واقعة الطف نهضة أمة

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 التعمق في المحتوى الحضاري والإنساني للثورة الحسينية يمنح اليقين بان واقعة الطف أكبر من كونها مجرد ثورة، لأن ليس كل ثورة تمتلك استحقاق الخلود في لوح التاريخ الممدود. وما يميزها عن عموم الثورات هو خلود مضمونها الرسالي الكبير، وما كان قد كشف عنه هذا الجرح الحسيني المفتوح من دروس وعبر، فلذلك كانت نهضة امة، لأن لا قيمة لأي ثورة إلا فيما تحدثه في الوجدان الجماعي من آثار توقظ العقل وتحرك الروح. كما أن الثورة هي أمر عام يمكن أن تقوم به جماعة إنسانية في ظروف مختلفة ولغايات لا يتعدى محتواها إلى الدائرة الإنسانية وكم من نظير في التاريخ لثورات قامت ولم تتعد حدودها ولا استطاعت أن تتحول إلى درس تستلهم منه الأجيال مقومات نهضتها. وثورة الإمام الحسين كانت تعبيرا عن نهضة معاقة وردة فعل عن عصور أخذت طريقها نحو الانحطاط. ثم هي ثورة أحرار لا ثورة عبيد. فالحسين لم يسمح لقاتليه بالإذلال. فكان أسرع في رد طغيانهم قبل أن يمسه عار المذلة. إنها ثورة أثمرت وعيا حيا في نفوس الأجيال المتعاقبة، تشدها إلى معنى الكرامة وجمال التحرر. فهي بما ينضم إليها من إنجازات تمثل نهضة أمة، وإن كان الحسين صانع ملحمتها، بوصفه الممثل الشرعي لضمير الأمة.وهي أيضا نهضة إذا ما تأملناها في ضوء المشروع الإصلاحي الكبير الذي قاده جده وأبوه وأخوه. كما تؤشر عليه كلمته وهو يتحرك باتجاه الكوفة إنها ثورة هيمنت على الوجدان المسلم، فصنعت كل التحولات التي شهدتها القرون اللاحقة. وما أعقبها من ثورات، كثورة التوابين لسليمان بن صرد الخزاعي أو المختار الثقفي، أو حتى ثورة العلويين المتحالفين في بداية نضالهم مع الثورة العباسية ضد المشروع الأموي المقبور، والذين رفعوا شعار الرضى من آل محمد، كلها كانت تستحضر الشعار الحسيني. وسواء أنجحت في ترجمة شعاراتها أم لا، فإنها ثورات ملهمة من هذا الروح الحسيني الذي أعاد صياغة العقل المسلم باتجاه إمكانية التغيير للأفضل. والنهضة الحسينية كانت في صلب المسألة الإسلامية... إذنً نحن نحتاج أن نقرب النهضة الحسينية إلى صلب قضايانا الراهنة ومسائل الفكر الإسلامي بل لا قيمة لهذا الفكر إذا لم يستحضر تجارب الأمة في النهضة والإصلاح. والنهضة الحسينية هي طليعة هذه التجارب. وهل قضايا الفكر الإسلامي وقضايا الأمة الراهنة، إلا الحرية والكرامة والإحساس بالمسؤولية والضمير الأخلاقي الذي شكل مقاصد النهضة الحسينية؟! فهي نهضة حية لا تموت من خلال القيم التي كانت تنطق من داخل الميدان وترسم للأمة نهجا في التحرر وعدم القبول بالذل. فكل كلمة نطق بها أبو الشهداء، عبرت عن منتهى ما يطلبه الأحرار.
إن النهضة الحسينية، كانت أولى النهضات التي شهدها التاريخ جعلت لها مطلبا للتحرر والكرامة. لم تكن ثورة من أجل الخبز، على شرف ثورات الخبز، ولا ثورة ضد التمييز العنصري على شرف الثورات التي قامت ضد التمييز... فلقد كان بنو هاشم كرام القوم لا يملك أحد إذلالهم إلا وذل وذاق من كأس الهوان، لكنها كانت ثورة من أجل الكرامة ومن أجل الحرية. والذين صمموا على إذلاله يدركون أن مغامرتهم تلك جاءت بعد أن حسم الحسين موقفه من يزيد وتموقعه في صفوف المظلومين. فكان إذلال يزيد للحسين، إذلالا لرمز يمثل ضمير هذه الفئة المستضعفة والمستباحة كرامتها. فسير الأحداث يؤكد على أن الحسين أبى إلا أن يكون درعا واقية لهؤلاء، ومعبرا شجاعا عما لا يقوى التعبير عنه آخرون. فلقد قدم الحسين أكبر دليل على خدعة الإسلام الأموي. ولولا قتل الحسين بتلك الطريقة الهمجية، لما سمعنا يزيد يكشف عن نوايا التيار الأموي من خلال تمثله للأبيات الشهيرة، التي جاء فيها: {لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل}  فلقد أظهر الحسين أنه ليس طالب ملك، بل طالب كرامة. وليس طالب غلب بل طالب تحرر. وليس طالب دنيا بل طالب آخرة. وليس طالب ثأر بل طالب عدالة... و قضايا الأمة الراهنة هي من سنخ قضايا النهضة الحسينية. ذلك لأنها قضايا إنسانية تكررت على امتداد هذا الزمن المهدور على إيقاع فظاعات الإنسان في ربوعنا. وما دامت القيم النبيلة التي استشهد من أجلها الحسين لم تتحقق، فحتما سيظل كل زمان عاشوراء وكل مكان كربلاء. على أنه يجب فهم العبارة في عمق محتواها وفلسفة تجادل القيم مع الواقع، حيث كل بحسبه، فالتاريخ يعيد نفسه لكن بصورة أكثر تعقيدا وتركبا. وإذا كانت الثورة الحسينية النهضوية هي أول ثورة في تاريخ النوع جعلت عنوانها التحرر والكرامة، فإنها أول ثورة من داخل التجربة الإسلامية ضد استغلال الدين للاستبداد السياسي وإذلال الخلق. وقبل حركات التنوير والإصلاح الديني الذي شهدته أوربا الحديثة، يطلب الإصلاح في الوعي الديني. ولعله أول من جعل الكرامة والإحساس بالحرية عنوان لا بشرط لنهضة الأمة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/04/22



كتابة تعليق لموضوع : واقعة الطف نهضة أمة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net