص339.

[12] الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص44.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ قيصر التميمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/14



كتابة تعليق لموضوع : لواء الإصلاح
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net