صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

أيام الزهراء.. مصيبةٌ لا عزاء لها! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بسم الله الرحمن الرحيم
 
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين، واللعن على أعدائهم إلى يوم الدين.
 
مع اقتراب الأيام الفاطمية، فإن وظيفة الجميع بيانُ عظمةِ ومقام ورِفعة هذه السيدة عليها السلام، وهذا البحث مُحَيِّرٌ فعلاً.
 
إنّ وظيفة كلِّ مسلم بالنسبة للفاطميّة وللصدِّيقة الكبرى ثقيلةٌ جداً، وسنطرح إن سمح الوقت لنا روايةً من مصادر العامة، وروايةً من مصادر الخاصّة، كي يفهم كلُّ مسلمٍ مهما كان مذهبه ما هي وظيفته بالنسبة ليوم شهادتها عليها السلام.
 
لقد نقل علماء الحديث والرجال عند العامة هذه الرواية: قال رسول الله (ص): أوّل شخصٍ يدخل الجنة فاطمة.
هذه الجملة بحرٌ، وفِقهُ هذا الحديث يُعجِزُ ويُحَيِّرُ كلَّ فقيهٍ وحكيم.
هذه الرواية منقولةٌ عنه (ص) من طرقهم: أول شخصٍ يدخل الجنة فاطمة.
 
إنّ فهم هذا الحديث يتوقف على إدراك عمق سورة الواقعة.
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً * فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثّاً﴾.
في يوم الواقعة (خفضٌ ورفعٌ):
أما الرفع فإلى الدرجات التي لا تُدرك ولا توصف.
وأما الخفض فإلى أسفل السافلين!
﴿إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً﴾: هذه الجبال كلُّها تصبح كالذرّ المنبثّ في الفضاء.
 
ما هو الحال في مثل هذا اليوم ومثل هذه الواقعة؟ بيان الحال في هذه الجملة: ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلَاثَةً﴾.
 
ينقسم الناس الى أقسامٍ ثلاثة: أصحابُ الميمنة، وأصحابُ المشأمة، والسابقون: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾.
وينبغي هنا فَهمُ مقام السابقين، وذلك القُرب والتَّقَرُّب، ومراتب السَّبق كمّاً وكيفاً، قبل الوصول إلى (أسبق السابقين)، فمن هو أسبق السابقين؟
 
إنّ أفضل الأولين والآخرين هو خاتم الأنبياء والمرسلين (ص)، فهو أسبق السابقين، وذلك بضرورة حكم العقل والكتاب والسنة: ﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ﴾.
 
وخاتم النبيين (ص) هو أوّلُ من يدخل الجنّة بالضرورة، لكنّ ما يحيِّرُ العقول هو أنّ ابنته فاطمة عليها السلام تكون أمامه عندما يدخل المحشر على البراق، وعندما يَرِدُ الجنة!
 
تدخل عليها السلام أمامَ إمامِ الأولين والآخرين! أي مقام هذا؟!
 
أوّل شخصٍ يدخل الجنة فاطمة: لو فُهِمَت هذه العبارة لحُلَّت كل المسائل.
الخاتَم (ص) مُقدَّم، فماذا فعلت عليها السلام حتى صارت أمَامَ إِمَامِ الكُلّ؟
لا شكّ أن العمل الذي عملته، والدور الذي أدّته محصورٌ ومختصٌّ بها.
 
لقد وصل الغرض من خلقة العالم منذ بعثة آدم عليه السلام إلى عيسى بن مريم  (ع) إلى نتيجته، لكن بدوّ الصلاح إنما كان ببعثة الخاتم (ص)، فببعثته يحصل الغرض من الخلقة، وتتحقق ثمار التشريع والديانة، ولكنّ العِلَّة المحدِثَة هو خاتم النبيين(ص)، والعلّة الُمبقِيَة هي سيّدة نساء العالمين عليها السلام.
 
فبمن بقي كل ما أتى به الأنبياء من آدم عليه السلام إلى الخاتم (ص)؟ بوجود الصديقة الكبرى حصراً.
 
فلو لم تكن: لم يكن الحِلمُ الحسنيّ، ولا الشجاعةُ الحسينيّة، ولا العبادة السجاديّة، ولا المآثر الباقريّة، ولا الآثار الجعفريّة، ولا العلومُ الكاظميّة، ولا الحُجَجُ الرضويّة، ولا الجودُ التَقَويّ، ولا النقاوة النقويّة، ولا الهيبةُ العسكرية، ولا غيبةُ من يملأ الله الأرض به قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
 
ماذا فعلت عليها السلام؟ ومن كانت؟ وما كان أثر وجودها؟
﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ﴾.
لقد بقي نسله  (ص) في العالم بها عليها السلام، وثبت دينُه في الأمم بوجودها عليها السلام.
 
فاطمةُ بضعة مني: إنّ وُرودَها على الجنة هو ورودُ النبي (ص)، فكان أول شخصيٍ يدخل الجنة فاطمة.
لكن بأيّ كيفية تدخلها؟ هذا هو المهم، وفي متن هذا الحديث دقائق، ولو ولو فهمت دنيا العامّة هذه الرواية كان ذلك كافياً.
 
نصّ الرواية عنه (ص): تُحشَرُ ابنتي فاطمة يوم القيامة وعليها حلّة الكرامة، قد عجنت بماء الحيوان، فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها!
هذه الرواية محيّرة، وهي من طرق العامّة، وفيهم المحدثون وأعلام الرجال.
(الخلائق) جمعٌ محلّى بالألف، فعيون (كل المخلوقات) تتّجه نحو هودجها!
(فيتعجبون): كيف يَغفَلُ الجميع عن أنفسهم في ذلك اليوم المضطرب؟ الذي يقول فيه الجميع (وانفساه)! فيغرقون في التعجب من عظمتها؟!
 
ثم تُكسى حلّة من حلل الجنة، تشتمل على ألف حلة، مكتوب عليها بخط أخضر: أدخلوا فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الجنة على أحسن صورة، وأكمل هيئة، وأتم كرامة، وأوفر حظ.
فتُزَفُّ إلى الجنّة كالعروس، حولها سبعون ألف جارية.
 
لقد ورد أفعل التفضيل أربع مرات، إنّها عليها السلام ترد الجنة، لكن بأي كيفية؟
بأحسن صورة: أي يوم هو يوم القيامة ؟! يوم ﴿بَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾.
ماذا تعني أحسن صورة؟ هل فكرتم؟!
 
اقرؤوا القرآن حتى تفهموا ماذا يعني أحسن صورة، قال تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾.
 
إنما كانت الخلقة لهذا، لقد خلق الله الموت والحياة ليختبر الناس، ويتحقق أحسنَ ما كانوا يعملون، لهذا كانت الخلقة، (للأحسن) في العمل والعلم.
قال تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾، وقال: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾.
 
وينبغي أن يحشر يوم القيامة بأحسن صورة، الذي كان هنا أحسن علماً وخُلقاً وعملاً، فيُحشَرُ على نحوٍ ترشد صورَتُهُ إلى سيرته.
 
هذه هي الزهراء عليها السلام، وهذا أفعل التفضيل الأول: أدخلوا فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الجنة على أحسن صورة.
أما شرح البقية فلا وقت له.
 
على كل مسلم أن يعرف يوم شهادتها، ويوم رحلة (من) هو هذا اليوم؟
أما من طرق الخاصة، فقد روى الصدوق في علل الشرائع عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي مصباح الأنوار عن أبي جعفر عليه السلام، وكلاهما من الأئمة، قال: قلت له لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ زَهْرَاءَ؟
 
فقال: لِأَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ: هذا مبدؤها، وذاك كان منتهاها، ههنا حِيرَةُ الكُمَّل، فالمبدأ خلقُهَا من نور عظمة الله، والمنتهى: أول من يدخل الجنة.
 
فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بِنُورِهَا، وَغَشِيَتْ أَبْصَارُ الْمَلَائِكَةِ، وَخَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِلَّهِ سَاجِدِينَ، وَقَالُوا: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا، مَا لِهَذَا النُّورِ؟
فَأَوْحَى الله إِلَيْهِمْ: شرحُ هذا الحديث لوقتٍ آخر، لكن على أهل الحديث الدقّة في هذه الكلمات:
هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي، أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي، خَلَقْتُهُ مِنْ عَظَمَتِي: مَن هو العَليُّ العظيم؟ لقد خَلَقَ فاطمة من تلك العظمة.
أُخْرِجُهُ مِنْ صُلْبِ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِي، أُفَضِّلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ: ينبغي أن يكون صُلب هذه الجوهرة أشرف ولد آدم.
 
وختم الكلام:
وَأُخْرِجُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ أَئِمَّةً يَقُومُونَ بِأَمْرِي، يَهْدُونَ إِلَى حَقِّي، وَأَجْعَلُهُمْ خُلَفَائِي فِي أَرْضِي بَعْدَ انْقِضَاءِ وَحْيِي.‏
هذا المبدأ والمنتهى والوسط.
 
رغم ذلك، ظهر عِدَّةٌ من العوام، مِمَّن يعملون على إيجاد التشويش في أذهان الناس، فيقولون أنّ هذه الهيئات والمسيرات والنشاطات بمناسبة شهادة الصديقة زائدة عن الحدّ!
 
إن عصر الجهل هو عصرنا هذا!!
أنتم نخبة قمّ باعتقاد الجميع، عِدَّةٌ منكم أساتذة بحثٍ خارج، وعدّةٌ منكم أساتذة سطوح عالية، بيِّنوا للناس أن كل الموجود قليل!
لماذا؟ وبأي دليل؟
من هو أمير المؤمنين؟ من هو إمام الموحدين عليه السلام ؟
هذا بيانه الذي يُبَيِّن فيه عظمة مصيبة فاطمة عليها السلام فيقول:
 
هَذِهِ والله: رغم أنّ هذه الكلمة لعلي عليه السلام، إلا أنّها توأمٌ مع هذا القسم!
مُصِيبَةٌ لَا عَزَاءَ لَهَا: ماذا يعني ذلك؟ إن كل ما تفعلونه لا يملأ خلأ هذه المصيبة!
 
ورزية لا خَلَفَ لها!.
وكل هذا ذرّةٌ أمام هذه الكلمة.
أين ضاع حقها؟
 
هي التي كان أوّلُ أمرها نوراً من عظمة الله، ووسطه الأئمة من الحسن عليه السلام إلى الحجة بن الحسن (ع)، كلهم ثمارُ شجرة وجودها، وآخر أمرها أنها أول من يدخل الجنة بأحسن صورة.
 
رغم ذلك.. فهي التي كُسِرَ متنها!!
مَا زَالَتْ بَعْدَ أَبِيهَا مُعَصَّبَةَ الرَّأْسِ نَاحِلَةَ الْجِسْمِ: ماذا يعني ناحلة الجسم؟ لم يكن يمرّ يومٌ إلا ويتحول لحمها إلى ماء، وَذَابَ لَحْمُهَا وَصَارَتْ كَالْخَيَال‏!! إلى أن وصلت إلى حَدّ أنها صارت:
مُنْهَدَّةَ الرُّكْنِ، بَاكِيَةَ الْعَيْنِ، مُحْتَرِقَةَ الْقَلْبِ، يُغْشَى عَلَيْهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ.
 
لا إله إلا الله..
 
فكروا.. كم هي المدة منذ يوم رحلة النبي (ص) إلى يوم رحلة الزهراء عليها السلام؟ كل هذه المدة كان: يُغْشَى عَلَيْهَا سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ! فلقد كانت تغشى كل ساعة!
 
وعن علي عليه السلام: غَسَلْتُ النَّبِيَّ (ص) فِي قَمِيصِهِ، فَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَقُولُ: أَرِنِي الْقَمِيصَ، فَإِذَا شَمَّتْهُ غُشِيَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ غَيَّبْتُه.‏
 
مَا ذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ * * * أَنْ لَا يَشَمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا
صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا * * * صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ صِرْنَ لَيَالِيَا
 
إنا لله وإنا إليه راجعون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/28



كتابة تعليق لموضوع : أيام الزهراء.. مصيبةٌ لا عزاء لها! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net