صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

صهيل الغاب... واستبدال المألوف
علي حسين الخباز
سعى اغلب الشعراء الى استبدال المألوف لغاية فنية واعية، لكون هذا المألوف بات لايشكل قيمة جمالية مهمة، لتواكب تطورات الذائقة الجمالية والادراكية العامة، فأصبح من اللازم ترسيخ مفاهيم اخرى، تشغل هذه المنطقة المكتظة بالعادي، والمكرر، والمبتذل، باستثناء بعض التجارب الفردية المتماسكة، وصار من المهم الان التفكير جديا بما سيدخل من بديل.. عبر مخاضات تجريبية متنوعة، فالبعض حاول الاستعانة بالمذاهب التجريدية، ليعوض المساحة الابداعية المفقودة، الا ان المدرسة التجريدية عانت من غموض جوهري، وابتعاد عن الذات الانسانية المحورية والمعاش، واصبحت عبارة عن طلاسم لاتقدم شيئا من الهم العام، فهل مثل هذه السمات الابداعية تستطيع ان تكون بديلا شرعيا؟ 
لا اعتقد... لأن حجم التمرد على الكيان لا يطيق عنف الفوضوية المدمرة، التي تنهي علاقة الشعر بالصراع الانساني. بينما القصيدة هي محاولة لمد أواصر ما يقربها من كينونة التعبير، لكن مايجب ان ننتبه اليه ان بعض المحاولات استطاعت ايجاد البديل المناسب عن تلك المألوفية بقيم جمالية، تضمن الشعرية والاحتواء العام، الذي يقربها للناس كتجربة (صهيل الغاب) للشاعر المبدع (اياد حياوي الحفار) الذي استطاع عبر اداواته التعبيرية، من توسيع افق الدالة، بما ينطوي عليه الواقع، مستبدلا مألوفية الاشتغال بصور شعرية، تجتهد في خلق وتكوين معاييرها الخاصة، فدالية (حياوي) واضحة سهلة الاستيعاب، مثلا عندما يرمز لمدينته بما يرتديه، موازنة خفية للوني القداسة والحزن: 
(كما عودتني ارتدي... لون المآذن والسواد) ص1 مزامير
بارتباطات العنونة الفرعية، حيث كان عنوان القصيدة (مزامير) سنصل الى اشتغالات ذهنية، لابد ان نقف عندها متأملين، فنحن امام جمل شعرية لاتحتاج الى فوضى تراكمية لغوية، اولا لإعادة الصياغة من قبل المتلقي، وكل ما نحتاجه هو النظر الى الكينونة العلاقاتية بين تلك المفردات:
(وأتيه في هذا الضباب... مصححا خطأ الاديم) ص2 مزامير 
العمق النصي ذات مستويات واضحة، تكشف امكانية المنحى القصدي الذي سعى من خلاله الشاعر الى تحميل الجملة الشعرية معاني ابتكارية، فقد حاول ان يبعد تجربته من اخطبوط الغموض المفتعل، مما سهّل عليه حرية الحركة، لتتوضح اللعبة الشعورية دون ان يدخل في مناورات دلالية مكثفة، مكونة جفرا غامضة، تقطع الكثير من بنى التواصلية عن عملها، ومن دون الاحتياج الى ممازجة اشاراتية ذات انعكاسات تأويلية، منها مايصيب، ومنها ما يخيب، فاختصر الطريق ليمنحنا ماهو أهم من مثل هذه (المفبركات): 
(قررت أن أهب السراب حقيقة... ما عاد يؤرقني، اذا الكابوس أفزعني، وأخرج من عباءته النيازك والرعود) ص2 مزامير 
 فقد حرك تقنيته الشعرية خلف كواليس النص، ليشكل نمطا من السهل الممتنع، وابدع من محاورها قرصات شعورية في نهاية كل جملة، لتحفز المتلقي لاعادة الجملة، فقد تتغير أحيانا كل حساباته الاستيعابية، وتكوّن دهشات خفيفة الظل، بشكل مفهوم: 
(أضاء الصمت في ليل الغبار ظلي.. وساعة لحظتي وبرودة الجسد النحيف فريضة لمآذني) ص6 مؤونة الكلمات. 
لأن ارتفاع منسوب الوعي دليل على ترسيخ المقومات الصحيحة لشعرية المنجز، من خلال بساطة التشبيه... المسألة هنا تحتاج الى وقفة تأملية جادة، فالكثير من المبدعين يحذرون التعامل مع فضاء غامض يشكل عوالم غرائبية، بل راح يحدد انزياح لغته على مستوى المفردة، ليصبح الكد الشعري واضحا: 
 (ربما قد ناشدتني الريح عن معنى اليباب... 
 ربما قد تطلب التفسير عن أقصى تعابير النزيف) 
فعل البوح هنا غير متوقف عند حدود الحسي، فهو يتجاوزها الى عوالم متخيلة، ليؤكد (اياد حياوي الحفار) ابعاد جهده الشعري من تشويشات العرض القلق، واستوعب كامل التجربة في خلق صورة، تدب فيها الحياة، وكان بالفعل صهيلا يدل على نضج فني.

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/09



كتابة تعليق لموضوع : صهيل الغاب... واستبدال المألوف
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net