شخصية المنقذ في السينما الغربية 

 يبدو أن الغرب في الوقت الذي ينكر فيه على المسلمين عموما وعلى الشيعة خصوصا مفهوم المهدي او المنقذ ويعتبرها فكرة ساذجة وغريبة (حسب مفهومه) وان كل انسان هو منقذ لنفسه، وهو بطل اذا اختار ان يصبح كذلك (طبعا وفق نظريتهم التي تركز على الفرد) ففي ذات الوقت نرى ان الغرب وبالاخص السينما الأمريكية تحاول ترسيخ المنقذ في الذهنية العالمية من خلال تركيزها على هذا المفهوم. ولكن أمريكا أو من يعتنق الفكر الامريكي تحاول أن تصور للعالم أنها هي المنقذ لكي يغدو هذا المفهوم من المسلمات، وكل من يقف في المعسكر الاخر هو في معسكر الشر ويجب قتاله لأنه عدو للبشرية وللحضارة التي تمثلها امريكا (وهذا هو مفهوم امركة الثقافة). المنقذ في السينما (الهوليودية) شخص يتصف بصفات المنقذ ولكن لايطلق عليه هذا الاسم إلا فيما ندر لترسخ المعلومة بشكل غير مباشر. وتسند له شخصية البطولة في الفلم، وهنا برز لدينا مفهومان متصلان منفصلان في ذات الوقت، هما مفهوم البطل ومفهوم المنقذ فما الفرق بينهما ؟
البطل:- هو شخصية تقوم بأعمال بطولية، مثل حرق عدد من السيارات او تفجير أحد المواقع المهمة، او قتل عدد من الاشرار، لينقذ بذلك مجموعة من الافراد او ليدافع عن قضية ما او لينقذ نفسه او عائلته او بهدف الانتقام.
اما المنقذ:- فهو الذي يقوم بعمل بطولي ينقذ من خلاله امة بأكاملها او ينقذ الكرة الارضية، فهو مفهوم اعم من البطل. فهوليود عكست مفهوم الحرب الثقافية او صراع الحضارات (كما يسمونها) على شاشات السينما بعدد مختلف ومتنوع وكبير من الافلام، ولهذا الصراع اثر كبير على الاجيال عامة، وبصورة خاصة على اجيالنا، ومع الاسف غفلت او تغافلت الجهات العربية والاسلامية عن هذا الصراع، فلم تكلف نفسها بالرد ولو بفلم واحد وبنفس المستوى مع توفر الامكانيات... وتكمن خطورة هذا الحراك الفكري في ان المتلقي قد يعتنق فكرة هي ضد منظومته الفكرية دون ان يشعر، من خلال غرسها في عقله اللاواعي وتوظيف الحواس في عملية الزرع هذه، فقد يتعاطف المشاهد مع مجرم او شاذ من خلال عرض الفلم له على اساس انه بطل وانسان يستحق التعاطف، وبهذا الاسلوب تعمل سينما هوليود عمل الايدز الفكري الذي يحطم المناعة الفكرية للفرد ويجعله متقبلا لزراعة اي فكرة في ذهنه، حتى يصل الى مرحلة معها لا يستنكر المنكرات ولا يميز ما بين الخطوط الفكرية فهي حالة من الشذوذ الفكري. وهنالك عدد من الافلام الامريكية التي تصلح كمثال لما سبق إلا ان واحدا من ابرز هذه الامثلة ومن اكثرها شيوعا هو فلم (الماتركس) ويتحدث هذا الفلم عن شاب يعيش في قلق دائم ينتهي بأن يكون هو (المختار) ويذهب هذا الشاب في رحلة الى العالم الحقيقي الذي يقع في المستقبل، ويكتشف فيما بعد (مع المشاهد طبعا) ان العالم الذي كان يعيش فيه مع الناس ما هو إلا خيال لا وجود له، وكل ما هو موجود عبارة عن عالم رقمي  يديره شخص يدعى بالمهندس، يحرك البشر وفق احتمالات، وهنالك عدد من المتحررين او (الانقياء) الذين يسعون للتحرر من سلطة الكمبيوتر المركزي أما البشر الحقيقيون فقد حولتهم الآلات إلى بطاريات تغذيهم وتستهلك الطاقة من أجسامهم، وتجعلهم يعيشون في الوهم (أي في العالم الحالي) ما عدا عدد قليل يختبئون قرب مركز الارض في حياة وضيعة.  فكرة الفلم (غرائبية) من مدرسة ما بعد الحداثة التي تغرب كل شيء وتجعل كل ما هو هامشي أساسيا وبالعكس، والفلم يمسخ كل القيم الانسانية بل وينسف البشرية عموما فلا وجود لله ولا للحب ولا للخير ولا للشر ولا لأي قيم أخرى... ويوظف الفلم مفهوم المختار (وهو يقول المصطلح مباشرة) توظيفا يبتعد كثيرا عن مفهوم المختار الذي نؤمن به او يؤمن به اي انسان سوي، فهم يفرغون مفهوم المختار من محتواه فالمختار اصبح إنسانا عاديا يقنع بفكرة ويتدرب على مجابهة صعوباتها ثم ينطلق بتفانٍ من اجل تحقيق الهدف المرسوم، أي مفهوم المختار مفهوم وضعي... وعلى مدى التاريخ نرى ان المفاهيم الوضعية اثبتت فشلها مقارنة بالمفاهيم الربانية، وحقا لو وجد مثل هذا المختار لتخلصت الأمم ونجت من مشاكلها ولتلاشت بذلك فكرة المختار من ثقافة الشعوب المؤمنة به وهي كثيرة، إن مفهوم المختار الامثل هو الذي يقول: المختار هو شخص مختار من قبل الله وهو بذلك مهيأ تماما لهذا الغرض، فهو الذي يجيء بمستوى تنظيري وتطبيقي عالٍ... تستفيد منه البشرية في الرقي ويجد حلولا موضوعية لمشاكلها ومعالجة سلبياتها عندما تعجز. فهو يأخذ دور النبي او دور المصحح لخط النبوة، وشخص بهذه المواصفات يجب ان يكون اختياره وتهيئته ربانية، والأمر المناط به فوق طاقة البشر وإلا كيف يصحح مسارها إذن...؟
أما في الفلم فقد طرح مفهوم المختار العاجز الذي لم يجد حلا للمشكلة ولا عالج سلبياتها ولا اوجد طريقا جديدا لكي يسلكه البشر، فقد اكتفى بالتفاوض مع البرنامج الرئيسي المسيطر على البشر في ان يقوم هو بدل عنها بالقضاء على برنامج خارج عن السيطرة يوجد في منظومة الحاسب مقابل ان تكف عن مطاردة البشر الذين يسكنون في اعماق الكرة الارضية فهل هذا هو المختار...؟


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/25



كتابة تعليق لموضوع : شخصية المنقذ في السينما الغربية 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net