صفحة الكاتب : امير كريم النائلي الشمري

 تفسير المحكمة الاتحادية ونص الدستور  بين الواقع والطموح. 
امير كريم النائلي الشمري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قبل ايام اصدرت المحكمة الاتحادية قراراً بشأن تفسير موضوع الحصانة لعضو مجلس النواب في الجنايات الغير مشهودة، وقد اثار هذا التفسير اعجاب الكثيرين، والذين اشادوا به، ولكن من يتمعن بتفسير ذلك القرار، يلاحظ ان المحكمة الاتحادية، قد فسرت الماء بعد الجهد بالماء ..
فبينت المحكمة في قرارها، ان الحصانة المشمول بها عضو مجلس النواب، هي في الجنايات غير المشهودة ، بما معناه ان جرائم الجنايات المشهودة والجنح والمخالفات غير مشمولة بالحصانة ، فما هو الجديد بالموضوع ؟ في الوقت الذي نجد مافسرته المحكمة الاتحادية موجود في نص المادة ٦٣ من دستور جمهورية العراق لعام ٢٠٠٥.
وكان الاجدر بها اذا كانت تريد حماية حقوق الانسان، وتاكيد مبدأ العدل، ان يكون تفسيرها بتوضيح بعض المسائل  التي تصعب على القانوني وغير القانوني كمثال ان تبين ان الحصانة التي يمنحها عضو مجلس النواب تشمل القاء القبض فقط، ولاتشمل باقي الاجراءات التي ينص عليها قانون اصول المحاكمات الجزائية، كالتكليف بالحضور او تفتيش منزل او عجلة عضو مجلس النواب، وبالتالي فان اتخاذ هذه الاجراءات سوف تقودنا الى الجناية المشهودة، فمثلاً لو كان عضو مجلس النواب متهماً بالمتجارة بالمخدرات والاتجار بالمخدرات من الجنايات واثناء تفتيش عجلته او منزله ضبطت هذه المخدرات فاننا نكون امام جناية مشهودة، وبالتالي تبيح هذه الجريمة المشهودة القاء القبض عليه.
اما لو وجهنا سهام النقد الى المشرع العراقي الذي وضع الدستور، وقبل النقد نقول : من البديهي ان الجريمة وفقا لمقدار عقوبتها تقسم الى جنايات وجنح ومخالفات، وان عقوبة الجناية هي السجن من خمسة سنوات حتى تصل الى الاعدام، وان عقوبة جريمة الجنحه الحبس من ثلاثة اشهر الى خمس سنوات، والمخالفة من ٢٤ ساعة حتى ثلاثة اشهر . فايهما الاشد خطراً وضرراً على المجتمع ؟ اليست الجناية؟  فألى اي معيار استند المشرع بتوفيره الحماية والحصانة للجريمة الاشد خطراً وضرراً على المجتمع ؟ والى ماذا استند المشرع عندما ميّز عضو مجلس النواب على حساب المواطن البسيط ، وهل ان طبيعة عمل عضو مجلس النواب ذو طبيعية تنفيذية وتقتضي احتكاكه بالجمهور في الشارع حتى يمنح تلك الحماية؟ ام يتمثل عمله بطبيعة موضوعية بسن التشريعات والرقابة وغيرها وهذه كلها واجبات كتابية وليست صدامية؟ وبذلك ناقض المشرع نفسه بنفسه، لان ذلك التمييز يناقض ماجاء بديباجة الدستور وباقي موادة من تحقيق العدل والمساواة، وان الجميع سواسية، ويناقض مبدأ استقلال القضاء، وان لاسلطان عليه لغير القانون ولايتفق مع التوجه الديمقراطي للعراق الجديد، اضف الى ذلك الى اننا وعلى مدار السنوات الماضية من عمر البرلمان ورغم ماعانا منه بلدنا من اختفاء ثرواته الخ، ورغم اعتراف بعضهم على شاشات الفضائيات والتبجح بذلك، وذلك بسبب عدم قيام السلطات بواجباتها بشكل صحيح لم نلاحظ رفع الحصانة عن احد، واذا رفعت ففي حالات فردية لايتجاوز عدد اصابع اليد لايتناسب مع مقدار الضرر.
وفي الوقت نفسه لامانع فيما لو منحت الحصانة لعضو مجلس النواب على اساس موضوعي، وليس اجرائي، كما لو منحت الحصانة اثناء عقد الجلسات في الامور التي تحدث مع زملائه كتوجيه القذف او المشادة الخ، وان يحسم موضوع رفع الحصانة خلال مدة العضوية او اصدار قرارات بشأن ذلك  كمنعه من السفر للحيلولة دون هروبه خارج القطر بعد انتهاء مدة عضويته، وان لاتكون الحصانات على حساب استقلال السلطة القضائية في واجباتها .
 ولله درك من قضاء فرنسي في مواجهة هذا الخلل اذ تصدت محكمة النقض الفرنسية لهذه المشكلة بقرارها الصادر في ٢٧ حزيران ٢٠١٨ عندما الغت حصانة البرلمانيين واخضعتهم لحكم المادة ٤٣٢-١٥ من قانون العقوبات الفرنسي كونهم مكلفين بخدمة عامة ، وذكرت ان مهمة القاضي تفسير القانون الذي يطبق بصورة عامة ومجردة على الجميع بعد رفض اعتراض احد اعضاء مجلس الشيوخ بحجة عدم تطبيق المادة اعلاه على من يتمتع بحصانة من اعضاء البرلمان . وتنص المادة ٤٣٢-١٥ من قانون العقوبات الفرنسي المعدل بالقانون رقم ١٦٧٢-٢٠٢٠ في ٢٤ شباط ٢٠٢٠ (كل شخص يشغل سلطة عامة او مكلف بخدمة عامة او محاسب عام او امين عام او احد مرؤوسيه قام بأتلاف او اختلاس او سحب فعل او سند أو اموال او ممتلكات عامة او خاصة او المستندات او الاوراق المالية التي تحل محلها ، او أي شيء أخر حصل عليه بسبب مهامه او مهمته ، يعاقب بالسجن لمدة عشر سنوات وغرامة قدرها ١٠٠٠٠٠٠ مليون يورو ، يمكن مضاعفتها من عائدات الجريمة (تمت زيادة مبلغ الغرامة الى ٢٠٠٠٠٠٠ مليوني)  يورو ويتضاعف هذا المبلغ بتضاعف عائدات الجريمة ، وعندما ترتكب من قبل عصابة منظمة . واهتماماً من المشرع الفرنسي بالتشديد على مكافحة جرائم الاختلاس فقد جعل عقوبة الشروع فيها بنفس عقوبة الجريمة التامة .
وكذلك حسناً فعل المشرع المغربي اذ تخلى دستور عام ٢٠١١ نهائياً عن حصانة الفعل المرتكب من قبل اعضاء البرلمان وجعلهم في حالة ارتكاب جريمة فانهم يحاكمون حالهم كحال باقي المواطنين مع الاحتفاظ بحصانة الراي داخل قبة البرلمان …
اما الشريعة الاسلامية السمحاء فقد سبقت قبل اربعة عشر قرناً كل القوانين الوضعية عندما شملت المسؤولية الحكام مهما كانت تسميته سواء كان الخليفة أو الحاكم أو الامام أو القاضي أو الوالي أو الامير أو الوزير أو المحتسب ...الخ  فكان هولاء اشخاصاً عاديين لاقداسة لهم، لان الشريعة الاسلامية تساوي بين رؤساء الدول والرعايا في سريان القانون ومسؤولية الجميع على جرائمهم قال تعالى: ( فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) [سورة ص: 26]، وقال رسول الله صلى الله عليه واله (الناس سواسية كأسنان المشط)، وقد سار الخلفاء الراشدون على هدى الرسول صلى الله عليه واله وسلم، وكانوا يعطون القود من انفسهم، وقد قال سيدنا ابو بكر يوم تولى الخلافة ( أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم ، إن احسنت فأعينوني وإن اسأت فقوموني ، وقال ايضاً اطيعوني ما أطعت الله ورسوله فأن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ) وكان سيدنا عمر رض عنه يعني القود عن نفسه اكثر من مرة فلما سُئل قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يعطي القود من نفسه وانا اعطي القود من نفسي )، وهذا علي أمير المؤمنين عليه السلام الرئيس الاعلى للدولة الاسلامية فبعد أن عين شريح القاضي بالمنصب فيأتي ويختصم امامه في واقعة شأنه شأن اي مواطن بسيط، وقد ذكر في ذلك ، أن علياً(عليه السلام) خاصم يهودياً عند القاضي شريح، فجلس علي(عليه السلام) في صدر المجلس وجلس شريح والذّمي دونه، وقال علي: لولا ان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) عفا عن مساواتهم في المجالس لجلستُ معه، وهذا يؤكد على ان لا حصانة لا حد امام القضاء، والموارد القرآنية الدالة على سواسية الناس كثيرة والتراث الاسلامي حافل بالروايات والحوادث التي تدل على ذلك،
نأمل من المختصين بوضع مسودة تعديل الدستور والقوانين اخذ هذه الملاحظات وغيرها بنظر الاعتبار مستقبلاً خدمتاً للصالح العام …
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


امير كريم النائلي الشمري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/27



كتابة تعليق لموضوع :  تفسير المحكمة الاتحادية ونص الدستور  بين الواقع والطموح. 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : دكتورة براء العزاوي ، في 2021/06/27 .

احسنت طرح مميز عاشت الايادي بالتوفيق

• (2) - كتب : Dema dema ، في 2021/06/27 .

التفاتة راقية احسنتم النشر




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net