صفحة الكاتب : د . الشيخ عماد الكاظمي

الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام" (6)
د . الشيخ عماد الكاظمي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 *- الآية السادسة:* 
قال تعالى: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾. [سورة الأعراف: الآية 46]
* روي عن سعد بن سعد، قال: ((سألت أبا جعفر "عليه السلام" عن هذه الآية: ﴿وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُوْنَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوْهَا وَهُمْ يَطْمَعُوْنَ﴾؟ فَقَالَ: هُمْ -يَا سَعْدُ- الْأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلَامُ)).

إنَّ الرواية التفسيرية الشريفة تبيِّن مسألة من المسائل القرآنية المهمة التي لها علاقة بمقام النبي والأئمة "عليهم السلام" في القرآن الكريم، وبيان آثارهم يوم القيامة، وما يتعلق بذلك من موضوعات أخرى، ونحاول من خلال الآية المباركة والرواية التفسيرية الشريفة بيان موضوعين بإيجاز، يتناول الأول مصطلح الأعراف وما يتعلق به، والآخر أقوال المفسرين في الآية المباركة، وبيان الاختلافات في مصاديق أهل الأعراف.

 *- أولاً: المراد من الأعراف.* 
لقد ورد في كلام العلماء بيان المراد من الأعراف، وأين يقع ذلك، بأقوال متقاربة ومتشابهة إجمالًا، ونذكر من ذلك ما يأتي:
قال الراغب الأصفهاني: ((فَإِنَّهُ سُوْرٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ)).
وقال الشيخ الطريحي: ((وَهُوَ السُّوْرُ الْمَضْرُوْبُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهِيَ أَعَالِيْهِ، جَمْعُ عُرْفٍ، مُسْتَعَارٌ مِنْ عُرْفِ الْفَرَسِ وَالدِّيْكِ)).
فهذا القولان الواردان للتعريف يظهران المراد من الأعراف، بأنه السور الفاصل بين الجنة والنار، مع إضافة كونه عاليًا كما أشار الشيخ الطريحي إلى ذلك، وهذا ما أكده الشيخ حسن المصطفوي (ت1426ﻫ/2005م) عند بيانه وتحقيقه لكلمة (الأعراف)، فبعد أنْ ذكر كلام اللغويين قال: ((الْأَعْرَافُ جَمْعُ عُرْفٍ، كَقُفْلٍ وَغُسْلٍ، وَقُلْنَا إِنَّهُ مَا يَعْلُوْ وَيُعْرَفُ))، ولكنه ذكر ما هو أبعد مما يتعلق بالمعنى المراد المعهود، فقال: ((وَهَذِهِ مُقَامَاتُ أَوْلِيَائِهِ الْمُقَرَّبِيْنَ السَّابِقِيْنَ الَّذِيْنَ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيْمِ؛ وَلّمَّا ذَكَرَ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابَ النَّارِ وَمُكَالَمَاتِهِمْ قَالَ تَعَالَى: وَعَلَى الْأَعَالِيْ مِنْهُمَا رِجَالٌ))، ولكن مما يحتاج إلى تأمل ومراجعة في الوقت نفسه هو ما ذيَّل به ذلك بقوله: ((وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى [العلو والارتفاع] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَعْرِفُوْنَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ﴾ فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِهِمْ وَبِأَحْوَالِهِمْ وَمَقَامَاتِهِمْ تُوْجِبُ عُلُوًّا، وَإِحَاطَةً، وَﭐرْتِفَاعًا عَلَيْهِمْ)). فإنْ كان مقصوده العلو والارتفاع المعنوي والمعرفي والمقامي فهذا مما لا إشكال فيه، فوظيفتهم تستلزم ذلك، وأما إنْ كان مقصوده الارتفاع المادي ولعله هو المراد منه بقرينة ما مضى من كلام، فلا أظنَّ ذلك ملائمًا؛ حيث ﭐنكشاف الحقائق في ذلك اليوم ﭐنكشافًا تامًّا.
  
 *- ثانيًا: أقوال المفسرين في الآية المباركة.* 
ذكر المفسرون آراء متعددة في بيان المراد من أهل الأعراف في الآية المباركة، ونختصر ذلك بما يأتي:
قال الشيخ الطوسي: ((أَحَدُهَا: إِنَّهُمْ فُضَلَاءُ الْمُؤْمِنِيْنَ فِيْ قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدَ، قَالَ أَبُوْ عَلِيِّ الْجُبَّائِيُّ: هُمْ الشُّهَدَاءُ وَهُمْ عُدُوْلُ الْآخِرَةِ، وَقَالَ أَبُوْ جَعْفَرٍ "عليه السلام": هُمُ الْأَئِمَّةُ، وَمِنْهُمُ النَّبِيُّ "صلى الله عليه وآله". وَقَالَ أَبُوْ عَبْدِ الله "عليه السلام" الْأَعْرَافُ كُثْبَانٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُوْقَفُ عَلَيْهَا كُلُّ نَبِيٍّ، وَكُلُّ خَلِيْفَةِ نَبِيٍّ مَعَ الْمُذْنِبِيْنَ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ، كَمَا يُوْقَفُ قَائِدُ الْجَيْشِ مَعَ الضُّعَفَاءِ مِنْ جُنْدِهِ، وَقَدْ سُبِقَ الْمُحْسِنُوْنَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُوْلُ ذَلِكَ الْخَلِيْفَةُ لِلْمُذْنِبِيْنَ الْوَاقِفِيْنَ مَعَهُ ﭐنْظُرُوْا إِلَى إِخْوَانِكُمُ الْمُحْسِنِيْنَ، قَدْ سَبَقُوْا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُسَلِّمُ الْمُذْنِبُوْنَ عَلَيْهِمْ. وَذَلِكَ قُوْلُهُ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾)).
 إنَّ الشيخ الطوسي عند تفسيره للآية المباركة قد ذكر بعد هذا القول أقوالًا متعددة، كبعض الأقوال التي ذكرها الطبري كما تقدم، وهذا القول الذي قد ذكره مما يمكن الاعتماد عليه، فهو أقرب إلى المعنى من خلال سياق الآية المباركة، وفيه ما يطابق الروايات الواردة عن أهل البيت "عليهم السلام" في بيان المراد من أولئك الرجال الذين سيكون لهم ذلك المقام في الآخرة.
وبعد ذلك ذكر الشيخ الطوسي ما يتعلق بما يقوم به أهل الأعراف من عمل، ومما قاله: ((ثُمَّ يُنَادِيْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْخُلَفَاءُ أَهْلَ النَّارِ مُقَرِّعِيْنَ لَهُمْ: ﴿مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُوْنَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ أَقْسَمْتُمْ﴾، يَعْنِيْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِيْنَ الَّذِيْنَ كُنْتُمْ تَحْتَقِرُوْنَهُمْ، وَتَسْتَطِيْلُوْنَ بِدُنْيَاكُمْ عَلَيْهِمْ .... وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ: أَنَّ عَلِيًّا "عليه السلام" قَسِيْمُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَرَوَى ﭐبْنُ شَيْبَةَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيٍّ "صلى الله عليه وآله" أَنَّهُ قَالَ: "يَا عَلِيُّ كَأَنِّيْ بِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبِيَدِكَ عَصَا مِنْ عَوْسَجٍ تَسُوْقُ قَوْمًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَآخَرِيْنَ إِلَى النَّارِ)).
إنَّ ما تم ذكره يؤكد ما ذهب إليه بما يتعلق في أصحاب الأعراف من الأنبياء والأئمة "عليهم السلام"، الذين هم أصحاب هذا المقام الرفيع الذي سيكون لهم ذلك الشأن العظيم من حيث الشفاعة عند الله تعالى للمؤمنين، وإقامة الحجة على غيرهم بما كانوا يعتقدون فيهم، وهذا يطابق ما ورد في الرواية التفسيرية عن الإمام الجواد "عليه السلام".
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . الشيخ عماد الكاظمي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/10



كتابة تعليق لموضوع : الأسبوع القرآني للإمام الجواد "عليه السلام" (6)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net