صفحة الكاتب : حيدر محمد الوائلي

كرسي المدير
حيدر محمد الوائلي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

في إحدى مراكز المدن الكبيرة كانت تنتصب شامخة (مدرسة العدل). كان فيها واحد من أولئك المدرسين المتميزين الكفؤين الحريصين على أداء واجبهم على أكمل وجه مدرساً للغة العربية. يحسب الكثير من الناس وجود التميز والكفاءة والحرص أمراً ليس شائعاً في المدرسين.

كان صاحبنا يجتهد لتحسين واقع الطلبة ويثابر في افهامهم الدرس ولا ينسى أن يعرج على ومضة لإلهامهم فرص النجاح لبناء مستقبلٍ أفضل من بؤس الحاضر بالرغم من الظروف البائسة في المدرسة التي تعد من أفضل مدارس المدينة بالرغم من قلة الخدمات فيها وعدم وجود دورة مياه لائقة وصحية وعدم وجود صف دراسي منظم و(الرحلات) غير كافية وغير مريحة وعدم وجود وسائل إيضاح بالإضافة لانتشار الأوساخ في الصفوف والممرات وعدم وجود حديقة تسر الناظر ولا قاعة رياضية ولا كافتيريا ولا مختبرات ولا ساحات خارجية ولا قاعة عرض وغيرها من اساسيات المدرسة الحديثة.

وسط كل هذا البؤس ومدرسة (العدل) تعد من أفضل المدارس وذلك لجريان الحال البائس بمقارنة الأوضاع حسب درجة بؤسها فترتضي الناس السيء عندما المقارنة بالأسوأ. وعندما تمضي السنين ويزداد السوء سوءاً أكثر فيصبح السيء الباقي على سيئته أمراً مقبولاً بل جيداً.

كان صاحبنا المدرس على خلاف مع مدير المدرسة الذي يريد أن يطبق ما تشتهيه نفسه فهو يجامل بعض أولياء أمور الطلبة من معارفه ويتهاون في اهمالهم لا بل يضغط ليميز بعضاً عن بعض وبغض النظر عن اعتبارات المستوى العلمي وامانة التعليم، فكان مدرس اللغة العربية هذا يقف نداً للمدير يجادله ويعارضه في خططه، وسط عناد وامتعاض المدير لمجرد الاعتراض عليه حيث لعنة سوء الادارة مرتبطة بهذا الكرسي ومن امتطاه ومهما ارتفعت او انخفضت الدرجة الوظيفية المرتبطة بهذا الكرسي.

ولأنه مدير فصوته مسموعٌ أكثر في مديرية التربية فمعارفه هناك أكثر، فهو مدير وتلك مديرية.

ذهب المدير للمديرية لمقابلة المدير العام صاحبه يشكو من سوء سلوك وتجاوزات مدرس اللغة العربية وأتهمه باتهامات أخرى حتى لا يبقى مجال للدفاع، فتهمة واحدة لا تكفي فينبغي إضافة بعض (البهارات) عليها كي تصبح طبخة مقنعة.

على الفور كتب المدير العام على المطالعة التي قدمها مدير المدرسة شاكياً فيها (قلة أدب) المدرس وتجاوزه عليه، ومن دون استدعاء المدرس المتهم، حيث تضمنت كتابته أمراً إدارياً بنقل مدرس اللغة العربية لمنطقة نائية.

كانت منطقة (الاعيوج) تبعد مسافة بعيدة عن مركز المدينة ويصعب الوصول اليها خصوصاً مع عدم اكتمال (تبليط) الطرقات اليها منذ ثلاثين سنة حيث خير ما وصل اليها في هذه السنين الثلاثين تعبيد نصف الطريق على فترات متباعدة من السنين ومن ثم حل الخراب في النصف (المبلط) لعدم صيانته ورقع تصدعاته. أما نصف الطريق الباقي فطريق ترابي وعر يتساوى فيه ركوب البعير بقيادة الشوفرليه (تاهو).

كانت تنتصب مدرسة (الأعيوج) وحدها وسط ربوة ترابية، محاطة بتجمعات لكلاب سائبة تلوح في افق الناظر.

كلمة (الأعيوج) في العامية تصغير لكلمة (أعوج). لا يُعرف بالضبط سبب تسمية المنطقة بهذا الاسم، ربما لاعوجاج الطرقات المؤدية اليها.

عاد مدير مدرسة (العدل) لمدرسته متبختراً، فاتحاً صدره، مُدلياً بطنه، كاشفاً عن كرشٍ مترهلٍ عريض يكاد يقطع ازرار القميص، ومفرجاً في مشيته بين فخذيه علّة (يضرط) فيطير فرحاً.

قد تحقق له ما أراده بأن يسحق رأس المدرس الشاب الذي تجرأ واعترض عليه وعانده.

أعطى مدير المدرسة المدرس المسكين الورقة التي في هامشها أمر المدير العام بنقله من مدرسة (العدل) إلى مدرسة (الاعيوج) في منطقة (الاعويج)، وكان ضمن ما كتبه المدير العام:

(يُنقل إلى الاعيوج كي يستقيم)؟!

أخذ صاحبنا المدرس الورقة وضحك من كتابة المدير العام.

ضحك على حاله ومآله وما آل اليه الوضع والقانون والأخلاق والمسلك الوظيفي، فكتب تحت تهميش المدير العام بيتاً من الشعر كان قد ارتجله ساخراً من مدير المدرسة والمدير العام.

كتب يقول:

وفي العدلِ سنينٌ ما إستقمنا ... فكيف بالاعيوج نستقيمُ

أعطى المدرس الورقة لمدير المدرسة وتوجه خارجاً وهو مبتسماً في الوقت الذي كان فيه مدير المدرسة ممحو الابتسامة مشغولاً بالتفكير عن معنى ما كتبه المدرس وغارقاً في بحر حيرته مستغرباً سر تلك الابتسامة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر محمد الوائلي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/03/12



كتابة تعليق لموضوع : كرسي المدير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net