صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

البصرة وإن جار الزمان
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

غريب على الخليج

لقد فاض طوفان الأشجان حتى صار تسونامي. .

فقد كنت أتشمس في حديقتي الصغيرة, أتأمل نخلتي البرحيتين وقد تفتقت طلعاتها, ويقوم الفلاح بتلقيحها, وأنا أراقبه وهو يأتي كل موسم لتلقيح البرحيتين البصريتين وتشذيب كربها وسعفاتها وربط عذوقها حينما تثقل ثمارها .. شممت رائحة اللقاح (فكبسلتني) مثل حشاش مصري في نشوته تحت أشعة الشمس الدافئة .. غادر الفلاح بعد أداء عمله وجلست على الكرسي تحت أشعة الشمس .. وحلقت في سماء غير سمائي, طرت خفيف الجناحين كطيور القطا إلى بصرتي وبيتي وأصحابي .. أغفيت في مكاني حالما بأنني في البصرة وفي بساتين الجنوب أشم رائحة اللقاح والقداح والجوري مخلوطا بنسمات من شطنا الذي كان رائعا ..

غمرتني ذكريات عزيزة, استعرضت في خيالي أيام الصبا والشباب والبصرة وأهلها الطيبين, كنت مغمض العينين وكأني في نشوة حلم وردي, تحاصرني خيالات الماضي.. الشمس ليست شمسي, ورائحة الطلع ليست رائحة بساتيني .. شمسي هناك تدغدغني بحنان بالغ .. تسلمني إلى إغفاءة طفولية حيث يأتي الحاج عبود رحمه الله والد نجم بقوري الشاي (السنكين) بعد وجبة دسمه من الصبور والدولمة .. فنشرب حتى الثمالة .. ما ألذ الشاي في ربوع بلادي ؟ تذكرت أيامي في هذا الفصل الربيعي حيث كنا كصيادين نودع الموسم حين كانت الطيور المهاجرة تستعد للعودة إلى مواطنها واليوم اسأل نفسي : أليس هناك عودة للوطن بعد 42 سنه من الاغتراب ؟ ..

حتى الطيور تريد العودة إلى أعشاشها, وهي تقطع عشرات الآلاف من الأميال, ونحن على مرمى حجر من الوطن ولا نستطيع الوصول إليه, ؟ الجنسية والجواز والهوية لا تنتزع الإنسان الشريف من جلده, فالحنين يسري في شرايينه نارا تلظى .. أتمنى زيارة مدينتي وبيتي, والتقي أحبائي الذين غادر معظمهم عالمنا المضطرب دون أن نحمل نعوشهم فوق أكتافنا, ولا نقرأ الفاتحة على قبورهم, ولا نحضر مجالس عزائهم.. إنها والله حسرة لا تزول, استغرقت في أحلامي الوردية وأنا استنشق رائحة اللقاح وافتقدت رائحة الصبور المشوي والدولمة البصرية والطرشي الخصيباوي والخبز الحار وأغنية (على درب اليمرون أريد اكعد وأتاني) .. يا ترى هل سأرى بصرتي كما تركتها قبل الاحتلال؟. هل استطيع أن أنام قرير العين من دون أن يفاجئني زوار الفجر للبحث عن السلاح أو إلصاق تهمه (4 إرهاب), أو صفة إرهابي تكفيري, وهابي, أو بعثي صدامي ؟ .. هل استطيع أن أنام في بيتنا بالصنكر, الذي تم هدمه ظهرا على صوت طير (الشكرك) المزعج, بعد أن غفت عيوني على تغريد البلابل ؟ , هل سأرى الوجوه البصرية, التي تشع بالطيبة والمحبة ؟, أم وجوه كالحة كذئاب جائعة ؟.

تساؤلات كثيرة تدور في البال .. ثم تختلط الأمور فأرى الكآبة مخيمة على أولئك الطيبين الذين كانوا عنوانا للعراقي المضياف الدمث الأخلاق, الذي لم تغيره المآسي والمحن, فكم مرت عليه من كوارث, لكنه كان صامدا فقد حارب أعداءه الخارجيين بكل ضراوة, ودفع الدماء والأرواح رخيصة, ورد كيدهم إلى نحورهم, لكنه اليوم يحارب من ؟. أيحارب الذين يدعون بعراقيتهم وانتمائهم وهم الذين ساموا هذا الشعب الذل والهوان والجوع ؟, وكيف يقتل العراقي أخاه ؟, وكيف يداهم الجندي والشرطي بيت أهله ؟, ويحطم أثاثهم ويروع أطفالهم ؟, ويغادر بابتسامة صفراء تشفيا وحقدا.. إن جاءك الضيم من عدو فلا حول ولا قوه إما أن يأتيك من ابن وطنك فهي الطامة الكبرى ..

أتمنى العودة, فعلى الأقل تستقر أجسادنا فوق الثرى, الذي ولدنا عليه لكن أن تموت كمدا في بيتك وأنت تشاهد إن القتلة والمجرمين واللصوص هم من مواطنيك وليسوا أعداءك فلا تملك إلا أن تتمنى جحيم العدو ولا جنة هؤلاء.

استيقظت من أحلامي التي استحالت إلى أحلام رمادية أعادتني بقسوة إلى عالمي, وأنا أطيل النظر إلى النخلتين البصريتين اليتيمتين اللواتي ربطن مصيرهن بمصيري, على الأقل يشربن ماءا حلوا, وينعمن بالأمن والأمان, فلن تصرخ مثل نخلات الجنوب من الظمأ والإهمال, ومن الماء المالح المسموم بمخلفات مصانع جارة السوء .

لا ادري هل سيكتب الله لي أن تكتحل عيني برؤية بيتي وصحبي وحديقتي وشمسي ؟.  أم أظل اقطع باقي الخطوات في صحراء الاغتراب ؟؟؟. .

تلك كلمات أثارتها رائحة طلع النخيل, والويل كل الويل لو كانت معها نسمات القداح والجوري حينها سيفلت العقل من مكانه .إلى الله المشتكى. .

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/03/16



كتابة تعليق لموضوع : البصرة وإن جار الزمان
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net