صفحة الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي

النظافة وقصصها من الألف إلى الياء.. قشور البطيخ ( گشور الرگي) /// الجزء الثالث
محمد جعفر الكيشوان الموسوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ليس عجبا أن نكتب وبإلحاح شديد عن عدم الإهتمام بالنظافة في مجتمعنا. بل العجب هو أن نمر بالعَشي والإبكار على تلال النفايات والقاذورات دون أن يهمنا الأمر أو يقلقنا، وكأنما قد جبلنا على الصمت في الأحوال كلِّها جميعا. وإذا ما تكلمنا فّمَن السامع، وإذا ما صرخنا فأسمعنا أحدا فَمَن المجيب يا ترى؟! ما الحل إذن في مثل حالتنا هذه؟ هو حلٌّ واحدُ لا غير، نحن نكتب لنسمع أنفسنا ثم نجيبها أو نهينها بالتمرد عليها.. نشرح أكثر ونفصّل: علينا أن نجعل من النظافة كما بقية المجتمعات ـ النظيفة ـ عُرفاً إجتماعيا، بمعنى أنه يكون من المعيب وغير اللائق رمي النافايات وبقايا الطعام في غير أماكنها المخصصة. للوصول إلى هذه النتيجة نحتاج إلى فريقين لاعبَيْن، أولهما البلدية وكوادرها من السادة المحترمين عمّال التنظيف، وثانيهما أنا وأنت سيدي الكريم. لكي نرمي النفايات في أماكنها الخاصة يجب أن تتواجد هذه الأماكن الخاصة فعلا، كالحاويات التي أصبحت اليوم أكثر تطورا وملائمة للبيئة. المسألة من شقين : أن يكون هناك مكانا نظيفا، ومن ثم  يكون هناك من يحافظ على نظافة ذلك المكان. في حالتنا يبدو أننا (قد أضعنا المشيتين) فلا بلدية تنظف ولا من يحافظ على النظافة التي هي مفقودة أساسا. إقترحت سابقا على البلدية بأن تباشر بالعمل المنهجي المدروس لنصل الى تلك النتيجة الرائعة وهي ان تكون النظافة عرفا يلتزم به الناس (كل الناس) وهنا نحتاج إلى حملات توعية مكثفة ومستمرة وليس ليوم أو يومين لمجرد (إسقاط فرض). بل المثابرة والإصرار إلى ان نصل للغاية المرجوة. على البلدية أن تدخل كوادرها في دورات تدريبية عملية وعلمية يكونون بعدها قادرين على نشر ثقافة النظافة اثناء تأدية عملهم. شاهدت في بعض الأماكن أنه في حال رمي أحد الأفراد عقب السيجارة أو ورقة السندويش (في العراق ورقة الدهين تتصدر القائمة) فإن عامل النظافة يهرع إليه مسرعا يلتقط تلك النفايات ثم يستدير ليقرأ ذلك المشاكس الذي رمى تلك القاذورات عبارة على قميص عامل النظافة تقول: "شكرا لتعاونك معنا من أجل مدينة انظف". فقط قليل الحياء هو من سيكرر العملية (رمي النفايات) ويتجاهل إلتقاط عامل النظافة لعقب سيجارته وكذلك العبارة الأنيقة التي ترجوه بشكل غير مباشر أن يكون نظيفا. في كلّ بلدان ومجتمعات العالم الأكثر نظافة هناك من يخالف الذوق العام ويخرق القانون ويرمي النفايات بشكل عشوائي في الطرقات  والأماكن العامة، ولكن هذا من القليل النادر. تلك المجتمعات قد عملت بجدية ومثابرة كما ان مسؤوليها قد سنّوا القوانين ووضعوا الغرامات المالية وألزموها من يخالف قوانين النظافة. حتى أولئك الذين يخالفون العرف ويرمون القاذورات في الشوارع أو الحدائق إنما يفعلون ذلك خفية وليس أمام الناس نهارا جهارا لأنه كما أسلفنا القول : ذلك معيب ومقبح!!!

عجبتِ لسُقمي صحتي هي العَجَبُ..

لكن العجب هو عندما يكون عامل النظافة نفسه لا يحرص على النظافة فتصبح حاله "كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا". عامل النظافة يجهد نفسه ويتصبب عرقا وهو ينظف تلك الأمكنة التي يكون مسؤولا عن تنظيفها ثم يكدّس النفايات في نهاية الشارع أو الزقاق على شكل تل مرتفع ليتحول بعد سويعات إلى ملعب لألعاب الساحة والميدان للحيوانات المقيمة في تلك المنطقة أو الزائرة أو التي (تتمشى بعد العشاء). إليكم المشهد بدون تعليق:
أكداس النفايات وألعاب الحيوانات..
المحترم الذي لم يرَ ذلك المشهد فسأرشده إلى تلك الأمكنة التي لا زالت شاخصة وعصية على الإندثار والزوال. في الصباح يبدأ عامل النظافة بعمله على أحسن وجه ولكنه يترك كل شيء مكانه على أمل أن ياتي من يحمل تلك النفايات إلى مكانها المخصص( إن وجد)، لم يأتي ذلك المحترم وانما تأتي أفواج من الحيوانات على شكل دفعات ووجبات. أولا تأتي الفئران التي تبحث عما تسد به جوعها وان كانت بقايا الطعام تحتوي القليل من الزر أو بقية الحبوب فتكون تلك وجبة دسمة لها وسوف تتردد على ذلك المكان بشكل دائم. بعد الفئران يأتي دور القطط التي تبحث عن قطعة لحم لم يكتشفها من رماها أو أنه كان كريما فأبقى حول العظام قليلا من اللحم لها، أو ربما تعثر على فئر شارد الفكر قد غرّه الطعام فأطال الجلوس متلذذا فرأى على حين غرّة ذلك القط السمين فأوجس خيفة في نفسه فأغمي عليه ليتناوله ذلك القط بيسر هنيئا مريئا، لإن إرهاب الفئران هي من الحروب السايكولوجية للقطط الفهيمة، إشاعة الخوف في قلوب الفئران الصغيرة كي ترتعد من القط السمين وعند نقطة الإرتعاد تسلم لحاها وهي خائفة خانعة مستسلمة، بمعنى : "الفئر وما يفرهد لِقِطِهِ" أو كما يقول المثل العراقي القديم :" يكد أبو كلاش ياكل أبو چزمة". بعد القطط يأتي دور الخراف يقودها الراعي وكأنه يرعى غنمه في مزرعة أو حقل. للخراف أكلها المفضل بين ثنايا أكداس تلك النفايات وفضلات الطعام، في الصيف قشور البطيخ الأحمر خاصة والأصفر عند الضرورة وهذان القشران يتوفران في فصل الصيف. بعض الأهالي يسهلون المهمة على الخراف فيقطعون قشور الرگي إلى مربعات أو مكعبات صغيرة، ولضيق الوقت أحيانا يقطعون قشر الرگي (البطيخ) المقوس بأيديهم إلى نصفين (يطگوه نصفين بأيديهم). أمّا في الشتاء فيكون طعام الخراف المفضل كسرات خبز يابس عند المساء وربما في وقت متأخر من الليل. سألت راعي الغنم يوما عن سرّ رعيه للخراف ليلا فقال لي : كلّما تأخر الوقت فإن حظوظ ( الطليان) في الحصول على طعام جيد تزداد.. ثم قال لي : (شوف استاد لو إجيت من وكت ما كان موجود هذا الشعير، مبين تازه). فقلت له : يعني (العمر على الله والعيشة ع الناس). تبسم وقال لي : أنت همات عندك طليان!

دخان النفايات..

وهل للنفايات دخان؟

نعم.. لها دخان ممتاز. أحيانا ولا أدري كيف تكون التوقيتات يأتي مّن بيده الكبريت فيشعل أكداس النفايات وينتظرها إلى أن تصبح رمادا ثم ينصرف. إستيقظت ذات ليلة وكدت أختنق من استنشاق ذلك الدخان الأسود السام المنبعث من إحتراق أكياس البلاستك والجرائد وبقية النفايات التي تحتوي على بعض الزيوت والأصباغ. كان شبّاك غرفتي المتواضعة يطل على ذلك التل الذي كنت أشعر بالدوران حينما أنظر إليه لأني أعرف أن الدخان سيخنقني (فأدوخ مقدما) حتى أني قد خفت على كتبي من أن يلوثها ويسخمها ذلك الدخان الكثيف الأسود فلم تكن عندي مكتبة لها أبواب وخزانات وانما كنت أعتني بكتبي من خلال وضعها في صناديق الموز الفارغة التي كنت احصل عليها من السادة المحترمين باعة الفواكه في بداية سوق الحويش الملاصق لبيتنا في النجف الأشرف. سألت مجموعة من الأولاد حينها في تلك الليلة عن مصدر ذلك الدخان القاتل فقالوا لي أن عامل البلدية يحرق (الزبالة) كل ليلة. قلت : ولماذا يحرقها هنا أو حتى هناك؟! لماذا الحرق أساسا؟؟؟

نظر بعضهم إلى بعض وتغامزوا ثم ضحكوا وأطالوا الضحك حتى خلت أنني قد سألت سؤالا مضحكا.. نظر بعضهم إليّ يتفحص ملامحي ثم نظر إلى أصحابه فضحكوا مرة أخرى ثم قالوا بصوت واحد يشبه النشيد الجماعي : على حساب البرغش. قلت : وما دخل البرغش؟

قالوا : الدخان هذا يقتل البرغش فلا يدخل غرفتك.

قلت: البرغش لم يدخل الغرفة لكن الدخان كاد ان يخنقني فأضراره جسيمة ومنافعه عديمة.

قال قائل منهم : للنّاس فيما يحرقون مذاهب.

هذه واحدة من قصص (الزبالة) التي بقيت من الجغرافيا ولا تريد ان تكون يوما من التاريخ.

 

عافكم الله جميعا


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد جعفر الكيشوان الموسوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/25



كتابة تعليق لموضوع : النظافة وقصصها من الألف إلى الياء.. قشور البطيخ ( گشور الرگي) /// الجزء الثالث
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net