صفحة الكاتب : شعيب العاملي

علماءٌ زنادقة.. في يوم المباهلة !!
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
اليوم: الرابع والعشرون من ذي الحجة.
السنة: التاسعة للهجرة.
المكان: طريقُ المدينة المنوّرة.
 
يسيرُ (كُرْزٌ) هناك، وهو يُرافِقُ أسقفي نجران (السيِّد) و(العاقب) في مسيرهم إلى النبيّ محمد صلى الله عليه وآله.
تعثُرُ بغلة (كُرْز)، فيدعو على النبيّ (ص) بقوله: تَعَسَ مَنْ نَأْتِيهِ الْأَبْعَدُ !!
 
يجيبه (العاقب):  بَلْ تَعَسْتَ وَانْتَكَسْتَ.. لِأَنَّكَ أَتْعَسْتَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ أَحْمَدَ !!
 
يقرُّ (العاقبُ) بأنّ الوحي نزل على عيسى عليه السلام وبشَّرَه بنَبيٍّ أميٍّ يكون في آخر الزمان، وهو (صَاحِب الْوَجْهِ الْأَقْمَرِ)، فأحبَّهُ قلبُ عيسى ولم تره عيناه، وأنّه (يَسْكُنُ مَكَّةَ)، وأنّه أفضل المرسلين، وقد نزل الوحي على عيسى بمدح أمّته الذين (مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ يَمِيلُونَ).
 
لقد أبان الله تعالى عن اسمه لعيسى عليه السلام: (هُوَ أَحْمَدُ وَهُوَ مُحَمَّدٌ، رَسُولِي إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً).
 
يعرفُ العاقبُ كلَّ ذلك ويقرُّ به، ههنا يسأل (كُرْز) عن سبب القدوم إليه إذاً ؟!
يجيبه العاقب بأنّه قد أتى لينظر في آياته، فإما أن يثبت صدقه فحينها:
(نَكٌفُّهُ بِأَمْوَالِنَا عَنْ أَهْلِ دِينِنَا مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِنَا).
(وإن يَكُنْ كَاذِباً كَفَيْنَاهُ بِكَذِبِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
 
ههنا يسأل (كُرْز) سؤالاً في غاية الأهمية فيقول: وَلِمَ إِذَا رَأَيْتَ الْعَلَامَةَ لَا تَتَّبِعُهُ ؟
 
أليس طالبُ الحقِّ يبحثُ عن دليلٍ وحجّة؟! فإذا كان هذا النبي (ص) هو الذي بشّر به عيسى عليه السلام.. وظهرت على يديه العلامات والأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، فما المبرِّرُ لعدم اتّباعه ؟! والاكتفاء بدفع الجزية له ؟!
 
ههنا يجيب (العاقب) جواباً في منتهى الصراحة، تقشعرُّ له الأبدان، فيقول:
 
أَ مَا رَأَيْتَ مَا فَعَلَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ ؟
أَكْرَمُونَا وَمَوَّلُونَا، وَنَصَبُوا لَنَا الْكَنَائِسَ، وَأَعْلَوْا فِيهِ ذِكْرَنَا، فَكَيْفَ تَطِيبُ النَّفْسُ بِالدُّخُولِ فِي دِينٍ يَسْتَوِي فِيهِ الشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ ؟! (الإختصاص ص112 وما بعدها).
 
يكشفُ هذا التصريح عن أمورٍ غايةً في الخطورة، فإنّ المتصدّين لشؤون الدين في كلِّ زمان ومكانٍ:
1. إما أن يكونوا من أهل الإخلاص والصدق، يتّبعون ما يظهر لهم من الحقّ أياً كان.
2. وإمّا أن يكونوا كنصارى نجران، لا يقرّون بالحقّ رغم معرفتهم به..
 
والبواعث على إنكار الحق في هذه الأيام كما كانت في تلك الأيام، وقد ذكر (العاقبُ) منها أموراً:
 
1. الإكرام: (أَكْرَمُونَا)
 
فمِن علماء البلاطِ اليوم من يحرف دين الله ويتلاعب به ويكتم ما أنزل الله عليه، لأجل أن (يكرمه قومه) !
ومنهم من يعجز عن أن ينال إكراماً منهم فيسعى لإكرامٍ من غيرهم.. فما أذلَّ هؤلاء وهؤلاء !
الأوّل يُعرضُ عن كرامةِ الله تعالى لأجل كرامةِ قومه، والثاني يذلُّ نفسه لغير قومه لما عجز عن نيل إكرامهم له !
 
2. التمويل: (وَمَوَّلُونَا)
 
ما أكثر من يتلبَّس بلباس العلم اليوم ويتزيّا بزيّ أهله، والعلم مِنه براء، وإنما دفعه إلى ذلك طَلَبُ الدنيا والمال، فصار له عبداً، وقد قال النبي (ص): مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ عَبَدَ الدِّينَارَ وَالدِّرْهَمَ (الكافي ج2 ص270).
 
لقد أراد هؤلاء أن يفرّوا من فَقرِ الدُّنيا فوقعوا في فقر الدين وهو أشدّهما، فهو (الموت الأحمر) كما عن الصادق عليه السلام (الكافي ج2 ص266).
 
3. المناصب: (وَنَصَبُوا لَنَا الْكَنَائِسَ)
 
لقد سعد هؤلاء بما مكّنَهم قومهم من الكنائس، فضجَّ من قباحاتهم الحجر والمدر، وقد استنّ بسنتّهم كثيرٌ من علماء الإسلام، فهذا يبيعُ دينَهُ بتولّي مسجدٍ، وآخر بمركزٍ إسلاميٍّ، وثالث بإمامةٍ زائفةٍ لقرية أو بلدةٍ أو مدينة، ورابع بوظيفة يسميها (دينية) يستغلُّ بها عبادَ الله.. وهكذا يتكثَّرُ هؤلاء..
 
وقد غفل هؤلاء عن حديث الإمام عليه السلام:
مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ يُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، إِنَّ الرِّئَاسَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِأَهْلِهَا (الكافي ج1 ص47).
 
يقابلُ هؤلاء فقهاء مؤمنون يحفظون دين الله تعالى، قال عنهم الكاظم عليه السلام: لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْفُقَهَاءَ حُصُونُ الْإِسْلَامِ كَحِصْنِ سُورِ الْمَدِينَةِ لَهَا (الكافي ج‏1 ص38).
 
4. الشهرة والصيت : (وَأَعْلَوْا فِيهِ ذِكْرَنَا)
 
لقد آنس هؤلاء بعلوِّ الذكر عند قومهم، وقد ذمَّ المسيح أمثالهم يوماً فقال:
 
يَا عَبِيدَ الدُّنْيَا، تُحِبُّونَ أَنْ يُقَالَ فِيكُمْ مَا لَيْسَ فِيكُمْ، وَأَنْ يُشَارَ إِلَيْكُمْ بِالْأَصَابِع‏ ! (تحف العقول ص501).
 
هؤلاء يزعمون اتّباع المسيح عليه السلام، ويطلبون علوّ الذكر بالباطل، وقد غفلوا عن أن الله تعالى هو الذي يعلي الذِّكر ويرفعه، وقد أعلى ذكر رسوله (ص): (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) وجحدوه، وها هو اسمه (ص) يُصدح به آناء الليل وأطراف النهار، والسيِّدُ والعاقبُ في مهاوي التاريخ.
 
لقد ارتكب هؤلاء بعد ذلك خيانتان:
 
الأولى: حينما تبيَّنَ لهم الحقُّ جلياً في مسألة التوحيد، ولكنّهم ما أقرّوا بعبودية عيسى لله تعالى.
 
والثانية: حينما رأوا النبي وقد أراد مباهلتهم (بِأَهْلِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالطَّهَارَةِ)، وعلموا أنهم (وَشِيجُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَوْضِعُ نَهَلِهِمْ)، (وَاصْفَرَّ لَوْنُ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَكَرَّا حَتَّى كَادَ أَنْ يَطِيشَ عُقُولُهُمَا)، فدفعوا الجزية ولم يدخلوا دين الإسلام.
 
لقد ظلم هؤلاء أنفسهم أولاً، ثمَّ ظلموا قومهم ثانياً.. حين أخفوا عمّن لم يحضر صدقَ رسول الله صلى الله عليه وآله.
 
وقد نجوا من أمرٍ عظيم، فقد نزل جبرائيل على رسول الله (ص) وقال:
يَا مُحَمَّدُ، اللَّهُ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَيَقُولُ لَكَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، وَارْتِفَاعِ مَكَانِي، لَوْ بَاهَلْتَ بِمَنْ تَحْتَ الْكِسَاءِ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ، لَسَاقَطَتِ السَّمَاءُ كِسَفاً مُتَهَافِتَةً، وَلَتَقَطَّعَتِ الْأَرَضُونَ زُبَراً سَائِحَةً، فَلَمْ تَسْتَقِرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ (الإختصاص ص112-116)
 
اليوم..
لا يزال عبيدُ الدُّنيا يفرّون من الله تعالى طالبين نعمةً زائلة !
ولا يزالُ قَدرُ آل محمدٍ مجهولاً.. وحقُّهم مسلوباً.. والأرض بهم قَد قرَّت واستقرَّت..
 
فسلام الله عليكم من آل بيتٍ ظُلموا فصبروا..
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة * على الحرّ من وقع الحسام المهند
 
والحمد لله رب العالمين
 
ليلة الأربعاء.. ليلة المباهلة 1442 هـ


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/04



كتابة تعليق لموضوع : علماءٌ زنادقة.. في يوم المباهلة !!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net