صفحة الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني

قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي ... 1
رائد عبد الحسين السوداني

قراءة مهداة إلى الكاتب صائب خليل مع التحية :
    في حلقات مهمة بعنوان كيف يراك الآخرون تناول الكاتب العلاقة المتشنجة بين أبناء أكبر طائفتين في العراق وهما الشيعة والسنة والتي أثرت على الواقع السياسي والاجتماعي العراقي جراء استغلال بعض السياسيين أو أغلبهم للتنوع الحاصل في هذا البلد لا سيما مبدأ ولاء الشيعة لإيران،فبدلا من أن يحولوه (أي التنوع)إلى علامات قوة جعلوا منه مادة للتصارع السياسي والتي تكون من نتائجه دماء العراقيين والمزيد منها ،وبطبيعة الحال إن هذا التصارع لم يأت من فراغ أو اخترعته عقول هؤلاء الساسة بل له تراكمات  تاريخية  وثقافية وسياسية ،فأما السياسية فقد رعت هذا التوجه والمستند إلى التراكمات التاريخية والثقافية صانعة عرش العراق المس بيل ويعتقد به أول رئيس وزراء في العراق أثناء الحقبة البريطانية ،عبد الرحمن النقيب ،وإلى حد كبير أيضا يعتقد به الملك فيصل الأول ،وقد ذكرنا ذلك في كتاب (حكم الأزمة :العراق بين الاحتلالين البريطاني والأمريكي ،الجزء الأول ).
    أما التراكمات التاريخية والثقافية فقد عالجها الباحث الموسوعي صالح الطائي في كتابه القيم :نظرية فارسية التشيع بين الخديعة والخلط التاريخي والمؤامرة :دراسة تاريخية نقدية تحليلية مقارنة :وهو من إصدارات دار العارف للمطبوعات في بيروت ويضم خمسة مباحث ومقدمة ب(440صفحة ) من القطع الكبير .
    يقول الأستاذ الطائي في مقدمة كتابه "وبسبب تنامي الحديث مؤخرا عن إتهام التشيع بالأعجمية ،وبالفارسية تحديدا وبشكل غير مسبوق ،حتى أصبح هذا القول من أكبر المطاعن التي توجه للتشيع العربي ،فلا مناص من الحديث عن بداية تاريخ الإسلام وعن صفات وأعمال وحسنات وسيئات الرجال الذين صنعوه لمعرفة الحقيقة كلها ،لأن الباحث إذا تكلم عن الحسنات وحدها لن يصل إلى نتيجة ترجى وسيبدو بحثه مجرد اجترار لما في كتب الفرق والمذاهب التي طالما ضخمت الحسنات غضت عينها عن الأخطاء أو ما يبدو لها أنها أخطاء ،فالباحث إذا تكلم أيضا عن المساويء والأخطاء فقط يجافي الحقيقة ويستهين بالتاريخ ولا يخرج أيضا عن نطاق التعصب المذهبي والفرقي ولا يبتعد عن الإنحياز " ويقول الأستاذ الطائي في مقدمته أيضا ص9"لزاما على من يرفض الإيمان بالحقائق التي سنأتي بها بحجة أن ذلك يتعارض مع إخلاصه لعروبته ،أو حبه للصحابة الذين لا يرضى البعض بالحديث عما شجر بينهم رغم أن كل تاريخنا مبني على ما شجر بينهم ،أن ينتبه لأمر في غاية الأهمية والخطورة أشار له الكاتب حسن العلوي في كتابه الشيعة والدولة القومية بقوله : (إن صورة الحضارة العربية ستبدو مقلوبة قوميا حين نأخذ بمشروع تعجيم التشيع )لذا أرى أن من يصر على استخدام هذا المصطلح وتكراره في كل مناسبة غير حريص على إسلامه وتاريخه وقوميته ووطنه ،ويجب أن نوقفه عند حده " والحقيقة إن أصحاب هذا التوجه لا سيما في القرن العشرين وقرننا الحالي ال (21) هم ليس في أغلبهم رجال دين سنة وأخص العراق في ذلك بل في أغلبهم من آمن بالتوجه القومي العلماني ويمكن القول عن أكثرهم ينحدرون من أصول غير عربية والشواهد كثيرة على ذلك .
    يبدأ الأستاذ الطائي كتابه الكبير هذا وبمبحثه الأول وفي الصفحة 15بعنوان (أصل وتاريخ نشأة نظرية فارسية التشيع ) فيقول عن ولادة النظرية  إنها في " أواسط القرن التاسع الهجري ،الخامس عشر الميلادي كانت ولادة النكتة السمجة التي تدعي إن المذهب الشيعي فارسي الأصل ،أو إنه من تأسيس الفرس ،وإن نشأته وفكره وتعاليمه وفتاويه كلها تنبع من أصول الحضارة والثقافة الفارسية المجوسية ! حتى صارت كلمة شيعي ترادف كلمة فارسي مجوسي ومقرونة بها لا تفارق إحداهما الأخرى ،وصار من قناعة البعض التي لا يتنازل عنها إن الشيعة كلهم فرس بلا استثناء سواء كانوا أئمة أم مأمومين ،عربا كانوا أم أعاجم " ويقول في صفحة 16"مرت نظرية أعجمية التشيع رغم تفاهتها بمراحل تاريخية عديدة تبلورت خلالها من فكرة بسيطة ساذجة ولدها الكره الذي أحدثته جريمة قتل خليفة المسلمين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على يد رجل فارسي ،مرورا بحقيقة تعلق بعض الفرس بعلي بن أبي طالب (عليه السلام ) ،وقصر ولائهم على رجال إحدى المدرستين دون الثانية ،وصولا إلى مشاركة رجال من الفرس في الحراكات السياسية ومشاركتهم في اسقاط الحكم الأموي (العربي) وتأسيس دولة بني العباس ،ليستقر عند قضية تشيع بلاد فارس كلها في القرن العاشر الهجري وتحول أهلها من إتباع المذاهب الأخرى إلى إتباع فكر وعقيدة مدرسة أهل البيت ،وختام ذلك ما أنتجه هذا التغيير من التسنن إلى التشيع بين الأتراك العثمانيين السنة والأتراك الصفويين الشيعة وخروجهم من سطوة الإمبراطورية التركية العثمانية " وهنا يجب التنويه إلى أن العثمانيين قد لعبوا دورا مهما في تأصيل التناحر السني – الشيعي لو صح التعبير فقد نقل كتاب حكم الأزمة المنوه عنه أعلاه عن الدكتور علي محمد الصلابي في تقديمه لكتابه المعنون :الدولة العثمانية عوامل النهوض والسقوط الذي يقول عن الكتاب " ويوضح للقاريء حقيقة الدولة العثمانية والأسس التي قامت عليها والأعمال الجليلة التي قدمتها للأمة كحماية الأماكن المقدسة الإسلامية من مخططات الصليبية البرتغالية ،ومناصرة أهالي الشمال الأفريقي ضد الحملات الصليبية الإسبانية وغيرها ،وإيجاد وحدة طبيعية بين الولايات العربية ،وإبعاد الزحف الاستعماري عن ديار الشام ومصر ،وغيرها من الأراضي الإسلامية ،ومنع انتشار المذهب الاثنا عشري الشيعي الرافضي إلى الولايات الإسلامية التابعة للدولة العثمانية ومنع اليهود من استيطان فلسطين " وهنا نقول ومن كتاب حكم الأزمة أيضا "فإذا عرفنا أن العراق هو موطن التشيع الأول ومنبع فكره ،كما إنه المذهب الذي انطلقت منه المذاهب الأربعة إبان حكم (أبو جعفر المنصور ) الخليفة العباسي ،فإننا إذ نجد الكاتب وهو هنا يمدح صنايع الدولة العثمانية التي ذكرها ،ونجده يساوق أيضا بين منع انتشار المذهب الجعفري الإثني عشري وبين منع استيطان اليهود في فلسطين ،ويساويه بحماية الأماكن المقدسة من الحملات الصليبية ،وهو ما سوقته فعلا الدولة العثمانية وعملت به ،هنا نجد حجم الكارثة التي أضحت متأصلة في العقل الباطن للفرد العراقي،والتي عول عليها المحتل البريطاني وكذلك الحكام الذين تتابعوا على كرسي الحكم في العراق فيما بعد وإن ادعوا إنهم ينتمون إلى خطوط فكرية لا علاقة لها بالمذاهب والأديان ،وفضلا عن انتمائهم إلى أحزاب تعد الدين أفيون الشعوب إلا أنهم لا يستطيعون وبحكم التراكمات الثقافية والبيئية أن يتجردوا من الرواسب الطائفية" بعد ذلك ينتقل أستاذنا إلى الخوض في مراحل تأصيل النظرية مرحلة بعد أخرى فقد ذكر في صفحة 16إنه " وفي هذه المراحل تحولت النظرية من مجرد فكرة بسيطة ساذجة لا أثر لها إلى نظرية تستند إلى عدة محاور لدعم بنائها وشرعنته .ولكل مرحلة من هذه المراحل دورها في بناء النظرية وترسيخها في عقول بعض المسلمين بالشكل الغريب الذي نراه اليوم ،والذي أصبح من أكبر المثالب التي يستخدمها الآخرون لطعن التشيع والتشكيك بجديته " وكمدخل إلى هذه المراحل يخوض الأستاذ صالح الطائي في العلاقة بين العرب والفرس فيذكر في نفس الصفحة أعلاه "فمن يبحث في تاريخ العلاقة بين العرب وجيرانهم الفرس يجد أن الدولة الفارسية لم تكن تملك مشكلة حقيقية مع جيرانها العرب ،وكذلك العرب ما كانت لهم مشكلة مع فارس وأهلها ،رغم إن ما بين الطرفين لم يكن حبا ووئاما ،ولكنه لم يكن كرها أيضا " وهذه ملاحظة مهمة جدا من الباحث لأن الكثير من الأقلام ذهبت إلى أن الضغينة بين الطرفين تضرب في أعماق التاريخ حتى ذكر في صفحة 17بأن "بعض الكتاب والباحثين لا يريدون الإيمان بأن العلاقة بين الطرفين كانت ضمن هذه الحدود ويعتقدون – أو هكذا يريدون للناس أن تؤمن – أن ما بين العرب وفارس كان خطا نزاعيا صراعيا دمويا مبنيا على نوع من الغزوات المتبادلة بين الإثنين ،وإن الباديء بالعداء هم الفرس وليس العرب ،ولذا يقول أحمد المختار الذي وضع كتابه في حقبة الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي (يقصد القرن العشرين ) إن العداء الفارسي للعرب لم ينشأ بعد الإسلام ،أو بعد تحرير العرب لأرض فارس بل ظهر قبل الإسلام ) ليس في إشارة إلى سيطرة الإمبراطورية الفارسية على أجزاء من أرض العرب في العراق فقط ،بل القول أن العرب حرروا أرض فارس من أهلها الفرس ،كما يتبين من النص " وبالعودة إلى العلاقة بين الطرفين يقول الباحث الموسوعي صالح الطائي " وتكاد إمارة الحيرة أن تكون أنموذجا للعلاقة بين الإثنين ،فالحيرة أنشأها "سابور الأول " كسرى فارس بحدود سنة 240ميلادية ،وجعل أهلها العرب أمراء عليها وكان أولهم الأمير "عمرو بن عدي " أما أهلها فكانوا مستقلين لا يرتبطون بفارس إلا بما توجبه عليهم المعاهدات المعقودة بين الجانبين ،أو أي طرفين أحدهما قوي بما فيه الكفاية والآخر ضعيف ،وهي واقعا كانت معاهدة واحدة تنص على أن يقوم عرب الحيرة بالتصدي لمن يريد الإغارة على بلاد فارس من جهتهم ،مقابل إعفائهم من دفع الضرائب لدولة فارس القوية والغنية " ويؤكد الباحث الطائي على استقلالية الحيرة بقوله " وكانت الحيرة قائمة بذاتها وبنظامها وثقافتها حتى إن كسرى "يزدجرد الأول "(339-420) أرسل ولده الأكبر إليها لينشأ في أجوائها ويتعلم الفروسية والصيد من أهلها العرب ،ويروي التاريخ أن هذا الولد (حينما مات أبوه نازعه أخوه الملك فناصره العرب وتعصبوا له ،فأعلى شأنهم) "
    وينقل لنا الباحث الطائي عن المسيو (كوسان دوبر سوفال ) في كتاب "تاريخ العرب "ما يلي " إن المتحضرين من عرب البحرين والعراق كانوا خاضعين للفرسيين ،أما المتبدون منهم فكانوا في الحقيقة أحرارا لا سلطة عليهم ....أما قبائل بلاد العرب الوسطى والحجاز الذين ساد عليهم التبابعة وهم ملوك بني حمير سيادة وقتية فكانت تعتبر أنها تحت سيادة ملوك الفرس ولكنها في الحقيقة كانت متمتعة بالإستقلال التام " إلى هنا ينتهي المطاف بنا مع الحلقة وكتاب الباحث الطائي الذي جاء في حقيقة الأمر مليء بالحقائق الدامغة للنظرية التي تقول إن الشيعة والتشيع بأصلهما ليس عربيان أو بأقل الأحوال أن ولاء الشيعة ليس لأوطانهم بل لإيران وقد دخل على هذا الخط في قرن الاحتلال الأمريكي للعراق أبرز زعيمين في الوطن العربي الأول حسني مبارك رئيس مصر السابق والملك عبد الله ملك الأردن ساندهما جمع غفير من مدعي القومية ،والمفارقة في هذا الأمر أن من يوجه إليهم هذا الاتهام عشائر مضاربها لا زالت قريبة إلى الجزيرة العربية ،والسؤال لو صح هذا الأمر هل تبقى صفة العروبة ملاصقة للعراق إذا عرفنا أن الشيعة في العراق هم الأكثرية .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رائد عبد الحسين السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/25



كتابة تعليق لموضوع : قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي ... 1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 2)


• (1) - كتب : رائد عبد الحسين السوداني ، في 2012/04/15 .

أخي العزيز الاستاذ الكبير صالح الطائي :شكرا جزيلا لك على تعليقك الكريم أولا :وشكرا لك لفتحك لنا آفاقا رحبة للبحث والتقصي من خلال كتاب نظرية فارسية التشيع ثانيا :وشكرا لدعائك لي بالخير وهو الأثمن :تحياتي

• (2) - كتب : صالح الطائي ، في 2012/03/25 .

الأخ العزيز الأستاذ المؤرخ رائد عبد الحسين السوداني
تحية طيبة
حقا إنها قراءة متانية جدا من باحث يعرف كيف يقرأ السطر وما بينها ليخرج بمحصلة قد لا يدركها الآخرون
بعد تمتعي بقراءة القسم الأول من هذه القراءة بت متشوقا ومتلهفا لقراءة باقي أقسامها
بوركت أخي العزيز وشكرا لك على هذا الجهد المميز ووفقك الله لكل خير
خالص تحياتي




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net