صفحة الكاتب : علاء تكليف العوادي

العقل السليم في الجسم السليم دراسة في الآيات القرآنية وروايات أهل البيت (عليهم السلام) 
علاء تكليف العوادي

قبل البحث فيما يتعلق ببحثنا حول مقولة العقل السليم في الجسم السليم وتطبيقها في روايات أهل البيت (عليهم السلام) لابد لنا أولاً من أن نعرف ما المقصود بالعقل في هذه المقولة ومن هو القائل لها وهل أقر الإسلام هذه الحقيقة كيف وأين؟
تعريف المفردات:

العقل: لغةً: 
الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق، والجمع عُقول، وهو مصدرُ (عَقَلَ) يَعقِلُ عقلاً فهو معقولٌ وعاقلٌ، ويقال فيه أيضاً: عَقَلَ الدواء بطنه، أي أمسكَهُ، وعَقَلَ البَعيرَ: إذا شدَّ الساق إلى بقية الذراع بحبل واحد لمنعه من الهرب1.
اصطلاحاً: 
الأصل في العقل: العقد والإمساك، وبه سمي إدراك الإنسان إدراكاً يعقد عليه عقلاً، وما أدركه عقلاً، والقوة التي يزعم أنها إحدى القوى التي يتصرف بها الإنسان، يميّز بها بين الخير والشر، و الحق والباطل عقلاً، ويقابله الجنون و السفه، والحمق والجهل باعتبارات مختلفة2.
و عرّفه العلاّمة المجلسي: العقل ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضار3.
العقل عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام يقسم إلى قسمين: العقل النظري والعقل العملي وهذين المصطلحين يعدان الركيزة في الكلام حول العقل. 
الأول: هو العقل المدرك للواقعيات التي ليس لها تأثير في مقام العمل إلاّ بتوسّط مقدمة أُخرى، كإدراك العقل لوجود الله عز وجل، فإنَّ هذا الإدراك لا يستتبع أثراً عملياً دون توسّط مقدّمة أُخرى كإدراك حقّ المولويّة وأنَّ الله عز وجل هو المولى الحقيق بالطاعة، وحينئذٍ يكون إدراك العقل لوجود الله عز وجل. مستتبعاً لأثر عملي4.
والثاني: عرف بأنه القوة المدركة للقضايا التي ينبغي أن يقع العمل عليها.
وعرف أيضاً بأنه: هو المُدرك لما ينبغي فعله وإيقاعه أو تركه والتحفّظ عن إيقاعه، فالعدل مثلاً ممّا يُدرك العقل حسنه وانبغاء فعله والظلم مما يدرك العقل قبحه وانبغاء تركه، وهذا ما يعبِّر عن انَّ حسن العدل وقبح الظلم من مدركات العقل العملي، وذلك لأنَّ المميز للعقل العملي هو نوع المدرَك فلمَّا كان المُدرك من قبيل ما ينبغي فعله أو تركه فهذا يعني انَّه مدرك بالعقل العملي5.
سليم: 
إن لمعنى السليم عدة معاني تبعاً للحاظ المتعلق فيقال: ذوق سليم: حسَن، سلوك سليم: صحيح، خالٍ من الغشّ والخداع، سليم البنية (سليم الجسم): خالٍ من الأمراض، سليم العاقبة: غير خطر، سليم العقل: عاقل، ليس مجنونًا، سليم النِّيّة: ذو نيّة حسنة، قَلْبٌ سليم: نقيّ بريء.
سليم العقل: سالم من كل لوثة، أي ليس به مس من الجنون.
معنى السلامة لغةً:
السلامة مصدر: سلم يسلَم بسلامة، يقال: سلم المسافر أي خلص ونجا من الآفات فهو سالم. ومعظم باب هذه المادة من الصِّحة والعافية؛  فالسلامة: أن يَسْلَم الإنسان من العاهة والأذى. قال أهل العلم: الله -جلَّ ثناؤه- هو السَّلام؛ لسلامته مما يَلْحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، والسَّلام والسَلَامة: البَرَاءة 6.
السليم اصطلاحاً:
جسم: الجسم في اللغة: منبئ عن التركيب، و التأليف؛ و يدل عليه ما ظهر و اشتهر [11]// في العرف اللساني عند ما إذا راموا تفضيل شخص على شخص في التأليف، و كثرة الأجزاء قالوا: فلان أجسم من فلان. إذا كان أكثر منه ضخامة، و عبالة، و تأليف أجزاء، و لا يقصدون بذلك التفضيل في العلم، و القدرة، و لا في شيء من الصفات العرضية عدا التأليف؛ بدليل الاستقراء. حتى أن من كان أعلم من غيره، أو أقدر، أو أكثر فعلا، و حركة، أو غير ذلك لا يقال إنه أجسم من ذلك الغير7.
ملاحظة: أن المتكلمين اختلفوا في الجسم ما هو على اثنتي عشرة مقالة.
هل يتغاير العقلان العملي النظري أو يتحدان؟:
قال جماعة من الفلاسفة المتكلمين ومنهم ابن سينا في بعض عبارات (إشاراته): بأن العقل العملي هو عين النظري إلا أن هذه القوة الواحدة بلحاظ المدرك تنشعب إلى النظري و العملي و إلا ليس شأن العقل إلّا الإدراك.
و ذهب الفارابي و أفلاطون و سقراط. و ابن سينا في بعض كلماته إلى أن العقل العملي يمتاز عن النظري بأن العملي قوة أخرى غير قوة العقل النظري، و هي قوة باعثة، عمّالة، لا أنه فقط قوة مدركة.
معنى العقل السليم:
العاقل في اصطلاح القرآن الكريم و عند الناس هو الذي يضع الشيء في مكانه و يملك إرادة قوية فيحبس نفسه عما يشين بها و لا يستجيب لهواها إن يك مخالفا للعقل و حكمه. 
من القائل؟
اختلف الكلام في من هو القائل لهذه المقالة فقد ذهب البعض إلى ان المقولة هي للفيلسوف أفلاطون ونسبها البعض إلى الفيلسوف طاليس وذهب البعض الأخر إلى إنها للشاعر الروماني جوفينال، والتي تعد من قصائده الهجائية، وهي القصيدة العاشرة من هجاء وهي تأتي على رأس قائمة الأشياء المرغوبة في الحياة، وهذا نص القصيدة حيث ترجم إلى العربية من الإنجليزية:
صل من أجل عقل سليم في جسم سليم
اطلب قلب شجاع لا يخشى الموت
ويرى طول العمر أقل نعم الطبيعة قميةً
قلب يتحمل أي صعوبات من أي نوع
ولا يمسسه الحنق أو الرغبة
قلب يرى أن محن هرقل وأعماله الشاقة
أحسن من حب ساردانا بألوس ومأدباته ووسائده الوثيرة.
لك أن توفر ما أكتبه لنفسك
لأنه بالتأكيد الطريق الوحيد لحياة سالمة هو الفضيلة.
من هو الشاعر الروماني جوفينال الذي ذكرها ضمن سياق قصيدته الهجائية هجى فيها حياة ساردانا بألوس، وهو الملك الآشوري الشاب (آشور بانيبال) الذي حكم العراق القديم من 626 إلى 669 قبل الميلاد، وهو الابن الثالث للملك (إسرحدون)، وله أسماء كثيرة في اليونانية والعبرانية والبابلية، نذكر منها: (بني بعل)، أو (ساردانا بالوس)، أو (أوسنابير).
هل المقولة صحيحة أم لا؟
اختلف اهل الاختصاص في الدراسات والنقاد في حقيقة هذه المقولة بين من يؤيد وبين من يرفض فقد ذكر العالم السيكولوجي سلامه موسى ( بعض الناس يظن ان هذا المثل حكمة، مع انه يخلو من الحكمة، ولو عكس لكان اقرب إلى الصحة. وذلك أننا نجد الكثير من المرضى بالدرن أو السكر أو النقرس أو الروماتزم لا تؤثر أمراضهم في سلامة عقولهم، بل لعل هذه الأمراض تزيد عقولهم يقظة.
ولكن العقل المريض كثيراً ما يؤدي إلى مرض الجسم، كما نرى مثلاً من يتوهم وهماً خاصاً يجعله يعزف عن الطعام أو هو يخشى الإفلاس أو الموت فيبقى في قلق يؤدي إلى هزال الجسم8.
وأنا هنا أعلق على هذا فكان الأستاذ سلامة قد ناقض نفسه بنفسه حيث قال: (بعض الناس يظن ان هذا المثل حكمة، مع انه يخلو من الحكمة) وثم بعد سطرين قال: (ولكن العقل المريض كثيراً ما يؤدي إلى مرض الجسم) ومن المعلوم ان هو هذا المراد من المقولة حيث يدعي قائلها العقل السليم في الجسم السليم وهو ذات المعنى بأن مرض العقل يؤدي إلى مرض الجسم وكما مثل هو (سلامة)
قال الراغب الأصفهاني في (المفردات): قال بعض الحكماء: حيثما ذكر الله تعالى القلب، فإشارة إلى العقل والعلم، نحو: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} [ق/ 37]، وحيثما ذكر الصدر، فإشارة إلى ذلك، وإلى سائر القوى من الشهوة والهوى، والغضب ونحوها. اهـ.
وفصل ذلك في تفسيره عند قوله تعالى: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور  9 10.
وهنا نبين بإيجاز الفرق بين القلب والصدر 
قال السيد الطباطبائي (قدس سره) (إن المراد بالقلب هو الإنسان بمعنى النفس والروح ، فإن التعقل والتفكر والحب والبغض والخوف وأمثال ذلك وإن أمكن أن ينسبه أحد إلى القلب باعتقاد أنه العضو المدرك في البدن على ما ربما يعتقده العامة كما ينسب السمع إلى الأذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللسان ، لكن الكسب والاكتساب مما لا ينسب إلا إلى الإنسان البتة.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ11، وقوله تعالى : وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق : 33]12.
ثم قال (قدس سره) الظاهر: أن الإنسان لما شاهد نفسه وسائر أصناف الحيوان وتأمل فيها ورأى أن الشعور والإدراك ربما بطل أو غاب عن الحيوان بإغماء أو صرع أو نحوهما ، والحياة المدلول عليها بحركة القلب ونبضاته باقية بخلاف القلب قطع على أن مبدأ الحياة هو القلب ، أي أن الروح التي يعتقدها في الحيوان أول تعلقها بالقلب وإن سرت منه إلى جميع أعضاء الحياة 13.
ما رأي أهل البيت في أصل هذه الفكرة؟

قال تعالى: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ14، و قال عز و جل: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‌ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ15 .
و قال سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَ لَوْ عَلى‌ أَنْفُسِكُمْ‌ ... فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‌ أَنْ تَعْدِلُوا وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً16.
و قال سبحانه و تعالى: وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‌. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‌17.
يتضح من هذه الآيات الكريمات ان العاقل هو الذي ينقاد إلى حكم العقل، و يؤثره على هواه. و عليه يكون المراد بالعقل السليم: الإدراك النابع من العقل‌ .
و سئل الإمام الصادق (عليه السّلام) عن العقل فقال: «ما عبد به الرحمن، و اكتسب به الجنان. قيل له: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك الشيطنة و هي شبيهة بالعقل، و ليست بالعقل».
و يعني بقوله (عليه السّلام) ان العقل لا يقود إلى الحرام كما يفعل الشيطان. و اللّه سبحانه و تعالى بشّر أهل العقل و الفهم في كتابه حيث قال: وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرى‌ فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ‌18.
هذه الآية تعد من أوضح الآيات التي جاءت في العقول السليمة. و الإمام (عليه السّلام) استدل بهذه الآية الكريمة على تقديم أهل العقول السليمة على غيرهم لأن اللّه قد بشّرهم بالهداية و النجاح .
وما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله "إذا هممت بأمر فتدبَّر عاقبته" 19.  والحديث النبوي واضح الدلالة على إن التدبر من متعلقات العقل من خلال التفكّر بعواقب الأعمال على قاعدة وقد أجاب الإمام الصادق عليه السلام حينما سُئل ما العقل، حيث قال عليه السلام: "ما عُبد به الرحمن واكتسبت به الجنان" 20.
عن هشام بن الحكم في حديث طويل عن العقل نستقطع قال: "قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام)‌ يا هشام إن الله تبارك و تعالى بشر أهل العقل و الفهم في كتابه فقال:‌  فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ‌ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‌ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ‌ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ21 يا هشام إن الله تبارك و تعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ...-إلى ان قال- و العقل يا هشام إن لقمان قال لابنه تواضع للحق تكن أعقل الناس و إن الكيس لدى الحق يسير يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيها عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله و حشوها الإيمان‌ و شراعها التوكل و قيمها العقل و دليلها العلم و سكانها الصبر يا هشام إن لكل شي‌ء دليلا و دليل العقل التفكر و دليل التفكر الصمت و لكل شيء مطية و مطية العقل التواضع‌ و كفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه يا هشام ما بعث الله أنبياءه و رسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة و أعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا و أكملهم عقلا أرفعهم درجة في الدنيا و الأخرة يا هشام إن لله على الناس حجتين حجة ظاهرة و حجة باطنة فأما الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) و أما الباطنة فالعقول يا هشام إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره و لا يغلب الحرام صبره يا هشام من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله من أظلم نور تفكره بطول أمله و محا طرائف حكمته بفضول كلامه‌ و أطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه على هدم عقله و من هدم عقله أفسد عليه دينه و دنياه"22.
فلذا نلاحظ ان الشرع قد نهى عن تناول ما يذهب العقل حيث قال ان الخمر يُذهب العقل، وإذا ذهب العقل يمكن أن يحصل كلّ شيء، ومن هنا وردت حكمة تحريم الخمر فما عن الإمام الصادق عليه السلام إذ قال: " حرّم الله الخمر لفعلها وفسادها، لأن مدمن الخمر تورثه الارتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجتري على ارتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه، ولا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلا كلَّ شر" 23.
ثم أن علماء الطب و علماء النفس في العصر الحاضر يتفقون على وجود علاقة وثيقة بين العقل و الجسم، و ينبغي التسليم بأن العقل السليم في الجسم السليم و بالعكس فإن الجسم السليم في العقل السليم. و كما ان المرض الجسمي الحقيقي يشل الفكر والعقل، كذلك فإن الهموم و القلق النفسي والوهم و الوسوسة و الخيال و المشاكل الشخصية و الانفعالات الشديدة و العواطف السيئة التي تطرأ للفرد تضر بجسمه ضرراً بالغاً، و تجعله قابلًا لمختلف الأمراض المايكروبية المعدية أو الأمراض العضوية غير المعدية. و تتوقف الحالة العقلية السليمة للفرد على حسن تربيته في الصغر و تلبية حاجاته العضوية و النفسية في الصغر و الكبر و لا يتم ذلك إلا في بيئة اجتماعية صالحة موجهة نحو الخير و البناء و الإبداع خالية من الظلم و الاستغلال و الشرور .
واذا طهرت الروح وسلم القلب من الأمراض المعنوية المذكورة ونحوها من الصفات الذميمة المدمرة يسلم الجسم من الكثير من الأمراض المادية التي تنشأ غالباً من تلك الأمراض المعنوية المحطمة وعلى هذا يصح ان يقال : الجسم السليم في العقل والقلب السليمين ـ كما يقال في المقابل العقل السليم في الجسم السليم .
لو جئنا وقرأنا القرآن وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وما تتضمنها من نصح وإرشادات لمراعات الصحة النفسية والنهي عن إذهاب العقل يمكن ان نستحصل منه أن المقولة لها جنبة من الصحة ولا يمكن نكرنها كل النكران وذلك من خلال القراءة المعنوية للمقولة وليس القراءة الحرفية التي أيضا نقول بصحتها لكن القراءة المعنوية هي المرادة حتى عند الفلاسفة فما يحمله الواقع من نماذج يمكن ان يستشكل بها المستشكل إذ أنهم حققوا الإنجازات مع فيهم من العلل الجسدية كما في فرانكلين روزفلت الذي عانا بسبب إصابته بالشلل في عمره 39 عاما، لكن ذلك لم يمنعه من التقدم حيث فاز بانتخابات الرئاسة الأميركية أربع فترات متتالية، وكذلك استيفن هاوكينز وما قدمه من نتاج علمي ونظريات فيزيائية وكذلك الفيلسوف والمفكر والشاعر العربي الكبير أبو العلاء المعري الذي أصيب بالعمى وهو بالرابعة من عمره، وأطلق عليه رهين المحبسين،، فهؤلاء انجزوا مع تحقق الإعاقة عندهم.
لكن ما حققوه هؤلاء من إنجازات لم تك ذات معاني روحية تلائم العقل والجسد فتصدي فرانكلين للرئاسة لم يكن له واقع معنوي روحي يرفع من شأنه في بناء العواطف والحياة النبيلة لما تحمله تلك الحقبة التي تصدى فيها إلى إشعال الحرب العالمية الثانية بدعمه الثعلبي كما وصفوه به، بل حتى في حركته التي تبناها لرفد الاقتصاد الأمريكي ذهب مستغلاً عوز الجماهير وفقرهم فعمد إلى تشغيل الشباب في المزارع بقوت بطنهم وبعض المصروف الرمزي.
وأما المعري قيل عنه بأنه كان من المشككين في معتقداته، حيث كان يؤمن بأن الدين ”خرافة ابتدعها القدماء“  لا قيمة لها إلا لأولئك الذين يستغلون السذج من الجماهير.
ومن مقولاته حول عقائد الإسلام، مثل الحج، الذي وصفه بأنه ”رحلة الوثني“. كما ينقل أن المعري قد أعرب عن اعتقاده بأن طقوس تقبيل الحجر الأسود في مكة المكرمة من خرافات الأديان.
وهذه إحدى أبياته:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت        ويهود حارت والمجوس مضلله
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا        دين وآخر ديّن لا عقل له.
ومثل هذه النماذج لا يمكن الركون لها في تقويم الصحيح من السقيم أو الحقيقة من العدم فهم في نفسهم يراد له معرفة حقيقة سلامتهم من عدمها.
نماذج وتطبيقات 
وعند ما تحدث أهل البيت (عليهم السلام) حول صحة العقل وصحة الجسم وأرادوا أن يبينوا ان اللازم لمن أراد ان يحافظ على مدركات عقله عليه أن يلتزم ببعض المبادئ الصحية التي تحافظ على ديمومة صحة الجسم والذي هو بالتالي يؤدي إلى ديمومة صحة التفكير الناتج عن صحة العقل فأشاروا إلى جملة من السلوكيات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
مرحلة الرجولة:
في هذه المرحلة التي تبدأ من الثلاثين إلى الأربعين، يكون الجسم فيها قد اكتمل وبلغ غاية النضج في تمام الأعضاء، واعتدال القوام وقمة النشاط، وحيوية الحركة، فيتحول العقل من حالة التوازن إلى حالة الاتزان، ووضع الأمور في نصابها، فالعقل السليم في الجسم السليم، وهذا العمر يكون أنضر وأقوى مراحل حياة الرجل، والقوة فيه بلغت غاية الاتزان الجسدي والعقلي والعاطفي والوجداني والنفسي والفكري، ويكون في منزلة هي أحب إلى الله فيما لو تحقق الاتزان، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، لأن القوة هنا تشمل جوانبها المختلفة من القوة البدنية، والقوة الفكرية والعقلية، والقوة الدينية، والقوة العلمية، وهذه القوى تستلزم بالضرورة القوة في المال والاقتصاد، لأنها مرحلة بناء الحياة الاقتصادية للأسرة، وتأمين حياتها، وحياة الأفراد فيها24.
علاقة السواك بالحالة النفسية والعقلية وغيرها ..
وكذلك .. فانه مما لاشك فيه : ان تنظيف أي عضو من أعضاء الإنسان ، وخصوصا الفم .. يكون من أسباب بعث الحيوية والنشاط في مختلف أجهزة الجسم الأخرى ، حتى الجهاز التناسلي منها ـ ومن أسباب بعث السرور والابتهاج في نفسه .. واذا كان الإنسان مرتاحا نفسيا ، ويتمتع بالحيوية والنشاط الجسدي ، فان ذلك ينعكس بطبيعة الحال على نشاطه الفكري والعقلي .. حتى لقد قيل: العقل السليم في الجسم السليم25.
الطعام الطيب 
إن مما يعد تقاربا ومنشأ للعلاقة بين الطعام الطيب والعمل الصالح لهو أمر مهم في بناء الجسم الصحيح والعقل الصحيح وذلك لما تزرعه هذه الآكلات في نفس الإنسان الأخلاق وذلك بما يعرف بتأثير الأطعمة على خلق الإنسان من ترقيق القلب وغضوضته والتي وردت الكثير من الروايات بل سبقها القرآن للحديث عن ذلك إذ نقرأ في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً26.
ويعتقد بعض المفسّرين أنّ تقارن ذكر هذين الأمرين: وهما «أكل الطّيبات و العمل الصالح»، هو خير دليلٍ على وثاقة العلاقة بينهما، و هي إشارةٌ إلى أنّ اختلاف و تنوّع الأكلات و الأطعمة، له معطيات أخلاقية مختلفة و متنوّعة أيضاً، فأكل الطيّبات، يطيّب الرّوح و يصلح العمل، وبالعكس فإنّ الأكل الحرام يُظلم الرّوح، و يخبّث العمل‌27.
و قد إستدلّ في تفسير «روح البيان»، وبعد إشارته لعلاقة العمل الصّالح بأكل الطيّبات، بالأشعار التالية:
و أشار في تفسير: «الإثني عشري»، في ذيل هذه الآية، إلى علاقة نورانيّة القلب و صفائه، و الأعمال الصّالحة بأكل الحلال‌28.

المصادر:
1.     ابن منظور، لسان العرب، ج 11، ص 458.
2.     الطباطبائي، الميزان في تفسير القرأن، ج 2 ،ص 247.
3.     المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج١، ص ٩٩
4.     صنقور، المعجم الأصولي، ج 2، ص 326.
5.     نفس المصدر، ص326
6.     ابن فارس، مقاييس اللغة، ج3، ص90، وابن منظور، لسان العرب، ج12، ص289)، والفيومي، المصباح المنير، ج1، ص286.
7.     الآمدي، سيف الدين، أبكار الأفكار في أصول الدين، ج3، ص79.
8.     سلامه موسى، دراسات سيكولوجية، ص20.
9.     سورة آل عمران، الآية : 154.
10.    الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ج1، ص276.
11.    سورة البقرة، الآية : 283.
12.    الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 2، ص 224.
13.    نفس المصدر.
14.    سورة المؤمنون، الآية: 71.
15.    سورة ص، الآية: 51.
16.    سورة النساء، الآية: 135.
17.    سورة النازعات، الآيتان 40- 41.
18.    سورة الزمر، الآية: 18.
19.    الحر العاملي، محمد حسن، وسائل الشيعة، ج١٥، ص ٢٨١.
20.    ابن أبي حديد، شرح نهج البلاغة، ج١٨، ص ١٨٦.
21.    سورة الزمر، الآية : 20.
22.    الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج1، ص17.
23.    الصدوق، محمد، علل الشرائع، ج٢، ص ٤٧٦.
24.    علي علي صبح، التصوير القرآني للقيم الخلقية والتشريعية، ج1، ص250.
25.    العاملي، السيد جعفر مرتضى، الآداب الطبّيّة في الإسلام،ج1، ص228.
26.    سورة المؤمنون، الآية: 51.
27.    يرجى الرجوع إلى تفسير الأمثل، ذيل الآية 51، من سورة المؤمنون.
28.    الحسيني، حسين بن أحمد، تفسير الإثني عشري، ج 9، ص 145.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علاء تكليف العوادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/13



كتابة تعليق لموضوع : العقل السليم في الجسم السليم دراسة في الآيات القرآنية وروايات أهل البيت (عليهم السلام) 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net