صفحة الكاتب : رضوان السلامي

الحيرة تاريخياً
رضوان السلامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 شهد العراقُ في الفترة التي سبقت الإسلام، تميزاً ثقافياً تمثل بالمستوى المتقدم الذي وصل اليه في شتى فروع المعرفة والعلم من اهله، ليتبوأ مكانة بارزة في التاريخ الثقافي العربي، وقد اعتمد العراق في تميزه على الثقافة التي وصلت اليه، عن طريق بعض مدنه، كالحيرة حيث تعد ثقافة المناذرة من أهم مصادر المعرفة في العراق آنذاك فضلاً، عما قدمته المراكز العلمية في المدن الاخرى من خبرة ومعرفة. 
 وتقع مدينة الحيرة بالقرب من الكوفة في العراق على بعد ثلاثة اميال منها، تقدّر بخمسة كيلو مترات من الجنوب الغربي منها، ويجري بالقرب منها نهر الفرات الذي يتفرع في اطرافها الى عدة فروع ، تأخذ منه جداول وترع تروي تلك المنطقة، لتصبح بعدئذ عبارة عن انهار صغيرة كنهر الكافر، ونهر الحيرة، ونهر يوسف.. وهذا إن دلّ على شيء، فيدل على وفرة المياه، وخصوبة الأرض في الحيرة. 
 ولقد كان سكان الحيرة منذ تأسيسها، يتألفون أغلبهم من العرب، وقد قسم المؤرخون سكانها الى ثلاث فئات رئيسة، الفئة الأولى وهم من قبائل تنوخ التي سكنت ونزلت في غرب الفرات، ما بين الحيرة والأنبار وما فوقها، وكانوا لا ينزلون بيوت المدن بل سكنوا في خيام ومضال وبيوت شعر، وسموا بـ(عرب الضاحية)، ويرى البعض في وصف الاخباريين لهم، ان المقصود بـ(تنوخ) من كان يشتغل بالزراعة، ومن كان يعيش عيشة اهل البادية من الذين سكنوا في المنطقة المحصورة بين الحيرة والانبار، ولم يقصدوا قبيلة معينة. 
 أما الفئة الثانية فهم العباد الذين سكنوا الحيرة وابتنوا فيها، وهم من قبائل شتى، تعبدوا لملوكها واقاموا فيها، أي انهم كانوا يعيشون في بيوت داخل مدينة الحيرة، وقد اختلف المؤرخون في اصل كلمة (العباد). يرى البعض ان العباد هم قوم من نصارى العرب، من قبائل شتى، انفردوا عن الناس في قصور ابتنوها بظاهر الحيرة، واتسموا بالعباد؛ لأنه لا يضاف الا الى الخالق. وأما العبيد فيضاف الى المخلوق والخالق في حين يرى اخرون انهم سموا بذلك؛ لأنه عندما قاتلهم ملك الفرس سابور، اتخذوا شعاراً لهم هو (يالعباد الله). أما قسم اخر فيقول: (انما قيل لهم العباد؛ لأنهم كانوا يعبدون الله، فتسموا بهذا الاسم). واما الفئة الثالثة فهم الاحلاف الذين كانوا مزيجاً من القبائل العربية التي لحقت بأهل الحيرة، ونزلوا فيها، وهم ليسوا من قبائل تنوخ ولا من العباد، وكانت هذه القبائل تتجول في اطراف الحيرة، والبعض منها استقر داخلها، وقد سكنوا مناطق متعددة من ارض السواد. 
وفضلاً عن هذه الفئات الثلاثة، فقد سكن الحيرة النبط والسريان الذين امتهنوا مهناً عديدة وكثيرة، أهمها الزراعة كما سكن الحيرة ايضاً جماعة من اليهود وقوم من الفرس. 
وكانت الحيرة قد اشتهرت بمناظرها الطبيعية ومناخها الجميل، فاشتهرت برقة هوائها وصفاء جوها وعذوبة مائها، حتى قيل فيها (يوم وليلة بالحيرة خير من دواء سنة)، وأرضها الخصبة قيل فيها (منزل بري مرءي صحيح الادواء والاسقام)، دلالة على اعتدال مناخها وملائمته للنشاط البشري، وقد وصفها المؤرخون بقولهم: (وكان مكان الحيرة من اطيب البلاد، وارقه هواء، واخفه واغناه تربة، واصفاه جواً، قد تعالى عن عمق الأديان، واتضح عن حزونة الغائط، واتصل بالمزارع والجنان والمتاجر العظام؛ لأنها كانت من ظهر البرية على طرف سفن البحر من الصين والهند). وكان نهر الفرات يتفرع من اطرافها الى عدة فروع، تأخذ منه جداول وترع، تروي تلك المنطقة والمناطق المحيطة، وهكذا اجتمع في المنطقة هواء الصحراء وخصب العراق. 
 أما تسمية مدينة الحيرة، فقد وردت في مصادرنا اللغوية والتاريخية آراء عديدة بشأن أصل تسميتها، فيرى بعض اللغويين بأن هذا الاسم اسم عربي (سميت الحيرة؛ لأن (تبعاً) لما غزا اليمامة، انتهى الى الحيرة، فخلف بها ضعف جنده بذلك الموضع، وقال لهم حيروا أي أقيموا به) وذكر أيضاً (انها سمّيت الحيرة لأن (تبعاً) لما أقبل بجيوشه، فبلغ موضع الحيرة، ضل دليله وتحير فسميت الحيرة). كما أورد الحموي (ان الاردوان ملك من ملوك النبط، قد بنى حيراً وأنزل به من أعانه من العرب، فسمى ذلك الحير). ويشير الفيروز أبادي الى ان الاسم مأخوذ من الحير بمعنى الحمى او الحضيرة، ويرى البعض انها كلمة ارامية مشتقة من اصل كلمة (حيرتا Harta) السريانية التي تعني المخيم او المعسكر.  وقد سميت الحيرة في المؤلفات العربية والاسلامية بأسماء متعددة منها، سميت الحيرة البيضاء لحسن عمارتها، وبالحيرة الروحاء ونسبت الى اسماء ملوكها المشهورين مثل النعمان او المنذر او حصنه او معقله. وقد وصفها المؤرخون السريان بأنها مدينة العرب.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رضوان السلامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/23



كتابة تعليق لموضوع : الحيرة تاريخياً
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net