صفحة الكاتب : سرمد سالم

الطلاقُ.. ظاهرة تعددت أسبابُها فتفاقمت نتائجُها
سرمد سالم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تحقيق: سرمد سالم
 تأخذ أبعاد ظاهرة الطلاق مناحي كثيرة، منها المنحى الديني والاجتماعي والنفسي، والمنحى القضائي، وفي حين يعتبر الأخير المرحلة الأخيرة لمعالجة هذه المشكلة، يعتبر المنحى الديني ومن خلال دور المؤسسات الدينية ومكاتب المرجعيات الدينية الشريفة العامل الرئيس في معالجة هذه الظاهرة؛ وتكتمل صورة المعالجة بتظافر جهود هذه المؤسسات مع دور الباحثين الاجتماعيين سواء في داخل المحاكم الشخصية أو خارجها للوصول إلى حالة من إقرار التفاهم والإنسجام بين الزوجين بعد إزالة ما علق في علاقتهما من شوائب.. وللدخول إلى عوالم هذه القضية المهمة والحساسة في مجتمعنا، كان لصدى الروضتين أن تبحثَ عن أسباب تفشي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة، للوقوف على الحلول المناسبة لها؛ ومهما حدث فإن (أبغض الحلال عند الله الطلاق)، فكان اللقاءُ الأول مع مسؤول وحدة الاستفتاءات الشرعية والقضايا الاجتماعية في قسم الإرشاد والتوجيه الديني في العتبة العباسية المقدسة، السيد محمد عبد الله كاظم الموسوي:
 لقد سجل مكتب الاستفتاءات الشرعية في العتبة العباسية المقدسة أهم حالات طلب الفرقة الزوجية(الطلاق) ونحن نذكر آخر تلك الحالات، علماً إن ما نلمسه بين الحين والآخر من الحالات مالا يمكن حصره وسرده, وكان من جملة ما تم تسجيله من هذه الحالات في شعبة القضايا الاجتماعية في قسم الشؤون الدينية:
من المشاكل التي أُركز عليها محاولاً إختصارها: عدم الاختيار الصحيح وزجّ البنت في وادٍ مظلم الغرض منه دفع بعض الخلافات العائلية أو القبلية، أو المتاجرة بمهر الفتاة من قبل الأهل، وكذلك وجدت التأثير المباشر لوسائل الاعلام المستوردة حيث أخذ الشاب والشابة يقلدون الغرب في كل مايعرض على الشاشات.. كما إن مشكلة عدم انجاب الأطفال من المشاكل الكثيرة والمتكررة والتي تؤدي الى الفرقة بين الزوجين، ولتدخل الأهل من كلا الطرفين، أو بسبب نزاع عائلي قديم، أو لسوء خلق الزوج داخل العائلة، أو بسبب عمل شيطاني؛ أو لكونه يرتكب بعض المحرمات، أو لكون الزوجة تمنّ على الزوج بمالها أو راتبها أو بيتها أو انه يأمرها بخدمة أهله وهي لاتريد ذلك، وأيضاً بسبب الخيانة الزوجية من كلا الطرفين..!
 ومن المشاكل التي حصلت لدينا هو قيام الزوج بتزوير الجنسية والتمويه على الزوجة بأنه صغير السن, كما وشهدنا حالات استطعنا من خلالها أن نصلحَ بين الزوجين وسنتطرق الى واحدة منها وهي طلب الطلاق بسبب اخفاء أهل البنت جريمة خطف البنت قبل العقد وتدليس الزوج بذلك.. وقد توصلنا الى حلّ أكثر من(90%) من حالات الطلاق المقدمة إلينا بالطرق الشرعية (بالموعظة والإرشاد الديني).
 ولعلاج هذه الظاهرة وتفشي آثارها السلبية في المجتمع نقترح على كل من الزوجين أن يطّلعوا على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين مثلاً: أن لايطالب أحد الزوجين الآخر بأمور هي ليست واجبة عليه، كذلك ندعو الأسرة المؤمنة الى الالتزام الديني، وذلك بالمحافظة على الواجبات الشرعية، ولعل أكثر الأسباب التي ذكرناها كان سببها الانحراف الديني والابتعاد على خط الشريعة الاسلامية السمحاء, لذلك ندعو جميع الأُسر المؤمنة أن يجعلوا النظام السائد داخل الأسرة هو قانون المودة والرحمة الذي نص عليه القرآن الكريم: ((وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ))الروم:21.
 ولمعرفة الحيثيات الإجتماعية والقانونية حول هذا الموضوع، كان لنا هذا اللقاء مع الباحثة الاجتماعية فوزية رشيد عبد مسؤولة شعبة البحث الاجتماعي في رئاسة محكمة استئناف كربلاء الاتحادية:
 إننا ننظر الى القضية من الجانب الإنساني والإجتماعي، ويكون دورنا النصح والارشاد واصلاح ذات البين بين الطرفين، والوصول الى أساس المشكلة التي أقيمت عليها الدعوة بين الطرفين. أما عن دورنا الإصلاحي فهو يقتصر على حالات محدودة؛ لأن أغلبية العوائل التي تُحال الى البحث الاجتماعي تكون قد أكملت الطلاق خارج المحكمة، وإن قدومها الى المحكمة لغرض التصديق، فيكون دور البحث الاجتماعي في هذه القضايا ضعيفاً جداً؛ لأن المُطلّقة تكون قد أكملت فترة العُدّة الشرعية, ومن هذا المنطلق نطلب إيجاد رقابة دينية مستمرة على المكاتب التي تقوم بإجراء الطلاق، للحدّ من هذه الظاهرة، وعند ارسالهم الى المحكمة، سيكون عملنا تقديم النصح والإرشاد الى هذه العوائل، ليكملوا طريق الحياة، خاصة إذا كان لديهم أطفال.
الباحث الاجتماعي حيدر حسين مهدي، مسؤول مكاتب البحث الاجتماعي في رئاسة محكمة كربلاء الاتحادية:
مهمة الباحث الاجتماعي هي محاولة التوصل لحلول للمشاكل الأسرية، وايجاد تقارب في وجهات النظر بين الزوجين المتخاصمين في الدعاوى المقامة بينهما داخل المحكمة، للحيلولة دون إنهيار الأسرة.. طبيعة عملنا شاقة ونحن نتحمل مسؤولية كبيرة؛ لأن الأسرة هي نواة المجتمع واستقراره رهين باستقرارها, عملنا يعتمد على أطراف الدعوى وعلى مستوى ثقافة الزوجين العام، وعلى مستوى ثقافتهم الدينية بالتحديد، ودرجة إدراكهم ووعيهم، وحجم الخلافات والمشاكل بينهما، وإختلاف المستوى التعليمي بينهما، فكلما كانت وجهات النظر أقرب كانت إمكانية التوصل الى حلول أكثر إمكاناً.
 غالباً ما نواجه مستويات منخفضة من التعليم، والتدني في مستوى الوعي الديني للطرفين، وعدم الاهتمام بواقع الأسرة والأطفال، خاصة من قبل أهل الزوجين الذين يركزون على الزوجين باعتبارهما قطبي المشكلة، تاركين الأطفال ضحية لهذا الصراع الدائر بينهما، فنواجه صعوبات كبيرة في التعامل معهم.. أما طبيعة مشاكل الطلاق المطروحة فهي تختلف بحدتها ودرجة تعقدها بطبيعة المشكلة والظروف المحيطة بها، حتى وصولها الى الساحة القضائية، حيث تبدأ بالمعالجات الشخصية بين الزوجين، ومن ثم عندما لايجدون الحلول يلجأون الى المعالجات الاجتماعية والعشائرية، وعند استنفادهم لتلك المعالجات يصلون الى المعالجة القضائية، وعند تسجيلهما الدعوة لدى قاضي الأحوال الشخصية يرسلها الى مكتب البحث الاجتماعي الذي يأخذ على عاتقه دراسة الحالة وايجاد فرص التقارب بين الزوجين، ومحاولة الإصلاح بينهما قدر المستطاع مع بذل الجهد والعناية الكافية، وبخلافه نقوم برفع توصية عن طريق التقرير المقدم من قبلنا لقاضي الأحوال الشخصية، لتبيان مدى درجة الخلاف وأسبابه التي أوصلهتما الى القضاء.. فنوصي بالتفريق من عدمه..
  إن دور الباحث الاجتماعي هو اصلاح ذات البين بين الزوجين، حيث استطعنا خلال الشهر الماضي بعد أن أُحيلت إلينا (30) دعوى للتفريق وبمختلف أنواعه أن نوفق الى (5) حالات صلح, وفي هذه القضايا طلبنا من القاضي تأجيل الدعوى بعد دراستها والاطلاع على القضية وسماع الزوجين، حيث بذلنا جهداً كبيراً -حتى خارج المحكمة- في سبيل تقريب وجهة النظر والحيلولة دون وقوع هذا الطلاق..
 هنالك عوامل عديدة تؤدي الى الطلاق، مثل التدخل السلبي لأهل الزوجين، حيث يعتبر – هذا التدخل - جزءاً من معوقات عمل الباحث الاجتماعي، وهو من الأسباب الرئيسة التي تؤدي الى الطلاق، كذلك فارق السن والفارق البيئي والاجتماعي والأسري بين الزوجين.. وان العوامل تنمو وتتطور بمرور الوقت، كذلك عدم دراسة الزواج بصورة مكتملة وشاملة من قبل الزوجين هو السبب في تفاقم مشكلة الطلاق.. يضاف الى ذلك عدم انسجامهم، والسرعة بإجراء الزواج وعدم التأني والاختيار بصورة صحيحة من الأسباب الجوهرية التي تفضي الى الطلاق.
   وبالمقابل إزدادت حالات الزواج مع تحسن الحالة المعيشية، وارتفاع مستوى دخل الفرد وبالأخص طبقة الموظفين، إضافة الى الدور الكبير للمؤسسات الخيرية والتي تأتي العتبات المقدسة في مقدمتها، ومنظمات المجتمع المدني الخيرية - خصوصاً بعد التغيير – في تشجيع حالات الزواج للشباب المحدودي الدخل.. أما المؤسسات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية فإن دورها يتأرجح بين السلبي والإيجابي؛ الدور السلبي يتحدد بالاعتماد على ثقافة المتلقي وتقبله للمادة المعروضة، فبعض العوائل تتجنب مشاهدة البرامج التي تتعارض وثقافة مجتمعنا وتقاليده وعاداته, وبالمقابل هناك بعض الأسر - وللأسف الشديد - بدأت تكتسب بعض العادات وتنقلها الى المجتمع, وهذا شيء في غاية الخطورة حيث تعتبر بعض المشاهدات سبباً في إيقاع بعض حالات الطلاق.. كما تعد مشاهدة بعض البرامج الهادفة والقنوات الاسلامية المتميزة التي تسعى الى ديمومة الحياة الزوجية من خلال التوجيهات والخطب الدينية وبرامج التوعية، سبباً في ديمومة الحياة الزوجية لدى بعض العوائل الواعية. 
الباحث الاجتماعي ميثم حسين، محكمة الأحوال الشخصية في الحسينية:
طبيعة عملنا إنسانية إجتماعية قبل أن تكون قانونية، وهنا أود أن أشير الى أن الدور الاصلاحي يكون مقيّداً من الناحية الشرعية؛ لأن المُدّعي والمُدّعى عليه يأتيان الى المحضر الشرعي وقد أتمّا الطلاق أمام رجل الدين خارج المحكمة، وبالنسبة إلينا كباحثين إجتماعيين نحاول قدر المستطاع أن نؤثرَ على الزوجين للتراجع عن قرار الطلاق، خصوصاً إذا كان لديهم أطفال, ومن خلال عملنا لاحظنا بأن ظاهرة الطلاق قد زادت بنسبة كبيرة خصوصاً بعد تحسن الحالة المعيشية بعد سقوط اللانظام السابق..! والأمر يعود لعدة أسباب يكون الزوج أو الزوجة فيها هما الطرف الأول لبداية نهاية زواجهما.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سرمد سالم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/05



كتابة تعليق لموضوع : الطلاقُ.. ظاهرة تعددت أسبابُها فتفاقمت نتائجُها
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net