صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

مسيرةُ الأعلام الإسرائيليةُ مناكفةٌ حزبيةٌ وأحلامٌ يهوديةٌ
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عادت من جديدٍ إلى الواجهة السياسية والأمنية، مسيرةُ الأعلام الإسرائيلية، التي أسقطتها صواريخ المقاومة الفلسطينية مساء يوم العاشر من مايو/آيار الماضي، وفرقت جمعها ومزقت صفوفها، وأجبرت منظميها على إلغائها، ودفعت بالسلطات الأمنية والسياسية إلى سحب تراخيص تنظيمها، وصرف الأنظار عن تأييدها، عندما نفذت المقاومة الفلسطينية في الموعد الذي حددته تهديدها، وأطلقت وابل صواريخها على الشطر الغربي من مدينة القدس، وطالت فيها أهدافاً سياسية وأمنية، صدمت الإسرائيليين وأذهلتهم، وأيقظتهم من سباتهم وأذهبت سكرتهم، ودفعتهم إلى الملاجئ والمراكز المجهزة، فحصنهم الآمن قصف، ومدينتهم المزعومة ضربت، ووحدتها الموهومة استهدفت، وهيبتهم سقطت، وكبرياؤهم كسر، وتفوق جيشهم انكشف.

خضع الإسرائيليون بعد معركة سيف القدس لشروط التهدئة غير المكتوبة، والتزموا ببنودها المفروضة، وامتنعوا عن تنظيم مسيرة الأعلام الاستفزازية، التي أرادوا أن يقولوا فيها للفلسطينيين أن القدس مدينةٌ يهودية، وهي عاصمتهم الأبدية الموحدة، وأنهم يحتفلون بمسيرتهم الجوالة وأضوائهم الكشافة، وطقوسهم الدينية وتقاليدهم التوراتية، بالعودة إليها بعد ألفي عامٍ من تفكيك ملكهم وخراب هيكلهم وإخراجهم منها، بعد أن تمكنوا من احتلال الشطر الشرقي من المدينة في العام 1967، "واستعادتها من العرب"، وضمها إلى القدس الغربية، وإعلانها عاصمةً أبديةً موحدةً لكيانهم.

لكن المتغيرات السياسية الداخلية الإسرائيلية، التي تمثلت في نجاح "تكتل التغيير" بزعامة يائير لابيد من تشكيل حكومةٍ ائتلافيةٍ جديدةٍ، من شأنها إقصاء نتنياهو وإنهاء حكمه، وإخراجه من مكتبه في رئاسة الحكومة التي طال فيه أمده، وكثر فيها خصومه، دفعت الأخير إلى العمل بكل الوسائل الممكنة والطرق المتاحة لإفشال حكومة التغيير، ومنعها من نيل ثقة الكنيست المتوقعة يوم الأربعاء القادم، فعزم على اللعب بكل الأوراق التي يملكها، وتحريك جميع الملفات التي بحوزته، في محاولةٍ منه أخيرة للحيلولة دون نيل الحكومة الجديدة للثقة، وبالتالي الدعوة إلى انتخاباتٍ تشريعيةٍ خامسةٍ، يبقى حتى إجرائها رئيساً للحكومة، بكامل الصلاحيات التي تمتع بها على مدى السنوات الثلاثة الماضية، التي خاض فيها الكيان أربعة انتخاباتٍ متواليةٍ.

تأتي مسيرة الأعلام الإسرائيلية ضمن مخططات نتنياهو الكيدية ضد حكومة التغيير الجديدة، بقصد إرباكها وتوريطها، ودفع بعض أعضاء الكنيست المؤيدين لها للتراجع والامتناع عن التصويت لصالحها، لئلا تنال الثقة وتصبح حكومة شرعية.

 

لكنها في الوقت نفسه تعبر عن رغبة الأحزاب الدينية والأحلام اليهودية المهووسة بحلم العودة وبناء الهيكل المزعوم، فهذه السياسات الإسرائيلية لا تتغير بتغير الحكومات، ولا تتأثر بتبدل رؤسائها، بل قد تتعزز وتتكثف، خاصةً أن أطراف ائتلاف التغيير هم من صقور اليمين المتشدد، ومنهم رئيس الحكومة الأول زعيم تكتل يمينا نفتالي بينت، وأفيغودور ليبرمان وجدعون ساعر، ولا يعني أبداً أن يائير لابيد وبيني غانتس سيكونان ضدهم وسيخالفون سياستهم، بل هم منهم ومعهم، وستثبت الأيام القادمة في حال ثبتت الحكومة، أنهم جميعاً سواء لا يختلفون عن بعضهم، وإنما يوزعون الأدوار، ويستكملون المشاريع، وكأنهم في سباق تتابعٍ طويلٍ، كلٌ يسلم الراية لمن بعده ليتم الشوط ويواصل المسيرة.

لكن من المؤكد أن قرار الشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس، التي يقودها أحد كبار مؤيدي نتنياهو، بالسماح بتنظيم مسيرة الأعلام يوم الخميس المقبل، كان بقصد إشعال المنطقة وإدخالها في دوامة عنفٍ جديدة، تدفع الحكومة الإسرائيلية إلى إعلان حالة الطوارئ العامة، والموافقة على تشكيل حكومةٍ وطنيةٍ جديدةٍ، يكون نتنياهو قطبها الأساس ورئيسها الأوحد، وذلك إلى جانب الممارسات الاستفزازية التي تمارسها الشرطة الإسرائيلية يومياً ضد سكان حي الشيخ جراح، الذين تفرض عليه حصاراً وطوقاً أمنياً مشدداً، في الوقت الذي تقمع فيه المتظاهرين والمتضامنين الفلسطينيين والدوليين، وتضيق على الإعلاميين وتعتقل الصحفيين، الأمر الذي من شأنه أن يسهل تضافر الأحداث كلها لخدمة أهدافه الحزبية ومصالحه الشخصية.

قد يتساءل البعض هل ستسكت المقاومة الفلسطينية عن مسيرة الأعلام الإسرائيلية، وستغض الطرف عنها، وتترك المستوطنين الإسرائيليين يعيثون فساداً في مدينة القدس، ويستفزون أهلها، ويدنسون مقدساتها، أم أنها ستتصدى لهم وترد عليهم، وتمنعهم بالقوة الصاروخية من جديدٍ، رغم أن هذا الرد من شأنه أن يعيد الحرب من جديد، ويفجر المنطقة مرةً أخرى، وهو ما يخدم نتنياهو في المرحلة الحالية ويحقق أهدافه، الأمر الذي يجعل المقاومة الفلسطينية في وضعٍ حرجٍ جداً، فهي بين أمرين أحلاهما مرٌ، فهي إن سكتت عن المسيرة فإنها تحقق للإسرائيليين أهدافهم، وإن تصدت لها فهي تحقق لنتنياهو أهدافه، فهل تراها تصمت أم ترد؟...


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/06/07



كتابة تعليق لموضوع : مسيرةُ الأعلام الإسرائيليةُ مناكفةٌ حزبيةٌ وأحلامٌ يهوديةٌ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net