صفحة الكاتب : الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

الزهراء.. جوهرٌ قصّرنا في معرفته ! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين، واللعن على أعدائهم إلى قيام يوم الدين.
 
بما أن (الأيام الفاطمية) قد أصبحت قريبة، فينبغي التعرُّضُ لها، ويجب أوّلاً أن نعرف (الحقيقة الفاطمية) بأنفسنا، حتى نتمكن من تعريفها للناس.
 
الصدِّيقة الكبرى هي (ِ المَجْهُولَةِ قَدْرا).
وهذه الجهالة ليست خاصَّةً بجماعةٍ دون أخرى، فتارةً يُسنَدُ الجهل للجاهل فيكون خاصاً، وتارةً يكون طرفُ الإسناد عاماً، وهنا (المجهولة قدراً) أي أن عامة الناس محرومون من هذه المعرفة، إلا أخصُّ الخواص.
 
أمّا كُنهُ معرفتها، فالكلُّ محرومٌ منه، لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها، مُطلَقُ الخلق.
ولو كُنَّا نعرفها لم نكن على هذا القصور والتقصير بالنسبة لحقها.
 
إنّ معرفة كلِّ شخصيةٍ ترجع لمعرفة أمرين: المبدأ والمنتهى، أي البداية والنهاية.
والروايات في مبدأ ومنتهى الصدّيقة الكبرى ليست محتاجةً إلى السند، لأنّها بحدّ التواتر الإجمالي، مضافاً إلى اشتمالها على الصّحاح والموثّقات من مصادر العصمة.
وأمّا المآل في مقام ﴿وَبَرَزُوا لله الْواحِدِ الْقَهَّار﴾ فهو محيّرٌ فعلاً.
 
ونحن نكتفي بروايةٍ واحدةٍ يذكرها الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في (معاني الأخبار)، والعمدةُ على دراية هذه الرواية، وفقه هذا الحديث، وهو يشتمل على مبدأ خلقها ومنتهى أمرها.
 
متن الحديث: عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (ع) قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (ص): خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ (ع) قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ‏.
فخَلقُها مُقَدَّمٌ على خلق كلّ السماوات والأرضين والكواكب، هذه خِلقة قدّيسة العالم، فما هو جوهر وجودها يا ترى؟
أما (قَبْلَ) فكم كانت؟ لا يعلم ذلك إلا هو.
 
فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَا نَبِيَّ الله، فَلَيْسَتْ هِيَ إِنْسِيَّةً؟
طُرِحَ هذا السؤال: إذا كانت خِلقَتُها مقدّمة على خلق تمام عالم المادة، فلا تكون هذه المخلوقة إنسيّة، لا تكون إنساناً، تكون جوهراً آخر!
 
فَقَالَ (ص): فَاطِمَةُ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ!
الصورةُ صورةُ إنسان، ولكنّ السيرة في باطن الوجود حوراء، في مرحلة التقدُّس عن كل عوارض هذا العالم.
 
قَالَ: يَا نَبِيَّ الله، وَكَيْفَ هِيَ حَوْرَاءُ إِنْسِيَّةٌ؟
هنا اختلف التعبير، وهنا تتحيَّرُ العقول، ففي البداية كان التعبير مجهولاً (خُلِقَ نُورُ فَاطِمَةَ)، وهنا صار معلوماً، وفي بيان خاتم النبيين (ص) نكتة مهمة:
قَالَ: خَلَقَهَا الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ.
 
هنا حيرةُ الكُمَّل، خَلَقَها من نور نفس الذات القدوس!
هذا يفهمُه من يفهم سورة النور، ويفهم قوله تعالى ﴿الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾، وفُسِّرَت المشكاة بالصديقة الكبرى.
خَلَقَهَا الله عَزَّ وَجَلَّ مِنْ نُورِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ إِذْ كَانَتِ الْأَرْوَاحُ، فَلَمَّا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ.
للقرآن بطون ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها﴾.
 
قِيلَ: يَا نَبِيَّ الله، وَأَيْنَ كَانَتْ فَاطِمَةُ؟
هذه الأسئلة كاشفةٌ عن إدراك السائلين، فإذا كان خلقُها قبل السماوات والأرض، إذاً أين كان مكانُ فاطمة (ع)؟
قَالَ: كَانَتْ فِي حُقَّةٍ تَحْتَ سَاقِ الْعَرْشِ.
قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَا كَانَ طَعَامُهَا؟
قَالَ: التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ.
فَلَمَّا خَلَقَ الله عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ وَأَخْرَجَنِي مِنْ صُلْبِهِ، أَحَبَّ الله عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ صُلْبِي، جَعَلَهَا تُفَّاحَةً فِي الْجَنَّةِ 
وكله منتَسِبٌ لله تعالى دون واسطة (أَحَبَّ الله.. جَعَلَهَا تفاحة..)
 
وَأَتَانِي بِهَا جَبْرَئِيلُ (ع) فَقَالَ لِي: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ يَا مُحَمَّدُ.
قُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ الله حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ.
قُلْتُ: مِنْهُ السَّلَامُ وَإِلَيْهِ يَعُودُ السَّلَامُ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ تُفَّاحَةٌ.
 
العبارات إشاراتٌ، والهدايا على مقدار مُهدِيها، وليست العبارة (يا رسول الله)، بل الخطاب هنا بالاسم، بالاسم الخاص (محمد)، لأن المُخاطِبَ هو الذات القدوس تعالى، وجبرائيل مُبَلِّغٌ.
يَا مُحَمَّدُ إِنَّ هَذِهِ تُفَّاحَةٌ أَهْدَاهَا الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْكَ مِنَ الْجَنَّةِ.
 
ماذا يعني ذلك؟ يعني أنّه ليس هناك أحدٌ يليق بها غيرك، وقد أعطاك الله إياها بعنوان الهدية، فهل يمكن أن ندرك عظمة من كانت هديّة الله تعالى لخاتم النبيين (ص)؟
فَأَخَذْتُهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي.
بما أنها هديّة الله تعالى فهكذا تصرف معها النبي (ص)، أخذها وضمّها إلى صدره.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَقُولُ الله جَلَّ جَلَالُهُ كُلْهَا، فَفَلَقْتُهَا.
 
هنا يتحيّرُ عقل كلِّ حكيمٍ، بل مَن هم فوق الحكماء، فمَن وصل ليلة المعراج إلى ﴿دَنا فَتَدَلَّى‏﴾ووصل إلى ﴿فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى‏﴾، عندما رأى هذا النور فَزِع، فماذا كان هذا النور؟
فَرَأَيْتُ نُوراً سَاطِعاً فَفَزِعْتُ مِنْهُ!
 
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ مَا لَكَ لَا تَأْكُلُ، كُلْهَا وَلَا تَخَفْ.
الخطاب بالاسم الخاصّ أيضاً، أمّا النور فينبغي شرحه في وقتٍ آخر اذ لا يسع الوقت لذلك.
فَإِنَّ ذَلِكَ النُّورَ الْمَنْصُورَةُ فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ فِي الْأَرْضِ فَاطِمَة.
هذا النور لمن كان اسمها السماويّ المنصورة، واسمها الأرضيّ فاطمة.
 
قُلْتُ: والمطلب عميقٌ إلى حدّ أنّ النبيّ (ص) الذي قال فيه تعالى ﴿وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظيما﴾ سأل:
حَبِيبِي جَبْرَئِيلُ، وَلِمَ سُمِّيَتْ فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةَ؟ وَفِي الْأَرْضِ فَاطِمَةَ؟
تلك كانت أسئلة المستفهمين، وهنا سؤال الخاتم (ص).
 
قَالَ: سُمِّيَتْ فِي الْأَرْضِ فَاطِمَةَ، لِأَنَّهَا فَطَمَتْ شِيعَتَهَا مِنَ النَّارِ، وَفُطِمَ أَعْدَاؤُهَا عَنْ حُبِّهَا.
هذا سرُّ الاسم الأرضيّ، أما سرُّ الاسم السماويّ، فهو يشير الى منتهى هذا المبدأ، إذ المعرفة بمعرفة المبدأ والمنتهى، فالمبدأ نور الله، ولكن ما هو المنتهى؟
 
وَهِيَ فِي السَّمَاءِ الْمَنْصُورَةُ، وَذَلِكَ قَوْلُ الله‏ عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الله يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ﴾ يَعْنِي: نَصْرَ فَاطِمَةَ لِمُحِبِّيهَا.
 
هذا هو الجوهرُ الذي قصّرنا طيلة عمرنا بَحَقِّه.
فيجب في هذه الدّولة التي عُرفت بعنوان دولة الشيعة أن يَهِبَّ الناسُ بشكلٍ يتناسب مع هذا المقام.
 
أيُّ مقامٍ هذا؟ ومَن هي هذه؟ إن اللسان ليعجز عن البيان.
 
يقول علي (ع) في نهج البلاغة: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، عَنِّي وَعَنِ ابْنَتِكَ النَّازِلَةِ فِي جِوَارِكَ، وَالسَّرِيعَةِ اللَّحَاقِ بِك‏.
 
ثم قال جملة لم يكن لها سابقةٌ ولا لها لاحقةٌ في تاريخ حياته: قَلَّ يَا رَسُولَ الله عَنْ صَفِيَّتِكَ صَبْرِي، وَرَقَ عَنْهَا تَجَلُّدِي!‏
يجب النظر في قلبه (ع) لنعلم عظم المصيبة!
 
إِلَّا أَنَّ فِي التَّأَسِّي لِي بِعَظِيمِ فُرْقَتِكَ، وَفَادِحِ مُصِيبَتِكَ، مَوْضِعَ تَعَزٍّ، فَلَقَدْ وَسَّدْتُكَ فِي مَلْحُودَةِ قَبْرِكَ، وَفَاضَتْ بَيْنَ نَحْرِي وَصَدْرِي نَفْسُكَ.
 
اسعوا في هذه الأيام لإحياء أمرها قدر إمكانكم، ولا تتأخروا عن هذا الفيض الإلهي العظيم.
انتشروا في البلاد، وقولوا للناس كيف ينبغي أن نكون في هذه المصيبة التي آذت قلب علي (ع).
 
لم يقل (ع) ما هي هذه المصيبة، بل قال هاتين الجملتين: فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ، وَاسْتَخْبِرْهَا الْحَال.
والإحفاء: الاستقصاء في السؤال.
ماذا جرى؟ ماذا حصل؟ ماذا تحمّلت؟
أمير المؤمنين  (ع) يخاطب النبي (ص) بهذا الخطاب، فماذا يعني ذلك؟
 
فاطمةُ لم تقل لي ماذا جرى، لقد ماتت، فاسألها أنت واعرف ماذا حصل معها بعد أن ذهبتَ من الدنيا وهي سالمة، ولما جاءت إليك الآن كيف كانت.
 
فإنا لله وإنا إليه راجعون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ محمد مصطفى مصري العاملي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/26



كتابة تعليق لموضوع : الزهراء.. جوهرٌ قصّرنا في معرفته ! سماحة المرجع الديني الشيخ الوحيد الخراساني حفظه الله تعالى
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net