قراءة في سورة يوسف (عليه السلام) ( 22 ) خصائص يعقوب (عليه السلام) 3
السيد عبد الستار الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 مقتضى الاعداد لمستقبل بني اسرائيل على المدى البعيد الذي اراده الله تبارك وتعالى لهم بعد ان تبين ان الطبقة الاولى من ابناء يعقوب (عليه السلام) قد نزغ الشيطان بينهم وبين يوسف (عليه السلام) واختاروا اتباع هواهم على طاعة الله، ان ينصَب اهتمام يعقوب (عليه السلام) على إعداد الطبقة الثانية من ذريته لينهضوا بالدور المطلوب منهم مستقبلاً مضافاً ان مقتضيات تلك المرحلة تستدعي الحفاظ على تماسك العائلة، وكذلك ترسيخ حب يوسف (عليه السلام) في قلوب الطبقة الثانية من ذريته.
كانت مرحلة الاعداد في هذه الفترة وهي الفترة الواقعة بين ابعاد يوسف (عليه السلام) عن ابيه وحتى لحوق بنيامين به قد تأطر دور الاعداد فيها بإطارين الاول يقع ضمن التكليف العام وهو بناء المجتمع على الاسس الدينية والروحية المنبثقة عن التعاليم الالهية، والثاني التركيز على حب يوسف (عليه السلام) والولاء له، اذ كان الحزن على فراق يوسف (عليه السلام) وادامة ذكره لم يفارق احاديث يعقوب (عليه السلام) سبباً عمق الارتباط الروحي بين الطبقة الثانية من الذرية وعمهم الغائب، الى درجة التي كان ذلك التذكير الدائم سبباً في تعريض الطبقة الاولى من بنيه به حيث قالوا مُعَرضين ومُعتَرضين بعد فقد بنيامين:
﴿قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾ 
فعمل يعقوب (عليه السلام) في الاعداد في الفترة التي كانت بين فقدان يوسف (عليه السلام) وفقدان بنيامين كان متركزاً على بناء القاعدة التي تحمل قيم الرسالة الالهية وروحها ليكونوا في الغد نواة مجتمع التوحيد هذا في الجانب الفكري والروحي والاخلاقي، وفي الجانب الاداري كان مهتماً بالحفاظ على وحدة العائلة وعدم تشتتها ومع علمه بما ارتكبه ابناؤه بحق اخيهم، الا انه لم يتخذ موقفاً يؤدي الى تفتت وحدة العائلة وتمزقها وتشرذمها لأن مثل هذا الخيار سينتهي بالاخلال بما تقتضيه طبيعة المرحلة القادمة، فبقي يعقوب (عليه السلام) يكظم غيضه وصولاً الى تحقيق الغاية القصوى وهي اعداد طبقة من المؤهلين لحمل مشعل التوحيد ليكونوا دعاة الى الله في مستقبل الايام، وتعبوياً كان يعقوب (عليه السلام) يركز في الطبقة الثانية من ذريته الولاء ليوسف (عليه السلام) والتعلق به وحبه والولاء له، فآهاته وحسراته على فراق يوسف (عليه السلام) كانت تترك اثارها في نفوس احفاده، الامر الذي كسر الحواجز الروحية بين الطبقة الجديدة من ذرية يعقوب (عليه السلام) وعمهم المغيب مما جعلهم مهيئين نفسياً لقبول زعامته ورئاسته على العكس من آبائهم.
فالدرس الذي يستفاد عملياً من سيرة يعقوب (عليه السلام) هو بناء الارضية المهيئة لتحقيق الهدف الاسمى في الوقت الذي تتهيأ الظروف المناسبة لاقامة المجتمع المبنى على الاسس الصحيحة، وعدم التفريط بالطاقات نتيجة وقوعهم في اخطاء قد تكون كبيرة ولكن في نفس الوقت تحجيم تأثيرهم وتطويق حركتهم لمنعهم من التأثير السلبي في المشروع الذي يراد انجازه، فالطبقة الاولى من ذرية يعقوب (عليه السلام) كانت هي الطريق لوجود الطبقة الثانية من ذريته، فيعقوب (عليه السلام) لم يطردهم لانهم عنصر مؤثر في وجود الطبقة اللاحقة، ولكنه حجم تأثيرهم وطوق حركتهم بالنحو الذي مهد لوجود طبقة جديدة بعيدة عن سلبيات ابائهم.

الموضوع السابق عندما يصبح الكفر والنصب في خندق واحد سعدي يوسف أنموذجا!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat