صفحة الكاتب : شعيب العاملي

الله الله فِي الشِّيعَة !
شعيب العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 بسم الله الرحمن الرحيم
 
يَا أَبَا عَبْدِ الله، الله الله فِي الشِّيعَة !
 
هذه وصيَّةُ الإمام الباقر عليه السلام ليلة وفاته، لابنه الإمام الصادق عليه السلام، بعدَما سلَّم إليه الإسم الأعظم ومواريث الأنبياء والسلاح.
 
فَحَالُ الشيعة مما يهتمُّ له خليفة الله في أرضه وسمائه، إمام الإنس والجانّ، حتى يوصي بهم إلى الإمام الذي يليه.
 
يُجيب الإمام الصادق عليه السلام: والله لا تَرَكتُهُم يحتاجون إلى أحد ! (اثبات الوصية ص182).
 
استغناء الشيعة عَن كُلِّ أحدٍ هو مِصداقُ وصيّة الإمام الباقر عليه السلام، لكن في أيِّ شيء يكون هذا الغنى ؟!
 
يوصيه عليه السلام بأصحابه في روايةٍ أخرى فيقول: يَا جَعْفَرُ أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً !
 
فيجيب الإمام الصادق عليه السلام: وَاللَّهِ لَأَدَعَنَّهُمْ وَالرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ فَلَا يَسْأَلُ أَحَداً ! (الكافي ج‏1 ص306).
 
الخيرُ الذي أراده الإمام الباقر هو العلم إذاً، وهو الذي بثَّه الإمام الصادق عليه السلام بين أصحابه وشيعته، حتى يكون الرَّجُلُ منهم غنيّاً عن المخالِفين وأصحاب المذاهب المختلفة، مُكتَفِياً بعلوم آل محمد عليهم السلام.
 
فلماذا صار تَعَلُّمُ الشيعة مِن أَجَلِّ وأرفَعِ وأسمى ما يهتمّ به الإمامُ المعصوم ؟!
 
أولاًً: الجاهل كحمار الطاحونة !
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُهْمِ (الكافي ج8 ص19)
 
المعرفةُ إذاً للخير والشرّ هي العلامة الفارقة بين الإنسان والبهيمة، والعَجزُ عن معرفة الخير سبيلُ انتقال ابن آدم إلى حدّ البهيمية، حتّى لو كان متعبِّداً !
 
أيكون المتعبِّدُ شبيهاً بالبهائم ؟!
نعم، لِمَ لا يكون كذلك، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام:
 
الْمُتَعَبِّدُ عَلَى غَيْرِ فِقْهٍ كَحِمَارِ الطَّاحُونَةِ يَدُورُ وَلَا يَبْرَحُ (الإختصاص ص245).
 
فهذا عابدٌ لله، لكنَّهُ لا يُمَيِّزُ خَيراً من شرّ، فإذا ما توهّم الشرّ خيراً تَعَبَّدَ لله بما يكره الله تعالى ! وتقرَّبَ إليه بما يُبَعِّدُ عنه عزّ وجل، وكان في معرض الشُّبُهَات والفِتَن، قال عليه السلام: انّ الْعَالِمَ تَأْتِيهِ الْفِتْنَةُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا بِعِلْمِهِ، وَتَأْتِي الْجَاهِلَ فَيَنْسِفُهُ نَسْفاً (الإختصاص ص245).
 
فلا سبيلَ للخلاص من الفتن المظلمة كقطع الليل، إلا بالعلم.
 
ثانياً: العلمُ سَبيلُ الرَّشاد
 
عن الإمام الصادق عليه السلام:
أَحَادِيثُنَا تُعَطِّفُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنْ أَخَذْتُمْ بِهَا رَشَدْتُمْ وَنَجَوْتُمْ، وَإِنْ تَرَكْتُمُوهَا ضَلَلْتُمْ وَهَلَكْتُمْ، فَخُذُوا بِهَا وَأَنَا بِنَجَاتِكُمْ زَعِيمٌ (الكافي ج‏2 ص186).
 
العلمُ هو مقدَّمَةٌ للأخذ بعلوم آل محمد، ودونها ضلالٌ وهلاكٌ، وبالعمل بها بعد التعلُّم ضمانٌ من الإمام المعصوم عليه السلام بالنجاة يوم الفزع الأكبر.
 
ثالثاً: العلم خيرٌ.. لا يُدرَكُ قَدرُه !
 
عن الباقر عليه السلام: تَذَاكُرُ الْعِلْمِ سَاعَةً خَيْرٌ مِنْ قِيَامِ لَيْلَةٍ (الإختصاص ص245)
 
في قيام الليل غَايَةُ القُرب من الله تعالى، بل إنّ: شَرَف الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، كما عن الصادق عليه السلام (الكافي ج2 ص148).
رغم ذلك صارَ تَذَاكُرُ العلم خيراً من القيام، مع ما له من ثواب يصعب إدراكه، فقد وَرَدَ عن أمير المؤمنين في (أدنى) ثواب قيام ليلة تامة تلاوةً لكتاب الله وركوعاً وسجوداً:
 
1. يَخْرُجُ مِنَ الذُّنُوبِ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ !
2. وَيُكْتَبُ لَهُ عَدَدَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْحَسَنَاتِ ! وَمِثْلَهَا دَرَجَاتٌ !
3. وَيَثْبُتُ النُّورُ فِي قَبْرِهِ.
4. وَيُنْزَعُ الْإِثْمُ وَالْحَسَدُ مِنْ قَلْبِهِ.
5. وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
6. وَيُعْطَى بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ.
7. وَيُبْعَثُ مِنَ الْآمِنِينَ.
 
ثم يسكنه الله الفردوس وله فيها مئة ألف مدينة: فِي كُلِّ مَدِينَةٍ جَمِيعُ مَا تَشْتَهِي الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالٍ، سِوَى مَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْمَزِيدِ وَالْقُرْبَةِ (من لا يحضره الفقيه ج‏1 ص476)
 
كلُّ هذا يضاف إليه ما أعدَّهُ الله مِن (كرامةٍ) إلهية، و(مَزيدٍ) ممن لا انقطاع لعطائه، و(قُربَةٍ) أعدّها له الله تعالى !
 
وتَذاكُرُ ساعَةٍ خيرٌ من هذا التعبُّد ! وثوابُه أعظم !
 
إذا عُلِمَ ذلك، زال العجبُ مما ينالُه علماء الشيعة من رفيع المنزلة، حتى ورد في الحديث:
 
وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ هَكَذَا لِغَيْرِ اللَّهِ، لَأَمَرْتُ ضُعَفَاءَ شِيعَتِنَا وَسَائِرَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ شِيعَتِنَا أَنْ يَسْجُدُوا لِمَنْ تَوَسَّطَ فِي عُلُومِ عَلِيٍّ وَصِيِّ رَسُولِ الله (الإحتجاج ج‏1 ص53)
 
فصارَ عُلماء الشيعة واسطةً في نقل علوم آل محمد، وبلغوا محلِّ الكرامة عند الله تعالى، وصاروا مقدَّمين على كلِّ مَن سِواهم، إلى حدِّ أن يؤمر المؤمنُ بالسجود لهم لو كان ذلك سائغاً !
 
فأيُّ مَنزِلَةٍ عظيمة بَلَغها هؤلاء؟! حيثُ تُحفَظُ أديان المؤمنين بهم.. فَحَقَّ أن يكونوا أكثَرَ الناس حِرصاً على صيانة الأديان.
وأيُّ مسؤولية تُحَتِّمُها عليهم هذه المنزلة ؟!
 
من هنا يُعلم انحِرافُ أصنافٍ من الناس في تَعَامُلِهم مع العلماء:
 
1. ففئةٌ حطَّت من قَدرِهم، وأسقطت شأنهم، وحقَّرَتهم واستخفت بهم وبمكانتهم عند الله تعالى.
وهي فئةٌ تتغنى بأخذ العلم عن آل محمدٍ، وهم مِن أبعَدِ الناس عنهم، فإنّ العلماء هم الوسطاء بين الإمام وشيعته، سيّما في زمن غيبته، وهؤلاء زعموا التقرُّب إلى الإمام بمخالفته، وتَركِ مَن أمَرَ بالأخذ عنه، وقد قال عليه السلام أنّهم: الَّذِينَ يُمْسِكُونَ أَزِمَّةَ قُلُوبِ ضُعَفَاءِ الشِّيعَةِ (الاحتجاج ج1 ص18).
 
2. وَفِئَةٌ تَزعَمُ أن ليس للإمام فَضلٌ عليها، لكون أهلها من حَمَلَةِ العلم، أو يزعمون اتّباع من صار بمنزلة الإمام بزعمهم، فينفون كلَّ مزيةٍ للإمام عليه السلام.
وقد عاصَرَ أسلافُ هؤلاء زمن الأئمة ولا زالوا إلى يومنا هذا، حتى بكى المعلّى بن خنيس لما رآهم على باب الصادق عليه السلام وقال للإمام عليه السلام: بِالْبَابِ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنْ لَيْسَ لَكُمْ عَلَيْهِمْ فَضْلٌ ! وَأَنَّكُمْ وَهُمْ شَيْ‏ءٌ وَاحِد ! (الخرائج والجرائح ج‏2 ص624).
 
فأخطأ هؤلاء وهؤلاء..
وعَلِمَ الإمامُ الباقر بما يجري على الشيعة وعلى أصحابه.. مِن انحراف بعضهم، وشدّة الفتن والبلاء عليهم، وكثرة الجهل والشبهات، فأوصى الإمامَ الصادق عليه السلام، وكانت الوصية:
الله الله فِي الشِّيعَة !
 
هي وصيَّةٌ من معصومٍ لمعصوم، وهما إمامان مطهَّران !
 
فَكَم تُرَتِّبُ هذه الوصيّة علينا من حِملٍ في يومنا؟!
 
أما عوام الشيعة: فأن يعلموا قدر العلم، وطريقه وبابه، وآداب تعلُّمه والعمل به، وأن يضعوا العالم في موضعه، لا يرفعوه إلى حيث لا ينبغي، ولا يحطوا من قدره إلى حيث لا يسوغ.
 
وأما علماء الشيعة: فأن يبذلوا العلم للمتعلِّم، ففي بذله حفظ أديان المؤمنين، وتثبيت عقيدتهم، ودفع الشبهات عنهم.
 
وفي بذل العلم والتعلُّم كلّ الخير للشيعة جميعاً.
 
جمع الله أمرَنا على مائدة آل محمد، وجعلنا من السالكين دربهم، وعنه لا نحيد.
 
والحمد لله رب العالمين.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


شعيب العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/26



كتابة تعليق لموضوع : الله الله فِي الشِّيعَة !
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net