صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

تحية تقديرٍ وإجلالٍ للمدافعين عن مولد كهرباء الركيز
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

قد لا يكون قد سمع بها من قبل أحدٌ، أو انتبه إليها وانشغل بها، أو قلق عليها ودافع عنها، أو يعنيه أمرها ويهمه شأنها، إذ لا يعرفها أغلب الفلسطينيين في الأرض المحتلة، فضلاً عن العرب الذين لا يعرفون غير أعلام المدن وحواضر فلسطين الكبرى، فهي لا تتميز عن غيرها، ولا تتفوق على سواها، وليس فيها ما يقدمها أو يفضلها، إلا أنها شغلت الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي في الأيام القليلة الماضية، وأصبحت حديث الإعلام والسياسة، إذ كشفت عن حقيقة معدن الشعب الفلسطيني، وأصالة دفاعه عن حقوقه وتمسكه بها، وعدم تفريطها بها أو تنازله عنها تحت ترهيب السلاح وتهديد القتل والتلويح بالقوة.

 

الركيز ... إنها قريةٌ فلسطينيةٌ صغيرةٌ، تقع إلى الشرق من بلدة يطا جنوبي مدينة الخليل المحتلة، ويسكنها بضعة مئاتٍ من الفلسطينيين الذين يعتمدون في حياتهم على الري والزراعة، وعلى الرغم من أنها صغيرة المساحة وقليلة السكان، إلا أنها لم تسلم قديماً من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، إذ هدمت سلطات الاحتلال بعض بيوتها، وخلعت أشجار زيتونها، وخربت زروعها وحرثت بساتينها، وذلك بهدف طرد سكانها وتفريغها من أهلها، تمهيداً لمصادرتها والسيطرة عليها، وبناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية عليها، ولم يمنعها من تنفيذ سياستها والمضي في اعتداءاتها اعتراضُ دول الاتحاد الأوروبي الرافضة لمصادرة أراضي الفلسطينيين.

 

فقد قدمت بلجيكا إلى الحكومات الإسرائيلية أكثر من اعتراضٍ وشكوى على ممارساتها المنافية للقوانين بحق سكان بلدة الركيز وأرضها، حيث عمدت سلطات الاحتلال إلى هدم وتدمير عددٍ من المشاريع التي مولتها بلجيكا وأشرفت على بنائها، وأقدمت على تدمير البنى التحتية للقرية، وحرمت أهلها من مياه الشرب النقية، وتسببت في تلويث القرية بسبب تعطيل عمليات الصرف الصحي فيها، مما دفع بالحكومة البلجيكية إلى مطالبة الحكومة الإسرائيلية بالتعويض على السكان، والتعهد بعدم الاعتداء عليهم من جديدٍ، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي غضت الطرف وأصمت آذانها، واستمرت في تنفيذ سياساتها.

 

إلا أن حادثة سرقة مولدة الكهرباء الصغيرة في قرية الركيز، التي تعود ملكيتها إلى بعض سكان القرية، قد أثارت الانتباه ولفتت الأنظار إلى أكثر من جانبٍ، فقد أقدم مجموعة من الجنود الإسرائيليين، بسلاحهم الرسمي وزيهم العسكري وسيارتهم العسكرية، على محاولة سرقة مولدة الكهرباء الصغيرة، وانتزاعها من أصحابها وأخذها عنوةً منهم، مستغلين سلطتهم العسكرية وأسلحتهم النارية، وقد وثقت كاميرا الحدث كاملاً، وأظهرت بلا يحتمل التأويل أو الإنكار، قيام جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي بالسرقة والاغتصاب، والاعتداء بالقوة وإطلاق النار من مسافة الصفر على أصحاب المولدة المدنيين العزل من أي سلاحٍ، وإصابة أحدهم إصابةً بالغةٍ، مما سهل عليهم انتزاع المولدة منهم، والهروب من المكان والتواري عن الأنظار بسرعةٍ.

 

أظهرت هذه الحادثة جانباً من عمليات السطو المسلح التي يقوم بها جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين اعتادوا على سرقة البيوت التي يداهمونها، والسيارات التي يفتشونها، حيث يأخذون منها ما صَغُرَ حجمه وغلا ثمنه، ورغم الشكاوى العديدة التي يقدمها الفلسطينيون ضد ممارسات جيش الاحتلال، إلا أن قيادتهم تنفي التهم الموجهة إليهم، وتبريء جنودها من تهم السرقة والسطو والغدر والاحتيال.

 

لكن الجانب الأهم الذي وثقته الكاميرا، وسجلته عدسة المصور الذي سرب الصور ونشرها، هو ما أظهره الفلسطينيون من شجاعةٍ واستبسالٍ في الدفاع عن مولدتهم الكهربائية الصغيرة البسيطة، والتمسك بها، ومحاولاتهم العنيدة لانتزاعها من بين أيدي جنود الاحتلال، ومنعهم من أخذها بالقوة منهم، رغم تهديد الجنود لهم بالقتل، وضربهم بالبنادق وركلهم بالأقدام، إلا أنهم قاوموا بعنفٍ، ودافعوا عن حقهم بشرفٍ، بلا خوفٍ ولا جبن، ودون حسابٍ لمعايير القوة وعواقب التصدي لها، وهو ما أرعب الجنود وأربكهم، إذ كيف يتصدى هؤلاء الفتية العزل للبندقة المشرعة، ولنوايا القتل المُبَيَّتَةِ، غير آبهين بأذىً محققٍ أو قتلٍ مؤكدٍ.

 

لعل حادثة قرية الركيز الفلسطينية الصغيرة، وما قام به شبانها وفتيانها وكل أهلها، يصور حقيقة الصراع مع العدو الصهيوني الغاصب، ويكشف عن جوهر الشعب الفلسطيني المقاوم، ويظهر حقيقة تمسكه بأرضه ودفاعه عن وطنه، واستعداده للتضحية بحياته في سبيل قضيته.

 

فالفلسطينيون لا يتركون أرضهم، ولا يتخلون عن حقوقهم، ولا يتنازلون لعدوهم عن وطنهم، ولا يخافون بندقيته ولا يخشون سلاحه، ولا يجبنون عن مواجهته والتصدي له، وما أمر المولدة الكهربائية إلا كأمر الوطن لو كان العدو يعلم، إلا أنه غبيٌ لا يفهم، وجاهلٌ لا يعي، ومتغطرسٌ لا يعقل، فما رآه من مقاومةٍ أبداها الشبان، وعنادٍ أظهره الفتية، واستبسالٍ في الدفاع، ليس إلا صورةً مصغرةً عن جوهر شعبنا وأصالته، وحقيقة طبيعته وصدق انتمائه، فهنيئاً لقرية الركيز أهلها، وطوبى لها شبانها، ومرحى بها قريةً في وطننا، وبلدةً في بلادنا، وبشرى لشعبنا أننا بمثلها ننتصر، وبشبانها الثائرين وأهلها المقاومين نحرر الأرض ونستعيد الوطن ونحقق الأمل.

 

بيروت في 5/1/2021

moustafa.leddawi@gmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/01/05



كتابة تعليق لموضوع : تحية تقديرٍ وإجلالٍ للمدافعين عن مولد كهرباء الركيز
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net