صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

لفظ (جهنم) في الكتاب المقدس ( 2 / 2 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 الكتاب المقدس بين (وادي بن هنوم) و (جيهينّا)!
حيث إنَّ إسم (وادي بن هنوم) أو(وادي هنوم) أو (وادي بني هنوم) لم يرد في العهد الجديد كما إن اسم (جيهينّا) لم يرد في العهد القديم! نستعرض الان موضع ورود أسم (وادي بن هنوم) أو (وادي بن هنوم) الذي ورد كإسم لمكان فيه، ثم نستعرض في المقابل بعض مواضع ورود لفظ (جيهينا) في العهد الجديد، في بعض اللغات الحيّة الحالية.
مواضع ورود إسم (وادي بن هنوم) و(وادي هنوم) كإسم عَلَم في العهد القديم:
وهذه النصوص منقولة عن ترجمة الكتاب المقدس (سميث-فاندايك)، وتبيّن بوضوح ان "وادي ابن هنوم" استعمل في العهد القديم كإسم علم على منطقة محددة قرب أورشليم:
•     سفر يشوع (8:15): (وصعد التُخْمُ في وادي ابن هنوم إلى جانب اليبوسي من الجنوب، هي أورشليم. وصعد التخم إلى رأس الجبل الذي قبالة وادي هنوم غربا، الذي هو في طرف وادي الرفائيين شمالا).
•     سفر يشوع (16:18): (ونزل التخم إلى طرف الجبل الذي مقابل وادي ابن هنوم الذي في وادي الرفائيين شمالا، ونزل إلى وادي هنوم إلى جانب اليبوسيين من الجنوب، ونزل إلى عين روجل).
•     سفر الملوك الثاني (10:23): (ونجس توفة التي في وادي بني هنوم لكي لا يعبر أحد ابنه أو ابنته في النار لمولك).
•     سفر اخبار الايام الثاني (28: 1-5): (كان آحاز ابن عشرين سنة حين ملك، وملك ست عشرة سنة في أورشليم، ولم يفعل المستقيم في عيني الرب كداود أبيه، بل سار في طرق ملوك إسرائيل، وعمل أيضا تماثيل مسبوكة للبعليم. وهو أوقد في وادي ابن هنوم وأحرق بنيه بالنار حسب رجاسات الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل. وذبح وأوقد على المرتفعات وعلى التلال وتحت كل شجرة خضراء. فدفعه الرب إلهه ليد ملك أرام، فضربوه وسبوا منه سبيا عظيما وأتوا بهم إلى دمشق. ودفع أيضا ليد ملك إسرائيل فضربه ضربة عظيمة).
•     سفر اخبار الايام الثاني (33: 1-9): (كان منسى ابن اثنتي عشرة سنة حين ملك، وملك خمسا وخمسين سنة في أورشليم. وعمل الشر في عيني الرب حسب رجاسات الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل. وعاد فبنى المرتفعات التي هدمها حزقيا أبوه، وأقام مذابح للبعليم، وعمل سواري وسجد لكل جند السماء وعبدها. وبنى مذابح في بيت الرب الذي قال عنه الرب: «في أورشليم يكون اسمي إلى الأبد». وبنى مذابح لكل جند السماء في داري بيت الرب. وعبر بنيه في النار في وادي ابن هنوم، وعاف وتفاءل وسحر، واستخدم جانا وتابعة، وأكثر عمل الشر في عيني الرب لإغاظته. ووضع تمثال الشكل الذي عمله في بيت الله الذي قال الله عنه لداود ولسليمان ابنه: «في هذا البيت وفي أورشليم التي اخترت من جميع أسباط إسرائيل أضع اسمي إلى الأبد. ولا أعود أزحزح رجل إسرائيل عن الأرض التي عينت لآبائهم، وذلك إذا حفظوا وعملوا كل ما أوصيتهم به، كل الشريعة والفرائض والأحكام عن يد موسى». ولكن منسى أضل يهوذا وسكان أورشليم ليعملوا أشر من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل).
•     سفر نحميا (30:11): (وزانوح وعدلام وضياعهما، ولخيش وحقولها، وعزيقة وقراها، وحلوا من بئر سبع إلى وادي هنوم).
•     سفر ارميا (7: 30-32): (لأن بني يهوذا قد عملوا الشر في عيني، يقول الرب. وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي لينجسوه. وبنوا مرتفعات توفة التي في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار، الذي لم آمر به ولا صعد على قلبي. «لذلك ها أيام تأتي، يقول الرب، ولا يسمى بعد توفة ولا وادي ابن هنوم، بل وادي القتل. ويدفنون في توفة حتى لا يكون موضع).
•     سفر ارميا (19: 1-13): (هكذا قال الرب: «اذهب واشتر إبريق فخاري من خزف، وخذ من شيوخ الشعب ومن شيوخ الكهنة، واخرج إلى وادي ابن هنوم الذي عند مدخل باب الفخار، وناد هناك بالكلمات التي أكلمك بها. وقل: اسمعوا كلمة الرب يا ملوك يهوذا وسكان أورشليم. هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: هأنذا جالب على هذا الموضع شرا، كل من سمع به تطن أذناه. من أجل أنهم تركوني، وأنكروا هذا الموضع وبخروا فيه لآلهة أخرى لم يعرفوها هم ولا آباؤهم ولا ملوك يهوذا، وملأوا هذا الموضع من دم الأزكياء، وبنوا مرتفعات للبعل ليحرقوا أولادهم بالنار محرقات للبعل، الذي لم أوص ولا تكلمت به ولا صعد على قلبي. لذلك ها أيام تأتي، يقول الرب، ولا يدعى بعد هذا الموضع توفة ولا وادي ابن هنوم، بل وادي القتل. وأنقض مشورة يهوذا وأورشليم في هذا الموضع، وأجعلهم يسقطون بالسيف أمام أعدائهم وبيد طالبي نفوسهم، وأجعل جثثهم أكلا لطيور السماء ولوحوش الأرض. وأجعل هذه المدينة للدهش والصفير. كل عابر بها يدهش ويصفر من أجل كل ضرباتها. وأطعمهم لحم بنيهم ولحم بناتهم، فيأكلون كل واحد لحم صاحبه في الحصار والضيق الذي يضايقهم به أعداؤهم وطالبو نفوسهم. ثم تكسر الإبريق أمام أعين القوم الذين يسيرون معك وتقول لهم: هكذا قال رب الجنود: هكذا أكسر هذا الشعب وهذه المدينة كما يكسر وعاء الفخاري بحيث لا يمكن جبره بعد، وفي توفة يدفنون حتى لا يكون موضع للدفن. هكذا أصنع لهذا الموضع، يقول الرب، ولسكانه. وأجعل هذه المدينة مثل توفة. وتكون بيوت أورشليم وبيوت ملوك يهوذا كموضع توفة، نجسة كل البيوت التي بخروا على سطوحها لكل جند السماء وسكبوا سكائب لآلهة أخرى»).
•     سفر ارميا (32: 34 و35): (بل وضعوا مكرهاتهم في البيت الذي دعي باسمي، لينجسوه. وبنوا المرتفعات للبعل التي في وادي ابن هنوم، ليجيزوا بنيهم وبناتهم في النار لمولك، الأمر الذي لم أوصهم به، ولا صعد على قلبي، ليعملوا هذا الرجس، ليجعلوا يهوذا يخطئ).
 
فإذا علمنا:
     ان يشوع كان معاصراً للنبي موسى أي حوالي القرن الثالث عشر ق.م.
     ان أشعياء أصبح نبياً حوالي سنة 740 ق.م.[53]أي في القرن الثامن ق.م.
     والنبي ارميا المولود سنة 645 ق.م.[54]
     وسفر الملوك الذي قيل ان مؤلفه المجهول هو احد تلاميذ ارميا[55]. اي إنَّ كاتبه عاش بعد القرن السادس ق.م.
     وسفر نحميا مكتوب بين سنة 350 إلى سنة 300 ق.م. اي القرن الرابع ق.م.
فيمكن القول بحزم انَّ الى القرن الثالث ق.م. - بل الى عصر المسيح أيضاً - كان وادي ابن هنوم يشار اليه على انه اسم علم لمكان، ولم يظهر الى ذلك الوقت على انه اسم لجهنّم! ولم يعرف اليهود هذا الأسم كإسم لجهنّم خصوصاً الى ظهور المسيح، ولو كانت كلمة (جيهينا) التي وردت على لسان المسيح في العهد الجديد يقصد بها وادي ابن هنوم لكانت اكبر دافع للسخرية منه ومن كلامه حيث انه اسم تاريخي ولم يكن يشكل مكاناً مخيفاً إذ يقولون إنَّه في نهاية الأمر اصبح مكباً للنفايات، فهل يخوّف المسيح الناس ويدعوهم للتوبة لكيلا يتعذبوا في مكبٍ للنفايات!!
 
الرؤية المسيحية للفظ (جهنَّم):
ظهر لفظ جيهينّا (Gehenna) أثني عشر مرّة في الأناجيل الإزائية (متى ومرقس ولوقا) وفي رسالة يعقوب (6:3)[56]. ونجد نموذج الرؤية المسيحية لظهور لفظ (جهنّم)، فيما كتبه الدكتور غالي، حيث قال: (γέεννα ، geenna ، gheh'-en-nah ، 
Of Hebrew origin ([H1516] and [H2011]); valley of (the son of) Hinnom; gehenna (or Ge-Hinnom), a valley of Jerusalem, used (figuratively) as a name for the place (or state) of everlasting punishment: - hell.
من كلمتين عبريتين (جو) أي (وادي) و(هونوم) هو اسم يبوسي من وادي بني هنوم وهو وادي في اورشليم يستخدم رمزيا كأسم لمكان او حالة العقاب الابدي الجحيم. فهي كلمة عبرية ويونانية ولكن اختلف استخدامها ففي العهد القديم كانت تستخدم لمكان حقيقي وهو وادي هنوم. سفر يشوع (15: 8): (وصعد التخم في وادي ابن هنوم إلى جانب اليبوسي من الجنوب، هي أورشليم. وصعد التخم إلى رأس الجبل الذي قبالة وادي هنوم غربا، الذي هو في طرف وادي الرفائيين شمالا). ولكن العهد الجديد الرب يسوع استخدمها كإشارة رمزية عن الام الجحيم بالفظ نار جهنم وتبعه تلاميذه في هذا الاستخدام. إنجيل متى (5: 22): (وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحُكم، ومن قال لأخيه: رَقَا، يكون مستوجب الْمَجْمَعِ، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم). ومن هذا اصبح وادي هنوم كأسم لمكان العقاب النهائي لسببين:
اولا : لان ذلك الوادي كان مركزا لعبادة الوثن " مولك " الذي كانواي قدمون اولادهم طعاما للنار كمحرقات له (2 اخ 28: 3، 33: 6).
ثانيا : من اجل هذه الممارسات نجس الملك يوشيا ذلك المكان لكي لا يعبر أحد ابنه أو ابنته في النار لمولك" (2 مل 23: 10).
ثم اصبح في النهاية مرتبطا في النبوات بالدينونة الاتيه على الناس حتى انه سيسمى "وادي القتل" (إرميا 7: 32).
كما ان حقيقة ان نفايات المدينة وجثث المجرمين بعد اعدامهم كانت تلقى هناك ثم تحرق قد ساعدت على جعل الاسم مرادفا لأفظع صور النجاسة)[57]. انتهى
جاء في قاموس الكتاب المقدس: (هو اسم الوادي الذي يمر إلى الجنوب والغرب من مدينة القدس: وادي هنوم (يش 15: 18 ونح 11: 30، أو وادي ابن هنوم (يش 15: 8 و18: 16)، أو وادي بني هنوم (2 مل 23: 10) وكان لهذا الوادي أهمية كبيرة. فقد كان الحد الفاصل بين نصيبي كل من يهوذا وبنيامين. وعلى الحرف الجنوبي المشرف عليه بني سليمان مرتفعة لكموش إله موآب (1 مل 11: 7). وفي الوادي أجاز احاز ومنسى أولادهما بالنار (2 مل 16: 3 و2 أخبار 28: 3 و33: 6). وأبطل يوشيا عباده مولك حيث كان الرجل يعبر ابنه أو ابنته في النار في الوادي حينما نجس الوادي والمرتفعات بعظام الأموات وبكسر التماثيل (2 مل 23: 10-14 و2 أخبار 34: 4 و5). ثم جعل الوادي مزبلة القدس ومكان الضباب بلوعتها. وهكذا استمر احتقار المكان حتى سمى اليهود مكان الهلاك على اسمه ومن هنا ولدت كلمة جهنم، أي وادي هنوم (مت 5: 22 و10: 28 و23: 15). حيث البكاء وصرير الأسنان، وحيث النار الأبدية والعقاب الدائم للخطاة (مت 25: 46 ومر 9: 43- 44 و2 بط 2: 4). ويسمى وادي هنوم اليوم وادي الربابة. ويسمى الجزء الشرقي منه توفة. وقد أطلق عليه ارميا اسم وادي القتل (ار 7: 31 و32 و19: 6 و2 مل 23: 10))[58].
 
وقال جاك هيرفيو: ("جهنم" هي وادٍ محصور، في جنوبي تلّة أورشليم. فمنذ أجيال، وفي زمن يسوع، يُستعمل هذا الموضع المتوحِّش لرمي قمامة المدينة. ونستطيع أن نرى على مدى النظر تلالاً من الزبالة الحيوانيّة والنباتيّة، وقد احتلها الدود. تُحرق هناك على الدوام الأقذار المختلفة والجثث البشرية في وقن الأوبئة. وبموجز الكلام، توحي جهنَّم لمعاصري يسوع بالمصير العادل المحفوظ للذين مالوا عن نداءات الله. هذه الرؤية المرعبة وُجِدَت من قبل لدى النبي أشعيا: "ويخرجون (من المدينة) ويشاهدون جثث الناس الذين تمرّدوا عليَّ (يقول الله). فدودهم لا يموت ونارهم لا تنطفي. ويكونون مرذولين من جميع البشر" (24:66). لقد عمل هذا المشهد بقوّة في المخيلات. فمن بعد دانتي – الشاعر الايطالي المشهور في القرن الرابع عشر – انتقلت جهنّم ونارها الشيطانية، لدى العديد من الناس، من مجرّد رمز الى واقع لا يُحتمل. لذا يجب أن نعيد الى الحقيقة مكطانها. فالصورة البيبلية، مع تطرُّفها بالذات، تريد أن تنقل فكرة بسيطة: عدالة الله تعاقب أولئك الذين انغلقوا كل الإنغلاق على محبّته. وهكذا يجدون أنفسهم محرومين من الإتحاد بالله، ومفصولين عن المسيح وعن القديسين. فجهنّم التي يشهد عليها الكتاب المقدس، تبقى مع ذلك واقعاً سرّيّاً يصعب علينا "فهمه" مع فكرة إله كله محبة)[59].
 
وقال الأب هنري بولاد اليسوعي حيث يقول: (ويستعمل الإنجيل كلمة جهنّم للإشارة الى الجحيم. وهي الكلمة الشائعة في لغتنا العربية. أصل هذا التعبير عبريّ: "جيه هنّوم"، ومعناه الحرفيّ "وادي هنوم". وهذا الوادي موجود حقاً جنوب شرق القدس أسفل أسوار المدينة. وكان الناس يلقون فيه من أعلى الأسوار جميع نفايات البيوت وأوساخ المدينة)[60].
لقد فات الأب هنري بولاد والآخرين أن اسم الوادي ليس فقط "وادي هنّوم" والذي يلفظ بالعبرية gê-hinnōm  (the "valley of Hinnom)! بل ورد أيضاً، كما ورد في سفر أرميا مرتين، هو "وادي ابن هنّوم" the valley of the son of Hinnom ، وفي العبرية (עמק בן-חנם) ويلفظ (gê ben-hinnōm). كما فاته ان ما ورد في الموضعين المذكورين من إنجيلي متى ولوقا هو  (Gehenna) وليس gê-hinnōm !
كما إن ما ورد في أرميا (7: 32) ان الرب يقول انه لا يسمى بعد ذلك بوادي ابن هِنّوم بل وادي القتل، وليس وادي التعذيب ولا وادي العقاب، مما يكشف ان المقصود من Gehenna الواردة في العهد الجديد هي امر آخر غير وادي ابن هِنّوم.
وعلى فرض – جدلاً - ان هناك وادياً في التراث اليهودي يدعونه (وادي جنهم) – وإلا فالحق هو ان اسمه وادي إبن هِنّوم - فهو مأخوذ من الموروث الديني بأن مكان العذاب في يوم الدينونة يسمى وادي جهنم، فأطلقوا على هذا الوادي قرب أورشليم ذلك الأسم لغرض التشبيه كما هو معتاد في الذهن الانساني في مثل هذه التشبيهات. فكيف الأمر حيث لا يوجد في تراثهم مثل هذه التسمية!
وللاستاذ رءوف ابو سعدة في كتابه (من إعجاز القرآن) بحث مهم حول كلمة جهّنم، ننصح بمراجعته[61]، ابرز ما جاء به:
•        ليس في التوراة من أسماء النار أسم (جهنّم) وإنما فيها: (شِئُول) أي الهاوية.
•        في التوراة اليونانية التي تسمى السبعينية أسم النار هو هادس Hades.
•        ليس في المعجم العبري كلمة (جهنّم) أو (جهنّام) العربيتان بمعنى البئر البعيدة القعر.
•        في العبرية يوجد (جِي-بِني-هِنُّوم) أي وادي أبناء هِنُّوم، وموضعه بالحي الجنوبي الشرقي من أورشليم، ضحى فيه آحاز منسا بأبناء لهما قرباناً للإله "مولخ" وغدا من بعد مزبلة ومحرقة للنفايات تحقيراً.
•        المعاجم العبرية احادية اللغة اي العبرية-العبرية لا تفسر "جِي-هِنّوم" بأنها تعني "دار العذاب" في الآخرة وإنما تُدرِجُها في ثَبَتِ الأعلام على الموضع والمكان. اما المعاجم العبرية ثنائية اللغة، مثلاً عبري-فرنسي، فهي لا تترجم "جِهنّا" الإنجيلية الى "جِي-هِنّوم" العبرية وإنما تترجمها الى "شِئُول" أي الهاوية، وحين تترجم "جِي-هِنّوم" العبرية الى الفرنسية تقول: "وادي هنُّوم" الذي في اورشليم، ثم تثني فتقول: ومجازاً = "جهنّا" وقد اتى هذا المجاز بالطبع تأثراً بما جاءت به المسيحية من بعد، في تصورها أن "جِهِنّا" الإنجيلية مشتقة من "جِي-هِنّوم"، وليس بصحيح في ديانة اليهود.
•        النار في اليونانية كولاسي Kolasi ومعناها دار العقاب، ومع ذلك لم تستخدمها النصوص اليونانية للعهد الجديد بل استخدمت كلمة جِهِنّا Gehenna وهي ليست يونانية بالإتفاق.
•        تعبير "جِي-هِنّوم" يعني الواسع من الاودية بينما معنى جهنم هي البعيدة القعر، فمعناهما غير مترادف.
•        القرآن لم يحتج الى "جِهِنّا" ولديه في أصيل اللغة "جِهِنّام" ولم يعرّب لفظ "جهنم" عن "جِي-هِنّوم" البعيدة كل البعد عن معناه. أمّا ان "جهنم" ممنوعة من الصرف في كل القرآن فليس هذا لعجمتها، وإنما هو فقط للعَلَمية والتأثيث.
والظاهر ان المسيح نطق بالكلمة Gehenna بحسب أصلها الآرامي لكونها اللغة التي كان ينطق بها. ثم نقلها كتبة الأناجيل عنه دون ترجمتها اليونانية، كما فعلوا في العديد من المواضع عند كتابتهم الأناجيل! وان تعريب جِهِنّا Gehenna هو جُهنَّم كما أنَّ تعريب ماريا Maria هو مريم. 
يقول رءوف ابو سعدة: (ان المسيح عليه السلام في السياق المتقدم يُخوِّفُ السامع بما بعد الموت، أي يُخوِّفَهُ بدار العذاب في الآخرة، لا بمحرقة للنفايات على أطراف أورشليم، أعني "جِي-هِنّوم" التي لا تُخيف أحداً مات أو قُتِل، فلا يضير الشاة سلخثها بعد ذبحها. وعلى هذا النحو مضى ادعياءُ الاستشراق يطنطنون بأن القرآن أخذ "جهنّم" من "جِي-هِنّوم" كما فعل لوقا من قبل في إنجيله).
 
جهنّم في قواميس اللغة العربية:
لا يستكمل البحث عن مفردة (جهنم) في اللغة العربية، بدون العودة الى القواميس العربية المهمة.
•     قال ابن منظور في لسان العرب: (جهنم : الجهنام : القعر البعيد . وبئر جهنم وجهنام ، بكسر الجيم والهاء : بعيدة القعر ، وبه سميت جهنم لبعد قعرها ، ولم يقولوا حهنام فيها ، وقال اللحياني : جهنام اسم أعجمي ، وجهنام اسم رجل ، وجهنام لقب عمرو بن قطن من بني سعد بن قيس بن ثعلبة ، وكان يهاجي الأعشى ، ويقال هو اسم تابعته ، وقال فيه الأعشى : دعوت خليلي مسحلا ، ودعوا له جهنام جدعا للهجين المذمم وتركه إجراء جهنام يدل على أنه أعجمي ، وقيل : هو أخو هريرة التي يتغزل بها في شعره : ودع هريرة . الجوهري : جهنم من أسماء النار التي يعذب الله بها عباده ، نعوذ بالله منها ، هذه عبارة الجوهري ولو قال : يعذب بها من استحق العذاب من عبيده كان أجود ، قال : وهو ملحق بالخماسي ، بتشديد الحرف الثالث منه ، ولا يجرى للمعرفة والتأنيث : ويقال : هو فارسي معرب الأزهري : في جهنم قولان : قال يونس بن حبيب وأكثر النحويين : جهنم اسم النار التي يعذب الله بها في الآخرة ، وهي أعجمية لا تجرى للتعريف والعجمة ، وقال آخرون : جهنم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها ، وإنما لم تجر لثقل التعريف وثقل التأنيث ، وقيل : هو تعريب كهنام بالعبرانية ، قال ابن بري : من جعل جهنم عربيا احتج بقولهم بئر جهنام ويكون امتناع صرفها للتأنيث والتعريف ، ومن جعل جهنم اسما أعجميا احتج بقول الأعشى : ودعوا له جهنام فلم يصرف ، فتكون جهنم على هذا لا تنصرف للتعريف والعجمة والتأنيث أيضا ، ومن جعل جهنام اسما لتابعة الشاعر المقاوم للأعشى لم تكن فيه حجة لأنه يكون امتناع صرفه للتأنيث والتعريف لا للعجمة . وحكى أبو علي عن يونس : أن جهنم اسم عجمي ، قال أبو علي : ويقويه امتناع صرف جهنام في بيت الأعشى . وقال ابن خالويه : بئر جهنام للبعيدة القعر ، ومنه سميت جهنم ، قال : فهذا يدل أنها عربية ، وقال ابن خالويه أيضا : جهنام ، بالضم ، للشاعر الذي يهاجي الأعشى ، واسم البئر جهنام ، بالكسر)[62].
•     قال الزبيدي في تاج العروس: (قال الجوهري : جهنم من أسماء النار التي يعذب بها الله عباده ، وهو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث ، ولا يجرى للمعرفة والتأنيث ، ويقال : هو فارسي معرب . وقال الأزهري : في جهنم قولان . قال يونس بن حبيب وأكثر النحويين يقولون : جهنم اسم النار التي يعذب بها الله تعالى في الآخرة ، وهي أعجمية لا تجرى للتعريف والعجمة . وقال آخرون : جهنم عربي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها ، وإنما لم يجر لثقل التعريف وثقل التأنيث وقيل : هو تعريب كهنام بالعبرانية . قال ابن بري : من جعل جهنم عربيا احتج بقولهم بئر جهنام ، ويكون امتناع الصرف للتأنيث والتعريف ، ومن جعله أعجميا احتج بقول الأعشى . ودعوا له جهنام . فلم يصرف فيكون على هذا لا ينصرف للتعريف والعجمة والتأنيث أيضا ومن جعل جهنام اسما لتابعة الشاعر المقاوم للأعشى لم تكن فيه حجة ؛ لأنه يكون امتناع صرفه للتأنيث والتعريف لا للعجمة . وحكى أبو علي أن جهنم اسم أعجمي قال : ويقويه امتناع صرف جهنام في بيت الأعشى . * ومما يستدرك عليه : كفر جهنم : قرية بمصر)[63].
•     قال الشيخ الطريحي في مجمه البحرين: (جهنم اسم من أسماء النار التي يعذب الله به عباده . قال في المصباح : وهو ملحق بالخماسي بتشديد الحرف الثالث فيه . وهو فارسي معرب)[64].
ومن هذا يتضح انه لم يرد في كلام العرب في الجاهليّة لفظ (جهنّم) حتى عند الاحناف الذين ورثوا دين إبراهيم الخليل (عليه السلام)، مما يبيّن أنَّ هذا اللفظ من مختصات الإسلام.
 
لفظ (جيهينّا) في الطبعات الحديثة: 
سبق ان ذكرنا انه ورد في الترجمات العربية للعهد الجديد لفظ (جهنم)، نختار منها:
     في انجيل متى (28:10): (ولا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم).
     في إنجيل لوقا (5:12): (بل أريكم ممن تخافون: خافوا من الذي بعدما يقتل، له سلطان أن يلقي في جهنم. نعم، أقول لكم: من هذا خافوا)!
ولفظ (جهنم) الوارد في هذين النصين، نجده في ترجمات انجليزية يكتبونه (Gehenna)! ولفظه (جيهينّا)، ويقال ان معناها (دار العقاب) وهي باليونانية هي (κόλαση) وتلفظ كولاسي kólasi. ومع ذلك فبعض مخطوطات العهد الجديد اليونانية استخدمت كلمة (Gehenna) ولم تستخدم اللفظ اليوناني (kólasi).
ولذلك نجد بعض الطبعات الحديثة للعهد الجديد تستخدم كلمة (Gehenna)، منها:
•     في الطبعة الإنجليزية The Amplified Bible Classic Edition (AMPC).
•     في الطبعة الانجليزية Disciples’ Literal New Testament (DLNT).
•     في الطبعة الانجليزية Expanded Bible (EXB).
•     في الطبعة الإنجليزية (NRSV)New Revised Standard Version.
•     في الطبعة الانجليزية New Testament for Everyone (NTE).
•     في الطبعة الانجليزية Tree of Life Version (TLV).
•     في الطبعة الانجليزية World English Bible (WEB).
•     في الطبعة الانجليزية Young's Literal Translation (YLT).
•     في الطبعة الانجليزية New American Bible (Revised Edition) (NABRE). وفيها ورد أنّ الترجمة اليونانية السبعينية أيضاً استخدمت لفظ (Gehenna)، حيث نقرأ بخصوص لوقا (5:12):
}But I will warn you whom to fear: fear him who, after he has killed, has authority[a] to cast into hell.[b] Yes, I tell you, fear him {.
[b] Gk Gehenna. }GK: Septuagint, Greek version of the Old Testament{
ونفس الامر ورد فيها فيما يخص متى (28:10)، أي ان الترجمة السبعينية اليونانية استخدمت كلمة (Gehenna).
•     الطبعة الألمانية Ny Verden-Oversaettelsen af De Hellige Skrifter ، الصادرة عن Watchtower Bible and Tract Society Of New York, INC.
•     الطبعة الأسبانية Reina-Valera Antigua (RVA).
•     الطبعة الأسبانية Spanish Blue Red and Gold Letter Edition (SRV-BRG).
والطبعات الإيطالية الحديثة تستخدم كلمة (Geenna)، منها:
•     Conferenza Episcopale Italiana (CEI).
•        La Nuova Diodati (LND).
•        Nuova Riveduta 1994 (NR1994).
•        Nuova Riveduta 2006 (NR2006).
•     والطبعة الروسية  ، استخدمت الكلمة (геенну) وتلفظ (geennu).
•     وفي الطبعة الانحليزية المسماة "العالم الجديد" الصادرة عن شهود يهوه، كتبوها: (Ge•henʹna)[65].
 
•     وإذا عدنا الى طبعات الفولجاتا اللاتينية نجد انها مختلفة في كيفية ترجمة مفردة (gehenna). 
ففي طبعة الفولجاتا اللاتينية سنة 1875م نجد انهم ترجموا بخصوص مفردة (gehenna) حيث ورد في متى (22:5) عبارة (la gehenna dél fuego) أي (جهنم النار)، وفي متى (30:5): (al fuego del infierno) أي (في نار الجحيم). اما في متى (28:10) فنجد: (el infierno) أي (الجحيم).
وفي طبعة الفولجاتا اللاتينية الحديثة المسماة Biblia Sacra Vulgata))[66] نجدها مضطربة في استخدام هذه المفردة، ففي متى (22:5) تستخدم كلمة "جيهنّا" (gehennae)[67]، وفي متى (30:5) و(28:10) تستخدم مفردة (gehennam)[68]! 
وأيضاً في الفولجاتا طبعة (Vercellone editore) سنة 1861م، نقرأ في متى (22:5): (gehennae ignis)، و(30:5): (gehennam)[69]، وفي متى (28:10): (gehennam)[70].
ونفس الأمر في الفولجاتا اللاتينية طبعة (Hetzenauer editore) لسنة 1914م[71]، وطبعة (Leander van Ess 1822) لسنة 1822-1824م[72]، وطبعة (Ronald L. Conte Jr) لسنة 2009م[73]. ويقال ان هذا الاختلاف هو تبعاً لقواعد اللغة اللاتينية. ولم يتسنَّ لنا مراجعة خبير في اللغة اللاتينية لمعرفة تفصيل ذلك إنّ كان ما يقال صحيحاً.
 اما الفولجاتا اللاتينية طبعة (Challoner Douay Rheims Version) لسنة 1752م فقد كتبت في متى (22:5): (hell fire) أي نار الجحيم، وفي متى (30:5): (hell) أي الجحيم، وفي متى (28:10): (hell) أي الجحيم[74].
وكذلك طبعة (Challoner Douay Rheims Version) لسنة 1899م، استعملت نفس الكلمات في المواضع المشار اليها[75].
ومن الجدير بالذكر انه في طبعة Tyndale سنة 1526م، والممنوعة، كتبوا في متى (22:5) لفظة (Hell) بدلاً من (gehenna).
 
 
مفردة (جهنّم) في الطبعات العربية الحديثة للكتاب المقدّس:
عرفنا مما سبق ان المواضع التي كُتِبَتْ فيها مفردة (جهنم) في مواضع معينة من العهد الجديد، هي في المخطوطات اليونانية القديمة استخدمت لفظ (جيهينّا)، وهنا يتبادر السؤال عن سبب استخدامهم في الطبعات العربية لفظ (جهنم) القرآني بدلاً من (جيهينّا) المذكور في المخطوطات اليونانية! كما استخدموا من قبلُ ألفاظ آرامية وعبرية فيها؟!
لقد ذكرنا في مقالات وبحوث سابقة ان هناك اتجاه في الطبعات العربية الحديثة للكتاب المقدس نحو استخدام تعابير وألفاظ قرآنية في محاولة من علماء المسيحية لتجميل النص الكتابي لوهم منهم أنَّه من الممكن في هذه الحالة ان يجاري جمال النص القرآني وبلاغته! وهذا من قبيل استخدامهم في الطبعات العربية لفظ الجلالة (الله) سبحانه بينما اسم الإله عندهم هو لفظ (يهوه)، وكذلك استخدامهم مفردات من قبيل (آية) ، (الرحمن الرحيم) ، (المسيح الدجال)[76]، وبعض الاسماء الحسنى من قبيل: (المهيمن)، (الرقيب)، (الجليل)، (المجيد)، (الباريء)، (السميع)، (البصير)، (القدير)، (المتعالي)، وغيرها.
لقد ورد في عدة مواضع من طبعات العهد الجديد باللغة العربية ألفاظ آرامية تم الإبقاء عليها بنفس اللفظ مع وضع شرح لها داخل النص الكتابي أو في هامشه، ننقلها من موقع الأب د. بيتر مدروس[77]، حيث كتب:
"أورد الانجيليون الاربعة وكتاب أعمال الرسل أقوالا لسيدنا يسوع المسيح. ونقل الانجيل المقدس بعضها في اللغة الارامية ، لغة الام للسيدة العذراء والسيد المسيح وهي:
•     "افاتاح" أي "انفتح" (مرقس 7 : 34)[78]
•     " طاليثا قوم(ي)" : أي "يا فتاة قومي" (مرقس 5 : 41)[79].
•     " ايلي ايلي (أو :الصيغة الارامية الصرفة:الوهي الوهي) لما شبقتاني؟": أي الهي الهي لماذا تركتني؟ (عن متى 27 : 46)[80]
•     "راقا" (متّى 5 : 28) :"من قال لاخيه : راقا ، يستوجب حكم المحفل" ، و"راقا" اختصار لعبارة "ريشا راقا" : "رأس فارغ[81]!
•     "قربانا" (مرقس 7 :11) : الكلمة آرامية تعني "تقدمة"[82].
 
في اللغة العبرية:
•     "جهنم" وهي اختصار لعبارة "جيه بن هنوم" أو "وادي ابن هنوم" (متى 5 : 22 و 29 و 30...)[83]
•     "بعل زبوب" (بعل الذباب) أو بعل زبول " : بعل المزابل ، وهما كنايتان عن رئيس الشياطين، (في متى 10 : 23))[84].
•     أمّا "بعل زبوب" فهو معبود "الذباب" ، بعل عقرون الذي ارسل الملك أحزيا لاستشارته (عن 2 ملوك 1 :6)[85]. كل هذه عبارات استخدمها يسوع في لغتها الاصلية"[86]. انتهى.
 من هذه الامثلة التي استشهد بها الأب بيتر مدروس نجد ان النص الكتابي إما ان يحتوي الكلمة الآرامية وتفسيرها داخل النص نفسه أو ان يحتوي الكلمة العبرية دون ان يذكر تفسيرها داخل النص نفسه، وهذا لجميع الأمثلة التي استشهد بها ما عدا كلمة (جهنم)! حيث ان النص الكتابي باللغة العربية يستخدم كلمة (جهنّم) العربية دون ان يشير لأصلها العبري المفترض داخل النص ولا يذكر لفظها الأصلي (جيهينّا) المذكور في المخطوطات، بل يستعيض عنها بلفظ عربي! وهذا يعزز ما ذهبنا إليه من إنَّ الطبعات العربية تستخدم ألفاظ قرآنية لتجميل النص الكتابي عند المسيحيين! 
 
 
الخلاصة:
انَّ الرأي القائل بأنَّ كلمة (جيهينّا) الواردة في العهد الجديد والتي تشير الى دار العقاب الأخروي مأخوذة من كلمة وادي ابن هنّوم (جي هنّوم) يصطدم ببعض الحقائق:
1-    إنَّ إسم الوادي ورد بصيغ متعددة، فبالاضافة الى (وادي هنوم) فقد ورد بصيغ (وادي ابن هنوم) و(وادي بني هنوم)، وبذلك فإنَّ لفظه ليس فقط (جي-هنّوم) بل أيضاً (جي-بن-هنّوم) و(جي-بني-هنّوم)، والصيغتان الأخيرتان أكثر استعمالاً في جُمَل العهد القديم.
2-    إنَّ الثقافة الدينية اليهودية لم تعرف هذا الموضع قرب أورشليم كمكان للعقاب الأخروي، ولا لفظ (جي-هنوّم) كلفظ لدار العقاب الأخروي بل كانوا يستخدمون اللفظ العبري شاؤل ثم اللفظ اليوناني هاديس، اللذان يعنيان الهاوية.
3-    إنَّ موضع "وادي هنّوم" أي "جي-هنّوم" الذي يقع قرب أورشليم غير معروف بدقة بل مختلف فيه.
4-    ان الوارد في العهد الجديد لفظ (جيهينّا) وليس (جي-هنّوم)، وهذا يعني ان هناك استغلال لتشابه اللفظين فقالوا هذه من تلك، والواقع خلاف ذلك. فليس كل تشابه في بعض اللفظ يعني تشابهاً في معناهما. 
5-    إنَّ اليهود المعاصرين للمسيح والذين كان يتوجّه لهم المسيح بالخطاب لم يكونوا يعرفون هذه التسمية، ولم ترد في أسفارهم ولا في تراثهم قبل ظهوره؟! ونفس الأمر في الاسلام حيث لم يكن العرب في الجاهلية يعرفون هذا اللفظ كإسم لدار العقاب الأخروي، ولاسيما وأنَّ غالبيتهم الوثنية لم تكن تؤمن ببعث بعد الموت، كما أنَّ اليهود كان يسود فيهم في عصر المسيح (عليه السلام) مذهب مهم هو مذهب الصدوقيين الذي لم يكن يؤمن ببعث بعد الموت. 
6-    إنَّ اليهود الصدوقيين المشار إليهم في النقطة السابقة كانوا يؤمنون بإن عقاب الخطاة واصحاب المعاصي يكون في الدنيا عبر الاوبئة والامراض والابتلاءات الدنيوية، فليس من المعقول أن يظهر المسيح (عليه السلام) الذي كان يعارضهم بشدة ليقول لهم أنّ هناك عقاباً أخروياً كالعقاب في وادي ابن هنّوم قرب أورشليم! فهو بذلك يؤيد مذهبهم ولا يخالفه، وإذا افترضنا أنّ لفظ (جيهينا) الذي ذكره المسيح بحسب رواية العهد الجديد إنّما يقصد به ما يجري في الوادي قرب أورشليم (القدس الشريف) فهو بذلك يعزز مذهب الصدوقيين ويعطيهم أقوى الحجج لصحة مذهبهم! لكن واقع الحال لم يكن كذلك، فالمسيح (عليه السلام) كان على خلاف واسع مع الصدوقيين، ولم يرد في التراث اليهودي أن الصدوقيين قد احتجّوا على صحة مذهبهم بأن (جهنّم) التي يؤمن بها المسيحيون إنما تقع قرب أورشليم! وهذا مما يعزز القول بأن أصل لفظ (جيهينّا) وهو أسم لدار العقاب الأخروي والوارد في العهد الجديد ليس مأخوذاً من أسم (وادي بن هنّوم) الذي يقع قرب أورشليم.
7-    إنَّ المسيح (عليه السلام) كانت لغته الأم هي اللغة الآرامية[87]، والعديد من علماء المسيحية إن لم يكن جلّهم يقولون بذلك. كما ان هناك رأياً عندهم يقول بوجود أصل آرامي للأناجيل الإزائية ولذلك بين اللغة الآرامية الأم للمسيح والأصل الآرامي لأسفار الأناجيل الإزائية كيف تسللت كلمات عبرية الى النسخة اليونانية لأناجيل العهد الجديد من قبيل (جيهينّا) وبعض المفردات غيرها التي يزعمون عبريتها!! يمكن ان يكون هناك رأيين لهذا الإشكال الأول أنها مفردات تسللت الى اللغة الآرامية واستخدمت من قبلها حتى عدّت جزءاً منها، كما هو حال بقية اللغات القديمة والحيّة التي تستعمل مفردات من لغات أخرى حتى تصبح جزءاً منها. والرأي الثاني فيما يخص مفردة (جيهينّا) أنَّها مفردة آرامية الأصل وليست عبرية، وهي من مختصات الإنجيل السماوي ورسالة المسيح (عليه السلام)، حيث يمكن أنه جاء بمصطلح (جيهينّا) التي يقصد بها دار العقاب الأخروي، وهي غير موجودة قبل ذلك في التراث الآرامي ولا العبري، وأنَّ القرآن الكريم استخدمها بعد تعريبها، كما إنّها غير موجودة في تراث العرب في الجاهليّة.
8-    ان نص العهد الجديد المترجم للغة العربية يستخدم لفظ (جهنّم) العربي بعد تعريبه ويغض النظر عن لفظها الأصلي (جيهينّا) المذكور في المخطوطات، وهذا بالإضافة الى شواهد أخرى يعزز ما ذهبنا إليه من إنَّ الطبعات العربية تستخدم ألفاظ قرآنية لتجميل النص الكتابي عند المسيحيين[88]! 
9-   إنَّ بعض ترجمات الفولغاتا Vulgate اللاتينية المعتمدة من قبل الكنيسة الكاثوليكية تفرّدت بأن كتبت مفردة (جيهينّا) بلفظ (جيهنّام gehennam) وهذا يكشف عن إنّهم لم يستدلوا على اصلها اللغوي فعمدوا الى ابتداع القول بأنها مأخوذة من أسم وادي ابن هنوم للخروج من مأزق هذه المفردة التي لم تستخدم سابقاً في اللغتين العبرية والآرامية. وهذا يكشف عن تأثّر بعض الترجمات بالآراء اللغوية والتفسيرية. فهل يمكن أن ترتقي هذه الترجمة لتكون معبّرة فعلاً عن نص مقدّس! ومن الملاحظ تراجع بعض طبعات الفولغاتا الجديدة اللاتينية عن هذه الترجمة فكتبتها (gehennae)[89]!
10-  ان القديس جيروم مترجم الفولغاتا وغيره من علماء المسيحية يؤمنون بالمجيء الثاني للمسيح ويوم الدينونة. وكان جيروم قد حدد سنة 450م كموعد للمجيء الثاني ونهاية العالم[90]. فهم يتصورون ان يوم الدينونة سيكون على نفس هذه الأرض، ولذلك حينما يقولون بأن دار العقاب الأخروي هو في وادي ابن هنوم (جيهينّوم)، فإنما يتحدثون من خلال نظرتهم هذه الى يوم القيامة. بخلاف الإسلام حيث جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ((يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ))[91].
إذن لا صحة لرأي علماء المسيحية بأنَّ لفظ "جهنَّم" والمقصود به مكان العذاب الأخروي بعد القيامة من الموت في الدار الآخرة مأخوذ من إسم "وادي ابن هنّوم" وهو أسم عَلَم لوادٍ يُفتَرض أنَّه يقع قرب القدس الشريف! 
_____________________
الهوامش:
 
[53] الكتاب المقدس/ دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط / صادق على اعادة طبعه اغناطيوس زيادة مطران بيروت – ص340.
[54] المصدر السابق – ص428.
[55] المصدر السابق – ص460.
[56] الموقع الألكتروني برج المراقبة التابع لشهود يهوه، عبر الرابط: 
https://wol.jw.org/en/wol/d/r1/lp-e/1200001642 
[57] الموقع الرسمي للدكتور غالي، مقال بعنوان (هل يوجد ذكر للجحيم والفردوس في العهد القديم)، عبر الرابط:
https://drghaly.com/articles/display/13024
[58] قاموس الكتاب المقدس / دائرة المعارف الكتابية المسيحية، عبر الرابط: اضغط هنا
[59] الإنجيل بحسب القديس مرقس / جاك هيرفيو / تعريب الخوري بولس الفغالي / دار بيبليا للنشر- كنيسة مار توما ، الموصل العراق / اصدارات مركز الدراسات الكتابية، الموصل- العراق 2012م – ص137.
[60] لا للقدر كيف اكون حراً / الأب هنري بولاد اليسوعي – ص112.
[61] من إعجاز القرآن / رءوف أبو سعدة / دار الهلال – ج1 ص207 وما بعدها.
[62] لسان العرب / ابن منظور / نشر أدب الحوزة – قم المشرَّفة، 1405هـ - ج 12 ص112.
[63] تاج العروس / الزبيدي / دار الفكر – بيروت، 1994م - ج16 ص (125و126).
[64] مجمع البحرين / الشيخ الطريحي / مكتب النشر الثقافة الإسلامية، 1408هـ - ج1 ص423.
[65] موقع شهود يهوه، عبر الرابط:
 https://wol.jw.org/en/wol/b/r1/lp-e/nwtsty/40/5#study=discover 
[66]  Jerome's translation of the Greek and Hebrew Scriptures into the common language, Latin, was completed in 405. It was recognized as authoritative during the Council of Trent (1546) and became the official Bible of the Roman Catholic Church. The widespread use of the Vulgate is also recognizable in its influence in early modern Bible translations, such as the Authorized, or King James, Version. The Vulgate continues to be of scholarly use today in the study of the textual transmission of the Bible and in the historical study of Christian theology.
The Vulgate version present on Bible Gateway is the Clementine Text Project, derived principally from the Clementine text edited by A. Colunga and L. Turrado (La Editorial Católica, Madrid, 1946) and includes consultations with the editions of C. Vercellone (Typis S. Congregationis de Propaganda Fide, Rome, 1861) and M. Hetzenauer (Pustet & Co, 1914). 
The text is in the public domain. Those who use it are requested to acknowledge their source, report typographical errors to the project maintainer (clementinevulgateproject@mail.com), and make clear any modifications they make.
 
[67] في ترجمتها لـ متى (22:5)، انظر الرابط: اضغط هنا
[68] في ترجمتها لـ متى (28:10) انظر الرابط: اضغط هنا
[69] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابط: 
http://sacredbible.org/vulgate1861/scans/643-Matthaeus.jpg 
[70] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابط:
http://sacredbible.org/vulgate1861/scans/647-Matthaeus.jpg 
[71] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابطان:
http://sacredbible.org/hetzenauer1914/scans/0957.jpg 
http://sacredbible.org/hetzenauer1914/scans/0962.jpg 
[72] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابطان:
http://sacredbible.org/vulgate1822/scans/NT6-7.jpg 
http://sacredbible.org/vulgate1822/scans/NT14-15.jpg 
[73] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابط:
http://sacredbible.org/vulgate2009/NT-01_Matthaeus.htm 
[74] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابط:
https://www.bible.com/ar/bible/55/MAT.5.DRC1752 
https://www.bible.com/ar/bible/55/MAT.10.DRC1752 
[75] الموقع الالكتروني (SacredBible.org)، عبر الرابط:
http://sacredbible.org/challoner/NT-01_Matthew.htm 
[76] وهو لفظ ورد في الأحاديث النبوية في الاسلام وليس في القرآن الكريم، مما يدل على تأثرهم حتى بالسنة النبوية الشريفة، حيث ان الأصل في مخطوطاتهم يعني معنى (ضد المسيح) وليس (المسيح الدجال)!
[77] بيتر مدروس (1949-2019)م كاهن في البطريركية اللاتينية والحاصل على إجازة في علوم الكتاب المقدّس من جامعة الكتاب المقدس (البيبليكوم) في روما سنة 1980م، ونال شهادة دكتوراة في اللاهوت الكتابي من جامعة الأوربانيانا في روما سنة 1982م.
[78] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ مرقس (7: 34): (ورفع نظره نحو السماء، وأن وقال له: «إفثا». أي انفتح).
[79] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ مرقس (5: 41): (وأمسك بيد الصبية وقال لها: «طليثا، قومي!». الذي تفسيره: يا صبية، لك أقول: قومي).
[80] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ في متى (27: 46): (ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلا: «إيلي، إيلي، لما شبقتني؟» أي: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟).
[81] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ في متى (5: 22): (وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه: رقا، يكون مستوجب المجمع).
[82] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ في مرقس (7: 11): (وأما أنتم فتقولون: إن قال إنسان لأبيه أو أمه: قربان، أي هدية، هو الذي تنتفع به مني).
[83] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ في متى (5: 22): (وأما أنا فأقول لكم: إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن قال لأخيه: رقا، يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم).
وفي متى (5: 29و30): (فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم).
[84] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ في متى (10: 25): (يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه، والعبد كسيده. إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول، فكم بالحري أهل بيته).
[85] في ترجمة سميث-فاندايك نقرأ في سفر الملوك الثاني (1: 6): (فقالوا له: «صعد رجل للقائنا وقال لنا: اذهبوا راجعين إلى الملك الذي أرسلكم وقولوا له: هكذا قال الرب: أليس لأنه لا يوجد في إسرائيل إله أرسلت لتسأل بعل زبوب إله عقرون؟ لذلك السرير الذي صعدت عليه، لا تنزل عنه بل موتا تموت»).
[86] مقال بعنوان (الانجيل الطاهر ينقل الينا بأمانة كلمات السيد المسيح - ج 1)، منشور في الموقع الشخصي للأب بيتر مدروس، عبر الرابط:
http://www.petermadros.net/ar/news_ar_detail.php?id=72 
[87] مقال بعنوان (آرامية الكتاب المقدس)، منشور في موقع الأنبا تكلا هيمانوت القبطي الآرثوذكسي، عبر الرابط التالي: اضغط هنا
[88] للمزيد من الشواهد يمكن مراجعة مقالنا الموسوم (أخطاء محاضرة "الأخ رشيد" عن الإله) الحلقة الخامسة، والمنشور في موقع كتابات في الميزان، عبر الرابط:
 https://www.kitabat.info/subject.php?id=150248 
[89] راجع ترجمة الفولغاتا الجديدة المنشورة في موقع الفاتيكان، ما جاء في إنجيل متى (22:5) على سبيل المثال، عبر الرابط:  اضغط هنا
[90] مقال بعنوان (المجئ الثانى متى يكون وما هى علاماته؟)، للقمص عبد المسيح بسيط أبو الخير، كاهن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بمسطرد، منشور في الموقع الالكتروني المسيحي (الكلمة)، عبر الرابط:
https://alkalema.net/abdelmesih/second.htm 
[91] سورة ابراهيم (عليه السلام)، الآية (48).


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/02/24



كتابة تعليق لموضوع : لفظ (جهنم) في الكتاب المقدس ( 2 / 2 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net